الصفحات

الخميس، ٣١ كانون الثاني ٢٠١٣

(سورية، نحو مأساة إنسانية لا سابق لها)


صحيفة اللوموند 31/1/2013  بقلم مراسلها الخاص في قرية عتمة بشمال سورية لويس روت Lewis Roth

     دخلت سيارة بيك آب بعد غروب الشمس إلى مخيم الكرامة في قرية عتمة على الحدود التركية. نزل منها رجل، وبدأ بتوزيع جوارب على حشد صغير أمامه، في حين كان رجل آخر يقوم بتصوير المشهد مسروراً. فجأة، لم يعد هناك شيء لتوزيعه، الأمر الذي أثار غضب الأطفال الذين هجموا بشكل جماعي لكي يأخذوا ما يمكن أخذه، ودفعوا بقوة كل ما يعترض طريقهم، وتخاصموا على اقتسام ما تبقى بقسوة. قال أحد هذين الرجلين واسمه مصطفى الكردي: "نحن نمثل جمعية سورية صغيرة بالقرب من مدينة هانوفر الألمانية، اسمها: قاسيون. جئنا لتوزيع ثمرة التبرعات على إخواننا الذين فقدوا كل شيء بسبب الحرب". مخيم الكرامة في قرية عتمة هو أصغر وأحدث مخيمات اللاجئين الثلاثة التي انتشرت في هذه القرية منذ فصل الخريف. ولكن عدد اللاجئين يزداد فيه بسرعة، فقد وصل إليه أكثر من ألف شخص في الأسبوعين الماضيين، جاؤوا بشكل خاص من منطقة حماة التي ما زالت فريسة معارك عنيفة حول القواعد العسكرية في وادي ضيف وأبو الضهور.
     قرية عتمة (6000 نسمة قبل الحرب) هي الملجأ الأكثر أماناً في شمال سورية: إنه نعمة ونقمة في آن معاً. إنها قريبة جداً من الحدود التركية لدرجة تمنع المدفعية السورية من قصفها، فلم تتعرض هذه القرية خلال السنتين الماضيتين إلا لغارة جوية واحدة في شهر كانون الأول الماضي، ويُقال أن هذه الغارة حصلت على الضوء الأخضر من تركيا التي أرادت حينها تذكير التمرد السوري بفضل أنقرة عليه. تُمثل هذه القرية أيضاً المدخل الرئيسي مع تركيا: يقع مركز باب الهوى الحدودي بالقرب منها. ولكن تركيا أغلقت حدودها بوجه اللاجئين منذ نهاية شهر آب، أي بعد شهر واحد من بداية معركة حلب. أصبحت قرية عتمة مقراً لثلاثة مخيمات للاجئين بعد إغلاق الحدود التركية، ووصل عدد اللاجئين فيها إلى 17000 لاجئاً. بهذه الوتيرة، سيصل عدد اللاجئين فيها إلى خمسين ألفاً في الصيف القادم.
     يضم المخيم الأول الذي لا اسم له عشرة آلاف لاجىء، ويوجد فيه مطعماً ومركزاً صحياً يعمل فيه خمسة أطباء، ويستقبل 300 مريضاً يومياً. الأطفال هم أول المتضررين ببرد الشتاء بسبب الأمراض التنفسية وظروف الحياة البائسة. اندلع حريق بتاريخ 31 كانون الأول في إحدى الخيم، وأدى إلى مقتل سبعة أطفال وأمهم. بعد هذه الحادثة، جاءت منظمة غربية كبيرة غير حكومية لتوزيع مدافىء تعمل على النفط، ولكنها لاحظت باستغراب عدم وجود سجلات للنازحين حتى ذلك اليوم. قالت إحدى العاملات الغربيات في هذه المنظمة دون الكشف عن اسمها ولا عن اسم هذه المنظمة خوفاً من انتقام دمشق: "كان يجب إحصاء الجميع، وتسجيل هوياتهم وتاريخ وصولهم وعدد الأشخاص في كل خيمة، وتخصيص كل شخص برقم". ربما يتم توزيع هذه الشوفاجات في شهر شباط، أي في نهاية فصل الشتاء.
     تجري جميع الأمور على هذا المنوال. تتدفق المساعدات ضمن فوضى كاملة. لا أحد يعرف ماذا تعطي كل جمعية ولمن، ولا الكمية المعطاة. هذا هو السبب الذي يدفع بالنازحين للاعتقاد بأن المساعدة الموجهة إليهم، يتم اختلاسها. هذا ما يحصل أحياناً، ولكن ليس بشكل دائم. إن سبب الغياب الكامل للشفافية هو الوضع الخاص بالأراضي المحررة من قبل التمرد. تتواجد وكالات الأمم المتحدة على الجانب الآخر من الحدود، ولكنها لا تتدخل لأن دمشق تُعارض تدخلها وتمنع دخولها: إن انتهاك سيادة النظام، يمكن أن يؤدي إلى طرد الأمم المتحدة من سورية، وبالتالي حرمان السكان في المناطق الحكومية من المساعدة.
     فيما يتعلق بالمنظمات العربية غير الحكومية، سواء الإسلامية أو الغربية، فإنها تعمل غالباً تحت أسماء مستعارة وبسرية تامة، لكي تأمل بالحصول على موافقة دمشق. قالت إحدى العاملات في المجال الإنساني: "لا أحد يتكلم مع الآخر، كل طرف يعمل لوحده. إنها الفوضى". قامت الإمارات بمنح خيام، ولكن ظهر فيما بعد أنها خيام صالحة خلال فصل الصيف. يصل الطعام أحياناً بكميات كبيرة، الأمر الذي يطرح مشاكل تخزينه، وأحياناً مشاكل إيصاله.
     وراء الأبواب المغلقة لهذه المخيمات، تدفع البطالة والحاجة بالناس إلى الغضب وإطلاق الشائعات وإظهار الأحقاد. لقد تمت إحالة مدير أحد المخيمات الصغيرة أمام محكمة إسلامية بتهمة اختلاس المساعدات، الأمر الذي دفعه للاستقالة لإظهار استيائه من نكران الجميل. ولكن المحكمة رفضت استقالته، وأمرته باستئناف عمله مجاناً. تُثير مسألة السلطة الكثير من التوترات. لهذا السبب، تم تقسيم مخيم عتمة إلى 42 قسماً بشكل يتلاءم مع المسؤولين الذين قام النازحون بتعيينهم وفق الانتماءات الجغرافية أو العشائرية بشكل عام. عندما يشعر النازحون بعدم الرضى من رئيس قسمهم، يقومون بتغيير قسمهم دون تغيير مكان إقامتهم داخل المخيم.
     تتحول مختلف المخيمات يوماً بعد يوم إلى قاعدة خلفية للجيش السوري الحر، وقام المتمردون بوضع عائلاتهم في هذه المخيمات، وذلك على الرغم من الأخطار الناجمة عن وجود الأسلحة والمتمردين في هذه المخيمات وإمكانية قيام التمرد باختلاس المساعدات. لقد تم تغيير الإدارة في قرية عتمة حوالي ست مرات، ويتحلى مديرها الحالي زياد عرور بصبر لا ينتهي. قام هذا المدير بمنع دخول إحدى المنظمات الخيرية غير الحكومية لالتقاط الصور داخل المخيم، وقال: "إنهم يقومون بجولة قصيرة، ويلتقطون بعض الصور لنشرها على موقعهم الإلكتروني، ويحصلون على الأموال من أجل برامج لا ترى النور، ثم لا نسمع عنهم شيئاً. كما لو أن العالم بأسره قد تخلى عنا باستثناء الليبيين الذين كانوا هنا منذ البداية".
     إن مسألة السيطرة على المخيمات شائكة جداً. من المفترض أن تقوم مؤسسة (مرام ـ Maram) بإدارة مخيمين في عتمة. إنها منظمة غير حكومية تابعة للسوريين المقيمين في الولايات المتحدة بإدارة يقظان الشيشكلي، وهو شقيق أديب الشيشكلي أحد الأعضاء الهامين في الإئتلاف الوطني السوري، والإثنان هما من أحفاد الضابط أديب الشيشكلي الذي كان رئيساً لسورية بين عامي 1953 و1954. اشتكى أحد النازحين قائلاً: "لا يأتي أعضاء مؤسسة مرام إلى المخيمات إطلاقاً. إنهم يرسلون الأموال والمساعدات من وقت لآخر. إنهم لا يهتمون بمصير النازحين، ويريدون النفوذ والسلطة".
     كما هو الحال في كل مكان في سورية، تحتج القاعدة بعنف على أية سلطة أو أوامر قادمة من الأعلى. إن مؤسسة مرام تُجسّد المغتربين الذين يُشتبه بأنهم يريدون قطف ثمار ثورة الشعب. ويقف وراء هذه المؤسسة الإئتلاف الوطني السوري الذي يتعرض لانتقادات كبيرة من قبل ثوار الداخل الذين يلومونه بأنه لم يعرف كيف يُوصل الأسلحة والمساعدات الإنسانية من أجل دعم المناطق المتمردة.
      يعمل القسم الإنساني في الإئتلاف الوطني السوري (Aide Coordination Unit) بالتنسيق مع مؤسسة مرام، ويترأس هذا القسم سهير أتاسي، إحدى نواب رئيس الإئتلاف. يحاول هذا القسم الإنساني تنسيق المساعدات قدر المستطاع تنفيذاً لتوجيهات الممولين، ولكن الأطراف المحلية تُقاوم بشدة ما تعتبره وتعيشه كهيمنة. يُقيم هذا القسم الإنساني في أنطاكية، ويُمثله في هذه المدينة سارا سيف (20 عاماً)، حفيدة رياض سيف. إنها ليست متمرسة بالعمل الإنساني، وتكتشف يومياً صعوبات هذا العمل الذين يتجسد بالإرادة في مساعدة الآخرين. لقد حصلت مؤخراً على أرض من أجل تخفيف الازدحام في مخيم الكرامة، ولكن مديري المخيم استولوا على هذه الأرض بدعم من بعض العائلات المتحدرة من منطقة حماة. لم يسقط النظام حتى الآن، ولكن النزاع بدأ بالظهور للسيطرة على الدمار الذي تركه وراءه.   

(مساعدة إلى سورية بدون مساعدة الأسد)


 صحيفة اللوموند 31/1/2013 بقلم كريستوف عياد Christophe Ayad

     طرحت منظمة أطباء بلا حدود مرة أخرى السؤال المزعج. عشية اجتماع المجتمع الدولي في الكويت يوم الأربعاء 30 كانون الثاني، نشرت هذه المنظمة الفرنسية غير الحكومية بياناً تطرح فيه السؤال الوحيد الذي يستحق الاهتمام: "أين نعمل في سورية، ومن أية جهة؟". اختارت وكالات الأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر العمل انطلاقاً من دمشق. يعني ذلك  المرور عبر الشروط المُهينة للنظام الذي يضع شروطاً صارمة لدخول الأراضي الواقعة تحت سيطرة المتمردين. النتيجة، لم ير أحد وصول المساعدات الغذائية الهامة التي قامت الأمم المتحدة بتسليمها إلى دمشق في شمال سورية، وقد ذهبت صحيفة اللوموند سرّاً إلى هذه المنطقة بسبب عدم حصولها على تأشيرة دخول.
     منذ بداية الأزمة، تنتظر منظمة أطباء بلا حدود ومنظمات آخرى الحصول على موافقة دمشق بدون جدوى. لهذا السبب، دخلت هذه المنظمة علناً إلى المناطق المتمردة. قامت الأمم المتحدة مؤخراً بالتوقيع على برنامج مساعدات بمبلغ يتجاوز 500 مليون دولار من أجل الأشهر الستة القادمة، ولكن هل يمكنها اغتنام هذه الفرصة لكي تفرض على النظام بأن تتحرك مباشرة داخل المناطق المتمردة انطلاقاً من الدول المجاورة؟ إنها فرصة ضائعة، ونقص خطير في الشجاعة السياسية.

(الأخضر الإبراهيمي يحض مجلس الأمن على التحرك بسرعة)


صحيفة اللوموند 31/1/2013 بقلم مراسلتها في نيويورك ألكسندرا جينيست Alexandra Geneste

     أشار الوسيط الدولي الأخضر الإبراهيمي في اجتماع مُغلق مع جميع أعضاء مجلس الأمن يوم الثلاثاء 29 كانون الثاني إلى أن سورية في طريقها نحو التفتت تحت أعين العالم. كما أكد أن الحرب الأهلية وصلت إلى مستويات مُرعبة لم يسبق لها مثيل في هذا البلد. وحض مجلس الأمن على التحرك بسرعة، ودعا إلى فتح تحقيق دولي بالمجزرة الأخيرة في حلب. ونفى الشائعات المتداولة حول استقالته.
     لم يستجب المجتمع الدولي إلى نداءات الأمم المتحدة بتقديم المساعدات إلا بمقدار 51 % عام 2012، ولهذا السبب انخفضت المساعدات الغذائية المُرسلة إلى السوريين بنسبة 50 % منذ شهرين. قال رئيس مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة جون غينغ John Ging مُحذراً: "نقول بوضوح إلى الدول المانحة بأنه سيكون هناك تخفيضات أخرى، إذا لم تزداد مساعداتهم" وذلك بمؤتمر صحفي في نيويورك قبل 48 ساعة من انعقاد مؤتمر الدول المانحة في الكويت.
     قام جون غينغ بمهمة في سورية استمرت أربعة أيام بمرافقة مسؤولين رفيعي المستوى من سبعة وكالات تابعة للأمم المتحدة، وقد عبّر جون غينغ عن اطمئنانه فيما يتعلق بالسيطرة على توزيع المساعدة، واعتبره معياراً هاماً جداً لأن "هذه المسألة تؤثر على ثقة الدول المانحة". كان جون غينغ حازماً عندما أشار إلى أن حوالي نصف المساعدات الغذائية مُوجهة إلى المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة، وقال: "لن يذهب دولار واحد من المساعدات الأممية إلى الحكومة السورية مباشرة". يجري توزيع هذه المساعدات عبر المنظمات المحلية ومنها الهلال الأحمر السوري. من المفترض أن تؤدي آليات المراقبة التي وضعتها الأمم المتحدة والمنظمات المحلية غير الحكومية إلى منع اختلاس هذه المساعدات من قبل أطراف النزاع.
     حصلت 110 منظمة سورية على موافقة دمشق بتوزيع المساعدات، ولكن تحقيقاً أجرته الأمم المتحدة أظهر أن 45 منظمة منها فقط مؤهلة للقيام بذلك. لا يوجد حالياً إلا تسع منظمات دولية غير حكومية تعمل سورية، وقد عبّر جون غينغ عن أمنيته بارتفاع عدد هذه المنظمات للمساعدة في "التحقق من نزاهة إيصال المساعدات الإنسانية".
     أشار أحد المسؤولين الأمميين إلى أنه إذا كان النظام السوري قد سمح بمرور المنظمات الإنسانية عبر خطوط المواجهة خلال زيارة الوفد الأممي، فإنه من النادر أن يحصل ذلك في الأوقات العادية. أكد جون غينغ قائلاً: "لم تكن الأمم المتحدة قادرة منذ 22 شهراً على إيصال كميات كبيرة من المساعدات الإنسانية إلى شمال سورية" الذي تُسيطر عليه المعارضة، ويقوم الجيش بمنع الدخول إلى هذه المنطقة لأنها أراضي ما زالت تحت السيادة السورية.
     أشار المُنسق الإقليمي في المفوضية العليا للاجئين في الأمم المتحدة بخصوص سورية بانوس مومتزيس Panos Moumtzis إلى أن غياب أية عملية سياسية من أجل الخروج من الأزمة يؤدي إلى زيادة خطورة "الوضع الإنساني في سورية، وهو الوضع  الأكثر تعقيداً وخطورة في العالم حالياً".

(غارة إسرائيلية على الحدود السورية ـ اللبنانية)


صحيفة الليبراسيون 31/1/2013  بقلم جان بيير بيران Jean-Pierre Perrin

     للمرة الأولى منذ بداية التمرد في سورية، قامت طائرات F16 الإسرائيلية بمهاجمة قافلة قادمة من سورية على الحدود السورية ـ اللبنانية، ومن المحتمل جداً أنها كانت تحمل أسلحة إلى حزب الله.
     وقعت هذه العملية مساء يوم الثلاثاء 29 كانون الثاني، ولكن لم يتم تأكيدها من قبل تل أبيب أو من قبل حزب الله. ربما وقعت هذه العملية على الأراضي السورية، حتى ولو كانت الحدود غير محددة بدقة في هذا المكان.
     أكدت مصادر إسرائيلية أن طائرات F16 حلقت ثلاث مرات متتالية حول الموقع، ودمرت القافلة بشكل كامل. كما أكد مصدر غربي إلى وكالة رويترز أن الهجوم كان "يستهدف شاحنة مُحملة بالأسلحة". ولكنه أضاف بأنه من غير المحتمل أن تكون مُحملة بأسلحة كيميائية، لأن احتمال نقلها إلى لبنان يُمثل مصدر قلق كبير للدول الغربية. من جهتها، أعلنت القناة الإسرائيلية الثانية أنها تعتقد بأن القافلة كانت تحمل أسلحة مضادة للطائرات.
     يخشى القادة العسكريون في إسرائيل من تسليم الصواريخ الروسية SA – 17 إلى حزب الله. كان قائد سلاح الجو الإسرائيلي أمير إيشل Emir Eshel قد قال قبل عدة ساعات من الهجوم: "إن القيام بعمليات للقضاء على التهديدات الآنية، يخلق الظروف التي تسمح لنا بالانتصار في الحروب القادمة".
     إذا كان من المستبعد أن تؤدي مثل هذه  الغارة إلى مواجهة جديدة بين إسرائيل وحزب الله أو الجيش السوري، فإن هذه العملية تبدو استفزازية جداً بالنسبة لطهران التي أعلنت يوم السبت 26 كانون الثاني أن توجيه أية ضربة إلى سورية سيُعتبر استهدافاً لإيران. تدل هذه الغارة أيضاً على أن إسرائيل تعتبر تفتت نظام دمشق كعامل تهديد للدولة العبرية.

الأربعاء، ٣٠ كانون الثاني ٢٠١٣

(فرنسا تُنعش المعارضة السورية)


صحيفة الفيغارو 29/1/2013بقلم آلان بارليويه Alain Barluet وجورج مالبرونو Georges Malbrunot

     إن الوضع العاجل في مالي والتدخل العسكري ضد الجهاديين في الساحل بالصحراء الإفريقية بتاريخ 11 كانون الثاني، لا يجب أن يُخفي الوضع  المستمر في سورية منذ 22 شهراً. لم يربط لوران فابيوس بوضوح بين الوضعين، ولكن الأحداث الراهنة في مالي ترتسم على خلفية الاجتماع الذي جرى يوم الاثنين 28 كانون الثاني بين ممثلي حوالي خمسين دولة والمعارضة السورية.
     لم يُشارك رئيس الإئتلاف الوطني معاذ الخطيب في هذا الاجتماع الذي انعقد على مستوى كبار الموظفين، ويدل غيابه على محدودية "الديناميكية" التي تريد الدبلوماسية الفرنسية الحفاظ عليها حول الملف السوري.
     سينعقد أول اجتماع للدول المانحة برعاية الأمم المتحدة يوم الأربعاء 30 كانون الثاني في الكويت، ويطمح هذا الاجتماع إلى جمع 1.5 مليار دولار لمواجهة الوضع الإنساني المأساوي.
     قال رياض سيف: "الوقت ليس في صالحنا، وسيؤدي استمرار هذا النزاع إلى كارثة على المنطقة والعالم". وأشار جورج صبرا إلى أن المعارضة بحاجة إلى نصف مليار دولار على الأقل لتشكيل حكومة، وكرر قائلاً: "نحن بحاجة إلى سلاح وسلاح وسلاح".
      بتاريخ 12 كانون الأول 2012 في مراكش، تم الحصول على وعود بإعطاء مبلغ 145 مليون دولار إلى المعارضة السورية التي تجد صعوبة في الحصول على ثقة المجتمع الدولي وتنظيم نفسها، ولكن هذه الوعود لم يتم تنفيذها.
      أشار بعض المسؤولين الرسميين الفرنسيين إلى أن الحركة الإسلامية الراديكالية في سورية لا تُمثل إلا 10 % من عدد المتمردين البالغ عددهم 150.000 شخصاً، ولكنهم أضافوا بأن هذه الحركة الإسلامية أفضل تسليحاً وأكثر حماساً وأقل فساداً.
      باختصار، يؤكد الجانب الفرنسي أنه كان يجب على هذا الاجتماع الدولي إطلاق "إشارة تحذير مفادها أنه إذا أردنا تجنب الاختيار بين الحفاظ على النظام  والفوضى الإسلامية، يجب علينا تعزيز مصداقية الإئتلاف". ومن هنا تأتي الحاجة العاجلة لمساعدة هذا الإئتلاف لكي يستعيد مصداقيته لدى السوريين في الداخل الذين ينجذبون نحو التطرف.

(دوبوف: "المساعدة العسكرية للمتمردين حاسمة")


صحيفة الفيغارو 29/1/2013. مقابلة مع ممثل التجمع الليبرالي في البرلمان الأوروبي في الشرق الأوسط كورت دوبوف Koert Debeuf، بعد عودته من حلب التي يُسيطر عليها المتمردون بشكل أساسي. أجرت المقابلة مراسلتها في القاهرة دولفين مينوي Delphine Minoui

سؤال: كيف يعيش السكان المدنيون الذين التقيتم بهم؟
كورت دوبوف: إن الظروف المعيشية كارثية، وحتى في مخيم النازحين بإعزاز بالقرب من الحدود التركية. هناك 11400 شخص منهم 8000 طفل يعيشون تحت الخيام. تضطر بعض العائلات إلى تدفئة نفسها عبر إحراق الجرائد بسبب عدم وجود تيار كهربائي. العائلات المحظوظة هي التي تملك مدفئة صغيرة. لم يعد هناك حليب منذ 12 يوماً. يشرب الأطفال الماء المُحلّى، ولا يأكل البالغين إلا وجبة واحدة يومياً من الخضار القادمة يومياً من تركيا. إن قطف الخضار المحلية أصبح صعباً بسبب القصف المستمر من نظام دمشق. فيما يتعلق بالمساعدة الطبية، هناك ثلاثة مستشفيات ميدانية تُشرف عليها منظمة  أطباء بلا حدود، وهي غير كافية.  شاهدت في المخيم طفلاً عمره سنة واحدة مجروحاً في ساقه بشظايا القذائف الانشطارية. كان جرحه على وشك  التعفن، ولكن لا يتوفر أي شيء لمعالجته. تضاعف سعر البنزين في القرى المجاورة  13 ضعفاً بالنسبة لسعره الأصلي. أصبح الخبز مُقنناً. استطعت زيارة فرن واحد في حالة عمل، واختفت الأفران الأخرى تحت نيران الصواريخ. هناك رغبة مُتعمّدة من النظام بمهاجمة المواقع المدنية. قمت بزيارة سوق إعزاز بعد أن قامت دمشق بقصفه، لقد قُتِل ثلاثون شخصاً في هذا القصف الذي حصل عندما كان السوق مزدحماً. يشعر السكان بأن أوروبا والولايات المتحدة قد تخلتا عنهم.
سؤال: كيف يمكن مساعدتهم؟
كورت دوبوف: يجب إعادة النظر بتوجيه المساعدات الإنسانية الدولية. أعلنت الأمم المتحدة مؤخراً عن تخصيص مساعدة قدرها 591 مليون دولار إلى سورية، ولكن هذه المساعدة تمر عبر الحكومة السورية والهلال الأحمر. يعني ذلك أن هذا المساعدات لا تصل إلى السكان المدنيين الذين يعيشون في المناطق الواقعة تحت سيطرة الجيش السوري الحر. بالمقابل، لقد تفاجأت بشكل إيجابي عندما رأيت أسلوب الإدارة الذاتية للمناطق التي تُسيطر عليها المعارضة: هناك مجالس محلية في هذه المناطق ومحاكم وشرطة. إن هؤلاء الأشخاص مستعدون للذهاب إلى الحدود التركية للحصول على الطعام والدواء من أجل ضمان توزيعها. كما حصلت أيضاً على تعهد من القائد العسكري للجيش السوري الحر في شمال سورية عبد الناصر فرزات بتعيين أحد المدنيين للإشراف على عملية التوزيع من أجل تجنب أي شكل من أشكال التهريب. فيما يتعلق بالمساعدة العسكرية للمتمردين، هناك حاجة عاجلة في مجال الدفاع الجوي لمواجهة الهجمات بالصواريخ. إنها الوسيلة الوحيدة لإخضاع الأسد.
سؤال: ولكن الدول الغربية تخشى من سقوط مثل هذه الأسلحة بأيدي الإسلاميين...
كورت دوبوف: هذا الخوف مُبالغ به. هناك جهاديون متطرفون بين المقاتلين  ضد الأسد،ولكنهم أقلية. بالمقابل، إذا لم يحصل الجيش السوري الحر على المساعدة والدعم، فإنه سيضعف يوماً بعد يوم لصالح المجموعات الإسلامية الأفضل تنظيماً وتدريباً. كلما انتظرنا أكثر من أجل تقديم المساعدة الملائمة للمعارضين، كلما طالت الحرب وكلما عززنا الجهاديين.

(الإستيلاء على القاعدة السورية في تفتناز، مرحلة جديدة على طريق إدلب)


صحيفة اللوموند 29/1/2013 بقلم مراسلها الخاص في تفتناز لويس روت Lewis Roth

     كانت الطائرات المروحية في قاعدة تفتناز تقوم بقصف شمال سورية من اللاذقية حتى إدلب ومن حماة حتى الحدود التركية، ولكن سقوطها بتاريخ 11 كانون الثاني، أفسح المجال أمام طائرات الميغ لتحل مكان الطائرات المروحية، وهي طائرات أكثر دقة وقدرة على التدمير. غادر جميع سكان مدينة تفتناز إلى مكان أكثر أماناً، وتركوها للمجموعات المسلحة التي أقامت في قبو أحد الأبنية الذي كان كراجاً لكي يتجنبوا القصف الذي يقوم به النظام.
     بلغ عدد الذين هاجموا قاعدة تفتناز 500 شخصاً مقابل 400 عسكري محاصرين أغلبهم من الجنود بالإضافة إلى مئة من الشبيحة الذين جاؤوا من قرية الفوعة العلوية. هؤلاء الشبيحة هم الأكثر شراسة لأنهم يعرفون بأن الموت سيكون أقل أنواع التعذيب في حال تعرضهم للأسر. بالنسبة للمتمردين، شارك في الهجوم على القاعدة عدة وحدات من المقاتلين المتمردين الإسلاميين في جبهة النصرة وأحرار الشام والطليعة الإسلامية بالإضافة إلى مجموعتين محليتين تابعتين إلى الجيش السوري الحر هما: لواء الداوود ولواء الحق، وهما تياران أكثر علمانية من الناحية النظرية.
     لقد تم استخلاص الدروس المستقاة من معركة حلب، وأصبحت المجموعات المقاتلة تُنسق هجماتها. هناك درس هام آخر تم استخلاصه هو: الاستيلاء على جميع القواعد المحيطة بمدينة إدلب، ولاسيما المطارات، قبل الهجوم على هذه المدينة. قال أحد المقاتلين واسمه أسعد زيدان: "إن ذلك سيُخفف من المعارك في المدينة والتدمير المرافق لها. نحن نسعى إلى تجنّب المدنيين داخل مدينة إدلب".
     إذاً، لقد بدأت معركة إدلب في تفتناز، وهي مستمرة بوتيرة غير منتظمة بين التصعيد المفاجىء ومراحل الانتظار الطويلة للاستعداد. بتاريخ 16 كانون الثاني، وقعت ثلاثة عمليات تفجير استهدفت مواقع الأجهزة الأمنية داخل المدينة. ثم استولى المتمردون بتاريخ 21 كانون الثاني على موقعين في جنوب المدينة، ثم هجموا على السجن المركزي بتاريخ 24 كانون الثاني. إن سقوط إدلب سيُحرر بشكل نهائي شمال سورية، ولكن المتمردين يتحدثون بواقعية عن الحاجة إلى عدة  أسابيع من القتال أو حتى عدة أشهر. يجب أولاً الاستيلاء على القاعدة العسكرية في قرية المسطومة بشمال غرب المدينة.
     استمرت المعركة في تفتناز عشرة أيام، وأدت إلى انضمام حوالي عشرة جنود من القوات الحكومية إلى المتمردين، وأسر حوالي 12 آخرين من قبل كتيبة لواء الحق، ونجح حوالي خمسين شخصاً من الشبيحة بالهروب إلى قرية الفوعة الواقعة على بعد خمسة كيلومترات من القاعدة. والبقية؟ أجاب (أبو فاروق) أحد المقاتلين الجهاديين الشباب على مدخل القاعدة قائلاً باقتضاب: "مات الباقون، لا نريد أسرى".
     إنهم سبع رجال مسلحون، ما زال بعضهم صغيراً في السن لدرجة أنهم لا يستطيعون تربية لحاهم على الطريقة السلفية، ولكن جميعهم من عناصر الطليعة الإسلامية. تدل العيون المغولية لأحدهم بأن أصوله من آسيا الوسطى، وهو يتكلم العربية بشكل بسيط، ويرفض أن يقول أكثر من ذلك. أما البقية فهم سوريون، ولا تتجاوز أعمارهم 22 عاماً كحد أقصى. كانت الأوامر حازمة بمنع دخول أي شخص إلى القاعدة، وأشار أسعد زيدان إلى أنه تم إبعاد جميع سكان القرية المجاورة الذين حاولوا دخول القاعدة لسرقة ما يمكن سرقته، وعبّر عن إعجابه بالنظام الصارم للمجموعات الإسلامية. يقول عناصر هذه المجموعات الإسلامية أنهم "جاؤوا للصلاة على هذه الأرض الطاهرة وتحريرها"، فأجابهم أحد الزعماء الإسلاميين: "لسنا في المسجد الأقصى هنا. إذا أردتم الصلاة، إذهبوا إلى الجامع".
     يبلغ عمر الرجل الذي قاد عملية الهجوم على قاعدة تفتناز 25 عاماً، شعره أسود ولحيته طويلة. خرج لتوه من القاعدة بالسيارة، ونظر بإمعان إلى وجوه العابرين الأجانب، وأمر الرجال بإنهاء المقابلة، ثم غادر دون أن ينطق بأي كلمة. ظهرت يده المبتورة جزئياً على مقود السيارة بسبب إحدى المعارك. إنه يتهرب من الاتصال مع الصحافة ولا يُفصح عن هويته أو نشاطاته، كما هو الحال بالنسبة لأغلب قادة جبهة النصرة،. إن هذا التحفظ يُثير لدى السوريين مزيجاً من الخشية والاحترام.

(ديناميكية المعارضة السورية يبدو أنها تختنق)


صحيفة اللوموند 30/1/2013  بقلم بنجامان بارت Benjamin Barthe

     يُراوح الإئتلاف الوطني السوري في مكانه بعد شهرين ونصف من تأسيسه في الدوحة، وبدأ تراجع الديناميكية التي أدت إلى اعتراف حوالي مئة دولة به في اجتماع مراكش في منتصف شهر كانون الأول 2012. لم يحصل الإئتلاف الوطني السوري إلا على جزء من المبالغ الموعودة من هذه الدول (145 مليون دولار)، كما أنه لم يحصل على الضمانات السياسية والعسكرية التي يعتبرها ضرورية من أجل القيام بمهمته الأساسية المتمثلة بتشكيل حكومة مؤقتة. قالت بسمة قضماني، المُقربّة من أوساط المعارضة ومديرة مركز أبحاث مبادرة الإصلاح العربية Arab Reform Initiative: "هناك حالة جمود منذ مؤتمر مراكش. فرنسا هي الأكثر تصميماً في دعمها، ولكنها لا تريد تحمّل مسؤولية الخطر السوري لوحدها".
     قال لوران فابيوس يوم الاثنين 28 كانون الثاني في مؤتمر باريس أمام ممثلي الإئتلاف الوطني السوري ومندوبين عن حوالي خمسين دولة: "هناك خطر بأن تُسيطر المجموعات الإسلامية على الأرض بعد انهيار الدولة والمجتمع. لا يجب علينا أن نتخلى عن تمرد بدأ كاحتجاج سلمي وديموقراطي، وأن يتحول إلى مواجهات بين الميليشيات"، وذلك في إشارة إلى تكاثر عدد المجموعات المسلحة على الأرض، والتنافس بين الميليشيات المرتبطة بالتيارات الجهادية وتلك المرتبطة بالجيش السوري الحر المُقرب من الإئتلاف الوطني السوري من الناحية النظرية. وكان لوران فابيوس قد اعتبر بتاريخ 24 كانون الثاني بأن سقوط النظام السوري ليس قريباً، الأمر الذي يتعارض مع تفاؤله المُعلن حول هذا الموضع الهام، وقال حينها: "الأمور لا تتحرك. ليس هناك إشارات إيجابية حديثة باتجاه الحل الذي نأمله".
     لكن مؤتمر باريس حمل معه بعض الإشارات المختلفة عن هذه اللوحة القاتمة، فقد أكدت مصادر دبلوماسية فرنسية أن الإئتلاف الوطني السوري أصبح من الآن فصاعداً "متأكداً من قدرته على العمل لعدة أشهر قادمة". على سبيل المثال، سيكون تمويل مكاتبه في الخارج مؤكداً. ومن المفترض أن يكون مسؤوليه قادرين على إيصال المساعدات العاجلة إلى المناطق الشمالية الواقعة تحت سيطرة الجيش السوري الحر، بعد أن عبّر هؤلاء المسؤولين عن سخطهم من الأمم المتحدة التي تقوم بتنسيق مساعداتها الإنسانية مع دمشق. كما ستكون الولايات المتحدة وبريطانيا مستعدتين لدعم بعض المشاريع الصغيرة في المدن المحررة بمنطقة حلب وإدلب، وهذا ما تفعله فرنسا منذ عدة أشهر. أشار مستشارو لوران فابيوس إلى أن الهدف هو جعل الإئتلاف الوطني السوري "بديلاً عن النظام والراديكالية"، واعتبروا أن الجهاديين يُمثلون أقل من 10 % من المقاتلين ضد الأسد على الرغم من تصاعد قوة الجهاديين.
     فيما يتعلق بمسألة الحكومة الانتقالية، لم يتم الإعلان عن تحقيق أي تقدم خلال مؤتمر باريس. لا يريد قادة الإئتلاف الوطني السوري حكومة في الخارج، ويطمحون إلى الإقامة في شمال سورية. ولكن قبل تجاوز هذه الخطوة، يريدون التأكد من أنهم سيكونون محميين من الغارات الجوية التي يقوم بها النظام، وأن يتم الاعتراف بهم كحكومة تنفيذية سورية جديدة. إنهما مطلبان مُبكران جداً وحتى غير واقعيين، لأنهما يفترضان إقامة منطقة حظر جوي وقطع العلاقات الدبلوماسية مع دمشق، وهذا ما ترفضه الحكومات الغربية حتى الآن. ويجب ملاحظة أن أعضاء الإئتلاف الوطني السوري لم يتفقوا على اسم رئيس الحكومة المحتمل، وما زال هذا الائتلاف ضحية العداءات الشخصية كما كان الحال سابقاً مع المجلس الوطني السوري.
     قالت بسمة قضماني: "صحيح أن هناك مشاكل في العمل. ولكن ما هو الهدف؟ ليست هناك إمكانية للمفاوضات ولا للتدخل العسكري أو حتى تسليح المتمردين. لو كان المجتمع الدولي يملك مشروعاً محدداً، فإن تنظيم أنفسنا سيكون سهلاً جداً".

(مجزرة جديدة في حلب، المدينة المُعذبة)


صحيفة الليبراسيون 30/1/2013بقلم لوك ماتيو Luc Mathieu

     أشار المرصد السوري لحقوق الإنسان إلى اكتشاف جثث 65 شاباً على الأقل باللباس المدني في النهر الذي يعبر حلب، كانت أيديهم مربوطة، وتم قتلهم برصاصة في الرأس. كانت جثثهم تطفو على النهر الذي يفصل حي بستان القصر عن حي الأنصاري اللذان يُسيطر عليهما المتمردون السوريون.
     أشارت وكالة الصحافة الفرنسية AFP إلى أن أحد قادة المتمردين، اتهم النظام بارتكاب هذه المجزرة، واعتبر أنه من الممكن أن يكون هناك أكثر من مئة جثة، لأن بعض الجثث ما زالت غارقة. بينما أكد مسؤول في أجهزة الأمن السورية أن هذه الجثث هي لسكان حي بستان القصر "الذين اختطفتهم المجموعات الإرهابية التي اتهمتهم بتأييد النظام. لقد حاولت عائلاتهم عدة مرات التفاوض من أجل إطلاق سراحهم، ولكن دون جدوى".
     في الوقت الذي يُسيطر فيه المتمردون على الجزء الأكبر من شمال سورية باستثناء مدينة إدلب التي ما زالت المعارك اليومية مستمرة فيها، فقد نجح المتمردون بتحقيق اختراق في دير الزور التي تمثل المنطقة النفطية والغازية الأساسية في سورية. لقد استولى المتمردون البارحة 29 كانون الثاني على موقع للأمن السياسي وعلى جسرين على نهر الفرات يستخدمهما جيش النظام لتموين مدينة الحسكة. يضم هذا الهجوم مقاتلين من الجيش السوري الحر وجهاديين من جبهة النصرة التي يتزايد وجودها في سورية أكثر فأكثر.
     على الصعيد الإنساني، اجتمعت منظمات خيرية في قطر البارحة 29 كانون الثاني قبل انعقاد مؤتمر الدول المانحة برعاية الأمم المتحدة المقرر اليوم 30 كانون الثاني. وعدت هذه المنظمات الخيرية بتقديم مساعدات قدرها 182 مليون دولار إلى المدنيين السوريين. ومن المنتظر أن تُعلن الكويت عن منح 500 مليون دولار، ومن المحتمل أن يُقدم الاتحاد الأوروبي 100 مليون يورو. بالمحصلة، من المفترض أن يصل إجمالي هذه المساعدات إلى 1.5 مليار دولار، وسيتم توزيعها داخل سورية وفي الدول المجاورة التي تستقبل اللاجئين الهاربين من النزاع. 

(قطر بين نارين)


صحيفة الليبراسيون 30/1/2013  بقلم مجيد زروقي Madjid Zerrouky

     حَظِيَ الموقف القطري من الحرب في مالي بدعم الحكومة المصرية ـ التي تعيش بفضل المساعدات المالية القطرية ـ  ودعم الحكومة التونسية. كانت الحكومة القطرية تأمل حتى اللحظة الأخيرة بتسوية الأزمة في مالي عبر "الحوار" والاستمرار في  سيطرتها على منطقة تعتبرها في مرحلة صعود إسلامي، ويَعِدُ باطنها بثروات كبيرة.
     قامت قطر باستدعاء الرئيس المالي في نهاية شهر تشرين الأول 2012 لكي تعرض عليه خدماتها، ولكنها فشلت. إذا كانت قطر قد اختلفت بشكل غير مسبوق مع حليفها الفرنسي، فإنها تُخاطر بسمعتها أيضاً.
     تتواجد المنظمات القطرية غير الحكومية في شمال مالي وفي الصومال، ثم في ليبيا وتونس منذ الثورات العربية. إن هذه المنظمات توفر الفرصة أمام قطر لتوسيع منطقة نفوذها في الساحل (الصحراء الإفريقية) وفي غرب إفريقيا.
     راهنت قطر حتى الآن على إطلاق العنان لتدخلها في العديد من المناطق، وقد سمح لها ذلك بتحقيق نجاحات دبلوماسية. ربما تسرّعت قطر بدفع بيادقها في منطقة يُمثل الإسلاميون فيها تهديداً لباريس. إن شمال مالي ليس مثل ليبيا ولا مثل سورية التي ما زالت الدولتان متفقتان بشأنها على هدف سقوط بشار الأسد. إن ذلك يُفسر بلا شك التحفظ الفرنسي حول التواجد القطري في مالي.

تنويه

تعتذر المدونة عن انقطاع عملها يومي الاثنين والثلاثاء 28 و29 كانون الثاني لأسباب خارجة عن إرادتها. وستتابع عملها كالمعتاد اعتباراً من اليوم 30 كانون الثاني 2013

الجمعة، ٢٥ كانون الثاني ٢٠١٣

(إيران: المفاوضات الدولية التي تتوقف على الجدول الزمني)


صحيفة الليبراسيون 25/1/2013  بقلم جان بيير بيران Jean-Pierre Perrin

     ستُواجه إيران استحقاقين هامين في عام 2013 هما: الانتخابات الرئاسية في شهر حزيران واستئناف المفاوضات مع المجتمع الدولي حول الملف النووي الإيراني في شهر شباط. يُضاف إلى هذين الرهانين: الأزمة السورية. إن هذه الملفات الثلاثة مرتبطة ببعضها البعض، والمسؤول عنها بخطوطها العريضة هو المرشد الأعلى علي خامنئي ومكتبه.
     إن اختيار الرئيس الإيراني القادم سيُعطي إشارة على الشكل الذي يمكن أن تتم فيه إدارة الملف النووي بعد شهر حزيران. من المهم الإشارة هنا إلى أن أحد المرشحين الممكنين إلى الانتخابات الرئاسية ـ لن نعرف من سيُرشح نفسه قبل شهر آذار ـ كان أو ما زال مُكلفاً بهذا الملف، سواء بالنسبة للرئيس الحالي لفريق المفاوضين سعيد جليلي أو الرئيس السابق لهذا الفريق علي لاريجابي. كما سيؤثر الوضع في سورية على المفاوضات، لأن بقاء سلطة بشار الأسد يُمثل رهاناً إستراتيجياً بالنسبة لطهران. إذا سقط النظام السوري، ربما سيعتبر النظام الإيراني أنه أصبح مهدداً أيضاً، وسيُتابع السباق النووي.
     من المفترض أن تبدأ مفاوضات جديدة في العاصمة الإيرانية بتاريخ 12 شباط بين الوكالة الدولية للطاقة الذرية والفريق الإيراني. ستتطرق هذه المفاوضات إلى التوقيع على "اتفاق شامل" يسمح للوكالة الدولية للطاقة الذرية بالتحقيق بحرية حول الهدف النهائي من البرنامج النووي الإيراني، والحصول على منفذ أكبر لدخول بعض المواقع والاطلاع على الوثائق ومقابلة العلماء. سيتم التركيز بشكل خاص على القاعدة العسكرية في برشان التي يُشتبه بأن طهران أجرت فيها تجارب تفجير تقليدية يمكن استخدامها لتفجير قنبلة نووية.
     يبدو أن هذه المفاوضات التي لم يتم تأجيلها حتى الآن، ستكون صعبة جداً. لقد عادت بعثة الوكالة الدولية للطاقة الذرية من طهران بتاريخ 18 كانون الثاني بعد يومين من المناقشات المُكثفة التي أظهرت اختلافات "هامة" حول "مقاربة هيكلية لتحليل إمكانية وجود جانب عسكري للبرنامج النووي الإيراني". كما أكد رئيس مفتشي الوكالة الأممية البلجيكي هيرمان ناكيرتس Herman Nachaerts قائلاً: "لم يتم ضمان أي منفذ لدخول قاعدة برشان". وقال دبلوماسي غربي يعمل في فيينا إلى وكالة الصحافة الفرنسية AFP أن "طهران وضعت على الطاولة شروطاً غير مقبولة". ربما تكون اعتراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية "بحقوق إيران النووية"، ومنها تخصيب اليورانيوم.
     أشار مندوب الجمهورية الإسلامية لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية علي أصغر سلطانية إلى أنه ما دام لم يتم التوصل إلى اتفاق، فإن المفتشين "لن يدخلوا المواقع التي يرغبون بزيارتها". السبب بذلك في رأيه: "لا يمكن للوكالة الذهاب إلى أماكن يمكن أن تهدد أمننا القومي". وهكذا، لا يمكن رؤية كيف سيستطيع اجتماع طهران التوصل إلى اتفاق.
      يتوجه الاهتمام أيضاً إلى مُباحثات أخرى مع إيران، ولكن في إطار مجموعة الستة (الأعضاء الخمس الدائمين في مجلس الأمن وألمانيا). تواجه هذه المباحثات طريقاً مسدوداً منذ عدة سنوات، ومن المفترض استئنافها يومي الاثنين والثلاثاء 28 و29 كانون الثاني في استانبول. ربما تؤدي الحملة الانتخابية في إيران إلى شلّ أي تطور في الملف، ومن هنا يطرح السؤال التالي نفسه: هل هناك فرصة لنجاح المفاوضات حول الملف النووي قبل موعد الانتخابات في حزيران؟ لا شك بأن الجواب هو بالنفي. وبعد ذلك؟ يعتمد كل شيء على الشخص الذي سيتم انتخابه، لأنه يبدو بوضوح أن محمود أحمدي نجاد يتمسك بمواقف أكثر ليونة من مواقف المرشد الأعلى ومستشاريه، وأنه يسعى فعلاً إلى اتفاق. ولكنه لا يستطيع ترشيح نفسه مرة أخرى لأنه أنهى ولايتين رئاسيتين. ولذلك يجب انتخاب نائبه أو أي ممثل آخر عن تياره. وهذا أمر غير مضمون.
    .

الخميس، ٢٤ كانون الثاني ٢٠١٣

(سورية: القوات الخاصة الأمريكية والبريطانية تستعد للحرب)


مدونة جورج مالبرونو Georges Malbrunot بتاريخ 22/1/2013

     أكد لنا مصدر عسكري فرنسي في الشرق الأوسط أن بعض العناصر السابقين في الجيش البريطاني ـ مهندسين أو رجال أعمال ـ انضموا سرّاً إلى القوات الخاصة للملكة البريطانية، وبدؤوا بإقامة اتصالات في سورية أو في جوارها مع رجال الأعمال السوريين في القطاع النفطي بشكل خاص. إنهم رجال أعمال من نوع جديد، وينوون الاستفادة من هذا الغطاء لتوفير خيار آخر بعد الأسد.
     أقامت الولايات المتحدة أيضاً مفرزة خاصة (Delta) داخل قواتها الخاصة في حريصة بشمال بيروت. إنه موقع مثالي للمراقبة أو للتسلل إلى سورية.

(الأردن: انتخابات جديدة دون جدوى)


مدونة جورج مالبرونو Georges Malbrunot بتاريخ 23/1/2013

     أخطا الملك عبد الله الثاني هدفه مرة أخرى، ولن تسمح الانتخابات التي جرت في الأردن يوم الأربعاء 23 كانون الثاني بإجراء الإصلاحات التي يُطالب الشعب بتحقيقها. السبب في ذلك هو مقاطعة الانتخابات من قبل أهم تجمعين سياسيين بالأردن هما: الإسلاميون المرتبطون بالإخوان المسلمين وجبهة الإصلاح الوطني لرئيس الوزراء السابق أحمد عبيدات. يُطالب الإخوان المسلمون بمراجعة تقسيم المناطق الانتخابية لأنها تُحابي المؤيدين للملك ولاسيما القبائل التي تُمثل دعامة المملكة  الهاشمية منذ تأسيسها قبل ثمانين عاماً. أما جبهة الإصلاح الوطني فهي تُدين عدم وجود رغبة في الإصلاح لدى الملك، والفساد المُتفشي في قمة الدولة.
     بدأ الأمريكيون والفرنسيون يطرحون بعض الأسئلة مثل: هل تقوم أجهزة الاستخبارات الأردنية بإخفاء حقيقة اتساع الأزمة في الأردن عن الملك؟ هل هناك رغبة حقيقية لدى الملك بالإصلاح؟. بالتأكيد، لم يتم طرح هذه الأسئلة علناً، لأن الفرنسيين والبريطانيين والأمريكيين بحاجة إلى الأردن لإسقاط سلطة بشار الأسد في سورية. ولكن هناك خيبة واضحة في واشنطن وباريس.
     نصحت الولايات المتحدة الملك الأردني بعد المظاهرات الأولى بالانتقال إلى نظام برلماني يكون فيه رئيس الحكومة من الأغلبية البرلمانية، ولكن الملك الأردني لم يتحرك.
     لا شك بأن استمرار الأزمة السورية أعطى الملك الأردني مهلة إضافية، لأن حلفاءه الغربيين بحاجة له. ولكن الملك الأردني لا يجهل بأن دوره سيأتي بعد سقوط نظام بشار الأسد، وهذا هو السبب في حذره تجاه النزاع السوري. أسّر الملك الأردني إلى بعض زواره في نهاية السنة الماضية قائلاً: "من الناحية العسكرية، يستطيع بشار الأسد  الصمود سنتين إضافيتين".
     لاحظ الملك الأردني قبل عدة سنوات أن "الهلال الشيعي" المؤلف من إيران وحزب الله والعراق، هو التهديد الرئيسي لاستقرار الشرق الأوسط. وها هو يُدين الآن المحور السني حول الإخوان المسلمين المصريين والسوريين باعتباره الخطر الأول على مملكته الهشة! كان الملك الأردني يكرر دوماً أمام الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي في صيف عام 2011: "ليس هناك إسلاميون معتدلون".
     لن تؤدي الانتخابات الأخيرة إلا إلى تعزيز النقمة الشعبية، وتراكم الفرص الضائعة بشكل يُهدد عاجلاً أم آجلاً باتساعها إلى الشارع بشكل مأساوي.

(أنطوان صفير: "في الواقع، فشل تنظيم القاعدة")


مجلة اللوبوان الأسبوعية 24/1/2013 مقابلة مع الباحث المتخصص بالشرق الأوسط أنطوان صفير Antoine Sfeir. أجرت المقابلة ميري دوتي Mireille Duteil.

سؤال: هل كان مفاجأة بروز الحركات الجهادية منذ بداية الربيع العربي؟
أنطوان صفير: إطلاقاً. أعطى الربيع العربي هذه الحركات الوسائل والأدوات لتفرض نفسها كأطراف. قامت الدول النفطية في الخليج مثل السعودية وقطر والإمارات بتمويلها لكي لا يُهددوا مصالح هذه الدول، ولكي لا يحاولوا زعزعة استقرارهم. لقد أصبحت هذه الحركات الجهادية الذراع المسلح للوهابية في الساحل (الصحراء الإفريقية) وفي دول الربيع العربي، لأن الرياض والدوحة تحاولان فرض قراءتهما المتطرفة للإسلام عن طريق المذهب الوهابي.
سؤال: لماذا تقوم قطر الصغيرة والغنية جداً بتمويل المجموعات الجهادية، ولاسيما في الساحل؟
أنطوان صفير: تسعى قطر إلى الحصول إلى ضمان لبقائها، ولكن تتوصل إلى ذلك، جعلت نفسها قاضي السلام في العالم. لقد سقط القناع عن قطر أثناء الحرب في ليبيا، فقد قامت بتمويل وتسليح المجموعات الجهادية التي انتفضت ضد القذافي. وباختصار، افتعلت قطر أحداث لن تستطيع إيقافها. كما قامت بتأسيس مجموعة أنصار الدين في مالي، وهي مجموعة تتصف بالمركزية وأفضل تدريباً من تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي (AQMI) الذي يُمثل مجرد مجموعة من الكتائب. تريد قطر إسقاط بشار الأسد، الأمر الذي دفع بغريمها السعودي أيضاً إلى تمويل المجموعات الإسلامية.  
سؤال: النتيجة هي أن الصديق الغني جداً للسلطات الفرنسية المتتابعة، يتزايد تورّطه أكثر فأكثر...
أنطوان صفير: بالتأكيد. يتحرك الرأي العام الفرنسي أكثر فأكثر ضد قطر، وسيكون من الصعب على القادة تبرير صداقتهم مع الأمير القطري. يجب على قطر إعادة النظر بطريقة عملها.

(الأوراق الجديدة للحركة الجهادية)


مجلة النوفيل أوبسرفاتور الأسبوعية 24/1/2013 ـ مقابلة مع الباحث المختص بالعالم العربي المعاصر جيل كيبل Gilles Kepel. أجرت المقابلة سارا دانييل Sara Daniel.

سؤال: هل عودة السلفية الجهادية هي نتيجة للثورات العربية؟
جيل كيبيل: نعم، وعلى أكثر من صعيد.  اندلعت الثورات العربية باسم المزيد من الحرية والعدالة الاجتماعية. سقط القادة الدكتاتوريون باستثناء سورية، ولكن بعد مضي سنتين على بدء هذه الحركات، فإن الحصيلة الاجتماعية لحركات التمرد كانت كارثية.  لقد تراجع مستوى معيشة المتمردين بسبب تراجع السياحة والاستثمارات. استطاعت الحركات الإسلامية استمالة هذا التمرد بعد انتشاره داخل جيل الشباب المحروم، وابتعدت هذه الحركات عن برودة موقف الإخوان المسلمين الذين يُمثلون الطبقة الوسطى المُلتحية ولكن البورجوازية.  إذاً، المرحلة الثانية لحركات التمرد العربية التي تبرز بحدة في تونس وليبيا وسورية، هي مرحلة الأصولية التي تدعو إلى رفض ثقافي كامل للأنظمة الديموقراطية التي يتحالف معها الإخوان المسلمون. تستفيد السلفية الجهادية أيضاً من حقيقية أن أنظمة القمع الدكتاتورية لم تعد صالحة. كما تخشى الحكومات الجديدة من تشبيهها بالأجهزة الأمنية للأنظمة القديمة.
سمح نهب ترسانة الأسلحة الليبية بتوفير كمية هائلة من الأسلحة الثقيلة للجهاديين من سورية إلى مالي. إذاً، لدينا اليوم مجموعات غارقة في المذهبية، وعلى قطيعة كاملة مع الإسلام التقليدي (وهذا ما يفسر تدمير الأضرحة في تونس ومالي وليبيا ومصر). تعتنق هذه المجموعات عقيدة الشهيد، وتحاول أن تكون في كل مكان (يمكن أن يكون شعارهم سيارة بيك آب)، واستطاعت الاستفادة من تفتت الدول على الصعيدين الاجتماعي والأمني، وقد ساهمت الثورات العربية في جعل ذلك ممكناً.
سؤال: هل ستبقى فرنسا طويلاً في مالي للإشراف على التسوية السياسية للأزمة؟
جيل كيبيل: يأتي الهجوم الذي قام به فرانسوا هولاند على مالي بعد سنتين من هجوم نيكولا ساركوزي على قوافل الدبابات المُتجهة نحو بنغازي. إن هجوم فرانسوا هولاند هو استمرار ضروري. لقد  أنقذ التدخل الفرنسي في ليبيا حياة الآلاف، ولكنه لم يترافق مع آلية لتعزيز الدولة بشكل يسمح باستبدال دولة القذافي بدولة أخرى من أجل تجنب انتشار الأسلحة. ستكون المواكبة السياسية أمر هام في مالي هذه المرة، ولكن فرنسا لا تستطيع القيام بهذه المهمة لوحدها. إن التجمع الاقتصادي لدول غرب إفريقيا (Cedeao) ليس موجوداً إلا على الورق، وصادقت الدول الأوروبية على التدخل بدون أن تساهم مالياً أو عسكرياً في العملية الفرنسية. سيطرح ذلك في النهاية السؤال حول الفائدة من العملية.
إن الانتقادات التي وجهها الأمريكيون لنا، كانت غريبة! كانت باماكو ستسقط بأيدي الأصوليين وسيصل هؤلاء السلفيون إلى أبواب أوروبا، لولا الضربة العسكرية الفرنسية في مالي. كان من الممكن أن تكون نتائج ذلك مأساوية ومُكلفة، ويجب حينها أن يكون التحرك دولياً.

الأربعاء، ٢٣ كانون الثاني ٢٠١٣

(فلاديمير بوتين سيستقبل فرانسوا هولاند في الكريملين)


 صحيفة الفيغارو 23/1/2013

     من المفترض أن يقوم الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند بزيارته الأولى إلى روسيا في نهاية شهر شباط، وسيلتقي خلالها مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. تمر العلاقات الفرنسية ـ الروسية في مرحلة مضطربة قليلاً خلال الفترة الأخيرة بسبب قضية الممثل الفرنسي جيرار دوبارديو (الذي ترك فرنسا وحصل على جواز سفر روسي هرباً من الضرائب في فرنسا) واختلاف وجهات النظر حول سورية. ولكن تم التغلب على هذه الاختلافات عبر الوعد الروسي بتقديم مساعدة عسكرية إلى التدخل الفرنسي في مالي.

(مجزرة جامعة حلب: شاهد يتهم قصفاً جوياً)


صحيفة اللوموند 23/1/2013 بقلم مراسلها بقرية عتمة في شمال سورية لويس روت Lewis Roth

     كانت جامعة حلب المكان الوحيد الذي تُسمع فيه صوت الثورة في حلب، ولكنها صمتت بعد وصول الحرب إلى حلب بشكل مفاجىء بتاريخ 22 تموز 2012، وتوقفت المظاهرات الخاطفة ولعبة القط والفأر مع الأجهزة الأمنية في الجامعة. قال (محمد ـ 23 عاماً): "عندما عُدنا بعد نهاية العطلة الصيفية، انخفض عددنا إلى الثلث. لقد التحق البعض بالمتمردين، وبقي البعض الآخر عند والديه، ولم يكن أمام البقية إلا خيار الدراسة".
     وصلت الحرب إلى جامعة حلب يوم الثلاثاء 15 كانون الثاني عندما وقع فيها انفجاران أديا إلى مقتل حوالي تسعين شخصاً وجرح 150 آخرين. كان (محمد) في الجامعة عندما وقع الانفجار، وعاد بعدها إلى قريته بالقرب من الحدود التركية، والتقينا معه فيها. كان يلعب بكرة الطاولة في مبنى كلية العلوم الساعة الواحدة ظهراً عندما وقع الانفجار الأول، قال (محمد): "أسرعت إلى الخارج عندما وقع الانفجار في الجانب الآخر من شارع المدينة الجامعة. تحطمت جميع النوافذ، وتهدمت واجهة المبنى". كانت الأنقاض في كل مكان، وكانت هناك أحجار وجثث بدون رؤوس أو بدون أرجل أو بدون أيدي أو بدون الثلاثة معاً، و"حتى الأشجار كانت مُغطاة ببقايا الجثث". لقد صادف إمرأة مذعورة وبيدها حذاء ابنتها وبداخله قدم صغيرة. تابع (محمد) قائلاً: "ثم صرخ الناس وهم يُشيرون إلى السماء: طائرة، طائرة!"، ثم انعطفت الطائرة واتجهت نحو الغرب. ثم سمع (محمد) صوت انفجار ثان في اللحظة التي عادت بها الطائرة مرة أخرى فوق الجامعة. لم يتسن له الوقت للتأكد من مكان الانفجار بالضبط، ولكنه قام بتصوير واجهة المبنى بهاتفه الجوال قبل وصول التلفزيون الحكومي. صادف (محمد) سيارات الإسعاف الأولى عندما كان يتوارى عن الأنظار. أدرك حينها أن أجهزة الأمن التي تحرس مداخل الجامعة عادة، قد اختفت.
     عندما وصل إلى منزله بعد عشر دقائق، اكتشف أن التلفزيون الرسمي أعلن عن وقوع عملية تفجير إرهابية بسيارة مُفخخة أمام الجامعة. قال (محمد): "هذا غير معقول، لا يمكن لأي سيارة أن تقف على بعد أقل من ثلاثين متراً. الرصيف عريض جداً. من المؤكد أن القذائف جاءت من الطائرة". نرى جيداً في الصورة التي التقطها (محمد) أنه ليس هناك إلا سيارة واحدة واقفة على الرصيف، وقد تحطم نصفها. لم ينقلب هيكل السيارة، ولم تتحطم أو تنقلب على ظهرها. لقد تضررت فقط المنازل الموجودة في أسفل ووسط البناء، ولم تصل الأضرار إلى واجهة المبنى بكاملها، كما حصل خلال عمليات التفجير السابقة بالسيارات المفخخة في دمشق وحلب.
     احتدم الجدل مساء اليوم نفسه على شبكات التواصل الاجتماعية بين معارضي ومؤيدي النظام. احتمى المؤيدون خلف رواية بديلة لمواجهة وابل الشهادات القائلة بوجود طائرة مقاتلة في سماء حلب في لحظة الهجوم، وأشاروا إلى أن المتمردين أطلقوا صاروخ مضاد للطائرات، ولكنه أخطأ هدفه وسقط على الجامعة. اعتبر (محمد) أن النظام السوري يتحمل بدون شك مسؤولية الهجوم، وقال: "ولكن لا أفهم لماذا يُهاجم الجامعة؟ لم يعد يحصل فيها أي شيء. أصبح عددنا قليل جداً لدرجة أننا لم نعد نُمثل تهديداً". يوجد داخل الجامعة موقع مدفعي تابع للجيش السوري منذ فصل الخريف،ولم يُهاجمه المتمردون خوفاً من الأضرار الجانبية. الغريب في الأمر أن البناء الذي تعرض للهجوم، تسكن فيه عائلات النازحين من حي صلاح الدين، بعد تدمير منازلهم بشكل كامل بسبب المعارك.
     جاء الجواب على السؤال الذي طرحه (محمد) في اليوم التالي عبر البيان الرسمي الصادر عن وزارة الخارجية السورية حول التدخل الفرنسي في مالي، وجاء فيه: "في الوقت الذي يدّعي فيه البعض، ولاسيما الدول الغربية، أنهم يريدون مكافحة الإرهاب في مالي ـ ونحن ندعم المعركة ضد الإرهاب أينما كانت ـ فإنهم يدعمون الإرهاب في سورية". تُمثل العملية الفرنسية في مالي فرصة جيدة للنظام السوري الذي ينوي الاستفادة منها أقصى ما يمكن: فقد تراجع الاهتمام بالحرب في سورية، وعزز خطاب النظام حول ادعائه "بمكافحة الإرهاب" الذي كان جوابه الوحيد منذ بداية الثورة في آذار 2011. لقد ارتفعت الحصيلة اليومية لأعمال العنف في سورية من حوالي مئة قتيل يومياً إلى حوالي مئتي قتيل يومياً منذ بداية الهجوم الفرنسي على مالي.

(عودة المعارك الدامية إلى حمص)


صحيفة الليبراسيون 23/1/2013 بقلم لوك ماتيو Luc Mathieu

     شهدت حمص في الأيام الأخيرة عودة المعارك الدامية على نطاق واسع بين المتمردين وقوات النظام. وأشار المرصد السوري لحقوق الإنسان إلى مقتل 23 جندي وعنصر من الميليشيات المؤيدة للنظام على الأقل منذ يوم الأحد 20 كانون الثاني بالإضافة إلى جرح مئة آخرين.
     يمكن تفسير عنف المعارك الدائرة في "عاصمة الثورة السورية"، كما يُسميها المتمردون، جزئياً من خلال الموقع الإستراتيجي لمدينة حمص الواقعة على طرف الطريق الواصل بين دمشق وساحل المتوسط. لم يستطع النظام القضاء على التمرد رغم استخدام الطائرات والمدفعية، وهناك شكوك بأن النظام يريد إقامة منطقة "محمية" تمتد من دمشق إلى اللاذقية بالقرب من الحدود التركية، هذه المنطقة التي يتركز فيها السكان العلويون. ويشك السكان السنة في المنطقة بأن النظام يريد طردهم وإبعادهم إلى الشرق.
     توقعت روسيا البارحة 22 كانون الثاني بأن النزاع في سورية سيستمر طويلاً، وأن انتصار المتمردين ما زال بعيداً. صرّح نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف: "تنبأ البعض في البداية بشهرين أو ثلاثة أو أربعة أشهر، ولكن النزاع مستمر منذ حوالي السنتين. يمكن أن يتطور النزاع بأشكال مختلفة. أعتقد أن النزاع قد يطول كثيراً".

(لنحترم صورة الشعب السوري)


صحيفة الليبراسيون 23/1/2013  بقلم تجمع للسينمائيين السوريين باسم (أبو نظّارة ـ Abounaddara)

ملاحظة من المدونة:  يترأس تجمع (أبو نظّارة) المخرج السوري للأفلام الوثائقية شريف كيوان وهو الناطق الرسمي باسم شركة (أبو نظّارة) لانتاج الأفلام. قام الكاتب بترجمة كتاب (الملكة والخطاط ـ يهود دمشق) للمؤلف موسى عبادي والذي صدر باللغة الفرنسية عام 1993. كان موسى عبادي كاتباً وناقداً مسرحياً، غادر سورية بلده الأم عندما كان عمره 20 عاماً من أجل الدراسة في فرنسا، ثم أسس فيها مع زوجته (أوديت) شبكة مارسيل Marcel التي قامت بانقاذ 527 طفلاً يهودياً خلال الاحتلال الألماني. يوجد قبره في مدينة باريس. هذه المعلومات نشرتها صحيفة الليبراسيون بتاريخ 18 آب 2011 عندما نشرت مقالاً حول  سورية بقلم المخرج شريف كيوان بعنوان: (عزيزي موسى عبادي، إن مُخادعينا قد انهاروا)، ويمكن قراءته في نهاية هذا المقال.

     لا يُشبه بشار الأسد صورته. يُقال أنه رئيس ميليشيا، وأنه رجل مخلص جداً، وطاغية دموي، وقاتل بالجملة. ولكن تظهر على ملامحه صفات الرجل المحترم مع ابتسامة متعالية وزأزأة مُحببة. يجب أن نعلم أن جنود الطاغية يقتلون الأرامل والأيتام. من الصعب عدم الشعور بالشك عند رؤية هذا الرجل المحترم على مسرح الأوبرا بدمشق، عندما ألقى كلمته مؤخراً وأظهر نفسه كضامن للوحدة الوطنية تجاه الجهاديين الشريرين.
     لا تُشبه سورية أيضاً صورتها. قيل لنا أن هذا البلد قومي وعلماني، وأنه شَهِد عملية تحديث عميقة على الصعيدين السكاني والتعليمي، وأنه مستعد مثل تونس للانضمام إلى النموذج الديموقراطي العالمي. ولكنهم يُغرقوننا الآن بصور بلد غارق في "الحرب الأهلية" أو حتى في "الصوملة"! إذا نظرنا إلى هذه الصور التي تنشرها كبرى وسائل الإعلام، فمن الصعب ألا نشعر بالشك، وأن نتساءل فيما إذا كان يجب إرسال طائرات رفال الفرنسية أو F16 الأمريكية لمساعدة هذا الرجل المحترم في مسرح الأوبرا بدمشق، والقضاء على أنصار تنظيم القاعدة.
     هناك غموض في الصور، ويستفيد منه بشار الأسد على حساب عشرات الآلاف من ضحاياه المؤكدين. إن المسؤول الأول عن هذه الخدعة بلا شك هو النظام البعثي الذي حرم المجتمع السوري من صورته. لقد وصل هذا النظام إلى السلطة بعد انقلاب مُسلّح عام 1963، وكرّس صورة شمولية عن سورية بعد أن طرد النخب الليبرالية، وأمّم المجتمع المدني، واحتكر الانتاج الثقافي والفني. وهكذا لم يبق أمام السوريين إلا الصورة الرسمية لبلد مُوحّد خلف رئيسه الذي يُفترض أن يكون الضمان الوحيد للسلام والعلمانية والقومية العربية، هذا البلد المعروف باسم "سورية الأسد"!
     لقد حافظت وسائل الإعلام الأجنبية أيضاً على هذا الغموض عبر الاكتفاء بالنظر إلى سورية عبر الموشور الجيوسياسي والفولكور أو "الشرق المُعقد". لأنه تم إنتاج الكثير من "المواضيع"، كما يُقال باللغة الإعلامية، والأفلام الوثائقية حول شخصية الطاغية والنزاع مع إسرائيل وملذّات المدينة والمسيحيين في الشرق. ولكن هل تم القيام بذلك من أجل رؤية وسماع المجتمع السوري الذي كان محكوماً عليه بألا يكون مرئياً من قبل الطاغية الذي انتفض هذا المجتمع ضده حالياً؟ وكيف يمكن إعطاء الكلام إلى هذا المجتمع الذي يبدو أن حتى وجوده هو مثار شك، لأنه لا يملك الحق بالظهور في وسائل الإعلام؟
     اختارت وسائل الإعلام العربية والغربية الهروب إلى الأمام بدلاً من القيام بعملية نقد ذاتي كما فعلت في الماضي. منذ بداية الثورة السورية في آذار 2011، أرادت وسائل الإعلام العربية والغربية التغلب على التعتيم الذي يفرضه النظام، واستدارت نحو أشخاص نصّبوا أنفسهم ممثلين جدد لهذا المجتمع (معارضون سياسيون وناشطون ومواطنون ـ صحفيون وفنانون و...). للأسف، إن هؤلاء الممثلين الجدد للمجتمع يتجهون نحو استثمار الخطاب الإعلامي لتصغير الثورة وتبسيطها بشكل ساذج إلى معركة بين الخير والشر، بين الشعب والوحش في السلطة...
     إن شدة التركيز على شخصية الوحش وتكرار أن أيامه معدودة، أدى في النهاية إلى نزع المصداقية عن المؤسسات الإعلامية. كما أن التركيز على الثورة عبر موشور الجهاد، أعطى المصداقية لصورة بشار الأسد الذي ينتقد المؤامرة الجهادية. كما أن التركيز على رؤية المجتمع السوري عبر صور مُشتبه بها، أدى إلى تعزيز نظرة أولئك الذين يشكّون بوجود هذا المجتمع.
     يُقاتل المجتمع السوري اليوم من أجل الدفاع عن وجوده تجاه دولة الميليشيا التي تحاول تدمير جميع أشكال التواصل الاجتماعي. إذا نجح هذا المجتمع بالبقاء، ربما سيكون بإمكانه المشاركة في "الموعد مع الحضارات" الذي وعدنا به علماء السكان وحكماء المتوسط. إذا لم ينجح المجتمع بالبقاء، ربما سيغرق في الفوضى التي ستكون مثار سعادة كبيرة لبشار الأسد والجهاديين بجميع أشكالهم.
     بالنسبة لنا نحن السينمائيين السوريين، نحن منخرطون تماماً في هذه المعركة. نقوم بإخراج أفلام عاجلة لإظهار مجتمعنا وهو يقع فريسة للبربرية. وهناك الكثير من الفنانين أو المواطنين السوريين المجهولين الذين يقومون مثلنا بإنتاج صور بديلة وبنشرها على الأنترنت مثل الزجاجات الملقاة في البحر. إننا مؤمنون بأنه بالإمكان تمثيل المعركة من أجل الحرية دون الغرق في الفولكور، وإظهار الرعب دون الاستسلام أمام المناظر الوحشية، والحديث عن الجهاد دون نسيان وزنه النسبي. إن اللبيب من الإشارة يفهم، سلامات!

 (عزيزي موسى عبادي، إن مُخادعينا قد انهاروا)   
صحيفة الليبراسيون 18 آب 2011  بقلم المخرج السوري شريف كيوان

     ستُغير الثورة وجه بلدنا قبل أن تنفذ الطبعة الأولى من كتابك، ولا يمكنني تخيّل كيف سيكون وجه الشرق الأوسط عندما ستصدر الطبعة الثانية أو الثالثة من كتابك. يجب أن أتحدث في مقدمة الطبعات القادمة لكتابك عن الشخصيات الهدّامة في كتابك ابتداء من الخياط العجوز الذي ينزل إلى الشارع يوم الجمعة لكي يطلب من الله أن يرسل له ثورة. يجب أن أعترف أنني لم أجد أثراً لهذا الشارع في دمشق، ولكن بعد أن اعتاد مواطنونا النزول إلى الشارع يوم الجمعة من أجل استعجال الثورة، قلت لنفسي أنه لن ينقصني الخيال أو الشجاعة. لم أكن أتصور أن شباب بلدنا يستطيعون التحرر من الأسد والله لدرجة تحويل يوم الصلاة الأسبوعية إلى مكان للمواطنة الثورية، ربما يعود السبب في ذلك إلى أنني عرفت بلدنا تحت حكم حزب البعث.
     تبدو شخصيات كتابك كرُوّاد أو كطريق جديد ينفتح أمامنا، وأشير هنا إلى شخصية علي ذو الساق الواحدة، هذا الرجل الفظ والغامض الذي يفرض سيطرته عن طريق الخداع، ويمضي وقته في إخافة صيصانه معتبراً نفسه كالسلطان. يوجد هنا تشبيه بالنظام البعثي الذي يجب إدراجه في الكتب المدرسية لأطفالنا، كما هو الحال بالنسبة لحكاية الملك العاري.
     هل يجب العودة، كما دعوتنا، إلى الأسباب التي أدت إلى تصديق خدع النظام البعثي ذو الساق الواحدة والذي نصّب نفسه سلطاناً أو "قائداً أبدياً". لقد برهن السوريون أنهم كانوا عمياناً عندما صدقوا وعود حافظ الأسد في بناء أمة على غرار صلاح الدين انطلاقاً من أسس مخادعة ووهمية. ويبدو أن العالم الحر صدّقه أيضاً ابتداء من هنري كيسنجر الذي رأى في هذا المخادع بسمارك الشرق وجاك شيراك الذي تعامل معه كرجل دولة كبير قبل أن يتعهد برعاية ابنه.
     لنعود إلى الأسس المخادعة والوهمية! ظهرت خلال الحقبة الاستعمارية في الشرق الأوسط أهم نظامين مخادعين هما: شخصية علي ذو الساق الواحدة والملكة صالحة ستيتية المُلقبة بالحمامة الفاضلة التي تسعى إلى جر رعاياها اليهود إلى مملكتها الغامضة التي يظهر فيما بعد أنها مملكة وهمية. أعرف أنك غاضب مني لأني تحدثت كثيراً في مقدمة الكتاب عن الملكة صالحة الشريرة ولم أتفوه بكلمة عن شريكها ذو الساق الواحدة. لم أكن أستطيع في ذلك الوقت إلا أن أشبّه الملكة بالصهيونية لأن أية إشارة إلى البعث ستؤدي إلى منع كتابك واعتقالي، ولكن الأمور تغيرت الآن وأظهرت الثورة أن الصهيونية والبعثية يُشكلان وجهين لعملة واحدة، وهذا ما كان مُحرّماً عند صدور كتابك في شهر كانون الثاني 2011. يقول البعثيون للجميع وفي كل مكان: "إذا سقطنا، سيسقط شركاؤنا في تل أبيب أيضاً!". ويعترف الصهاينة أنهم كانوا ينظرون دوماً بشكل إيجابي للأسد الابن وللمأسوف عليه الأب ذو الساق الواحدة.
     أعرف أنك كنت مضطراً لأن تقول بأنك مسلم وليس يهودي، ولكن يجب أن تعرف بأن المتظاهرين في يوم الجمعة لا يبالون بالهويات الدينية في صراعهم من أجل الحرية. يجب أن تعرف أن كتابك يلقى إقبالاً كبيراً في مكاتب دمشق.