الصفحات

الخميس، ٢٨ شباط ٢٠١٣

(هولاند يريد فك الجليد عن العلاقات مع بوتين)


صحيفة الفيغارو 28 شباط 2013  بقلم مراسلها الخاص في موسكو آلان بارليويه Alain Barluet ومراسلها الدائم في موسكو بيير أفريل Pierre Avril

     يعمل فرانسوا هولاند بشكل دؤوب وممنهج في زياراته الرسمية الخارجية على رسم خارطة طريق تتمحور حول الدبلوماسية الاقتصادية باتجاه الدول الكبرى الصاعدة. لقد زار الهند (14 شباط) وسيزور الصين في شهر نيسان، ويبدأ اليوم 28 شباط زيارة إلى روسيا. يرافق الرئيس الفرنسي عدد من الوزراء  الفرنسيين وحوالي خمسة عشر رئيساً لعدد من الشركات الفرنسية. أشار قصر الإليزيه أن هذه الزيارة لا تهدف إلى التوقيع على عقود بل إلى تسهيلها وتسريعها. بلغ حجم الاستثمارات الروسية في فرنسا مليار يورو مقابل 12 مليار يورو للاستثمارات الفرنسية في روسيا، واعتبرت موسكو أن السبب في هذا التفاوت هو "العقبات البيروقراطية" التي تواجهها الاستثمارات الروسية في فرنسا.
     أشار قصر الإليزيه إلى أنه يرغب بتطوير علاقة قوية ومستقرة مع بلد كبير وعضو في مجلس الأمن وفي قمة الثمانية وقمة العشرين مثل روسيا، واعتبر أن هذا الدور أساسي من أجل التوصل إلى تسوية واتخاذ قرارات على الصعيد الدولي ولاسيما حول سورية. وأشارت باريس إلى أنه سيتم التطرق إلى الملف السوري يوم الخميس 28 شباط "بصراحة وبدون توتر". لقد قامت موسكو مؤخراً ببعض بوادر الانفتاح تجاه بعض أطراف المعارضة، ولا تستبعد أن يكون المستقبل بدون بشار الأسد، ولكنها ما زالت غير مستعدة حتى الآن للتضحية بحليفها مقابل حل سياسي.    

(هولاند يريد فك الجليد عن العلاقات مع بوتين)


صحيفة الفيغارو 28 شباط 2013  بقلم مراسلها الخاص في موسكو آلان بارليويه Alain Barluet ومراسلها الدائم في موسكو بيير أفريل Pierre Avril

     يعمل فرانسوا هولاند بشكل دؤوب وممنهج في زياراته الرسمية الخارجية على رسم خارطة طريق تتمحور حول الدبلوماسية الاقتصادية باتجاه الدول الكبرى الصاعدة. لقد زار الهند (14 شباط) وسيزور الصين في شهر نيسان، ويبدأ اليوم 28 شباط زيارة إلى روسيا. يرافق الرئيس الفرنسي عدد من الوزراء  الفرنسيين وحوالي خمسة عشر رئيساً لعدد من الشركات الفرنسية. أشار قصر الإليزيه أن هذه الزيارة لا تهدف إلى التوقيع على عقود بل إلى تسهيلها وتسريعها. بلغ حجم الاستثمارات الروسية في فرنسا مليار يورو مقابل 12 مليار يورو للاستثمارات الفرنسية في روسيا، واعتبرت موسكو أن السبب في هذا التفاوت هو "العقبات البيروقراطية" التي تواجهها الاستثمارات الروسية في فرنسا.
     أشار قصر الإليزيه إلى أنه يرغب بتطوير علاقة قوية ومستقرة مع بلد كبير وعضو في مجلس الأمن وفي قمة الثمانية وقمة العشرين مثل روسيا، واعتبر أن هذا الدور أساسي من أجل التوصل إلى تسوية واتخاذ قرارات على الصعيد الدولي ولاسيما حول سورية. وأشارت باريس إلى أنه سيتم التطرق إلى الملف السوري يوم الخميس 28 شباط "بصراحة وبدون توتر". لقد قامت موسكو مؤخراً ببعض بوادر الانفتاح تجاه بعض أطراف المعارضة، ولا تستبعد أن يكون المستقبل بدون بشار الأسد، ولكنها ما زالت غير مستعدة حتى الآن للتضحية بحليفها مقابل حل سياسي.    

الأربعاء، ٢٧ شباط ٢٠١٣

(الولايات المتحدة تستقبل معارضين سوريين مُقرّبين من موسكو)


صحيفة الفيغارو 27 شباط 2013

     سيقوم مسؤولون في مجلس الأمن القومي الأمريكي باستقبال هيثم المناع وريم تركماني وأيمن الحصري بتاريخ 14 آذار، ثم سيستقبلهم مسؤولون في وزارة الخارجية الأمريكية بتاريخ 19 آذار. كانت الولايات المتحدة تُفضّل حتى الآن الاتصال مع قادة الإئتلاف الوطني، ولكن واشنطن تتمنى من قادة هذا المجلس توسيع صفتهم التمثيلية. أكد هيثم المناع قائلاً: "سيتم التركيز على إمكانية التوصل إلى حل سياسي لتسوية الأزمة السورية. يبدو لنا أن جون كيري يُشجع مثل هذا الحل السياسي". هيثم المناع هو عضو في حركة التنسيق الوطني المعارضة المُقّربة من روسيا، وهو من أكثر المعارضين لتسليح المتمردين.
     سيقوم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف باستقبال هذا الوفد الثلاثي في موسكو بتاريخ 11آذار.

(في حمص، التمرد يتجمد في حالة خمود زائف)


صحيفة الفيغارو 27 شباط 2013  بقلم مراسلها الخاص في حمص جورج مالبرونو Georges Malbrunot

     كان طريق دمشق ـ حمص شبه خال هذا الصباح بعد عبور حاجز الجيش النظامي في ضاحية القابون المتمردة التي تتعرض إلى قصف منتظم بالطائرات، ويشهد على ذلك الأبنية المهدمة على جانبي الطريق. تتكرر مناظر الدمار نفسها بعد عدة كيلومترات في دوما وعدرا. ثم يمتد الطريق لمسافة 160 كم في الصحراء وتختفي الحواجز على الطريق باستثناء مدينة النبك التي انطلق منها المتمردون قبل عدة أيام لمهاجمة الجيش وقطع الطريق. تقع هذه المدينة ومآذنها التي نراها على يمين الطريق تحت سيطرة المتمردين. في يبرود، تم التوصل إلى هدنة بين المتمردين الذين يُديرون المدينة وبين الجيش الذي يراقب من بعيد. قالت (رندا) التي ترافقنا في سيارة الأجرة: "ستستغربون عند الوصول إلى حمص، إن هذه المدينة أكثر هدوءاً من دمشق". تجاوزت سيارة الأجرة إحدى الشاحنات المتجهة إلى ميناء طرطوس على البحر المتوسط الذي يقوم بتموين دمشق والمناطق الداخلية. هناك بعض الحافلات الصغيرة وسيارات المرسيدس السوداء التابعة للشرطة السرية في طريقها إلى حمص. ما زالت صور بشار الأسد مُعلّقة على هذا الطريق الواصل بين دمشق وحمص، ويحرص النظام على السيطرة على هذا المحور الإستراتيجي الهام الذي يصل بين دمشق ومعقله في المنطقة العلوية.
     عادت الحياة إلى حمص بعد أن تعرض التمرد فيها إلى أعنف قصف قبل عام، إن ثلثي أحياءها على الأقل تحت سيطرة الجيش، وفتحت المحلات والمؤسسات أبوابها. لا تتعرض "عاصمة الثورة" سابقاً إلى الحصار بعكس دمشق، ولكن أصوات القصف تُسمع فيها من وقت لآخر. لا تبدو العصبية على الجنود في الحواجز، وكان أحد هذه الحواجز بإدارة فتيات شابات مسلحات بثيابهن الشبيهة بجلد الفهد. يُطلق أنصار النظام عليهن بـ "لبوات الأسد" اللواتي يُشكلن جزءاً من "جيش الدفاع الوطني" الذي يسعى النظام إلى تشكيله عبر تنظيم الميليشيات. قالت إحداهن: "إنهن بنات أو أمهات الشهداء". تنتمي معظمهن إلى الطائفة العلوية. هل هو استفزاز للمتمردين السنة أم تحدي للرجولة الشرقية؟ لا شك أنه القليل من الإثنين معاً.
     يقع مكتب المحافظ بعد مسافة قصيرة من هذا الحاجز على طريق تدمر. أقام أحمد منير محمد، عسكري سابق، مكاتبه في بناء كان مخصصاً عادة إلى الخدمات الفنية للمدينة. في اليوم الذي وصلنا فيه إلى المدينة، كان المحافظ يترأس اجتماعاً موسعاً يضم 300 شخص من وجهاء المدينة والمعارضين في منطقة حمص في إطار برنامج "المصالحة الوطنية" الذي أطلقه النظام. إنه ذر للرماد في العيون بالنسبة للمتمردين المسلحين الذين يرفضون المشاركة فيه. ولكنه أيضاً بالتأكيد محاولة لإعادة اللحمة للنسيج الاجتماعي الممزق بعد سنتين من أعمال العنف الدامية. أكد الخور أسقف الروم الكاثوليك ميشيل نعمان الذي درس في جامعة السوربون قائلاً: "يجب علينا القيام بكل شيء لوقف تدمير بلدنا حتى ولو كان احتمال نجاح هذه المصالحة لا يتجاوز الـ 10 %. يجب على العالم أن يساعدنا، ولكن بدون إرسال السلاح إلى الحكومة ولا إلى المعارضة".
     استمر الاجتماع خمس ساعات، وكان صاخباً ولاسيما عند التطرق إلى مسألة السجناء. أشار المحافظ إلى أنه تم الإفراج عن 600 سجين. ولكن ما زال هناك أكثر من 1500 وراء القضبان. أكد أحمد منير محمد أنه على اتصال مع رؤساء المجموعات المسلحة الذين وافق بعضهم في الأشهر الأخيرة على إلقاء السلاح والمشاركة في برنامج المصالحة، ولكنهم لا يمثلون إلا قطرة ماء في المحيط. أكد لنا وزير المصالحة علي حيدر في اليوم التالي بمكتبه في دمشق أن "الاجتماع لم يكن مثمراً"، واعترفت هذه الشخصية التي لا تنتمي إلى حزب البعث الحاكم قائلة: "المحافظ يمثل الدولة، هذه هي المشكلة. إن المعارضين بحاجة إلى رؤية أشخاص أخرين أمامهم عندما نُحدّثهم عن المصالحة".
     ما زال هناك ما بين ثلاثة وأربعة آلاف متمرد محاصرين في المدينة القديمة بحمص. من المستحيل الاقتراب من أحيائهم في الخالدية والحميدية. هناك بعض المدنيين بينهم، ومنهم ثمانين مسيحياً لا يستطيعون الخروج إلا عبر الممرات الكثيرة الموجودة تحت الأرض في حمص. تذكّر الأب ميشيل نعمان قائلاً: "خرجت في شهر أيار بقميص وبنطال". إن الوضع الإنساني داخل هذه الأحياء كارثي. إن آخر مرة وصلت إليها مساعدات غذائية وطبية، كانت قبل  حوالي أربعة أشهر. قام الجيش بقصف المناطق المحيطة بالخالدية بعنف لكي يجعلها منطقة خالية من السلاح، وشدد الخناق حول هؤلاء المتمردين في الأسابيع الأخيرة. من المحتمل إثارة غضب عائلات المتمردين في حي باب عمرو بعد إسكانهم في حي الوعر في غرب حمص. حذّر أحد سكان الحي والحقد يطفح منه قائلاً: "إن الوضع قابل للانفجار في هذا الحي، تكفي مجرد شرارة صغيرة لإشعال النيران من جديد". لقد ترك الكثير من المتمردين مدينة حمص بعد سحق حي باب عمرو قبل عام، ولكن بعضهم انضم إلى المجموعات المسلحة سواء في حمص أو في المدن التي وصلها التمرد.
     أكد المحافظ في مكتبه، تحت صورة الرئيس الحتمية، على أهمية الاجتماعات التي ينظمها بين الشباب السنة في حي باب عمرو وحي الإنشاءات وبين جيرانهم العلويين في حي عكرمة. ولكن ما هي النتائج؟ حتى ولو كان السكان متعبين بسبب النزاع المستمر منذ سنتين، فإن الثقة لم تعد موجودة. قالت إحدى طبيبات الأسنان المسيحيات في حي المحطة (سميرة) متأسفة: "يخرج المتمردون أحياناً من مخابئهم لمهاجمة مواقع الجيش أو الأبنية الحكومية. جيراننا المسلمون يؤيدون المعارضة، ولكننا لا نتحدث بالسياسة معهم". لا يوجد طوابير طويلة أمام محطة البنزين بالقرب من منزلها، وذلك بعكس الوضع بالنسبة لمحطات البنزين في دمشق. لقد عادت المصفاة إلى العمل، لأنها تقع في أحد الأحياء الذي عاد إلى سيطرة الجيش النظامي. عادت مئات العائلات إلى منازلها مستفيدة من الهدوء السائد خلال الأشهر الأخيرة. وجاءت بعض العائلات من حلب أو دير الزور للجوء إلى حمص، لأن المعارك ما زالت محتدمة في هاتين المدينتين.
     شاهدنا بعض هذه العائلات في شارع الكرامة بحي باب عمرو، وهناك صورة كبيرة للأسد مُعلّقة لإخفاء أحد الأبنية المهدمة. هناك سجادات وألبسة مُعلّقة على شرفات الأبنية المهدمة، وكانت هناك إمرأة مُحجبة تنتظر مع ابنتها التي وضعتها في عربة للأطفال. ولكن الألسن تجد صعوبة في التحدث، والمظاهر مُضللة. بمجرد الدخول في الشوارع الضيقة، نتذكر تدمير برلين بعد الحرب العالمية الثانية. قالت إحدى الشابات العلويات: "إذا كان الهدوء يعمّ اليوم، فلأن الجيش قام بتطهير جميع أماكن الإرهابيين". ما زال الحقد مستمراً بين أقلية الرئيس والسنة. لم يتردد العلويون في إحدى أحيائهم بافتتاح "سوق السنة" الذي نجد فيه المواد المسروقة التي سرقتها الميليشيات المؤيدة للنظام من الأحياء المتمردة وبسعر رخيص. ما زال حي الحمرا بالقرب من جامع عمر عبد العزيز تحت الرقابة الشديدة منذ انفجار السيارة المفخخة. قالت (سميرة) التي كانت تريد الاعتقاد بعودة التعايش: "كانت مفاجأة كبيرة بالنسبة لنا". لقد عاد زوجها (عامر ـ موظف في مصرف) قبل يوم واحد من دمشق بشكل عاجل بسبب مكالمة هاتفية مُرعبة، وقال متأسفاً: "اتصل بي رجل لكي يقول لي بأنه استولى مع أربعة مقاتلين على مزرعتي التي تقع على بعد خمسة كيلومترات من حمص. وقال لي أنه إذا قمت بتبليغ الجيش، فإنهم سيقومون بتفجير منزلي. ما هذه الثورة؟".
     يُسيطر المتمردون على المدن المحيطة بحمص مثل الرستن وتلبيسة، وهم بحاجة إلى مثل هذه القواعد الخلفية لكي يأملوا باستعادة السيطرة على حمص. يبدو أن الحوار مستحيل بينهم وبين النظام. ولكن المحافظ قلل من أهمية ذلك قائلاً: "نعم، ولكن الرستن وتلبيسة حالتان خاصتان. لقد نجحت الهدنة في تلكلخ بالقرب من الحدود اللبنانية. ولكن الرستن تضم الكثير من الضباط الذين هربوا من الجيش، وهم من الميؤوس منهم". يجب أن نكون ساذجين لكي نؤمن مع الأب ميشيل نعمان بوجود "بصيص أمل" منذ الدعوة التي وجهها رئيس الإئتلاف الوطني معاذ الخطيب للتفاوض مع النظام من أجل إيقاف المجازر. قال ميشيل نعمان بمرارة: "ضاع كل شيء. الجميع ضعفاء. لا يهم إذا كان الحوار مع أو بدون شروط، ولكن يجب إنقاذ سورية". الشعب مُنهك. يُعارض المتمردون بشكل واضح الحوار مع نظام يبدو أنه لا يريد الحوار أيضاً. في حمص، ربما لا يستمر الهدوء الزائف.

(الحظر على الأسلحة إلى سورية لا يُعاقب إلا معارضي نظام الأسد)


صحيفة اللوموند 27 شباط 2013 ـ مقابلة مع الجنرال سليم إدريس ـ أجرى المقابلة مراسلها الخاص في استانبول بنجامان بارت Benjamin Barthe

     الجنرال سليم إدريس (54 عاماً) هو رئيس الجيش السوري الحر، كان أستاذ الإلكترونيات في الأكاديمية العسكرية بحلب، وانشق في شهر تموز 2012. أصبح رئيس الجيش السوري الحر في شهر كانون الأول 2012. إنه يتنقل بين محافظة إدلب التي أنشأ فيها نواة هيئة أركان المتمردين، وبين استانبول التي يدعو فيها الدبلوماسيين الغربيين إلى تأييد تسليح المعارضة.
سؤال: اجتمع وزراء الخارجية الأوروبيون في بروكسل يوم الاثنين 18 شباط، ولم يتوصلوا إلى الاتفاق على رفع الحظر على الأسلحة عن سورية، وهو شرط لا غنى عنه من أجل تزويد المتمردين بالمعدات العسكرية. ما هي ردة  فعلكم؟
سليم إدريس: إنه أمر مُحزن. إن الحظر على الأسلحة لا يُؤثر على النظام المدعوم عسكرياً من قبل روسيا وإيران. نعرف أن هناك سفينة روسية  تصل إلى طرطوس كل أسبوع، وتقوم بتفريغ أكثر من طن من الأسلحة والذخيرة. إن الحظر لا يُعاقب إلا المعارضين وأولئك الذين يُقتلون والمدن التي تتعرض للقصف. هذا هو الواقع. آمل أن يتوصل الاتحاد الأوروبي في النهاية إلى تغيير موقفه. من المفترض أن يناقش الاتحاد الأوروبي هذا الموضوع مرة أخرى بعد ثلاثة أشهر. ولكن كم عدد السوريين الذين سيُقتلون بانتظار ذلك؟ 15000؟ 30.000؟
سؤال: بماذا تردون على الدول الأوروبية مثل ألمانيا والدول الاسكندنافية التي تخشى من أي يؤدي إرسال الأسلحة إلى تفاقم الفوضى السائدة في سورية؟
سليم إدريس: هاجمنا قبل عدة أسابيع قاعدة الجرّاح الجوية في منطقة إدلب. لقد نجح الهجوم خلال خمس ساعات لأننا كنا نملك المعدات الملائمة التي حصلنا عليها من قواعد الجيش السوري التي استولينا عليها سابقاً مثل: المدافع عيار 130 ملم وراجمات قذائف كورية عيار 107 ودبابات روسية طراز T52 وT62. ولكن قواتنا العسكرية التي تُحاصر ثكنة وادي ضيف العسكرية، تراوح في مكانها منذ 35 يوماً بسبب نقص الذخيرة. يأتي العشرات من قادة الكتائب يومياً إلى مكاتبنا بمنطقة إدلب للحصول على الذخيرة. بشكل عام، لا نستطيع إعطاءهم أكثر من ألف أو ألفي طلقة كلاشينكوف، في حين أنهم يطالبون بخمسين أو مئة ألف طلقة.
سؤال: ولكن السعودية وقطر لا تخفيان رغبتهما بتسليح المعارضة...
سليم إدريس: لم نتلق أي سلاح من قبلهما. نتلقى مساعدة إنسانية وطبية، ولكننا لا نتلق الأسلحة التي نحتاجها بشكل عاجل مثل: راجمات القذائف أرض ـ جو أو الصواريخ المضادة للدبابات. نحن لا نملك حتى أجهزة اتصالات بعيدة المدى. يبدو أن الدول الغربية تنتظر حتى يتدمر بلدنا بشكل كامل لكي يأتوا لمساعدتنا.
سؤال: أظهرت أفلام الفيديو التي يضعها المتمردون على الأنترنت، وجود معدات أكثر تطوراً من المعتاد، ولا يبدو أنها جاءت من مستودعات الجيش السوري...
سليم إدريس: إنها الأسلحة التي نشتريها من التجار المتخصصين والتي تدخل إلى سورية عبر العراق. أما بقية ترسانتنا فتأتي من الجيش السوري مثل الأسلحة التي تم الحصول عليها من المواقع التي قمنا بالاستيلاء عليها أو الأسلحة التي تم شراؤها من الضباط. وافقت مؤخراً إحدى وحدات القوات الخاصة المنتشرة غرب حلب على التنازل عن أسلحتها مقابل رشوة كبيرة.
سؤال: كشفت الواشنطن بوست في رسالة مؤرخة بتاريخ 4 شباط أنكم طلبتم مساعدة واشنطن لإنشاء وحدات خاصة...
سليم إدريس: لم نتلق جواباً على هذا الطلب. في الوقت الحالي، إن التأهيل الوحيد الذي تقبل الولايات المتحدة تقديمه يتعلق بالحق الإنساني الدولي. ولأسباب أجهلها، تعتقد الأطراف الأمريكية التي أحاورها أنه هام جداً. نحن نطلب أسلحة، ولكن كل ما يقترحونه هو دورات في الحق  الإنساني.
سؤال: طلبتم في هذه الرسالة أيضاً تدريب رجالكم على تأمين مخازن الأسلحة الكيميائية...
سليم إدريس: إن استعادة وتأمين هذه المخازن يُشكل جزءاً من أولوياتنا. لا أنصح الدول الغربية بالقيام بمثل هذه العمليات. إن تنظيم القاعدة والمجموعات الجهادية العاملة في سورية، ستُفسر ذلك على أنه احتلال. وسيحثهم ذلك على الانقلاب ضد القوات الغربية. سيكون ذلك قراراً كارثياً من قبلهم.
سؤال: هل الأسلحة التي تتلقاها المجموعات الجهادية أكثر مما يتلقاه الجيش السوري الحر؟
سليم إدريس: لديهم أسلحة جيدة، ولكن لا يجب المبالغة بدورهم. لم تقم جبهة النصرة لوحدها بالهجمات على القواعد العسكرية في شمال سورية مثل الهجوم على تفتناز، بل شاركت فيها مجموعات أخرى تابعة للجيش السوري الحر.
سؤال: هل هناك تقدم في هيكلة الجيش السوري الحر؟ هناك انطباع على الأرض بأن كل كتيبة لا تفعل إلا ما برأسها...
سليم إدريس: بنينا هيكلية بخمس جبهات: الجبهة الشمالية حول حلب والشرقية في دير الزور والمنطقة الساحلية والمنطقة الوسطى حول حمص والجنوب. ألتقي بقادة الجبهات الخمس بشكل منتظم، ونخطط للعمليات المستقبلية. ولكن ليس هناك قيادة مركزية. ما زال المدنيون يُشكلون أكثر من  70 % من الجيش السوري الحر. إن رؤساء الكتائب والوحدات هم الذين يقررون الهجمات التي يجب شنّها بالاتفاق مع القيادات في كل جبهة، لأنهم يعرفون الأرض بشكل أفضل. ولكنهم يتحدثون معي قبل البدء بالهجوم، ونحاول التنسيق فيما بيننا.
سؤال: هل تدعمون مبادرة رئيس الإئتلاف الوطني السوري معاذ الخطيب الذي قال بأنه مستعد للحوار مع ممثلين عن النظام لم تتلوث أيديهم بالدماء؟
سليم إدريس: أدعم جميع المبادرات الهادفة إلى حل الأزمة السورية، ولكن الشرط المسبق لأية مفاوضات يجب أن يكون رحيل الرئيس بشار الأسد.
سؤال: هل يقترب الهجوم على دمشق؟
سليم إدريس: لم نصل إلى هذا الحد حتى الآن. لم يتم الإعداد بشكل جيد للهجوم الذي قام به المتمردون في شهر تموز الماضي والذي فشل بسرعة. نحن نعمل من أجل القيام بهجوم نوعي سيصدم النظام وسيُحقق لنا تقدماً على الأرض. سيستغرق ذلك الوقت اللازم، ولكننا سننتصر في  النهاية حتى ولو لم تصلنا الأسلحة. يُظهر التاريخ أن إرادة الشعوب هي التي تنتصر دائماً في مواجهة الدكتاتوريين.



(تحرك روسي لوقف الحرب في سورية)


موقع الأنترنت لصحيفة الفيغارو 26 شباط 2013 بقلم رونو جيرار Renaud Girard

     تتحرك روسيا في محاولة لإنهاء الحرب الأهلية في سورية، وهذا ما أسرّت به إلى وزير الخارجية السوري الذي زار موسكو يوم الاثنين 25 شباط. لقد قدّم وليد المعلم عرضاً جديداً في العاصمة الروسية عندما قال أن النظام مُستعد للحوار مع المعارضة المسلحة. ولكن وزير الخارجية الأمريكي عبّر عن شكوكه بصدقية هذا العرض وقال أثناء زيارته إلى لندن: "يبدو لي أنه من الصعب أن نأخذ بجدية عرضهم للحوار عندما تستمر صواريخ السكود بالسقوط على الأبرياء المدنيين في حلب". ولكن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف يعتقد أن العرض السوري يُشكل تقدماً حقيقياً نحو الحل السياسي ويجب أخذه بعين الاعتبار. وسيقول سيرغي لافروف ذلك إلى جون كيري أثناء لقائهما في برلين يوم الثلاثاء 26 شباط.
     لقد أدرك الروس منذ أكثر من عام أن بشار الأسد لم يعد أمامه أية فرصة لاستعادة ما خسره في سورية، ولكنهم يسعون إلى حل سياسي يعقبه مرحلة انتقالية سلمية. لن ينزعج الروس من رحيل بشار الأسد ولكنهم يعتقدون بأنه ليس من حق الدول الغربية وحلفائها العرب السنة أن يفرضوا ذلك بالقوة. ولهذا السبب، تشعر موسكو بالقلق حول مصير الأقليات في سورية في حال سقوط النظام العلوي ووصول الأغلبية السنية ـ أو الجهاديين الذي يدّعون تمثيلها ـ  إلى السلطة. تخشى روسيا من شعار المقاتلين المتمردين الإسلاميين: "العلويون إلى التابوت والمسيحيون إلى بيروت"، وتعتبر نفسها وتقول ذلك من جديد أنها حامية المسيحيين في الشرق بعد أن أخفقت فرنسا في هذا الدور.
     تعتقد الدبلوماسية الروسية أنها قادرة على القيام بدور الحكم وإنهاء حمام الدم. يُمثل هذا الدور مجازفة لأنه لا المتمردين ولا السلطة مستعدون لتقديم التنازلات. يعتبر العلويون رحيل الأسد بشكل مُتسرّع سيؤدي إلى انهيار الجيش وأجهزة المخابرات، وليس لديهم أية ثقة بالمستقبل بعد الأسد. إنهم خائفون من أن ينتهي مصيرهم "مُعلقين في أفران الصهر" حسب تعبير السفير الأمريكي السابق في دمشق. وبما أنه ليس لديهم أي مكان آخر يلجؤون إليه، فهم مستعدون للقتال حتى النهاية.
     فيما يتعلق بقادة المتمردين، لماذا يقبلون بتقديم التنازلات؟ إنهم يشعرون بأن الرياح تهب لصالحهم، ويحظون بدعم مالي غير محدود من قبل السعودية وقطر، ويعتقدون أن الوقت يمر لمصلحتهم. قال رئيس الائتلاف الوطني السوري معاذ الخطيب الذي لا يحظى بتأييد الكثير من الكتائب المسلحة، أثناء وجوده في القاهرة أنه بانتظار مكالمة هاتفية من دمشق.
     هناك عقبات هائلة من حيث الشكل والمضمون يجب التغلب عليها قبل التوصل إلى البدء بالحوار المباشر. من حيث الشكل، يريد النظام أن يجري الحوار في دمشق. بينما يريد المتمردون أن يجري الحوار في المناطق "المحررة" المحاذية لتركيا. من حيث المضمون، تعتبر المعارضة أنه لا يمكن التوصل إلى أي حل سياسي بدون رحيل بشار ومحاكمة الضباط المتهمين "بالتعذيب وارتكاب المجازر". ولكن من غير الممكن أن تقوم الأجهزة السرية السورية، ومنها المخابرات الجوية، بنفسها بالتضحية برؤوس قادتها.    

الثلاثاء، ٢٦ شباط ٢٠١٣

(أسباب الثقة غير المعقولة للقادة السوريين)


صحيفة الفيغارو 26 شباط 2013 بقلم جورج مالبرونو Georges Malbrunot

     تغرق سورية بالفوضى، ولكن يبدو أن قادتها واثقون بالمستقبل على الرغم من عزلتهم الدولية. يُلاحظ جميع زورار الرئيس بشار الأسد أنه "هادىء ويبدو واثقاً من الانتصار في الحرب ضد الإرهاب" حسب التعبير الذي تستخدمه دمشق لوصف معارضيها. هل هو الانطواء الذي يتصف به جميع الدكتاتوريين؟ أم الثقة بالدعم الروسي والإيراني؟ أم ضعف خصومه؟ قال أحد الصناعيين الذين لديهم اتصال مع القادة البعثيين: "يتخيل القادة السوريون أنفسهم خالدين، ويعتقدون أن الوقت يمضي لصالحهم مع تدهور الوضع على الأرض، لأن الناس الذين يعانون من نقص المازوت للتدفئة سيتحسرون في النهاية على أيام ما قبل الأزمة".
     يشعر الأمريكيون والروس بالخوف من الفوضى المتزايدة وانتقال العدوى إلى لبنان والأردن، ويريدون حلاً تفاوضياً للأزمة. "ولكنهم يختلفون حول مصير الأسد" كما أكد أحد المسؤولين الأمميين المتابعين لهذا الملف، وقال هذا المسؤول: "إن الروس ليسوا متمسكين بالأسد، ولكنهم يكررون بأنه ليس الغرب الذي يقرر مصيره. يقول لنا الروس: إذا قرر الرحيل، نحن موافقون، وإذا لم يرحل، يجب تنظيم انتخابات، والسوريون هم الذين سيقررون". يعتقد بشار ـ زوجته ليست حامل بخلاف ما تقوله الإشاعات ـ الموجود في برجه العاجي أنه ما زال قادراً على أن يجمع حوله الأقليات (30 %) وبعض السنة الذين يشعرون بالقلق من وصول سلطة إسلامية ومن الفوضى التي ستطول. إن تفوقه العسكري الساحق والدعم الإيراني الثمين في مجال مراقبة الاتصالات، جعل السلطة تراهن على عودة الهدوء في بعض المدن التي عادت تحت سيطرتها مقابل الفوضى السائدة غالباً في المناطق المحررة. أدرك المعارضون الانقسام الحاصل، وهم يسعون إلى الإسراع بتشكيل حكومة تكنوقراطية من أجل الاقتراب من السكان.
     أصبح هناك مئات المجموعات المسلحة في أنحاء سورية. من المستحيل رسم خارطة سياسية أو عسكرية لسورية المتمردة. إن الوضع في إحدى المدن لا يشبه إطلاقاً مثيله في المدينة المجاورة لها، ولم يظهر أي زعيم كاريزمي من هذا المزيج المعقد. يدعم المتمردون الإئتلاف الوطني السوري لسبب وحيد هو أن عرّابه القطري دعمهم بالمال والسلاح في أحد الأوقات. ولكن عندما يتوقف هذا الدعم، تتجه أنظار قادة الحرب إلى جهة أخرى. وهذا هو السبب في عمليات الابتزاز التي يرتكبها المتمردون من أجل إجبار المسيحيين الذين لا يشاركون في التمرد على دفع "الضريبة الثورية"، كما حصل بالقرب من Lahjat ( قد تكون قرية اللجاة بالقرب من درعا) في الجنوب. ويقوم بعض المتمردين ببيع الأسلحة التي تصلهم، الأمر الذي دفع بأحد أجهزة الاستخبارات الأوروبية إلى أن يطلب عدم إرسال الأسلحة إلى المتمردين عبر تركيا لأن بعضهم قام ببيعها إلى الجيش النظامي أو إلى الجهاديين في جبهة النصرة.
     تعتبر الولايات المتحدة أن جهاديي جبهة النصرة إرهابيون، ولكنهم هم الوحيدون الذين يحصلون على السلاح والمال بشكل مستمر من قبل المانحين في الخليج. يحصل كل مقاتل في جبهة النصرة وسطياً على 150 دولار شهرياً مقابل 70 دولار للآخرين، وهذا ما يُفسّر ازدياد عددهم. ولكن لا يجب المبالغة بأهمية الحركة الجهادية التي لا تتجاوز 5 ـ 10 % من عدد الرجال المسلحين البالغ عددهم 150.000 مُسلح في سورية، أي حوالي عشرة آلاف رجل منهم ثلاثة أو أربعة آلاف أجنبي. وهذا بعيد جداً عن موجة الإرهابيين الأجانب المُرعبة التي يُلوّح بها النظام.
     لكي يحمي النظام نفسه من الفوضى المتزايدة، هناك ميل نحو الانطواء على طائفته وعائلته. لقد سيطر المتمردون على جزء كبير من المناطق القريبة من دير الزور، وقامت القبائل الغاضبة من الفوضى بجمع الأموال لتسليح خمسة ألاف رجل على الأقل. لقد خسر بشار الأسد أوراقاً إستراتيجية هامة في هذه المنطقة (سد الفرات والحقول النفطية والقواعد العسكرية) على الرغم من قلّة انشقاقات كبار المسؤولين السياسيين أو العسكريين. إنه يضعف ببطء ولكن أكثر فأكثر. هل سيستطيع الاستمرار طويلاً بتمويل جيشه وميليشياته أو دفع ثمن الأسلحة الروسية نقداً كما تطلب موسكو؟ أكد أحد الخبراء الفرنسيين أنه لن يستطيع الاستمرار لأكثر من شهر حزيران، ولاحظ أن النظام قام بإخراج جزء من أمواله نقداً إلى مصارف دبي عبر حليفه العراقي. إن هذا الضغط المتزايد ليس غريباً عن بعض بوادر الانفتاح التي قام بها الأسد مؤخراً.
     هذا هو السبب في وصول قوافل المساعدات الإنسانية التي أرسلتها الأمم المتحدة إلى اللاجئين الذي يعيشون في حالة فقر مُدقع في الشمال. قال أحد الدبلوماسيين في بيروت: "عندما كان أحد الأحياء يخلو من سكانه في السابق، كان الجيش يستمر بقصف الحي لكي يُظهر للسكان بأنهم لن يستطيعوا العودة إليه بسبب المتمردين المختبئين، ويترك السكان لوحدهم أمام الأنقاض. أما اليوم، فقد تراجع قصف الطائرات، كما لو أن النظام يسعى إلى تخفيف الضغط". وذلك في الوقت الذي تظهر فيه احتمالات التفاوض بين المعسكرين.
      إذا كان بعض كبار المسؤولين يُفكرون بإمكانية فقدان حلب وشمال سورية حتى حمص، فإن أولوية النظام ما زالت الحفاظ على دمشق. إنها حصن يحيط به مئة ألف جندي جاهزين للانتشار، بالإضافة إلى جميع الجنود الإضافيين مثل المجرمين المُسلحين الذين ينتشرون حالياً في شوارع العاصمة. حذر الصناعي المُقرّب من النظام قائلاً: "قيل لي على أعلى مستوى أنه في حال سقوط بشار، ستُصبح سورية الصومال الثانية، لأن كل حي لديه زعماء حرب سيُقاتلون ضد السلطات الجديدة".

(سورية: اتركونا نُعالج الناس)


صحيفة الليبراسيون 26 شباط 2013 بقلم رئيس منظمة أطباء العالم (Médecins du monde) تييري بريغو Thierry Brigaud والمدير العام لمنظمة أطباء العالم بيير سالينيون Pierre Saligino

     يستمر الوضع في سورية بالتدهور، وأعمال العنف ضد المدنيين لا تُطاق. إن هذه الحرب عار: إعدامات بلا محاكمة، تحويل السكان إلى رهائن وقصفهم، اعتقال الأطباء وابتزازهم وتعذيبهم، وليس هناك ملجأ للاحتماء به. إن هذه الحرب نزاع غير متوازن مع حكومة تستخدم الترهيب كسلاح حرب والاضطهاد من أجل القضاء على ثورة بدأت سلمياً في شوارع البلد ضد نظام دمشق. كيف يمكن الاستهزاء بحقوق الإنسان والحق الإنساني الدولي إلى هذه الدرجة؟ كيف يمكن الاعتقاد بأنه من الممكن إيصال وتوزيع المساعدة الإنسانية بشكل نزيه، وذلك في الوقت الذي تُعتبر فيه هذه المساعدة،حسب المكان والجهة المقصودة، دليلاً على المعارضة وتُعامل على هذا الشكل؟ لقد أصبحت معالجة الجرحى جريمة.
     يتلاعب النظام بالمساعدة الدولية الرسمية ويستخدمها لتحقيق مصالحه. أصبحت مساعدة ومعالجة جميع الضحايا بدون تمييز مجازفة خطيرة في هذا السياق القمعي والانتهازي. من الضروري متابعة النقاش الحالي حول إعادة التوازن بين المساعدة التي تصل إلى المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة وبين المساعدة التي ما زالت تنتظرها المناطق الخاضعة للمجموعات المعارضة. لأن هذا النقاش يسمح بإظهار الخطاب المزدوج للدول المؤثرة على الصعيد الدولي التي تدّعي غالباً أنها من "أصدقاء سورية". تُطالب هذه الدول بإنهاء النزاع ورحيل الدكتاتور الدموي، ولكنها ترفض في الوقت نفسه تقديم الدعم لإيصال الإغاثة إلى المناطق المُسماة بالمحررة. ولكن إذا كان تدهور الظروف الحياتية في سورية مأساوياً، فإن إعادة التوازن إلى هذه المساعدة لن تسمح بإنهاء معاناة السوريين. لقد تعلمنا ذلك من  تجربتنا الشخصية خلال الأشهر الأخيرة.
     كانت منظمة أطباء العالم موجودة في منطقة حلب منذ بداية أعمال العنف، ولكن الحكومة السورية رفضت تجديد السماح بإقامتنا وطردتنا. لهذا السبب، اضطررنا للتدخل خارج سورية. وهذا ما نفعله منذ أكثر من عام في الدول المجاورة عبر معالجة اللاجئين الهاربين من العنف ودعم مركز لإعادة تأهيل الجرحى أو إقامة مراكز صحية للنازحين ومعالجة العائلات المتضررة. إنه غير كافي لأن أغلبية السكان تتعرض للنيران في سورية.
     لهذا السبب، قمنا سريعاً بدعم الأطباء السوريين والمدنيين الذين جاؤوا إلينا، إنهم يقومون سرّاً بتنظيم عمليات إغاثة الجرحى والمرضى قدر إمكانياتهم. يُخاطر هؤلاء الزملاء بحياتهم يومياً، ويختبئون من أجل معالجة الآخرين في المراكز الصحية الميدانية. نحن نرسل لهم الأدوية وأجهزة المعالجة والمعدات الجراحية. إنه عمل ضئيل في محيط للحاجات. ترفض الدول المانحة تمويل هذه الأعمال خوفاً من اتهامها بالتدخل في الشؤون الداخلية لسورية. نحن نستخدم الأموال الخاصة لجمعيتنا من أجل دعم مجموعات الأطباء الذين نسجنا معهم علاقات عمل وثقة. لقد بدأنا بعبور الحدود بشكل منتظم لأن الوضع في شمال سورية يسمح بالإقامة في المناطق الأقل تعرضاً للاضطرابات. تقوم فرقنا حالياً بدعم مراكز المعالجة الموجودة في مخيم النازحين بالقرب من تركيا. نقوم بمساعدة الممرضات والأطباء السوريين لتقديم الاستشارات الطبية. كما نقوم بإرسال الأدوية إلى حلب وحمص بسبب عدم قدرتنا على الوصول إليهما.
     ندعو إلى وقف جميع العمليات الحربية من أجل تقديم المساعدة إلى المحتاجين. هذا هو الطلب الوحيد الذي نوجهه إلى جميع الأطراف المسلحة والدول المؤثرة في المنطقة. إن إقرار هدنة سيكون تقدماً، لأن رفض دخول الإغاثات هو جريمة أخرى في هذا النزاع، ويجب إدانتها. إن إلتزام الصمت يعني التواطؤ في مجزرة تجري وراء أبواب مغلقة، وقد أدى التدخل الفرنسي في مالي إلى تحويل الأنظار عنها. لتصمت الأسلحة في سورية، واتركونا نعالج الناس!.

(استئناف المفاوضات بين السلطة التركية وحزب العمال الكردستاني)


صحيفة اللوموند 26 شباط 2013 بقلم مراسلها في استانبول غيّوم بيرييه Guillaume Perrier

     استؤنفت المفاوضات بين الحكومة التركية وحزب العمال الكردستاني يوم السبت 23 شباط عندما ذهب ثلاثة نواب أكراد من حزب السلام والديموقراطية، الواجهة القانونية للمتمردين الأكراد، إلى سجن عمرالي لمقابلة رئيس حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان. استمرت المقابلة ست ساعات، وخرج المندوبون راضين بعد هذه المقابلة.
     أشارت الصحافة التركية أن النواب الثلاثة عادوا من المقابلة حاملين معهم "خارطة طريق" من عبد الله أوجلان. ولكن رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان أعلن أنه ينتظر أولاً أن يقوم المتمردون في حزب العمال الكردستاني بتسليم سلاحهم بدون شروط، وأضاف قائلاً: "قلنا عدة مرات أنه يجب على أعضاء هذه المنظمة الإرهابية مغادرة تركيا". ولكن القيادة العسكرية في جبل قنديل بشمال العراق رفضت مثل هذا الاحتمال، وما زال الجيش التركي يقصف جبل قنديل بشكل منتظم.
     ما زال مستقبل هذه المفاوضات غامضاً، لأن الحكومة مترددة بين ضرورة التوصل إلى تسوية وعدم شعبية المفاوضات في سجن عمرالي. وما زالت أغلبية الأتراك تُعارض التفاوض مع "الزعيم الإرهابي".
          ألمح النائب عن حزب السلام والديموقراطية Ayla Akat Ata إلى أن الوضع في سورية يُمثل موضوع النزاع الرئيسي بين الحكومة التركية وحزب العمال الكردستاني، حتى ولو كانت هذه المسألة لا تظهر إلا نادراً في الخطاب الرسمي. تُطالب أنقرة بنزع سلاح قوات الدفاع الشعبي، وهي الميليشيا التابعة لحزب الاتحاد الديموقراطي ـ الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني الذي سيطر على جزء من المنطقة الكردية في سورية، ويواجه بعنف المتمردين الإسلاميين على الأرض.

(الملف النووي الإيراني: القوى العظمى تتفاوض مع طهران)


صحيفة الفيغارو 26 شباط 2013 بقلم إيزابيل لاسير Isabelle Lasserre

     تُستأنف المفاوضات بين إيران والدول العظمى في كازاخستان يوم الثلاثاء 26 شباط. ولكن فرص تحقيق اختراق في هذا الاجتماع ما زالت ضئيلة، ولا يبدو أن أحداً في باريس يتوقع ذلك، وقال مسؤول فرنسي رفيع المستوى: "لن يؤدي هذا الاجتماع إلى شيء". السبب في هذا التشاؤم هو التقرير الأخير للوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي أشار إلى أن إيران بدأت بتركيب أجهزة طرد مركزية جديدة أكثر تطوراً وكفاءة في موقع ناتانز لتخصيب اليورانيوم.
     لم تقم طهران بتليين موقفها على الصعيد الدبلوماسي. لقد حذرت السلطات الإيرانية قبل يومين من اجتماع كازخستان من أنها لا تنوي تقديم أي تنازل عن مواقفها، وما زالت تفرض شرطين مسبقين على البدء بالمفاوضات المتعلقة ببرنامجها النووي وهما: الرفع الفوري للعقوبات المفروضة من قبل مجلس الأمن والاعتراف بـ "حقوقها النووية".
  

الاثنين، ٢٥ شباط ٢٠١٣

(لماذا يجب تسليح المتمردين السوريين)


افتتاحية صحيفة اللوموند 25 شباط 2013

     سقط حوالي مئة قتيل في دمشق بسبب التفجيرات التي وقعت يوم الخميس 21 شباط، إنها التفجيرات الأكثر دموية في العاصمة السورية منذ بداية التمرد قبل حوالي السنتين. هل ما زال هناك أحد يشعر بالقلق جراء ذلك؟ هل ما زال هناك أحد يهتم بهذه الحرب الأهلية التي تزداد وحشيتها أكثر فأكثر؟ هل هناك أحد لم يشعر بالعجز تجاه هذين المعسكرين العنيدين ـ  النظام والمعارضة ـ اللذين يستنفذان قواهما حتماً ولكن دون أن يتحطمان؟
     على الرغم من ذلك، يجب التخلص من هذا القدر المحتوم والإصغاء إلى ما قاله الأخضر الإبراهيمي، الوسيط الأممي المعزول والعاجز جداً، عندما قال يوم الخميس 21 شباط في إحدى المحطات التلفزيونية العربية: "إن النظام في سورية مُقتنع بأن الحل العسكري ممكن، وأنه أصبح قريباً". بمعنى آخر، أشار الإبراهيمي إلى أن الأسد يعتبر بأن الشيء الذي لم تسمح القوة بتحقيقه حتى الآن ـ أي سحق التمرد ـ ، سيكون بالإمكان تحقيقه عن طريق المزيد من القوة، وذلك على الرغم من خسائره المستمرة هنا وهناك على الأرض. إن هذه القناعة الانتحارية لا تُدهش أحداً. وعلى أي حال، لم تُدهش أولئك الذين يتذكرون أن الرئيس السوري كان قد هنأ نفسه علناً في شهر آب 2012 بالانشقاقات التي ستكون "تطهيراً" للبلد.
     اعترفت الولايات المتحدة والدول الأوروبية بالإخفاق منذ المأزق الدبلوماسي في الأمم المتحدة الناجم عن الموقف الروسي الداعم لمواقف النظام السوري. حتى ولو كان بإمكانهم الدفاع عن نفسهم، لقد تخلت الولايات المتحدة وأوروبا عن الثوار السوريين وتركوهم في حرب غير متوازنة تجاه جيش ما زال يحصل على دعم لوجستي ومادي من إيران وروسيا. إن حجتهم الرئيسية معروفة وهي: إن تسليح الجيش السوري الحر بشكل يؤدي إلى دعم المقارنة مع القوة العسكرية للنظام، يمثل مخاطرة برؤية هذه الأسلحة تُستخدم ضدهم في المستقبل من قبل المجموعات الجهادية التي تجذبها المنطقة الرمادية الجديدة في الشرق الأوسط. ستكون هذه الحجة مُقنعة لو كان الشلل الحالي لا يؤدي إلى ما يحاولون تجنبه أي: النمو المستمر للمجموعات الأصولية المسلحة التي تمولها بعض دول الخليج.
     إن الخبراء الذين يتابعون الوضع في سورية عن كثب، يشكّكون بقدرة انتصار طرف على الآخر. ولكن الجميع يؤكدون أن الحفاظ على التفوق العسكري لنظام بشار الأسد، هو الذي يدفع النظام إلى التمسك بموقفه حتى النهاية. لهذا السبب يجب على الدول الغربية أن تطرح من جديد مسألة تقديم الدعم العسكري إلى المجموعات المتمردة الأكثر تمثيلاً لسورية، أي المجموعات التي نزلت إلى الشارع ابتداءاً من 17 آذار 2011 لكي تطالب بالإصلاحات ثم بسقوط نظام بشار الأسد. إن إقامة موازين قوى جديدة هي الطريق الوحيد لكي تتصدع الولاءات داخل النظام.
     إذاً، إن تسليح المعارضة لا يتعارض مع حل تفاوضي للتوصل إلى طرد العائلة التي يديرها بشار الأسد، وتجنب الفوضى المدمرة للمنطقة بأسرها. بل على العكس، سيكون ذلك أداة في خدمة الدبلوماسية. إن عدم تسليح المعارضة هو خيار: هذه هي السياسة التي تبنتها واشنطن وأوروبا حتى الآن بسبب عدم وجود خيار آخر. ولكن يجب تحمّل مسؤولية الثمن والنتائج أي: تدمير بلد وشعب.

(الحرب تقتل مُصوراً صحفياً)


صحيفة الليبراسيون 25 شباط 2013  بقلم لوك ماتيو Luc Mathieu

     قُتِلَ في المدينة التي كان يريد الإقامة فيها على بعد عدة كيلومترات من الحدود السورية التي كان يعبرها بشكل مستمر. توفي المصور الفرنسي أوليفييه فوازان Olivier Voisin (38 عاماً) مساء يوم السبت 23 شباط في المستشفى الدولي بأنطاكية. وكان أوليفييه فوازان قد أصيب بجروح خطيرة يوم الخميس 21 شباط بالقرب من حماة، لقد أصابته شظايا إحدى القذائف، وكان يعاني من نزيف دماغي لم يستطع تحمله.
     بدأ أوليفييه فوازان عمل التصوير الصحفي عندما كان عمره عشرين عاماً، وأجرى أولى تحقيقاته المصورة في لبنان وبولونيا بالإضافة إلى عمله في الصحافة المحلية الفرنسية. اضطر إلى ترك هذه المهنة لأنها لا توفر دخلاً كافياً، وتحول إلى العمل في مجال الأنفورماتيك في ألمانيا ثم في فرنسا.  عاد إلى مهنة التصوير عام 2009 أثناء زيارته لبلده الأصلي كوريا الجنوبية. لقد تم تبنيه عندما كان عمره ثلاث سنوات من قبل عائلة  فرنسية، واكتشف أثناء زيارته لكوريا الجنوبية أنه لديه أخ واستطاع رؤية أمه.
     أجرى تحقيقات في تونس وليبيا اللتين انتصرت فيهما الثورة على السلطة الحاكمة. كما ذهب إلى هاييتي وكينيا. بدأ يهتم بسورية شيئاً فشيئاً، وقام بجمع المعلومات عنها، ثم سأل ووجد الأشخاص الذين ساعدوه في دخول سورية التي تحولت فيها الثورة إلى حرب. دخل إلى حلب في شهر آب، ثم عاد إليها في الشهر التالي، وتوقف في القرى الحدودية التي يعاني سكانها المدنيون من الانهاك بسبب المعارك. حَظِيَ عمله بالتقدير دون أن يدرّ عليه الدخل الكافي. نُشرت صوره في مجلة الإكسبريس الفرنسية وصحيفتا اللوموند والليبراسيون وفي الغادريان البريطانية بالإضافة إلى وكالة الصحافة الفرنسية AFP.
     وهكذا قرر أوليفييه فوازان متابعة النزاع السوري بشكل شبه دائم، وقام بتسليم منزله في باريس، وفكّر بالإقامة في أنطاكية. إنه يعرف بأن هذه الحرب ستطول، وأن تغطية أخبارها سيُصبح أكثر فأكثر خطراً. اتصل به في الأسبوع الماضي أحد الأشخاص لدى المتمردين، وأخبره أنه يستطيع إدخاله إلى حماة. حمل أوليفييه أجهزته وعبر الحدود مشياً على الأقدام لمسافة 2 كم في حقل يعرف أنه مليء بالألغام، وانضم إلى إحدى كتائب المتمردين في شمال حماة. لم يكن هناك خط جبهة حقيقي، فقد كان الجيش السوري يقصف انطلاقاً من مواقعه الواقعة على مسافة عشرين كيلومتراً تقريباً. أرسل أوليفييه رسالة إلى أحد أصدقائه الصحفيين يوم الأربعاء 20 شباط، وأخبره عن الأرض التي تهتز بسبب القذائف وعن ضجره في المساء، فقد نسي مرة أخرى أن يصطحب كتاباً معه. وتحدث أوليفييه أيضاً عن هذا "العمل التعيس" المُتمثل بتغطية أخبار الحرب، وقال: "ليس هناك مخدرات أقوى من الأدرينالين الذي يُثير فينا فجأة أحساسيس لا تُصدق، ولاسيما تلك الأحاسيس بالرغبة في الحياة".

(يجب المرور عبر التجربة الإسلامية في السلطة)


صحيفة اللوموند 23 شباط 2013 ـ مقابلة مع جيلبرت أشقر Gilbert Achcar ـ أجرى المقابلة كريستوف عياد Christophe Ayad (السؤال المتعلق بسورية)

      جيلبرت أشقر هو أستاذ في مدرسة الدراسات الشرقية والإفريقية School of Oriental and African Studies في لندن. ولد في لبنان عام 1951، وغادر لبنان عام 1983. قام بالتعليم سابقاً في جامعة باريس الثامنة وفي مركز مارك بلوش Marc Bloch في برلين. لم تمنعه انتماءاته اليسارية المؤيدة للفلسطينيين من إلقاء نظرة قاسية على الدكتاتوريات القومية العربية.
سؤال: لماذا كان تدخل الحلف الأطلسي ممكناً في ليبيا وغير ممكن في سورية؟
جيلبرت أشقر: في سورية، هناك خطر مواجهة الفوضى كما حصل في ليبيا، ولكن في بيئة إقليمية أكثر خطورة بكثير. هناك أيضاً دعم روسيا وإيران. قال الحلف الأطلسي منذ البداية أنه لا يريد التدخل. إن السؤال ليس: "لماذا لم يتدخل الحلف الأطلسي في سورية؟" بل: "لماذا يمنع الحلف الأطلسي وصول السلاح إلى المتمردين؟". السبب العميق هو الخوف من الحركة الشعبية في سورية. أدى ذلك إلى تدهور الوضع وتفاقمه. سيسقط النظام السوري في النهاية، ولكن بأي ثمن؟ إن قصر النظر لدى الدول الغربية يدعو للاستغراب: بحجة أنهم لا يريدون تكرار الأخطاء السابقة في العراق، أي تفكيك الدولة البعثية، فإنهم يقومون بما هو أسوأ. إن السوريين مُقتنعون اليوم بأن الغرب ترك بلدهم يُدمّر نفسه بنفسه من أجل حماية إسرائيل.

(جون كيري أو دبلوماسية الإصغاء)


صحيفة الفيغارو 25 شباط 2013 بقلم مراسلتها في واشنطن لور ماندفيل Laure Mandeville

     أدت الأحداث الراهنة إلى تذكير الولايات المتحدة بخطورة التحديات في الشرق الأوسط ابتداءاً من الربيع العربي إلى ليبيا وسورية. راهنت الولايات المتحدة كثيراً على قمة العشرين كمكان جديد لاتخاذ القرارات الدولية خلال الأزمة المالية عام 2008 وأزمة اليورو، ولكن يبدو الآن أنها عادت إلى مبادئها الأساسية المتعلقة بتحالفها مع أوروبا التي ما زالت بوضوح "شريكها الضروري" في ملفات الأزمات الكبيرة من إيران إلى سورية مروراُ بالساحل (الصحراء الإفريقية).
     أشارت مصادر دبلوماسية فرنسية إلى أن جون كيري كان يتردد في البداية بين القيام بجولة في أوروبا أو الشرق الأوسط، ولكنه قرر في النهاية دمج الجولتين في جولة تستغرق 11 يوماً تقوده إلى لندن وبرلين وباريس وروما وأنقرة والقاهرة والرياض والدوحة وأبو ظبي. سيُهيمن على هذه الجولة الوضع في سورية وإيران ومالي.
     يبدو أن جون كيري قرر الإمساك بالملف السوري واعتباره مهمة ذات أولوية، على الرغم من رفض البيت الأبيض لتسليح المقاومة المسلحة خوفاً من مساعدة الإسلاميين. قال وزير الخارجية الأمريكي أنه يأمل "بإمكانية توصل روسيا والولايات المتحدة إلى أرضية مشتركة" لإنهاء هذه المأساة. ولكن المراهنة على الوساطة الروسية من أجل دفع الأسد نحو الرحيل، هي بمثابة المجازفة، نظراً للدعم المُطلق الذي يُقدمه بوتين إلى دمشق حتى الآن. لا شك أن برود العلاقات الروسية ـ الأمريكية حالياً، وهذا ما تشهد عليه الأزمة المفتوحة حول تبني الأطفال الروس، لن تُساعد جون كيري. لقد استبعدت المعارضة السورية التي سيذهب أحد ممثليها إلى موسكو، أي اتفاق سياسي إذا كان الأسد جزءاً من المفاوضات. يأمل جون كيري، الدبلوماسي، بإيجاد طريق وسط من خلال إقناع الروس بأن انفجار سورية سيكون مأساة.
     بالنسبة للأمريكيين، ستكون المحطة المصرية هامة جداً من أجل معرفة نوايا هذا الحليف السابق لواشنطن، والذي يقوده اليوم رجل إسلامي في حالة قطيعة مع جزء كبير من الحركة الشعبية التي قادت "الثورة المدنية" في ساحة التحرير.
     يتحدث جون كيري عن جولة من أجل "الإصغاء"، وألمح بأنه سيحاول أيضاً استئناف السلام الإسرائيلي ـ الفلسطيني، هذا الملف الذي أهمله باراك أوباما بعد خيبات ولايته الأولى، وقال كيري: "إن نافذة إمكانية عملية السلام تنغلق... ولهذا السبب يجب علينا تكريس اهتمام أكبر بها". رحّب الأوروبيون بهذا الاهتمام، ولكن الخبراء متشائمون حول إمكانية تحقيق اختراق نظراً للسياق الإقليمي والمحلي. كما اعترف جون كيري بأن الرئيس أوباما "ليس مستعداً في الوقت الحالي للقيام بأكثر من الإصغاء للطرفين"، على الرغم من الإعلان عن زيارته القادمة إلى إسرائيل في نهاية شهر آذار. باختصار، يُلاحظ أن هناك رغبة بالتحرك من قبل جون كيري، أكثر مما إمكانية التوصل إلى حلول.
     إن أحد الأسئلة الأساسية التي تطرح نفسها حالياً تتعلق بهامش المناورة الذي يتمتع به جون كيري تجاه البيت الأبيض. كما أن الأمر الذي أثار حيرة الدبلوماسيين هو: لماذا لا يقوم جون كيري بزيارة إسرائيل قبل ثلاثة أسابيع من زيارة أوباما؟ 

الأحد، ٢٤ شباط ٢٠١٣

(جنبلاط: تم التخلّي عن السوريين)


صحيفة اللوموند 23 شباط  2013 ـ مقابلة مع وليد جنبلاط ـ أجرى المقابلة كريستوف عياد Christohphe Ayad

سؤال: هناك انطباع بأن النزاع السوري يتفاقم...
وليد جنبلاط:  هذا صحيح. ندفع ثمن الخطأ المُرتكب منذ البداية، أي عدم مساعدة الجيش السوري الحر، ولاسيما في اللحظة الحاسمة أثناء المعركة الكبيرة في باب عمرو بحمص. لقد سمح ذلك بتسلل المتطرفين إلى صفوف التمرد. واليوم، تتردد الدول الغربية في إرسال الأسلحة لأن هناك الكثير من الأصوليين داخل التمرد. إن السوريين هم الضحايا الأساسيون لهذه الحلقة المفرغة.
سؤال: ما هو رأيكم باقتراح رئيس المعارضة معاذ الخطيب الذي دعا إلى الحوار مع النظام؟ هل تعتبرونه اعترافاً بالعجز؟
وليد جنبلاط: إنه ليس اقتراحاً يائساً. لقد طرح معاذ الخطيب شروطاً لهذا الحوار، وهي شروط هامة. لقد طلب الإفراج عن 160.000 سجين ما زالوا معتقلين في سجون النظام، بالإضافة إلى حق عودة جميع المعارضين المجبرين على الهرب من سورية. ولكنه يتوجه إلى جزار بلا شفقة ـ السيد الأسد ـ . وأكثر من ذلك، لقد تعرض للانتقادات من قبل الذين يرفضون الحوار داخل معسكره.
سؤال: عُدتم من جولة عالمية. كيف يتم تحليل النزاع السوري في العواصم المختلفة التي قمتم بزيارتها؟
وليد جنبلاط: تولد لديّ الانطباع بأنه تم التخلي عن السوريين. وتؤكد تصريحات باراك أوباما الأخيرة هذه الانطباعات. سورية هي مسرح حرب استنزاف بين الولايات المتحدة وإيران المتورطة أكثر فأكثر في تسليح وتمويل نظام دمشق. فيما يتعلق بروسيا، إنها تُدافع عن حليفها مهما كان الثمن على حساب تفتت سورية. إنها معركة رهيبة تجري على حساب الشعب السوري الذي يعاني من آلام رهيبة، وعلى حساب الثراث الثقافي السوري العظيم الذي لا يُقدّر بثمن، فقد نهبه المتمردون بعد أن قام النظام بحرقه وتدميره.
سؤال: هل ترون تسوية ترتسم ملامحها حول مخرج تفاوضي؟
وليد جنبلاط: كانت فرنسا في طليعة الدول التي اعترفت بالإئتلاف الوطني السوري. لقد اتخذت موقفاً مبدئياً ممتازاً وجريئاً عندما طالبت بسقوط الأسد. ولكن الدول العظمى لديها رهاناتها الخاصة التي تأخذ بعين الاعتبار عوامل أخرى مثل أمن إسرائيل أو هشاشة الأردن تجاه تهديد المتطرفين.
أصبح النقاش يتطرق إلى دور الأسد في العملية الانتقالية كما تم تحديدها في شهر حزيران عام 2012. قال لي الروس خلال زيارتي إلى موسكو أنهم كانوا مستعدين للموافقة على حكومة انتقالية تتمتع بجميع صلاحيات الرئيس، ولكن الأمريكيين والفرنسيين كانوا مصممين على إسقاط بشار الأسد.
وخلال هذا الوقت، تُرتكب الأعمال الوحشية يومياً من قبل جميع الأطراف، وتم تدمير المدن والقرى. هناك ثلاثة ملايين نازح سوري بالإضافة إلى مئات الآلاف من اللاجئين السوريين في لبنان والأردن وحتى في مصر. ماذا سيبقى من سورية في النهاية؟ ماذا سيبقى فيها حتى يتم التفاوض عليه؟
سؤال: هل تخشون من انتصار المتطرفين في النهاية؟
وليد جنبلاط: إنه خيار واقعي، باعتبار أنني أعرف طبيعة المجنون الموجود في السلطة بدمشق، وأعرف كيف دفع طائفته نحو اليأس. إذا تم إعطاء أسلحة نوعية وأسلحة مضادة للطائرات وللدبابات، سيؤدي ذلك إلى تسريع سقوطه وزيادة فرص الحفاظ على وحدة الجيش والبلد. بدون ذلك، نتجه نحو سيناريو هتلر عام 1944 الذي فضّل تدمير بلده بدلاً من الاعتراف بهزيمته. فيما يتعلق بالمتطرفين، أنا لست خائفاً. تقوم الشعوب بالتنفيس عن غضبها على طريقتها الخاصة. ولكنني لا أرى سورية تغرق في التطرف. ستعود الأمور إلى طبيعتها في المستقبل. ولكن كلما طال النزاع، كلما احتاج ذلك للمزيد من الوقت.
سؤال: كيف يجب أن يكون دور الدروز في الثورة السورية؟
وليد جنبلاط: لحسن الحظ، بدأت الأمور تتحرك في النهاية. أطلق الشيوخ في السويداء في بداية شهر شباط نداء إلى التجمع، وطلبوا من الجنود الدروز أن ينقشقوا. كما أصدروا فتوى تسمح بقتل أي ضابط درزي قام بدور أساسي في القمع ـ العميد عصام زهر الدين المسؤول عن الهجوم على باب عمرو ـ . يُشارك الدروز في الثورة عسكرياً، وقد شاركت بمراسيم الاحتفال في لبنان بأحد الضباط الدروز السوريين الذين ماتوا مؤخراً أثناء قتاله ضد النظام.
سؤال: أليس  هذا تدخلاً شبيهاً بتدخل حزب الله الذي يدعم النظام عسكرياً؟
وليد جنبلاط: الرهان الحالي هو بقاء الدروز. إن مكاننا هو إلى جانب الأغلبية العربية السنية في سورية. أتوجه إلى الدروز في سورية لتذكيرهم بتاريخهم المُشرق، عندما كانوا الشرارة الأولى للانتفاضة ضد المحتل الفرنسي. يجب الانتهاء اليوم من النظام البعثي الذي جعل سورية رهينة ودمّر الهيكل الاجتماعي لجميع الطوائف العلوية والدرزية والمسيحية والكردية...الخ.

(الدروز السوريون يدخلون شيئاً فشيئاً في التمرد)


صحيفة اللوموند 23 شباط 2013 بقلم مراسلها في بيروت خالد سيد مهند Khaled Sid Mohand

     قامت مجموعة من المتمردين الدرزو السوريين بالإعلان عن تشكيل المجلس العسكري في القنيطرة بتاريخ 28 كانون الثاني، وأقسموا قائلين: "لن نقبل بأن يقوم النظام بتحويل الثورة إلى حرب طائفية". كما تم الإعلان سابقاً عن تشكيل المجلس العسكري في السويداء بتاريخ 15 كانون الأول 2012. يبدو أن الرياح بدأت بتغيير اتجاهها في هذه المنطقة التي ما زالت حتى الآن بمنأى عن التمرد على الرغم من نداءات التمرد التي أطلقها وليد جنبلاط من بيروت. أصبحت المظاهرات المؤيدة للنظام في السويداء (80.000 نسمة) أكثر فأكثر ندرة، وحصلت بعض التجمعات دعماً للمدن التي تتعرض لقصف الجيش النظامي.
     ولكن بعكس المظاهرات المنظمة في المدن السورية الأخرى، تكتفي قوات حفظ النظام في السويداء بإطلاق النار في الهواء وإلقاء القنابل المسيلة للدموع. أكد (مازن) أحد الناشطين الشباب الذين شاركوا في العديد من هذه المظاهرات قائلاً: "لا يُطلق النظام السوري النار على الدرزو لأنه يخاف أن يخسرهم". تم تطبيق التكتيك نفسه في منطقة السلمية معقل الأقلية الإسماعيلية. ولكن (مازن) أشار إلى حصول اعتقالات وعمليات تعذيب داخل الطوائف المعارضة.
     وهناك أمر أكثر أهمية أيضاً، فقد أشار (رضوان) الناشط الدرزي السوري الذي يقوم بدور عميل الاتصال بين السويداء والحزب الإشتراكي الديموقراطي لوليد جنبلاط، إلى أنه تم تشكيل خمس وحدات مقاتلة مؤلفة من المنشقين الدروز. هربت أربع مجموعات إلى جبل العرب، وتقوم المجموعة الخامسة التي يُطلق عليها اسم "كمال جنبلاط" بالدفاع عن القرى الدرزية في منطقة إدلب إلى جانب الجيش السوري الحر.
     حاول صوت درزي لبناني آخر إسماع صوته في السويداء، إنه وئام وهاب المُقرّب من الأغلبية النيابية المؤيدة لسورية. بعكس خصمه وليد جنبلاط، دعا وئام وهاب إلى الانضمام لصفوف الجيش النظامي. أشار (عمر ن.)، أحد الفنانين المؤيدين للثورة والمقيم في دمشق، إلى أن هذه المناورة أخفقت، وقال: "يحظى وئام وهاب ببعض التعاطف لدى السكان لأنه يشجعهم على اللامبالاة. ولكن الدروز بدؤوا بإدارة ظهرهم له عندما بدأ بتشكيل ميليشيا لدعم النظام".
     قال (حازم ك.) أحد الناشطين الثوار في بيروت: "لا يعني ذلك أن الطائفة الدرزية بأسرها في طور الانضمام إلى معسكر المعارضة". يبدو أن هناك توافق ضمني بين المعارضين والمؤيدين للنظام لحماية السويداء من العنف بشكل تستطيع فيه الاستمرار باستقبال النازحين. لقد استقبلت المدينة بالفعل عشرات آلاف النازحين السوريين الذين طردتهم المعارك من حمص ودرعا وإدلب وحلب. قال (عمر ن.): "إن جنبلاط على صواب، يجب على الدروز المشاركة في هذه الثورة، ولكن يقع على عاتقنا تحديد صيغة مشاركتهم".
     إن إحدى العقبات الأساسية أمام التحرك ضد الأسد هو الدعاية الإعلامية للنظام التي تلوح بخطر التطرف السني منذ بداية التمرد. نجح هذا الخطاب لدى الكثير من الدروز، ويعتبر المسلمون التقليديون أن الديانة الدرزية هرطقة. لقد وقعت سلسلة من عمليات الخطف ضد الدروز، وتبنتها مجموعة جبهة النصرة الجهادية المرتبطة بتنظيم القاعدة، الأمر الذي أيقظ الخوف من الإسلام الراديكالي. للانتقام من هذه العمليات، تعرض حوالي عشرة أشخاص في درعا للخطف. إذا كانت وساطة أحد الوجهاء الدروز قد سمحت بالإفراج عن هؤلاء الرهائن السنة، فإن جبهة النصرة لم تُفرج إلا عن ستة عشر أسيراً، وطالبت بإعادة جثث ثمانية من عناصرها الذين قُتلوا أثناء إحدى العمليات، وما زالت بأيدي الجيش النظامي. قال (حازم): "يخشى الجميع، سواء من المؤيدين أم المعارضين، من الفترة التي ستعقب سقوط نظام الأسد ".
     عبّرت سلمى شهيب، زوجة أكرم شهيب أحد الأعضاء النافذين في الحزب الإشتراكي التقدمي، عن مخاوفها قائلة: "إذا لم ينضم الدروز إلى  التمرد الحالي، لن يكون لهم مكان في سورية الجديدة. يجب عليهم إظهار أنهم جديرون بجدهم السلطان باشا الأطرش"، الزعيم الكاريزمي للثورة السورية 1925 ـ 1927 ضد الاحتلال الفرنسي. هذا هو السبب الذي يُفسّر إرادة الناشطين في السويداء بالمبالغة الإعلامية حول الأعمال القتالية للمقاتلين الدروز مثل العملية الأخيرة التي قامت بها كتيبة الأطرش بتاريخ 13 شباط ضد محطة للرادار. لقد قُتِلَ ثمانية متمردين أثناء هذا الهجوم منهم خلدون زين الدين، أحد المنشقين من الجيش النظامي وأحد مؤسسي المجلس العسكري في السويداء. تم تنظيم احتفال لإحياء ذكراه في منطقة عاليه في جبال بيروت بتاريخ 27 كانون الثاني بحضور المرشد الروحي للدروز اللبنانيين الشيخ نعيم حسن ووليد جنبلاط. كان هذا الحدث يهدف إلى ترك بصمات درزية على الثورة ضد الأسد، لأن الدروزلا يُمثلون إلا 3 % من عدد سكان سورية.

السبت، ٢٣ شباط ٢٠١٣

(الأسلحة في سورية، وسيلة للضغط من أجل التفاوض)


موقع الأنترنت لصحيفة الفيغارو 22 شباط 2013 بقلم جورج مالبرونو Georges Malbrunot

     إنها الشكوى نفسها تقريباً من ضواحي دمشق إلى إلى حلب المُتفجرة، قال أحد المتمردين في العاصمة (أنور) مُتوسلاً: "يجب أن يقوم الغرب بإعطائنا السلاح لإسقاط بشار الأسد". مع آفاق المفاوضات التي يمكن أن تجري قريباً بين الطرفين، هناك شعور مُزعج للكثير من المتمردين بأن "حنفية الذخيرة" قد تم إغلاقها مرة أخرى باستثناء المقاتلين الأكثر راديكالية والجهاديين الذين يتمتعون بتدفق مستمر من الأسلحة والمال. يقوم المجلس العسكري الأعلى (للثورة) بإرسال أسلحة خفيفة بشكل متقطع إلى المتمردين ولاسيما بنادق الكلاشينكوف. تم إنشاء هذا المجلس في نهاية العام الماضي، وكان من المفترض أن يُشكّل نوعاً من هيئة الأركان الوطنية للتمرد، وأن يكون قادراً على مواجهة  مكوناته الجهادية الراديكالية التي تتقدم في شمال سورية.
     قال أحد المتمردين في إدلب باتصال هاتفي: "إن سمعتنا جيدة، ويعرف مجلس الجنرال سليم إدريس أننا لن نبيع هذه الأسلحة من أجل المال". إن هذه التجارة مُقلقة بما فيه الكفاية لكي تُوصي إحدى أجهزة الاستخبارات الأوروبية في تقرير حديث لها بالحد من تدفق الأسلحة القادمة من تركيا إلى المتمردين من أجل تجنب بيعها إلى الجيش النظامي أو إلى مجموعة جبهة النصرة الجهادية. وأضاف هذا المتمرد متأسفاً: "لا يمكن القيام بأي شيء. يقوم الغرب الذي يسيطر على الأسلحة بإغلاق الحنفية عندما يريد. لا يعطوننا السلاح إلا بالقطّارة، كما لو أننا نعطي دجاجة لخمسين رجلاً جائعاً". لن يكون هناك أية فرصة أمام هذا المتمرد وأصدقائه لإسقاط مدينة إدلب بدون أسلحة مضادة للدبابات بشكل أساسي.
     ما زال النظام يُسيطر على مدينة إدلب، وتمت إقامة عدة حواجز لمراقبة مداخل المدينة، كما قام بعض المتمردين السنة بمحاصرة بعض القرى الشيعية مثل كفرايا والفوعة. وما زالت المسطومة وأريحا تحت سيطرة الجيش النظامي. اعتبر أحد الناشطين في إدلب أن القرى التي يسيطر عليها الجيش النظامي لا تُمثل شيئاً كبيراً على الصعيد السكاني، ولكنها تُمثل شيئاً كبيراً من الناحية الرمزية. وأشار إلى أن تحرير إدلب يعني تحرير المنطقة بأسرها.
     استخلص المتمردون الدروس من فشلهم في حمص وحلب، قال أحد المتمردين: "فكّرنا بدخول إدلب لكي نبدأ المعركة بتحرير الأحياء واحداً تلو الآخر. ولكنني كنت بين الذين عارضوا ذلك لأنه يمثل خطراً بتدمير المدينة بأسرها التي ستتعرض لقصف الجيش من الخارج. هذا ما حصل في معرة النعمان وحلب وحمص.إن إستراتيجيتنا الآن هي التحرير من الخارج. ولكن قبل ذلك، يجب الانتهاء من المدن المحيطة، وعندها فقط سندخل إلى إدلب. لن نستفيد شيئاً بالتسرّع. نحن بحاجة لعدة أشهر إضافية لإسقاط إدلب. المشكلة الدائمة هي الأسلحة".
     تحدث (أنور) في دمشق بشكل مشابه، وقال: "لدينا انطباع بأن الغرب وحتى الدول العربية التي تدّعي مساعدتنا مثل قطر والسعودية، يلعبون معنا. عندما يرون أن بشار يتقدم، يرسلون لنا الأسلحة الخفيفة. ثم يتوقفون عن إرسال الأسلحة كما لو أنهم لا يرغبون حقاً بوصول الثوار إلى السلطة في سورية. يبدو لنا أن الهدف واضح، وهو شراء حل سياسي. إنهم يريدون إجبارنا على الجلوس أمام طاولة المفاوضات".

(انفجار سيارة مفخخة في دمشق يقتل ثمانين مدنياً على الأقل)


صحيفة اللوموند 23 شباط 2013 بقلم بنجامان بارت Benjamin Barthe

      انتقلت الحرب الأهلية الدامية فجأة من ضواحي دمشق إلى قلب العاصمة السورية يوم الخميس 21 شباط. لقد انفجرت سيارة مفخخة في حي المزرعة التجاري، وأدت إلى مقل أكثر من ثمانين شخصاً وجرح مئتين آخرين أغلبهم من المدنيين نقلاً عن المرصد السوري لحقوق الإنسان.
     لم يتم تبني هذا الهجوم الأكثر عنفاً في دمشق منذ بداية التمرد في شهر آذار 2011. أدان النظام هذا الهجوم ونسبه إلى "إرهابيين مرتبطين بتنظيم القاعدة"، كما أدانه الإئتلاف الوطني السوري الذي وصف الأعمال التي تستهدف المدنيين بـ "الإجرامية بغض النظر عن هوية مرتكبيها".
     تتجه الاتهامات إلى جبهة النصرة، وهي مجموعة جهادية كانت وراء أغلب التفجيرات الانتحارية المرتكبة في سورية خلال السنتين الأخيرتين. أشارت وكالة الصحافة الفرنسية AFP إلى أن هذه المجموعة التي تستقطب الكثير من المقاتلين الإسلاميين الأجانب، قد تبنت مسؤولية 17 هجوم حول دمشق خلال النصف الأول من شهر شباط، منهم سبعة عمليات تفجير بالقنابل على الأقل.
     أدى الانفجار إلى تحطيم نوافذ السفارة الروسية القريبة من مكان الانفجار دون سقوط جرحى. أحصى مراسل التلفزيون الحكومي 17 سيارة محترقة وحوالي أربعين سيارة أخرى مُحطمة أو متضررة جداً على مسافة 300 متر من مكان الانفجار.
     بعد هذا الانفجار بقليل، انفجرت سياراتان مفخختان أيضاً في برزة، مما أدى إلى مقتل 13 شخصاً منهم عشرة من عناصر القوات الأمنية. كما سقطت قذيفتا هاون على مبنى الجيش في حي الأمويين دون سقوط ضحايا، فقد كان المبنى فارغاً بسبب أعمال الترميم منذ عملية التفجير الأخيرة في شهر أيلول عام 2012.
     إنه اليوم الثالث على التوالي الذي تتعرض له دمشق لقذائف الهاون: سقطت قذيفة هاون يوم الثلاثاء 19 شباط على أحد القصور الرئاسية الثلاثة لبشار الأسد، وهو قصر تشرين الذي يُستخدم عادة لاستقبال ضيوف الرئيس، ولم ينجم عن القذيفة إلا بعض الأضرار المادية. يوم الأربعاء 20 شباط، سقطت قذيفة على مركز رياضي في مركز المدينة، مما أدى إلىى مقتل أحد لاعبي كرة القدم لفريق حمص الذي جاء لملاقاة فريق حماة.
     تدل هذه الهجمات المختلفة على قدرة المتمردين المتزايدة على  اختراق العاصمة، ولكنها لا تُشكّل تمهيداً لهجوم واسع ضد دمشق. هذا الهجوم الذي ينتظره المعارضون للأسد بفارغ الصبر على أمل توجيه ضربة قاصمة للدكتاتور.
     تعلّم إستراتيجيو الجيش السوري الحر الدرس بالتأكيد، وأصبحوا يفضلون حالياً حرب العصابات بهدف استنزاف قوات النظام وقطع خطوط الإمدادات.
     لم تكن مجزرة حي المزرعة في مصلحة المتمردين. إن مخططي هذا الهجوم يلعبون لعبة النظام من خلال الهجوم على المدنيين، لأن النظام يُلوح دوماً بفزاعة الفوضى والإرهاب.