الصفحات

الثلاثاء، ٣٠ نيسان ٢٠١٣

(أبو مصعب السوري، العقل المُفكّر لجهاد الفقراء)


صحيفة اللوموند 30 نيسان 2013 بقلم الباحث السياسي والمتخصص بشؤون الإسلام جيل كيبيل Gilles Kepel

     أوضحت عملية التفجير في بوسطن مؤخراً وعمليات الاغتيال التي قام بها محمد المراح في مدينة تولوز الفرنسية ضد جنود فرنسيين وأطفال يهود في الفترة ما بين 11 و22 آذار 2012، أن الإيدلوجي الإسلامي السوري مصطفى ست مريم نصّار المُلقّب بأبو مصعب السوري هو الذي وضع الأسس النظرية لمطالب "المرحلة الثالثة من الجهاد" في كتاب بعنوان: "دعوة إلى المقاومة الإسلامية العالمية". قام بنشر هذا الكتاب على الأنترنت اعتباراً من عام 2005، عندما أدرك فشل العمليات التي يُسيطر عليها تنظيم القاعدة بشكل مركزي، أي فشل "المرحلة الثانية" للجهاد بإقامة "الخلافة الإسلامية" في العراق. يعود تاريخ "المرحلة الأولى" إلى الجهاد ضد الجيش الأحمر في أفغانستان خلال سنوات الثمانينيات.
     وُلد أبو مصعب السوري في حلب عام 1958، وشارك في جميع معارك الجهاد منذ انضمامه عام 1976 إلى صفوف الطليعة المقاتلة ـ الجناح العسكري للإخوان المسلمين السوريين. لقد عايش المجزرة التي ارتكبها النظام ضد الإخوان المسلمين أثناء التمرد في حماة عام 1982. لجأ إلى فرنسا، واعتاد على الكتابات المتعلقة بالعالم الثالث. استقر في اسبانيا عام 1985، وتزوج إمرأة يسارية مُلحدة اعتنقت الإسلام فيما بعد، وسمحت له بالحصول على جواز السفر الأوروبي الذي سيُسهل له تنقلاته. انضم إلى الجبهة الأفغانية على خلفية انسحاب الجيش الأحمر والتقارب مع المُنظّر الإيديولوجي لجهاد "المرحلة الأولى" الفلسطيني عبد الله عزام الذي اغتيل في بيشاور عام 1989. بدأ بكتابة أفكاره في ذروة النزاع المدني الأفغاني، ثم عاد إلى الأندلس عام 1992، ودعم جهاد الجماعة الإسلامية الجزائرية المسلحة، ثم تحوّل إلى نقطة اتصال لها لدى الجماعات الإسلامية في لندن (Londonistan)، ونشر فيها صحيفة بعنوان: "الأنصار" التي أشاد فيها بالعمليات الحربية ضد "الكفار".
     عاد أبو مصعب السوري إلى أفغانستان عام 1996، وقام بتنظيم مواعيد بن لادن وإعداد اللقاءات بين الصحافة العالمية والمُتمسكين بعقيدة "المرحلة الثانية من الجهاد" مثل الظواهري. كان يشعر بالارتياب من العمليات الكبيرة التي قام بإعدادها تنظيم القاعدة، وبدأ حينها بكتابة الجزء الأول من كتابه: "دعوة إلى المقاومة الإسلامية العالمية". لقد تعززت قناعاته بعد وابل النيران الذي انهال على تنظيم القاعدة بعد 11 أيلول 2001 وغزو أفغانستان وسقوط الطالبان، وأنهى كتابه مُتشرداً في أفغانستان. تمت كتابة هذا الكتاب على صيغة كتاب إلكتروني (e-book)، ويستطيع المُعتنقين  الحصول على نصائح "المختصر في الجهاد" عبر الأنترنت.
     تم القبض عليه في مدينة كيتا الباكستانية، وتسليمه إلى الأمريكيين. أشار محاموه إلى أن الأمريكيين قاموا بتسليمه إلى السوريين عام 2007، عندما  كان بشار الأسد يحظى برضى الغرب. أشارت مواقع إسلامية "موثوقة" إلى أنه تم الإفراج عنه في نهاية عام 2011 مع بداية الثورة السورية، وجهود النظام لزرع فيروس الجهاد داخل هذه الثورة بهدف إبعاد الغرب عنها. أشارت بعض الإشاعات التي لا يمكن التأكد من صحتها إلى عودته إلى مدينة حلب، باعتبارها إحدى معاقل التمرد القوية التي تُسيطر عليها جبهة النصرة، ولكن بدون معرفة حجم دوره بالضبط.

(الولايات المتحدة وإيران مُجبرتان على التفاهم)


صحيفة الفيغارو 30 نيسان 2013 بقلم رونو جيرار Renaud Girard

     بعد مرور عشر سنوات على الغزو الأمريكي للعراق، والإرادة الأمريكية المُعلنة بإقامة ديموقراطية نموذجية لكل الشرق الأوسط، قال إياد علاوي، الرجل الذي وضعه الأمريكية رئيساً للحكومة العراقية الانتقالية عام 2004، إلى صحيفة الفيغارو قبل ثلاثة أيام: "العراق على حافة الحرب الأهلية". أدت المواجهات بين الميليشيات السنية وقوات الأمن الشيعية إلى مقتل أكثر من مئتي شخص خلال أقل من أسبوع، الأمر الذي يُهدد "سلام الشجعان" الهش الذي أقامه الجنرال دافيد بيتراوس بصبر عام 2008. يُضاف إلى ذلك المسألة الكردية التي تُمثل عاملاً آخراً لعدم الاستقرار. يتمتع إقليم كردستان بحكم ذاتي من أكثر من عشرين عاماً، ولم يتوصل إلى تفاهم مع بغداد حتى الآن حول نقل السلطات وترسيم الحدود وتقاسم العوائد النفطية.
     لماذا أصبح العراق على حافة الانفجار من جديد، على الرغم من أنه كان يبدو أنه انطلق في الطريق الصحيح في نهاية العقد الماضي؟ عاش العراق منذ سقوط صدام حسين تحت حكم ثنائي أمريكي ـ إيراني: سيطرت الشركات الأمريكية على القطاع النفطي، وفرض رجال الدين الفرس نفوذهم على البرلمان والحكومة العراقية التي تُهيمن عليها الأغلبية الشيعية. لقد ظهر حجم النفوذ الإيراني في بلاد الرافدين عندما جرت المفاوضات في مدينة قم الإيرانية حول هدنة نيسان 2008 بين "جيش المهدي" التابع لمقتدى الصدر وبين القوات الأمنية التابعة لحكومة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي اللذان كانا يتصارعان على السيطرة على ميناء البصرى. تكمن المشكلة في أن هذا الحكم الثنائي لم يعد يعمل بشكل جيد كما كان الحال سابقاً، وهناك ثلاثة أسباب لهذا الخلل في عمله: الحرب الأهلية في سورية (تدعم إيران العلويين في السلطة، في حين تنتقدهم الولايات المتحدة)، تفاقم الخلاف النووي بين الولايات المتحدة وإيران، وضعف النظرة الإستراتيجية المحلية للبلدين. بالنسبة لواشنطن، لم يعد العراق أولوية منذ انسحاب الجيش الأمريكي في شهر كانون  الأول 2011. وفي طهران، لم يعد هناك قبطان في الطائرة لأن السلطة التنفيذية مشلولة بسبب الحقد الموجود بين  المرشد الأعلى خامنئي الطاعن في السن والرئيس أحمدي نجاد في نهاية ولايته.
     من المفترض أن تنتخب إيران في نهاية شهر حزيران 2013 رئيساً جديداً لها. لقد ألمح الأمريكيون سابقاً بأنهم يرغبون بفتح حوار مباشر مع الرئيس الإيراني الجديد بغض النظر عن اسمه. من المحتمل أن يغتنم الرئيس الجديد هذه اليد الممدودة، لأن الولايات المتحدة وإيران مُجبرتان على التفاهم في الشرق الأوسط أكثر من أي وقت مضى. إن استمرار التنافس بينهما يُمثل خطراً على تفاهم ثنائي أمريكي ـ إيراني آخر في لبنان: يُسيطر الأمريكيون على الاقتصاد اللبناني، ولكن حزب الله التابع لنظام طهران يُسيطر لوحده على جنوب لبنان وعلى الحدود مع إسرائيل وعلى السهل الشرقي من البقاع على الحدود مع سورية.
     إن المواجهة الأمريكية ـ الإيرانية تُمثل رهاناً سيخسر الجميع فيه. ليس فقط لأنه لا مصلحة لأي من البلدين بانفجار الوضع في العراق ولبنان، بل أيضاً لأنه على الصعيد الإقليمي وعلى المدى الطويل الأجل، ستكون إيران بحاجة إلى الولايات المتحدة، وستكون الولايات المتحدة بحاجة إلى إيران. لا يمكن أن تستغني طهران عن التكنولوجيا الأمريكية من أجل تنمية صناعتها النفطية. من الناحية الاقتصادية، تعاني طهران كثيراً من العقوبات الغربية. من الناحية السياسية، تحتاج الولايات المتحدة إلى قوة إقليمية تقف في وجه التوسع الوهابي، هذا الإسلام السني الراديكالي الأصولي عدو الحضارة الأمريكية. لم يعد لدى واشنطن أي شخص تتحدث معه في سورية، وأصبحت الولايات المتحدة العدو اللدود لنظام الأسد، بعد أن أعطته سابقاً الوصاية على لبنان (اتفاق الطائف عام 1989). ولم يعد بإمكان واشنطن التفاهم مع المتمردين الذين يُعلنون بأغلبيتهم الساحقة تقاربهم مع الإخوان المسلمين في أفضل الأحوال، أو مع تنظيم القاعدة في أسوأ الأحوال. من العبث استبعاد الإيرانيين عن أي حل للتوصل إلى السلام في سورية، لأنهم الوحيدون القادرون على ضمان أمن العلويين في المستقبل القريب.
     ارتكب جورج بوش الابن خطأ فادحاً عندما رفض "التسوية الكبرى" التي اقترحها الإيرانيون في شهر  أيار 2003. لقد حان الوقت للعودة إلى هذه الفكرة المناسبة بإجراء مفاوضات شاملة حول جميع المواضيع بين البلدين من أجل التوصل إلى السلام في الشرق الأوسط. لا يجب أن تكون تسوية الخلاف النووي شرطاً للبدء بهذا الحوار، بل يجب أن تكون إحدى عناصره.

الأحد، ٢٨ نيسان ٢٠١٣

(حزب العمال الكردستاني يريد مغادرة تركيا والسلاح بيده)


صحيفة الفيغارو 27 نيسان 2013 بقلم مراسلتها في تركيا لور مارشاند Laure Marchand

     أعلن حزب العمال الكردستاني أن مقاتليه سيبدؤون انسحابهم من الأراضي التركية باتجاه شمال العراق اعتباراً من 8 أيار. يُشكل هذا الانسحاب مرحلة أساسية في المفاوضات الجارية بين الحكومة التركية وعبد الله أوجلان المسجون مدى الحياة في سجن عمرالي. قام الزعيم العسكري لحركة الحكم الذاتي مراد كارايلان Murat Karayilan بإعطاء إشارة الرحيل لحوالي ألفي متمرد موجودين في تركيا، وأوضح أمام الصحفيين الأتراك في إحدى قواعد حزب العمال الكردستاني في جبل قنديل بشمال العراق تفاصيل عملية الانسحاب التي يُفترض أن تنتهي خلال عدة أشهر و"بأسرع وقت ممكن". من المفترض أن ينسحب رجاله عبر الطرق التي يسلكونها عادة بين البلدين، والتي يعرفها الجيش التركي. من المرتقب أن يتجنبوا القرى والمواقع العسكرية لتقليل أخطار الاصطدام مع القوات الأمنية التركية. ولكن مراد كاريلان حذر قائلاً: "سيتوقف الانسحاب فوراً في حال التعرض لهجوم، وسيستخدم رجاله حقهم بالرد". يعني ذلك أن خروجهم من تركيا سيكون مع أسلحتهم بشكل يتناقض مع مطالب رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان.
     يخشى حزب العمال الكردستاني من تعرضه لهجوم من الجيش التركي كما حصل في عام 1999، عندما أمر أوجلان المقاتلين الأكراد بمغاردة تركيا بدون أسلحة، وقُتِل آنذاك المئات منهم في الكمائن. ولكن الحكومة تضمن هذه المرة أن المتمردين بإمكانهم الانسحاب بدون عراقيل، وأكدت هيئة الأركان التركية أنها لن تُعرقل قرار السلطة المدنية.
     عبّر وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو عن تفاؤله مُشيراً إلى أنه بمجرد تجاوز منتصف النهر "فإن العودة ستكون أطول وأكثر خطورة". أوضح مراد كارايلان أن نجاح عملية السلام يمر "عبر إصلاحات ضمن إطار حل دستوري"، وذكّر الحكومة التركية بـ "واجباتها" تجاه 15 مليون كردي في تركيا. يُطالب المتمردون بعدة أمور منها: حق التعليم باللغة الأم والحكم الذاتي الإقليمي والعفو عن المقاتلين والإفراج عن آلاف السجناء السياسيين المُتهمين بـ "الإرهاب".
     قال النائب عن حزب السلام والديموقراطية عتلان تان Altan Tan، الواجهة السياسية لحزب العمال الكردستاني: "سيلتزم حزب العمال الكردستاني بكلامه وسينسحب، من غير المؤكد أن يقوم رجب طيب أردوغان بالشيء نفسه. ليس لدينا أية ضمانات". واعتبر أن "الخطر الأكبر" هو أن يتصور رئيس الوزراء بأن الأكراد سيكتفون بـ "بعض الإصلاحات البسيطة".

(علاوي: "العراق على حافة الحرب الأهلية")


صحيفة الفيغارو 27 نيسان 2013 ـ مقابلة مع رئيس الوزراء العراقي السابق إياد علاوي ـ أجرى المقابلة مراسلها الخاص في العراق جورج مالبرونو Georges Malbrunot

سؤال: هل سيغرق العراق مرة أخرى في الحرب الأهلية مع تصاعد أعمال العنف الطائفية؟
إياد علاوي: يوجد خطر بعودة الحرب الأهلية، لأن الأزمة تُهدد بالإنفجار. يجب التحرك بسرعة وعلى جبهتين: بشكل فوري، يجب على السلطة مُعاقبة أولئك الذين ارتكبوا الجرائم خلال الأيام الأخيرة والبدء بحوار مع المتظاهرين من أجل تلبية مطالبهم. كما يجب على رئيس الوزراء نوري المالكي التوقف عن التضليل عبر إنشاء لجنة هنا ولجنة هناك. يجب عليه تفكيك الأجهزة الأمنية التي أنشأها خارج الدستور مثل "قيادة جيش دجلة". ينص دستورنا على أن تسوية النزاعات الداخلية ليست من مهمة الجيش. نحن لا نريد تكرار ما حصل عام 1991 عندما استخدم صدام حسين الجيش لسحق الشيعة والأكراد، لأنه يجب العمل على تسوية سياسية. يجب علينا إعادة الثقة بين الأطراف السياسية في البلد. ولكن لا يمكن أن تعود هذه الثقة إلا إذا تم احترام القانون وإعادة بناء عملية تقاسم السلطة اعتماداً على الدستور، دستور مُعدّل وانتخابات جديدة. ولكن ليس لدينا ثقة بهذه الحكومة لضمان حسن سير انتخابات جديدة.
سؤال: هل تدعون السنة إلى وقف العنف؟
إياد علاوي: بالتأكيد، أنا أدعو السنة إلى وقف العنف، ولكنني أطلب في الوقت نفسه من الحكومة إيقاف القمع واحترام السنة وإنهاء سياستها الطائفية التي تؤثر أيضاً على المسيحيين الذين غادر نصفهم البلد منذ عشر سنوات. الطائفية هي الوجه المُرعب للتطرف. إن الجيش مبني حالياً على الطائفية، ولهذا السبب يرفض الكثير من الجنود القتال. لقد انقسم الجيش اللبناني عندما بدأت الحرب الأهلية في بيروت عام 1975. هل نريد لبنان آخر في العراق؟ هناك جيوب طائفية في العراق على الرغم من أن أغلب قبائلنا مُختلطة ووجود العديد من الزيجات بين الشيعة والسنة، ولكن وباء الطائفية يُهيمن اليوم على الاقتصاد والسياسة والحياة الاجتماعية. لا يستطيع المالكي أن يكون نسخة ناعمة عن صدام، ولا يمكنه أن يكون في الوقت نفسه رئيساً للوزراء ووزيراً للدفاع والداخلية وقائد الجيش ورئيس حزبه حزب الدعوة، إنه يحتكر الكثير من السلطات. ليست هذه هي الديموقراطية.
سؤال: يُطالب السنة باستقالته، ما هي مطالبهم؟
إياد علاوي: إنهم مُهمّشون ومُعتقلون وخائفون. إن 90 % من الأشخاص الذين يستهدفهم قانون مكافحة الإرهاب هم من السنة. إذا كان هناك اشتباه بأنكم تقيمون علاقات مع هذه المجموعة الإرهابية أو تلك، فمن الممكن اعتقالكم في منزلكم وتعذيبكم حتى تعترفون. يشعر السنة بأنهم مواطنون من الدرجة الثانية. لقد عزز التدخل الإيراني هذه الطائفية، وللأسف، أفسحت الولايات المتحدة المجال أمام الإيرانيين للقيام بذلك.
سؤال: هل ستنفصل المناطق السنية في حال استمرار الأزمة؟
إياد علاوي: سيتفتت العراق إذا استمرت الطائفية والقمع، وسيترافق هذا التفتت مع العنف، وسيؤثر عدم الاستقرار على بقية الدول في الشرق الأوسط. كما سيكون ذلك تهديداً لكم في فرنسا وأوروبا.
سؤال: ما هو حجم النفوذ الحالي للولايات المتحدة في العراق بعد عشر سنوات من انسحابها؟
إياد علاوي: إنه يتراجع كثيراً. لم يعد هناك إرادة أمريكية بالتحرك. ولست متأكداً من إرادتهم بالتدخل في إيران.
سؤال: ما هي الحصيلة التي تستخلصونها بعد عشر سنوات من تحرير العراق؟
إياد علاوي: يذهب العراق في الاتجاه السيء. من كان يتصور أن العراق سيكون بعد عشر سنوات من تحريره متفتتاً وغير مستقر إلى هذه الدرجة، وتعمل الأجهزة فيه بشكل سيء جداً، ويستشري فيه الفساد بدرجة كبيرة جداً، في حين أن العراق قام دوماً بدور هام في الشرق الأوسط.
سؤال: هل تفهمون حنين أولئك الذين يتأسفون على الأمن الذي كان سائداً في عهد صدام حسين؟
إياد علاوي: إن صدام حسين هو الذي قادنا إلى ما وصلنا إليه اليوم، ولكن كان يجب علينا استخلاص الدروس من الدكتاتورية. للأسف، كانت أهدافنا غامضة عندما بدأ الاحتلال الأمريكي. ولم يكن لدى الأمريكيين  أية خطة بعد تحقيق الانتصار. أصبح العراق قطاراً بدون سائق، في حين أن العراق كان يمكن أن يلعب دوراً في الاستقرار مع غناه البشري والنفطي. للأسف، لم يمكن هناك نظرة مستقبلية للأمريكيين الذين قضوا على الدولة، وخلقوا فراغاً كبيراً استغلته القوى الخارجية. نحن ندفع ثمن هذا الخطأ بعد عشر سنوات، وسنواصل دفع ثمن هذه الأخطاء، إذا لم نجد حلاً حاسماً لجميع المشاكل وأسبابها الأصلية.

السبت، ٢٧ نيسان ٢٠١٣

(الدوحة ـ الرياض: صراع النفوذ)


صحيفة الليبراسيون 27 نيسان 2013 بقلم جان بيير بيران Jean-Pierre Perrin

     حددت قطر سياستها خلال فترة طويلة تبعاً للسياسة السعودية، وتتشاركان بالإيديولوجية السنية الوهابية، ولكن قطر تخلط النزعة العربية بها. تشعر قطر أنها محمية من حليفها الأمريكي، وتتمتع بهامش معقول من المناورة. ولذلك تترصد قطر العالم الإسلامي باحثة عن الفوائد التي يمكن أن تُحققها فيه من الناحية السياسية والدبلوماسية دون نسيان الدوافع التجارية. اعتقدت هذه الإمارة الصغيرة عندما بدأت الثورات العربية أن دورها قد حان لكي تكون في طليعة هذه الثورات، وقامت بدعم الإخوان المسلمين، وموّلت القوى الإسلامية العابرة القوميات بعكس الرياض المصدومة بهذه الثورات.
     قال الباحث السياسي كريم صدر: "تريد قطر إسقاط الجمهوريات العلمانية الاستبدادية في العالم العربي واستبدالها بـ (الواقعية الإسلاموية) للبورجوازية الإسلامية في المدن على نمط حزب النهضة في تونس. كما تريد قطر تجسيد الوهابية في القرن الواحد والعشرين. بالنسبة لقطر، لم تعد عائلة سعود تتمتع بالشرعية، ويجب التوصل إلى تسوية بين الوهابية وشكل من أشكال الحداثة".
     سوف يتعقّد الرهان حول سورية، لأن السعودية لا يمكن أن تسمح لنفسها بالبقاء بعيدة عن التدخل في نزاع يجمع العالم الإسلامي بأسره ضد عائلة الأسد. قامت قطر والسعودية بدعم المجموعات المتمردة التابعة لهما، أي المجموعات المنضوية تحت راية الإخوان المسلمين بالنسبة لقطر، والمجموعات التي تدعو إلى السلفية الوهابية الأكثر تطرفاً بالنسبة للسعودية. ما زال هذا النزاع القطري ـ السعودي يُلقي بعبئه على المعارضة السورية التي لم تتمتع حتى الآن بقيادة حقيقية، وبالتالي، لا تستطيع تشكيل جبهة واحدة في مواجهة النظام. يعتبر بعض الخبراء أن عملية إعادة بناء المعارضة السورية تستوجب مصالحة بين الدوحة والرياض، ولكن ما زالت هذه المصالحة بعيدة.
     يملك الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني إحدى أجمل الفيلات في دمشق، الأمر الذي يدل على أن أمير قطر وبشار الأسد كانا على توافق تام لفترة طويلة. لقد استثمر الأمير مليارات الدولارات في بلد هذا الطاغية، كما توسّط من أجله على الساحة الدولية ولاسيما لدى باريس. كانت قطر تدعم السلطة السورية في بداية التمرد، ثم تدهورت العلاقات بين الزعيمين. إن أحد أسباب تدهور هذه العلاقات هو رفض الأمير لإسكات يوسف القرضاوي، وأصبح الأمير اعتباراً من شهر أيار 2011 أشد أعداء بشار الأسد، ودعا إلى إرسال قوة عسكرية عربية لمساعدة المتمردين في شهر كانون الثاني 2012.
     هل عنف القمع هو الذي يُفسّر هذا التحول المذهل في الموقف القطري؟ ربما، ولكن قطر ستسمح لأمير البحرين بسحق التمرد ضده دون أي اعتراض، صحيح أن البحرين ذات أغلبية شيعية. لا يبدو أن دوافع الأمير القطري ذات صبغة دينية، لأنه تفاهم طويلاً مع الأسد، وهو علوي يعتبره القرضاوي مثل الملحدين. من الناحية الإيديولوجية، من الصعب تحديد إيديولوجية أمير قطر الذي يستقبل قاعدة العديد الأمريكية منذ عام 2003، ويشتري أغلب أسلحته من فرنسا، ولديه علاقات مع إسرائيل، واستقبل رئيس حماس خالد مشعل، ويسمح لتلفزيون الجزيرة ببث بيانات تنظيم القاعدة.

(توغّل قطري في فرنسا)


افتتاحية صحيفة الليبراسيون 27 نيسان 2013 بقلم فابريس روسلو Fabrice Rousselot

     لا يمكن لأي شخص في فرنسا أن يتجاهل الشهية القطرية الجشعة. جعلت هذه الإمارة الصغيرة من فرنسا مكانها المُفضل لاستثمار أموالها خلال السنوات الثلاث الأخيرة. لقد اشترت نادي كرة القدم في العاصمة الفرنسية ومحلات Printemps الفخمة بالإضافة إلى توغلها في الضواحي الفرنسية ومساعداتها إلى الشركات الفرنسية الصغيرة والمتوسطة الحجم وحتى تقديم عروض عمل للرئيس الفرنسي السابق.
     يكشف التحقيق الذي ننشره اليوم عن جانب آخر من الطموحات القطرية: أي اهتمامها الواضح جداً بالإسلام في فرنسا وبالمسلمين الفرنسيين الأكثر عدداً في أوروبا. بالتأكيد، حاولت المغرب والسعودية ودول أخرى وما زالت تحاول التلاعب بالإسلام الفرنسي المعروف بعدم تنظيمه وقابليته للتأثر. ولكن قطر تتحرك بنشاط داخل الإسلام الفرنسي وبالوسائل التي تملكها، الأمر الذي يُعطينا الحق بمراقبة ما تقوم به عن كثب، وبشكل خاص قيامها بتوظيف المبعوثين ذات السمعة السيئة وتحالفها العلني مع الإخوان المسلمين من أجل خدمة التبشير بإسلام ليبرالي جداً على الصعيد الإقتصادي، ولكن مُحافظ جداً على الصعيد الاجتماعي. إنه نوع من "الواقعية الإسلاموية" المبنية على سلطة المال، وتزداد فعاليته لدى الجيل الجديد من الشباب المسلمين، كرة القدم على سبيل المثال، فالهالة التي يتمتع بها لاعبي كرة القدم في نادي العاصمة الفرنسية إبراهيموفيتش وبيكام يمكن أن تلعب دوراً في توحيدهم مثل الدور الذي تلعبه خطبة الجامع. إن مثل هذا التوغل يستحق بلا شك أن يكون أقل غموضاً وأكثر خضوعاً لرقابة دولة علمانية.

(المسلمون محل اهتمام قطر)


صحيفة الليبراسيون 27 نيسان 2013 بقلم ويلي لودوفان Willy Le Devin

     إنه إحدى المحرمات التي  بدأت تظهر شيئاً فشيئاً. تبعث كلمتا الإسلام وقطر في فرنسا على الكثير من الخوف وتُثيران الجدل. ولكن على الرغم من جميع التحفظات التي تفرض نفسها، يبدو أن الإمارة تملك إستراتيجية مُعدّة جيداً للتدخل بشؤون الإسلام في فرنسا. إن المغرب والسعودية يقومان بالشيء نفسه، ولكن قطر تُركّز بشكل أكبر على التبشير الديني، وتستخدم ورقتها داخل طائفة ضعيفة اقتصادياً وتتطلع باهتمام إلى هذا المُحسن الغني. انطلاقاً من ذلك، لماذا لا تتم المصالحة بين الإيمان والمال باعتبارهما المحوران الأساسيان للسياسة الخارجية القطرية؟
     تحالفت قطر من سنوات السبعينيات مع الإخوان المسلمين. وبالتالي، من الطبيعي أن يكون التدخل القطري المخادع، ولكن بعد الحصول على الموافقة، داخل اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا (UOIF) الذي يُمثل الإخوان المسلمين في فرنسا. بالإضافة إلى ذلك، نشاهد حالياً تراجعاً نسبياً للشركاء التاريخيين للإسلام الفرنسي مثل المغرب والجزائر. إذا كانت هاتان الدولتان ما زالتا تمولان الإسلام الفرنسي بسخاء، وتحافظان على علاقات وثيقة مع الأجيال الأولى للمهاجرين، وتحتكران المناصب الأساسية داخل المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية (CFCM)، فإن نفوذهما يتضاءل لدى الأجيال الشابة. كان الإسلام الفرنسي قبل عدة سنوات يتمحور بشكل كبير حول الجاليات "القومية": أي الجزائريين مع الجزائريين والمغاربة مع المغاربة... ولكن هذه التوازنات تغيّرت، وظهر خط انقسام جديد بين التيارات السلفية التي تدعو إلى إسلامي نصّي (يتمسك بالنص) وتحظى بدعم السعودية، وبين التيارات "الإخوانية" التي تقف إلى جانب التيار الإصلاحي وتحظى بدعم قطر.
     بدأت قطر حملة سريعة في السباق نحو تمويل الجوامع الفرنسية، باعتبار أن قانون عام 1905 لا يسمح للدولة بالاهتمام بها. تستثمر قطر في أغلب الأحيان في الجوامع التابعة لإدارة اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا (UOIF)، أو المنظمات التابعة لها، مثل جامع السلام في مدينة نانت (4.4 مليون يورو) وجامع مدينة مولوز (2 مليون يورو) والجامع الكبير الذي سيُبنى في مدينة مرسيليا ليستقبل ما بين 10.000 و14000 مُصلّي (ستدفع قطر 25 % من كلفته البالغة 22 مليون يورو). قالت فاطمة عرساتلي، عضوة مجلس منطقة مرسيليا عن الحزب الإشتراكي وعضوة مجلس إدارة جمعية الجامع الكبير في مرسيليا: "لم نبدأ بالاتصال بهم، بل هم الذين اتصلوا بنا عبر سفارتهم. إنهم يعرفون الوضع بشكل جيد ويبادرون بسرعة وهم أغنياء جداً... ولكنهم لم يُطالبوا بأي مقابل".
     كان التقارب بين قطر واتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا (UOIF) بفضل أحد رموز الإخوان المسلمين الهامة الشيخ يوسف القرضاوي ذو السمعة السيئة. كان القرضاوي قبل عدة سنوات ضيف الشرف للمعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية في شاتو شينون (Château Chinon)، الذي يقوم بتأهيل الأئمة في اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا (UOIF)، وضيف التجمعات التي ينظمها التي ينظمها اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا في مدينة بورجيه (Bourget). ولكن فرنسا منعته من دخول الأراضي الفرنسية عام 2012 بسبب تصريحاته غير المقبولة تجاه المحرقة اليهودية.
     قامت قطر أيضاً منذ عدة سنوات بالتقرّب من الباحث طارق رمضان من أجل كسب المسلمين في فرنسا، لأنه يحظى بشعبية كبيرة في صفوفهم. كما استثمرت قطر في مجال الجمعيات التي تُكافح الخوف من الإسلام (Islamophobie)، ونسجت علاقات مع تجمع المسلمين في فرنسا Collectifs des musulmans de France بقيادة نبيل الأنصاري، وهو تجمع ضد الخوف من الإسلام في فرنسا، أو مع مركز التوحيد الثقافي في مدينة سان دوني، وجميعها مُقرّبة من الإخوان المسلمين.

(الولايات المتحدة تؤكد استخدام الأسلحة الكيميائية من قبل بشار الأسد)


صحيفة اللوموند 27 نيسان 2013 بقلم مراسلتها في واشنطن كورين لينس Corine Lesnes

     اعترف البيت الأبيض للمرة الأولى بما كان شركاؤه يحاولون إقناعه به منذ عدة أسابيع: أي أنه تم استخدام أسلحة كيميائية في سورية، الأمر الذي قد يؤدي إلى تدخل أمريكي في النزاع. جاء هذا الاعتراف في رسالة موجهة إلى السيناتور جون ماكين وبعض زملائه الذين طلبوا من البيت الأبيض قبل يوم واحد من هذه الرسالة بعض المعلومات حول تأكيد أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية والفرنسية والبريطانية بأن قوات بشار الأسد استخدمت الأسلحة الكيميائية.
     قام وزير الدفاع الأمريكي تشاك هاغل الذي يزور أبو ظبي بقراءة الجواب الحذر جداً للبيت الأبيض، وأشار هذا الجواب إلى أن: "أجهزة الاستخبارات الأمريكية، وبدرجات مختلفة من اليقين، توصلت إلى نتيجة مفادها أن النظام السوري استخدم الأسلحة الكيميائية على مستوى صغير في سورية، ولاسيما غاز الساران". برر أحد المسؤولين الأمريكيين هذا الحذر بأخطاء أجهزة الاستخبارات حول أسلحة الدمار الشامل في العراق عامي 2002 و2003، وقال: "نظراً لسوابقنا في جمع المعلومات حول أسلحة الدمار الشامل، من المهم التأكد من الوقائع".
     أكد البيت الأبيض أنه يملك معلومات مبنية على أساس عينات فيزيولوجية، ولاسيما نتائج فحوص الدم للضحايا، ولكنه لا يستطيع اعتبار هذه العينات برهاناً مطلقاً على استخدام الغاز. كما رفض البيت الأبيض تأكيد ما قاله وزير الخارجية جون كيري حول استخدام الأسلحة الكيميائية في مكان ثاني غير حلب.
     أشار بارك أوباما في شهر آب 2012 إلى أن استخدام الأسلحة الكيميائية يُشكل "خطاً أحمراً" بالنسبة للولايات المتحدة، وأن نتائجه ستكون "كبيرة جداً". أشار مسؤول رفيع المستوى إلى أنه لهذا السبب بالتحديد "نحن نتعامل بجدية مع هذا الخط الأحمر"، وأن القرار يجب أن يكون مبنياً على وقائع مؤكدة، وأضاف أنه إذا تأكد ذلك فإن "جميع الخيارات مطروحة على الطاولة".
     يعتبر بعض أعضاء مجلس الشيوخ من الحزبين الجمهوري والديموقراطي أنه تم تجاوز الخط الأحمر، ويطالبون بإقامة منطقة أمنية أو ممر إنساني على طول الحدود الشمالية، وتوفير حمايتها عن طريق فرض حظر جوي. يُعارض "الواقعيون" أيّ استعجال ما دامت المصلحة الوطنية غير مهددة، وحذروا الذين يدعون إلى الحرب مُشيرين إلى أن الطيران السوري هو من بين الأكثر قوة في المنطقة، وطرحوا السؤال حول معرفة ما هو الأساس القانوني لمثل هذا التدخل، وما هو المعنى من إقامة ممر إنساني في شمال سورية، في الوقت الذي يوجد فيه أيضاً سكان مدنيون مُهددون في جنوب سورية؟
     تريد إدارة أوباما تكثيف الضغوط، ولاسيما على موسكو لكي تستطيع الأمم المتحدة التحقيق ميدانياً. كما أعد البنتاغون خططاً عاجلة ونشر مئة رجل من القوات الخاصة في الأردن. يستشير باراك أوباما حلفاءه في المنطقة كثيراً، فقد  استقبل أمير قطر وسيستقبل ملك الأردن يوم الجمعة 26 نيسان في البيت الأبيض. كما سيستقبل جون كيري نظراءه العرب بتاريخ 29 نيسان، ويتضمن جدول الأعمال سورية وعملية السلام الإسرائيلية ـ الفلسطينية.

(أزمة هويّة في الحلف الأطلسي)


صحيفة اللوموند 27 نيسان 2013 بقلم جان بيير ستروبانتس Jean-Pierre Stroobants

     إنها مشكلة عميقة، وربما تكون تمهيداً لأزمة وجودية حقيقية. بدأ البعض داخل مبنى منظمة الحلف الأطلسي في بروكسل بطرح السؤال التالي: "ولكن ما هي فائدتنا الفعلية؟". في الحقيقة، يشعر بعض الأعضاء الأوروبيين في الحلف الأطلسي بالقلق والارتباك بسبب نهاية مهمة الحلف الأطلسي في أفغانستان عام 2014 وغموض المرحلة التالية بعد الانسحاب من أفغانستان، بالإضافة إلى الأزمة الاقتصادية والمالية غير المسبوقة. ومن بين المؤشرات الإضافية للصعوبات الحالية: إلغاء قمة رؤساء الدول والحكومات في الحلف الأطلسي بسبب عدم التأكد من مشاركة باراك أوباما.
     قامت جميع الدول الأوروبية تقريباً بتخفيض موازناتها العسكرية منذ عامي 2010 و2011، وانخفضت الموازنة العسكرية الحالية للدول الأوروبية بنسبة 15 % بالمقارنة مع عام 2001. يساهم الأوروبيون حالياً بثلث نفقات الحلف، وستصل هذه النسبة إلى الربع قريباً، وذلك بعد أن كانت تساهم بنصفها قبل عشر سنوات. لهذا السبب، أصبح من الصعب الاستمرار بالعمل على المدى الطويل كمنظمة واحدة وتوافقية. لقد ظهرت الكثير من الخلافات السياسية داخل الحلف أثناء الحرب في ليبيا، وأشار الحلف إلى نواقص وأخطاء هذه الحرب في مجال:  التموين في الجو ووسائل الإستخبارات وبعض  الأخطاء الفنية في القضاء على وسائط الدفاع الجوي المعادية ونقص الذخيرة بالنسبة للجنود الدانماركيين.
     غاب الحلف الأطلسي عن الحرب في مالي. وفيما يتعلق بالنزاع السوري، اكتفى بنشر الصواريخ في تركيا وإعداد الخطط في حال الحاجة. يملك الحلف قوة تدخل سريع منذ عام 2002، ولكنها لم تتدخل في أي مكان.
     تشعر واشنطن بالشك حيال وجود رغبة أوروبية حقيقية لتحمل المزيد من المسؤوليات، وحيال الفائدة الحقيقية من الدول الأوروبية في تسوية النزاعات في الشرق الأوسط أو في آسيا مستقبلاً. ولكنها تنظر بعين الرضى إلى الجانب الاقتصادي من مشروع تطوير أعمال التعاون والتمويل المشترك بشكل يؤدي إلى بيع المزيد من المعدات الأمريكية وفرض نموذج "صُنع في الولايات المتحدة".

الجمعة، ٢٦ نيسان ٢٠١٣

(بالنسبة لواشنطن، دمشق استخدمت الأسلحة الكيميائية)


صحيفة اللفيغارو 26 نيسان 2013 بقلم مراسلتها في واشنطن لور ماندفيل Laure Mandeville

     اعترفت إدارة باراك أوباما للمرة الأولى يوم الخميس 25 نيسان أنه من المحتمل أن النظام السوري استخدم "عدة مرات" و"على مستوى محدود" أسلحة كيميائية ضد المتمردين الذين يقاتلون ضد سلطة دمشق. إن المسألة المركزية هي معرفة ما هو الرد الذي يمكن أن يقدمه الرئيس أوباما على هذه الاكتشافات، على الرغم من أن وزير الدفاع تشاك هاغل تطرّق إلى مستويات "مختلفة" من اليقين حسب وكالات الاستخبارات المتعددة. كان أوباما قد حذّر من أن استخدام الأسلحة الكيميائية من قبل نظام الأسد سيُشكل "مُنعطفاً"، ولكنه يُعارض أي تدخل أمريكي في سورية حتى الآن. قال السيناتور الأمريكي جون ماكين الذي يدعو إلى إرسال الأسلحة للمتمردين وإقامة منطقة حظر جوي: "من المؤكد أنه تم تجاوز خط أحمر".
     ما زال البيت الأبيض حذراً، وأكد يوم الخميس 25 نيسان في رسالة وجهها إلى الكونغرس أن معلومات هذه الأجهزة الخاصة لا يمكن اعتبارها "براهين قاطعة"، وقالت الناطقة الرسمية باسم مجلس الأمن القومي كاتلين هايدن Caitlin Hayden: "نظراً للرهانات ولما تعلمناه من خبرتنا الخاصة، إن  تقديرات الاستخبارات غير كافية لوحدها. إن الوقائع الجديرة بالثقة والمؤكدة هي وحدها التي تُقدم لنا بعض الثقة التي ستُوجه عمليتنا في اتخاذ القرار". ما زالت ذكرى العراق الجارحة راسخة، عندما تدخلت الولايات المتحدة على أساس معلومات خاطئة.
     كشفت كاتلين هايدن أن تقويم أجهزة الاستخبارات "مبني جزئياً على العينات" المأخوذة من الأشخاص الذين ربما تعرضوا إلى غاز الساران، ولكنها أضافت بأن: "سلسلة نقل  المعلومات غير واضحة، ولا نستطيع تأكيد كيف جرت عملية تعرضهم له". كان الإسرائيليون قد أعلنوا يوم الأربعاء 24 نيسان عن تأكيد استخدام الأسلحة الكيميائية من قبل جيش بشار الأسد، وقال الفرنسيون والبريطانيون أنهم يملكون معلومات مُقنعة.
     تحدث وزير الدفاع الأمريكي عن قضية "جدّية جداً"، واعترف أن مهمته ستكون "اقتراح الخيارات". ولكن ما هي هذه الخيارات؟ أكد دافيد ريثز David Reeths، مدير مؤسسة IHS Jane’s Consulting للاستشارات الامنية والعسكرية قائلاً: "إن أي رد جدي يجب أن يستهدف منع استخدام هذه الأسلحة من جديد، وتجنب فقدان أو نقل هذه الأسلحة الكيميائية أو البكتريولوجية. ولكن عمليات تدمير أسلحة الدمار الشامل مُعقدة جداً، وتحتاج إلى تواجد داخل البلد لفترة طويلة نسبياً".
     إنها فرضيات لا تنسجم مع عدم رغبة أوباما بالتدخل في نزاع مُعقد ولا يمكن التوقع بنتائجه. في حال عدم التدخل، هل يمكن أن يُقرر إرسال الأسلحة إلى المتمردين، وهو الأمر الذي رفضه حتى الآن مؤكداً على العلاقات بين التمرد وتنظيم القاعدة؟ يؤكد الكثير من المراقبين أن الجمود يتضمن مخاطر كبيرة. أشارت الصحفية في قناة CNN كريستيان أمانبور Christiane Amanpour إلى أن الأسد يمكن أن يحاول استخدام هذه الأسلحة بشكل أوسع في ظل عدم وجود ردة فعل. وقالت الواشنطن بوست: "إذا تراجع أوباما عن الخط الأحمر الوحيد والواضح الذي حدده، فإن المصداقية الأمريكية ستتزعزع".

(سورية في فوضى العالم المتعدد الأقطاب)


صحيفة اللوموند 26 نيسان 2013 بقلم آلان فراشون Alain Frachon

     كفاية. نشرت النيويورك تايمز بتاريخ 16 نيسان بياناً لخمسة مسؤولين كبار في الأمم المتحدة قالوا فيه: "يجب إيقاف النزيف السوري. بعد سقوط سبعين ألف قتيل منهم آلاف الأطفال، وبعد نزوح خمسة ملايين شخص منهم مليون مجبرين على الهروب إلى الخارج بسبب تدمير أحياء بأكملها بالإضافة إلى تدمير المدارس والمستشفيات وأنظمة جرّ المياه، ما زالت حكومات الدول العظمى غير قادرة بعد كل ذلك على الاجتماع بشكل عاجل من أجل إيقاف هذه المجزرة". إنها ملاحظة مُرّة، ولكنها صحيحة. بالمحصلة، تكتفي الدول العظمى في العالم بمراقبة هذا النزاع أو تقوم بتصفية الحسابات في سورية. لا يستطيع رؤساء أكبر خمس وكالات إنسانية في الأمم المتحدة إعلان ذلك بشكل مباشر، ولكن هذا هو ما يقولونه بين السطور.
     كان العمل الجماعي مشلولاً أثناء الحرب الباردة بسبب المواجهة الأمريكية ـ السوفييتية، وأعقب هذه الفترة بعض السنوات من الهيمنة الأمريكية شبه المطلقة التي اختفت بسرعة تحت أنقاض الانهيار في العراق. دعت فرنسا آنذاك مع دول أخرى إلى إقامة عالم متعدد الأقطاب، وسيولد التوازن من التعايش بين أربعة أو خمسة أقطاب كبيرة للسلطة. لقد وصلنا إلى هذا العالم المتعدد الأقطاب، ولكنه في الوقت الحالي عالم مشلول أو عالم من الفوضى. تشهد الحرب في سورية على هذا الوضع، ويمكن أن تستمر هذه الحرب عدة أشهر أو عدة سنوات. يُسيطر نظام بشار الأسد حالياً على 40 % تقريباً من الأراضي السورية، ولكنه يحتكر امتلاك الأسلحة الثقيلة والمدفعية والصواريخ والطائرات، ولا يتورع عن استخدامها ضد شعبه. لا شك أنها بربرية لم يشهد التاريخ مثيلاً لها، وتقوم روسيا الحليف المخلص بضمان تزويد النظام بالمعدات العسكرية. هناك شريك آخر هو إيران الذي يُزوده أيضاً بالأسلحة والمستشارين وحتى بالمقاتلين.
     يستطيع بشار الأسد الصمود والتراجع باتجاه طائفته في حال الهزيمة بدمشق. إن سقوط النظام لا يعني بالضرورة نهاية الحرب. لقد تجاوزت هذه الحرب بعض الحدود أو "الخطوط الحمر" التي يعتبر المجتمع الدولي أنه لا يمكن احتمالها. أكد الجيش الإسرائيلي هذا الأسبوع استخدام الأسلحة الكيميائية عدة مرات من قبل قوات بشار الأسد. واتهم رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر بيتر مورير Peter Maurer  الجانبين بمنع وصول المساعدة الإنسانية، وأدان استهداف سيارات الإسعاف وقوافل الممرضين والأطباء بالرشاشات. سيتم لاحقاً إحصاء جرائم الحرب، وربما سنجد الكثير منها.
     يتجاوز رهان هذه الحرب تغيير الإدارة السياسية في دمشق. إن تدفق اللاجئين يُزعزع استقرار جيران سورية. كما أن تفتت البلد طائفياً سيزيد حدة الانقسامات العرقية ـ  الدينية في لبنان والعراق الذي أصبح مهدداً بالحرب الأهلية مرة أخرى. إن مصير أسلحة الدمار الشامل التي يملكها النظام بفضل المُصدّر الروسي، يبعث على القلق. لقد قامت إسرائيل بقصف قافلة على الحدود مع لبنان، كانت هذه القافلة تسعى إلى نقل بعض هذه الأسلحة أو بعض مكوناتها إلى المتطرفين الشيعة في حزب الله. إن إمكانية سقوط هذه الأسلحة الكيميائية أو البكتريولوجية بأيدي الجهاديين الناشطين داخل التمرد يُقلق عدداً من قادة الأركان. في السيناريو الأكثر سوءاً، سينجم عن الحرب دولة مفتتة وعاجزة وخاضعة لنفوذ الإسلاميين في قلب الشرق الأوسط. إنه أمر لا يدعو للسرور.
     لا تتمنى أية دولة عظمى حصول عمليات لتهريب هذه الأسلحة، سواء كانت الولايات المتحدة أو روسيا أو الصين أو الاتحاد الأوروبي، لأن تهريبها يتناقض مع أهدافهم الإستراتيجية على المدى الطويل. تريد واشنطن  استقرار الشرق الأوسط من أجل التفرغ لآسيا، وتخشى أوروبا من بروز بؤرة إسلامية على حدودها الجنوبية، وتخشى موسكو من أن تخسر مع سورية إحدى نقاط ارتكازها النادرة في المنطقة، وتُجازف الصين كثيراً لأن اقتصادها هو الأكثر اعتماداً على نفط الشرق الأوسط، ويُمثل استقرار هذه المنطقة عاملاً هاماُ بالنسبة للصين.
     من المفترض أن يعمل الجميع على إيجاد حل تفاوضي بين النظام والمعارضة بمكوناتها الأكثر اعتدالاً (هل ما زال الجزء المعتدل هو الأغلبية داخل المعارضة؟). من المفترض أن يعمل الجميع على وقف إطلاق النار ورعاية عملية انتقالية سياسية. لقد حضّ مسؤولو الأمم المتحدة المشار إليهم أعلاه الدول العظمى على ممارسة "نفوذ جماعي" في هذا الاتجاه. إنهم لا يعتقدون بأن الأطراف المُتخاصمة ستقاوم طويلاً الضغوط المشتركة من قبل الصين والولايات المتحدة وروسيا. ولكن هذه الضغوط غير موجودة، ويُوصف الذين ما زالوا يأملون بها بأنهم طوباويون.
     بعد عدة أيام من المواجهات الإسرائيلية ـ العربية عام 1967 وعام 1973، وفي ذروة الحرب الباردة، تدخل الكريملين والبيت الأبيض لفرض إنهاء المعارك بعد جولة مكوكية جدّية لأهم دبلوماسييهم. ولكن لا يوجد شيء هذه المرّة. فيما يتعلق بالحالة السورية، تساءل نادر موسافيزادا Nader Mousavizadeh، أحد معاوني كوفي عنان، في مقال نشرته الهيرالد تريبيون بتاريخ 17 نيسان قائلاً: "أين هي المكالمات الهاتفية بين رؤساء الدول، والمشاورات بين قادة الأركان، والمبعوثون الخاصون الذين يصلون بسرعة وبتفويض رئاسي سواء من الكريملين أو من البيت الأبيض، من أجل الإعداد لقمة على أعلى مستوى وتنظيم مخرج للأزمة؟".
     يشعر باراك أوباما بالحذر بعد أن ورث المغامرات العسكرية الفاشلة في أفغانستان والعراق. يتحمل الصينيون والروس الجزء الأكبر من المسؤولية: إنهم يعارضون كل ما يشبه التدخل في الشؤون الداخلية لبلد ثالث، إنهم يُسمّمون الغرب عبر دعم دمشق، ويؤيدون ذلك دوماً. وأخيراً، يخشى الصينيون والروس لأسباب محلية من صعود الإسلاموية السنية التي تنشط داخل جزء من التمرد السوري.
     إن مجموعة المصالح العامة لهذا الطرف أو ذلك، هي ما يُطلق عليها العالم المتعدد الأقطاب الذي يتصف بالعجز عن إيقاف المأساة السورية والحيلولة دون الصعود النووي الإيراني أو الابتزاز النووي لكوريا الشمالية.

الخميس، ٢٥ نيسان ٢٠١٣

(سورية: تسليح المتمردين؟)


مجلة النوفيل أوبسرفاتور الأسبوعية 25 نيسان 2013 بقلم رونيه باكمان René Backmann

     ما زال الرئيس السوري بشار الأسد أسيراً لأفكار سياسية مُكررة، ويبدو أنه ليس هناك أي شيء قادر على تغييرها بالرغم من مرور سنتين على اندلاع التمرد ضد نظام دمشق ومقتل سبعين ألف شخص. إنه على رأس دولة في طريق التفتت، وأصبح ثلث سكانها بحاجة إلى المساعدة الإنسانية الدولية، بالإضافة إلى وجود مناطق بأكملها خارجة عن سيطرة النظام. ولكنه ما زال يرفض أية مفاوضات مع المعارضة المُتهمة بأنها "ممولة من الخارج". إنه يشعر بالقوة بفضل دعم أصدقائه الروس وبعض التقدم الذي حققه على الأرض. أجرت محطة تلفزيونية حكومية مقابلة معه الأسبوع الماضي، وكرر خلال ساعة من الزمن أن سورية تواجه "مجموعات إرهابية" وأنه "ليس أمامها خيار آخر غير الانتصار". لقد اتهم الدول الغربية بدعم تنظيم القاعدة الذي يُهيمن على التمرد برأيه، وحذّر أوروبا والولايات المتحدة من أنهم يخاطرون بـ "دفع ثمن باهظ"، وكذلك بالنسبة للأردن "المُعرّض أيضاً مثل سورية".
     يُكرر بشار الأسد في كلماته دوماً أن التمرد السوري يُعزى إلى تنظيم القاعدة، ولكنها دعاية مضللة بالتأكيد. بالنسبة للديموقراطيين السوريين وأصدقائهم، سيكون من التهور التهاون مع جبهة النصرة، وهي حركة جهادية ناشطة جداً داخل التمرد، وأعلنت مؤخراً ولاءها إلى خليفة بن لادن أيمن الظواهري الذي يريد أن يجعل من سورية دولة إسلامية. لوحظ منذ بداية التمرد وجود مجموعات جهادية مدعومة من السعودية والكويت وقطر والإمارات العربية المتحدة تقف إلى جانب الجيش السوري الحر، الأمر الذي برر تردد الدول الغربية حتى الآن حيال إرسال الأسلحة إلى المتمردين. إن البديل الذي تواجهه الدول الغربية يبعث على الخوف: إما أن تستمر في إرسال مساعدة عسكرية "غير قاتلة" إلى المجموعات المقاتلة التي تختارها وتُدرّبها، كما تفعل حالياً واشنطن ولندن وباريس، وهذه المساعدة لن تُغيّر موازين القوى وستساهم في استمرار الحرب دون  إيجاد مخرج. أو أن تقوم بإرسال أسلحة قادرة على تغيير مجرى الحرب، الأمر الذي يمثل خطراً برؤية هذه الأسلحة تقع بأيدي الجهاديين وتساهم في ولادة الدولة الإسلامية. انعقد مؤخراً مؤتمر أصدقاء سورية في استانبول، ويبدو أن الدول الغربية ما زالت تؤيد الخيار الأول في الوقت الحالي. إلا إذا استخدمت دمشق، أو قوى أخرى، الأسلحة الكيميائية، الأمر الذي سيُغير المعطيات.

(هؤلاء الشباب التونسيين الذين يتبعون دعوة الجهاد في سورية)


صحيفة الفيغارو 25 نيسان 2013 بقلم مراسلتها في تونس جولي شنايدر Julie Schneider

     أشارت مجموعة الأزمات الدولية إلى أن عدد التونسيين إلى ذهبوا إلى سورية يبلغ ألفي شخص. وتُشير المعلومات التي بحوزتنا إلى مقتل مئة شخص منهم على الجبهة في سورية. خلال حكم زين العابدين بن علي، غادر مئات التونسيين من أجل "الجهاد" في العراق.
     أشار أحد أعضاء جمعية إغاثة التونسيين في الخارج التي تم تأسيسها بتاريخ 15 نيسان، إلى أنه قام بملاحقة التونسي المُعاق حمزة بن رجب وشاب آخر معه قبل ذهابهما إلى سورية، وأنه حذّر السلطات التونسية التي لم تعتقلهما على الحدود. وأضاف أنه لحق بهما إلى ليبيا من أجل محاولة إعادتهما إلى تونس، وأنه لجأ في النهاية إلى وسائل الإعلام لإثارة الرأي العام. لقد عاد حمزة بن رجب إلى تونس في نهاية شهر آذار بعد أن أمضى عشرة أيام مع جبهة النصرة المرتبطة بتنظيم القاعدة في العراق كما أعلن أبو بكر البغدادي، وكانت عودته بمباركة أحد الأمراء في سورية وأحد الشيوخ في تونس. ولكن الشاب الآخر الذي غادر معه بقي في سورية.
     لم تكشف وزارة الداخلية التونسية عن عدد الجهاديين الذين عادوا إلى تونس، وتقول أنها تُراقبهم. أدى ضغط العائلات التونسية إلى فتح تحقيق حول الشبكات التي تُساعد الشباب التونسيين على الانضمام إلى المعارضة السورية ضد بشار الأسد. ولكن بعض الشهادات أشارت إلى أن بعضهم يذهب وحيداً. قال الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية التونسية محمد علي عروي أن السلطات التونسية: "اتخذت إجراءات احتياطية تجاه الشباب الذين تقل أعمارهم عن ثلاثين عاماً، وربما يكونون مُنضمّين إلى هذه الحركات". ولكنه أكد قائلاً: "لا يمكن منع الناس من السفر".
     اعتبر مفتي الجمهورية التونسية الشيخ عثمان بطيخ بتاريخ 19 نيسان أن الجهاد في فلسطين "شرعي"، وأن الجهاد في سورية غير شرعي. وأكد في مؤتمر صحفي قائلاً: "القتال في سورية هو  استغلال للمصاعب التي يواجهها شبابنا واستغلال لضعفهم. إن السوريين مسلمون. المسلم لا يُقاتل أخيه المسلم". ولكن أحد الشيوخ الجهاديين قال دون أن يكشف عن اسمه: "الجهاد في سورية هو جهاد دفاعي ضد الشيعة".

(ترسانة أسلحة أمريكية متطورة إلى إسرائيل)


صحيفة اللوموند 24 نيسان 2013 بقلم مراسلها في إسرائيل لوران زوكيني Laurent Zecchini

     إذا لم يكن ذلك ضوءاً أخضراً ضمنياً لإسرائيل من أجل المخاطرة بالقيام بضربات عسكرية ضد المواقع النووية الإيرانية، فإنه يُشبه ذلك كثيراً... ولكن الإدارة الأمريكية تُدرك هذا الخطر، وألحّت كثيراً على عدم تفسير قرارها بإرسال أسلحة متطورة جداً إلى الدولة اليهودية كموافقة ضمنية على تسريع عملية التخطيط للهجوم على إيران.
     وصل وزير الدفاع الأمريكي شاك هاغل إلى إسرائيل يوم الأحد 21 نيسان، واعترف أن عقد بيع الأسلحة الأمريكية إلى إسرائيل هو "إشارة واضحة جداً إلى إيران" وأضاف: "ستتخذ إسرائيل القرار الذي يجب اتخاذه من أجل حماية نفسها". سيزور الوزير الأمريكي في جولته أيضاً الأردن والسعودية والإمارات العربية المتحدة، وستتركز هذه الجولة بشكل واضح حول التهديدات الإيرانية والسورية.
     وافق البيت الأبيض على صفقات تتعلق بتحسين القدرات العسكرية الإستراتيجية لإسرائيل والسعودية والإمارات العربية المتحدة، هذه الدول الثلاث المُهددة بدرجات متفاوتة بسبب المشاريع الإيرانية. تبلغ القيمة الإجمالية لهذه الصفقات عشرة مليارات دولار، نصفها تقريباً من أجل حصول الإمارات العربية المتحدة على 25 طائرة مقاتلة من طراز F-16 وتدريب الطيارين الإماراتيين في الولايات المتحدة. فيما يتعلق بالرياض التي استفادت سابقاً من عقد عسكري كبير جداً تتجاوز قيمته 29 مليار دولار عام 2010، فسوف تحصل على صواريخ متطورة. فيما يتعلق بالأسلحة المرسلة إلى إسرائيل، فهي تحمل مغزى كبيراً لأنها تشمل كما قال وزير الدفاع الأمريكي: "صواريخ مضادة للرادارات مُعدّة لتحميلها على الطائرات المقاتلة وطائرات التموين جواً من طراز KC-135 وطائرات النقل من طراز V-22 Osprey التي لم تُعطها الولايات المتحدة لأي بلد آخر".
     كانت إسرائيل تُطالب منذ عدة سنوات بشراء طائرة KC-135 بدون جدوى، فقد عارض الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن تسليمها لإسرائيل عام 2008 من أجل تجديد أسطول الطيران الأمريكي القديم. إن مسألة التموين الجوي للطائرات الإسرائيلية المقاتلة من طراز F-15 وF-16 التي يُحتمل تكليفها بمهمة تدمير المواقع الإيرانية، هي إحدى التحديات الأساسية أمام إسرائيل، حتى ولو كان الخيار الجوي ليس الخيار الوحيد. كما تم القبول بتسليم إسرائيل طائرات متعددة المهام من طراز V-22 Osprey، وهي طائرة نقل وطائرة مروحية في الوقت نفسه، وهي مُعدّة للعمليات الخاصة البعيدة مثل العمليات التي قامت بها الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان وليبيا. أكد وزير الدفاع الأمريكي أن واشنطن تريد تزويد الدولة اليهودية "بكل الدعم الضروري للحفاظ على تفوقها العسكري والجوي تجاه أية دولة أو تحالف للدول والأطراف غير الحكومية الأخرى". ولكن النيويورك تايمز أكدت أن واشنطن لم تقبل حتى الآن بتسليم إسرائيل القنابل الثقيلة من طراز GBU-57 AB وهي الوحيدة القادرة على تدمير المنشآت المخبأة في أعماق الأرض لمعمل تخصيب اليورانيوم الإيراني في فودرو بالقرب من مدينة قم المقدسة.
     أكد وزير الدفاع الأمريكي أن هذه القرارات تُظهر أن التعاون العسكري بين الولايات المتحدة وإسرائيل "أقوى من أي وقت مضى، وسيزداد قوة في المستقبل". أكدت واشنطن مؤخراً إلتزامها بهذا التوجه عندما أعلنت عن تقديم مساعدة قدرها 220 مليون دولار لتمويل البطارية السادسة من النظام المضاد للصواريخ Iron Dome الذي تنشره إسرائيل على أراضيها حسب تطور التهديدات القادمة من غزة ومنطقة الجولان وحدودها الشمالية في مواجهة حزب الله اللبناني.
     من جهة أخرى، تتمنى الدولة اليهودية الحصول من الولايات المتحدة على بيع الوقود (ولاسيما من أجل طيرانها) بمبلغ قدره 2.67 مليار دولار. أظهر وزير الدفاع الأمريكي خلال زيارته لإسرائيل مواقف مؤيدة ومعارضة لإسرائيل، فقد أكد أن الخيار العسكري ضد إيران يجب أن يكون  "الحل الأخير"، واعترف بالوقت نفسه بحق إسرائيل "بصفتها دولة ذات سيادة" في اتخاذ قرار الهجوم على إيران أو عدم اتخاذه. أشار وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه يالون إلى أن بلده سيتحلى "بالصبر" حتى اتخاذ قراره. ولكن هذا التعهد لا يعني الكثير لأن المسؤولين الإسرائيليين ما زالوا يحافظون على غموض نواياهم. لقد وافق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أثناء زيارة الرئيس باراك أوباما إلى إسرائيل بتاريخ 20 آذار على الجدول الزمني الأمريكي الذي يعتبر أن طهران لن تتجاوز "الخط الأحمر" النووي قبل عام تقريباً. ولكن رئيس الأركان الإسرائيلي الجنرال بيني غانتز أكد قبل عدة أيام أن إسرائيل كانت تملك القدرة العسكرية على مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية لوحدها. كما تبنت لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي بتاريخ 15 آذار قراراً يقضي بتقديم الدعم العسكري والدبلوماسي الأمريكي أوتوماتيكياً في حال شعرت إسرائيل بأنها مجبرة على الدفاع عن نفسها والقيام بعمل عسكري ضد إيران.

(ألمانيا: تساؤلات حول مبيعات الأسلحة)


مجلة النوفيل أوبسرفاتور الأسبوعية 25 نيسان 2013

     بعكس الفرنسيين الذين لا يطرحون مثل هذه الأسئلة، يتساءل الألمان حول مبيعات الأسلحة إلى الدول الغنية جداً والإسلامية جداً في الخليج. ظهر جدل حول صفقة أسلحة ألمانية إلى قطر بقيمة 1.9 مليار يورو، ولاسيما 62 دبابة هجومية من طراز Leopard2. عبّر العديد من نواب المعارضة الألمانية  عن غضبهم، وبشكل خاص النائب عن حزب الخضر Omid Nouripour الذي انتقد هذا القرارقائلاً: "تقوم ألمانيا بتسليح قطر، البلد الذي يُموّل الإسلاميين في مالي وأماكن أخرى".

(قطر مُندهشة من النواب الفرنسيين)


صحيفة الفيغارو 25 نيسان 2013

     تشعر إمارة قطر بدهشة كبيرة من ردة فعل بعض النواب الفرنسيين المدعويين إلى المشاركة في منتدى الدوحة الثالث عشر الذي يشبه "مؤتمر دافوس للشرق الأوسط". يشعر العديد من هؤلاء النواب بالقلق من تعرضهم للانتقادات في باريس في حال مشاركتهم في هذا الموعد السياسي والاقتصادي. قال أحد الدبلوماسيين القطريين: "ستُشارك نخبة من القادة العرب والآسيويين والأوروبيين والأمريكيين. يبدو أن الفرنسيين لا يريد المشاركة فعلاً في عالم الغد، يعطي ذلك فكرة حول عقلية ونفسية هذا البلد".

الأربعاء، ٢٤ نيسان ٢٠١٣

(دمشق مُتهمة باستخدام الأسلحة الكيميائية)


صحيفة الليبراسيون 23 نيسان 2013 بقلم جان بيير بيران Jean-Pierre Perrin ومراسلتها في إسرائيل أود ماركوفيتش Aude Marcovich

     تجاوزت الحرب في سورية عتبة جديدة في الترهيب وأخطار انتشارها إقليمياً: استخدام مُحتمل للأسلحة الكيميائية من قبل النظام ومجازر غير مسبوقة بحق المدنيين في أحياء دمشق وإمكانية وصول النزاع إلى لبنان. لهذا السبب، طلب وزير الخارجية الأمريكي جون كيري أمام نظرائه في الحلف الأطلسي في بروكسل البارحة 23 نيسان أن يكون الحلف مستعداً للرد على التهديد الناجم عن النزاع السوري، وتحدث بشكل خاص عن الأسلحة الكيميائية.
     اتهم الجنرال الإسرائيلي إيتاي برون Itaï Brun، رئيس إدارة البحث والتحليل في الاستخبارات العسكرية، نظام بشار الأسد البارحة 23 نيسان باستخدام أسلحة كيميائية قاتلة ضد المتمردين المسلحين خلال الأشهر الأخيرة. وأشار بوضوح إلى الحادثة التي وقعت بتاريخ 19 آذار قائلاً: "كان بؤبؤ عيون الضحايا يتقلص، ويخرج الزبد من أفواههم، بالإضافة إلى أعراض أخرى تُشير إلى استخدام الأسلحة الكيميائية القاتلة. من المحتمل أن الأسلحة المستخدمة هي غاز الساران وبعض الأسلحة الكيميائية التي تُصيب بالشلل ولكنها غير قاتلة". لقد أكد بعض المسؤولين الإسرائيليين دون أن يكشفوا عن أسمائهم أن المصادر التي اعتمد عليها الجيش الإسرائيلي متعددة ولا تعتمد فقط على صور الفيديو التي بثها المتمردون. ولكن يجب التعامل بحذر مع هذه المعلومات، لأن الأجهزة الإسرائيلية أخطأت عدة مرات سابقاً في تحليلها.
     أشارت الدول الأوروبية والولايات المتحدة سابقاً إلى وجود احتمال كبير لاستخدام النظام السوري للغاز بشكل مُنتظم، ولكنهم لم يتوصلوا إلى نتيجة حاسمة، ولم ينجحوا في تحديد الغاز المُستخدم سواء كان قاتلاً أم يتسبب بالشلل. اعتبر خبير أمريكي يعمل حول سورية منذ فترة طويلة أنه تم استخدام الغازات خمس مرات "بنوعيات بسيطة وعلى نطاق محدود للتجربة" وأكد قائلاً: "إذا استخدم بشار الأسد هذه الأسلحة، فإنه سيستخدمها مرة أخرى".
     تم اتهام النظام أيضاً بارتكاب أكبر مجزرة بحق المدنيين منذ بداية الأزمة السورية في جديدة الفضل بدمشق أثناء استعادة الجيش النظامي السيطرة على هذا الحي. تم التعرّف على هوية 109 ضحية، ولكن يبدو أن عدد الضحايا يقترب من 400 ضحية. في الوقت نفسه، تم اتهام المعارضة الإسلامية الراديكالية بخطف رجلي دين مسيحيين في منطقة حلب.

(واشنطن تتردد أمام أسلحة الأسد الكيميائية)


صحيفة الفيغارو 24 نيسان 2013 بقلم إيزابيل لاسير Isabelle Lasserre

     جعل باراك أوباما وحلفائه الفرنسيين والبريطانيين من استخدام النظام السوري للأسلحة الكيميائية "خطاً أحمر" سيؤدي تجاوزه إلى تدخل عسكري. يعتبر المسؤولون الأمريكيون أن هذا "الخط الأحمر" قادر على "تغيير المعطيات"، ويبدو أنه تم تجاوز هذا الخط منذ عدة أسابيع دون بروز أية ردة فعل من واشنطن. إن أسباب عدم التدخل في سورية عديدة كما تراها الولايات المتحدة التي تشعر بالتعب من الحروب بعد العراق وأفغانستان، وتخشى من المعارضين الإسلاميين، وتُركّز إستراتيجيتها باتجاه آسيا.
     تُهدد هذه السلبية الأمريكية بالتأثير على ملفات أخرى في المنطقة. إن باراك أوباما مُرتبط بإلتزام آخر، فقد وعد حليفه الإسرائيلي بأنه سيمنع ظهور القنبلة النووية الإيرانية بالقوة إذا اقتضى الأمر بعد استنفاذ الوسائل الدبلوماسية وسياسة العقوبات. لقد ذهب المسؤولون الأمريكيون عدة مرات إلى إسرائيل من أجل ردع بنيامين نتنياهو عن القيام بضربات وقائية ضد المنشآت الإيرانية. ما زال رئيس الحكومة الإسرائيلي يشك بمصداقية باراك أوباما، ولكن وافق على تأجيل مشاريع الحربية على مضض.
     يتساءل المسؤولون الإسرائيليون حالياً: ولكن إذا لم يحترم الرئيس الأمريكي وعده حول سورية، كيف يمكن التأكد من أنه سيحترم وعده حول إيران. إن جمود الدول الغربية حيال سورية لا ينزع المصداقية فقط عن كلام العالم الحر تجاه المتمردين السوريين، بل يُضعف أيضاً مصداقية الكلام الأمريكي لدى حلفائه الأساسيين في العالم مثل إسرائيل التي قد تحاول التصرف بشكل منفرد، وكذلك لدى الدول المحمية بالمظلة الأمريكية مثل كوريا الجنوبية واليابان ودول أوروبا الشرقية سابقاً التي ما زالت تخشى من جارها الروسي.

(المعارك حول مدينة القصير السورية تُهدد بالاتساع إلى لبنان)


صحيفة اللوموند 24 نيسان 2013 بقلم مراسلتها في لبنان لور ستيفان Laure Stephan

     كان هناك قبل اندلاع التمرد في سورية جسر حجري صغير يربط قرية القصر في منطقة الهرمل اللبنانية مع مدينة القصير السورية، ولكن الجيش السوري قام بتدمير هذا الجسر. لا تبعد المسافة بين هاتين المنطقتين إلا عشرة كيلومترات تقريباً، وأصبحت الحرب تُهدد بتجاوزر الحدود في الوقت الذي تنشب فيه منذ أسبوعين معركة ضارية في سورية للسيطرة على مدينة القصير. أطلق المتمردون السوريون مرة أخرى يوم الأحد 21 نيسان قذيفتين على بعض القرى في الهرمل، ومنها قرية القصر التي تمثل أحد معاقل حزب الله. أدت هذه القذائف إلى حصول أضرار مادية فقط، ولكن القذائف التي أطلقها المتمردون قبل أسبوع قتلت مدنيين لبنانيين إثنين في المنطقة نفسها.
     تتهم المعارضة السورية حزب الله بأنه يدعم الجيش السوري في هجومه على القصير ومحيطها، وطلبت عدة مرات من الحزب الشيعي المُسلح الانسحاب من سورية. كما أكدت المعارضة بعد القذائف التي أطلقتها الأسبوع الماضي أنها كانت رداً على الهجمات القادمة من لبنان، وأنها استهدفت مواقع عسكرية. ولكن السكان أكدوا أن الضحايا هم من السكان المدنيين.
     يملك حزب الله معسكراً للتدريب في جبال الهرمل، ولكنه مازال ينفي أي انخراط عسكري إلى جانب نظام بشار الأسد. وصف رئيس الإئتلاف الوطني السوري المؤقت جورج صبرا هذا الانخراط بأنه "إعلان حرب ضد الشعب السوري". ولكن الشيخ نبيل قاووق، أحد قادة حزب الله، أكد أن المساعدة التي يُقدمها حزب الله إلى المقاتلين المؤيدين للأسد في القرى السورية الشيعية الواقعة بين الهرمل والقصير بمثابة "واجب وطني وأخلاقي". اعتبر أحد الدبلوماسيين الأوروبيين أن حزب الله يقوم بدور أساسي في معركة القصير وقال أن الحزب "نشر عدد كبيراً من الرجال في سورية ولاسيما في هذه المنطقة التي حاول الجيش السوري الحر وجبهة النصرة الاستيلاء عليها عدة مرات منذ شهر شباط".
     تتمتع منطقة القصير بموقع إستراتيجي على أكثر من صعيد. إنها قريبة من الطريق الواصل بين دمشق وحمص والساحل المتوسطي. وهي منطقة هامة أيضاً لإرسال السلاح إلى المتمردين الذين يملكون شبكات في شمال وشرق لبنان بشرط الانتصار على حوالي خمس عشرة قرية شيعية مؤيدة للنظام.

(نحو اتصالات ثنائية إيرانية ـ أمريكية)


صحيفة الفيغارو 24 نيسان 2013 بقلم جورج مالبرونو Georges Malbrunot

     إن فشل المحادثات الأخيرة حول الملف النووي بين إيران ومجموعة الستة يمكن أن يكون مُضللاً. إنه لا يعني أن النقاشات انقطعت مع طهران التي يمكن أن تُغير إطار المفاوضات قريباً، وتنتقل إلى مفاوضات ثنائية بين إيران والولايات المتحدة. لقد أعطى المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي للمرة الأولى ضوءه الأخضر للبدء بالمحادثات مع "الشيطان الأكبر" الأمريكي، مُتجاوزاً بذلك أحد المحرمات القديمة منذ ثلاثة عقود. اعترف المرشد الأعلى في خطابه الأخير بمناسبة السنة الجديدة أنه لا يعقد آمالاً كبيرة على مثل هذه المفاوضات. ولكنه لا يملك خياراً آخر إذا أراد إنقاذ الجمهورية الإسلامية المُختنقة بفعل العقوبات الاقتصادية، والمُهددة بضربات إسرائيلية.
     أكد أحد المحللين في طهران أن الإيرانيين يعتبرون أن إطار مجموعة الستة لم يعد ملائماً لتقديم التنازلات. كما أن واشنطن لا تُعارض الاتصالات المباشرة. ربما حصلت بعد الاجتماعات التمهيدية مؤخراً بين الأمريكيين والإيرانيين. ستجري المحادثات في المرحلة الأولى على مستوى أقل من وزراء الخارجية. يعتبر الإيرانيون أن هذه المحادثات يجب أن تتطرق في الوقت نفسه إلى الملف النووي والعقوبات على إيران والمسائل الإقليمية ذات الاهتمام المشترك (أفغانستان وسورية والأمن في الخليج الفارسي...).
     في الحقيقة، سقط تحريم الاتصال مع الولايات المتحدة تدريجياً. قام المرشد الأعلى بمنع المسؤولين الإيرانيين من الاتصال بأي مندوب أمريكي حتى نهاية العام الماضي.  ثم تم رفع هذا الفيتو دون الإعلان عنه خلال الاجتماع الأخير للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك في شهر أيلول. بقي الوفد الإيراني حينها أسبوعين في الولايات المتحدة، وأجرى اتصالات سرية مع ممثلين عن وزارة الخارجية الأمريكية. وقبل عدة أشهر من ذلك، أنشأ المرشد الأعلى لجنة لدراسة نتائج التفاوض مع "العدو الأمريكي". فيما يتعلق بالملف النووي، حاول علي خامنئي إبعاد العواطف عن هذا النقاش، وأصدر فتوى تؤكد أن إيران لا تسعى إلى صناعة القنبلة النووية. كما لو أنه يجب على الرأي العام أن يتأقلم مع فكرة أن الجمهورية الإسلامية يمكن أن تتخلى عن طموحاتها في النهاية، وذلك بعد إشباع الرأي العام سابقاً بخطابات معادية للأمريكيين. وبالتالي، إعطاء الرأي العام الإيراني الانطباع بأنه لم يخسر المواجهة مع واشنطن.
     أكد الخبير المشار إليه أعلاه أن المرشد الأعلى مُصمم على تجاوز هذه الخطوة "لأنه لم يعد أمامه مخرج آخر. أصبح الوضع الاقتصادي كارثياً، وأصبحت العقوبات أكثر فأكثر تأثيراً، ولم تعد السلطة تحصل على الأموال نقداً". إذا كان النظام الإيراني ما زال قادراً على إدخال ثلاثين أو أربعين مليار دولار إلى خزينته بفضل تصدير النفط. فإنه يعاني من عدم قدرته على إستعادة 120 مليار دولار مُحتجزة في الخارج بسبب العقوبات. عندما يتم رفع هذه العقوبات، ستستعيد طهران هذه الأموال، وستكون قادرة على الاستدانة من السوق الدولي.
     في الحقيقة، لم يعد الوقت يمضي لصالح إيران بسبب الحرب الأهلية التي تُهدد حليفه السوري. يعتبر الإيرانيون أن الولايات المتحدة بحاجة لهم من أجل الانسحاب بانتظام من أفغانستان في العام القادم، كما حصل سابقاً قبل الانسحاب الأمريكي من العراق عام 2011 عندما تم التفاوض سراً على رحيل الجنود الأمريكيين مع ممثلي طهران في بغداد. إن أهمية سورية الإستراتيجية أقل بالنسبة لطهران، وقد حصل شريكه الشيعي في لبنان على استقلال ذاتي كبير على الصعيدين اللوجستي والمالي. أكد معارض سوري قائلاً: "سيكون الإيرانيون مستعدين للتفاوض على بشار الأسد عندما يحين الوقت. إنها مسألة ثمن".
     ما زال الطريق طويلاً قبل أن تتوصل هذه الاتصالات الثنائية الأولية إلى اتفاق. لا يرغب الإيرانيون بـ "لقاءات حميمة" ولكن "صفقات محددة" لكي لا يُغضبوا الجناح الرايكالي في النظام. من جهة أخرى، إن اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الإيراني بتاريخ 14 حزيران، لن يُسهّل البدء بالمفاوضات. ولكن واشنطن تكرر دوماً: "لن تبقى النافذة الدبلوماسية مفتوحة إلى الأبد".