الصفحات

السبت، ٢٩ حزيران ٢٠١٣

(حلفاء التمرد يزيدون مساعدتهم العسكرية)

صحيفة اللوموند 29 حزيران 2013 بقلم إيف ميشيل ريولز Yves-Michel Riols

     يتزايد الضغط على نظام بشار الأسد. يبدو أن العديد من المؤشرات تؤكد تصاعد الانخراط العسكري الغربي إلى جانب المتمردين السوريين. اعترفت بعض المصادر أن الولايات المتحدة سمحت مؤخراً لحليفها السعودي بإرسال معدات أكثر تطوراً إلى المتمردين مثل الأسلحة المضادة للطائرات. كانت الولايات المتحدة ترفض إعطاء الضوء الأخضر لإرسال مثل هذه الأسلحة خشية من وقوعها بأيدي المجموعات الإسلامية. أشارت هذه المصادر إلى أن السعودية  تعهدت بإرسال هذه الأسلحة إلى الجيش السوري الحر فقط، وليس إلى الحركات الراديكالية.
     هناك مؤشر آخر: قام فرانسوا هولاند أثناء زيارته الأخيرة إلى قطر بتوجيه الكثير من النداءات لمساعدة خصوم بشار الأسد، مؤكداً في الوقت نفسه أن فرنسا لن تُرسل إلا الأسلحة "غير القاتلة". ولكن مصدر دبلوماسي فرنسي أكد قائلاً: "لا يمكن الانتصار بالحرب مع المناظير". أشارت مصادر أخرى بوضوح إلى أن فرنسا لن تمنع نفسها من التحرك بالوكالة، أي القيام بإرسال الأسلحة عن طريق حلفائها الإقليميين. كما أن أكثر من 75 % من الترسانة العسكرية القطرية تتألف من  معدات فرنسية.
     يندرج هذا الضغط العسكري ضد بشار الأسد ضمن التحرك الدبلوماسي الذي بدأته فرنسا بتاريخ 4 حزيران عندما اتهمت دمشق رسمياً باستخدام الأسلحة الكيميائية. ولكن هذا التحرك الدبلوماسي سيذهب إلى ما هو أبعد من تقديم المساعدة الإنسانية. كان الجيش السوري الحر قد أعلن مؤخراً أنه استلم كميات من الأسلحة قادرة على "تغيير مجرى المعركة"، دون تحديد مصدر هذه الأسلحة. وأكد الناطق الرسمي باسم الجيش السوري الحر لؤي المقداد أنها "أسلحة مضادة للطائرات وللدبابات بالإضافة إلى الذخيرة".

     تتزامن هذه التصريحات مع اللهجة المتشددة أثناء الاجتماع الأخير لأصدقاء سورية. اعتمدت الدول المشاركة في هذا الاجتماع على المعلومات الجديدة حول الأسلحة الكيميائية، لكي تدعو علناً للمرة الأولى إلى تسليح المتمردين، وجاء في بيان هذا الاجتماع: "من الضروري الإسراع بتزويد المعارضة على الأرض بجميع المعدات والتجهيزات، كل دولة بطريقتها الخاصة". وأكد البيان على أنه يجب تقديم كل "الدعم العسكري" عبر الجنرال سليم إدريس. قال أحد المقربين من هذا الملف: "إنها صيغة للقول إلى القطريين والسعوديين أنه يجب عليهم  الآن ركوب السفينة نفسها وعدم دعم مجموعات متنافسة داخل التمرد".

(سورية: النتائج النهائية لتحاليل عيّنات صحيفة اللوموند حول الساران)

صحيفة اللوموند 29 حزيران 2013 بقلم جان فيليب ريمي Jean-Philippe Rémy

     أكدت النتائج النهائية لتحاليل العينات التي أحضرها مراسلا صحيفة اللوموند من سورية على استخدام الساران في دمشق والمناطق المحيطة بها. إن صحيفة اللوموند قادرة على تأكيد إصابة ثلاث عشرة ضحية بالساران. تؤكد هذه النتيجة على اتساع استخدام الساران من قبل القوات الحكومية السورية خلال شهري نيسان وأيار في جبهتي جوبر والغوطة.
     إن هذه السلسلة الثانية من تحاليل الدم والبول وشعر الرأس والألبسة تُمثل استمراراً للسلسلة الأولى من العينات التي تم إحضارها من سورية. قام بإجراء التحاليل مركز الدراسات في Bouchet الذي يمثل المخبر الوحيد القادر على اعطاء نتائج مؤكدة في مجال الأسلحة الكيميائية، وهو مخبر تابع للإدارة العامة للتسليح. تُمثل هذه النتائج الإضافية مؤشراً جديداً على وجود الساران ليس فقط في عينات البول السابقة، بل أيضاً في شعر الرأس وملابس الأشخاص الذين تعرضوا للهجمات الكيميائية.


الجمعة، ٢٨ حزيران ٢٠١٣

(بوتين، رجل الحنين إلى الماضي)

صحيفة اللوموند 28 حزيران 2013 بقلم آلان فراشون Alain Frachon

     فلاديمير بوتين مُصاب بنوبة حنين مُزمنة إلى الماضي، حنين إلى شيء لم يعد موجوداً هو الاتحاد السوفييتي. إنه لم يتعافى من اختفاء الاتحاد السوفييتي، ويبكي نهاية الحرب الباردة، ويريد العودة إلى حقبة القطبين العالميين. يُعبّر تصرفه تجاه الأزمة السورية عن عجز مَرَضي بالتفكير ضمن عالم اليوم، وليس عن نظرة جيوسياسية.
     كانت روسيا هي البلد الوحيد القادر على التأثير بمجريات الأحداث في دمشق. منذ بداية السبعينيات، موسكو هي حليفة سورية أو حتى عرّاب الدولة العربية التي كانت إحدى ركائز المعسكر السوفييتي في الشرق الأوسط. بقي الكريملين قريباً من عائلة الأسد، وتقوم روسيا بتدريب الجيش السوري، وتستفيد البحرية الروسية من ميناء طرطوس باعتباره القاعدة الوحيدة لها في البحر المتوسط. إن سورية بشار الأسد، مثل سورية والده حافظ، هي نموذج الدولة التي يُفضلها الكريملين أي: علمانية وقمعية ودكتاتورية وانتقلت من الإشتراكية إلى الرأسمالية التي تُحابي الأقارب.
     كان بإمكان فلاديمير بوتين حثّ بشار الأسد على التفاوض مع المعارضة، عندما كان التمرد سلمياً في البداية. كان بإمكان الكريملين دفع الرئيس السوري إلى الرحيل، عندما أصبحت المواجهة دامية أكثر فأكثر. ثم كان بإمكانه فرض حكومة انتقالية عندما كانت الفرصة متاحة: هناك ما يكفي من الضباط السوريين المُقرّبين من موسكو لكي يقومون بالأدوار الأولى. ولكن الكريملين رفض ممارسة أي ضغط على النظام. بل على العكس، قدمت روسيا له المساعدة المالية والعسكرية بلا حدود، وشجعت بشار الأسد في قناعته بأنه قادر على سحق التمرد بالدم. قالت ماري ميندرا Marie Mendras، الباحثة في المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي CNRS وفي مركز الدراسات والأبحاث الدولية في معهد العلوم السياسية CERI: "كان بوتين في وضع ملائم يسمح له بالقيام بالوساطة، ولكنه رفض ذلك" على الرغم من الطلبات الغربية المستمرة بدون جدوى. لماذا؟
     هناك عدة أسباب: تتمسك روسيا بالتحالف مع سورية وإيران بسبب عدم وجود نقطة ارتكاز أخرى في الشرق الأوسط، كما أن سقوط بشار الأسد يُمثل تهديداً لهذا التحالف. تكره روسيا فكرة تغيير النظام عبر تمرد مدعوم من الخارج، وتنظر إلى "الربيع العربي" على أنه مصدر للفوضى، وتعتبر أن التدخلات العسكرية الغربية في الشرق الأوسط إما ساذجة وأعطت نتائج مُعاكسة في أفضل الأحوال، أو أنها تعبير عن سياسة إمبريالية جديدة في أسوأ الأحوال. أخيراً، يُمثل النظام السوري وحليفيه الإيراني وحزب الله اللبناني، بالنسبة لروسيا، حصناً ضد اتساع الإسلاموية السنية الناشطة التي تُهدد المناطق القوقازية في الفيدرالية الروسية.
     إن كل هذه الأسباب لا تُشير إلى أمر أساسي، لأن موسكو تُجازف بتحمل بعض المخاطر عبر المساهمة في المأزق السوري. تتمثل هذه المخاطر بالتراجع المتزايد لشعبيتها في العالم العربي والإسلامي، وبإلاحتمال الكبير لتغيّر الوضع الداخلي في إيران، بالإضافة إلى خطر تقسيم سورية إلى كيانات عرقية ودينية. لن يخرج الكريملين منتصراً من هذه المأساة، إلا إذا حقق نظام دمشق انتصاراً عسكرياً كاملاً، وهذا أمر غير محتمل.
     يعيش السيد بوتين أزمة مراهقة متأخرة، ولا يستطيع التفكير بدوره إلا عبر المعارضة. استخدم الرئيس الروسي أولاً حق النقض في مجلس الأمن، وهي ردة فعل سوفييتية قديمة. تكمن قوته في قدرته على إلحاق الضرر. يتركز وجوده في مواجهة الغرب ومعارضته سواء في سورية أو في الملف النووي الإيراني، حتى ولو كان ذلك يتعارض مع مصالح روسيا على المدى البعيد. قالت ماري ميندرا: "إن قدمي بوتين مُتجمدتان في الماضي، وهو غير قادر على صياغة مشروع إستراتيجي مستقبلي لبلده".
     يُذكّر الوضع في سورية بالحروب بالوكالة خلال الحرب الباردة: النظام المدعوم من روسيا وحلفائه المحليين من جهة، والتمرد المسلح المدعوم من الولايات المتحدة وحلفائها من جهة أخرى.


الخميس، ٢٧ حزيران ٢٠١٣

(يجب على الدول الغربية أن تُسلّح الديموقراطيين السوريين)

صحيفة اللوموند 27 حزيران 2013 بقلم بسمة قضماني، مديرة مركز مبادرة الإصلاح العربية (Arab Reform Initiative)، وشاركت في تأسيس المبادرة من أجل سورية الجديدة

     إن المعاناة من رؤية تشويه الحقيقة، تُضاف إلى المأساة الإنسانية التي يُعاني منها السوريون. يواصل نظام بشار الأسد تخصيص جزء كبير من موازنته للدعاية الإعلامية المضللة التي تستهدف بشكل خاص الدول الغربية. إنه يعمل على إشاعة الخوف، بسبب عدم قدرته على الحصول على دعم الدول الغربية. تقوم روسيا والصين بشلّ مجلس الأمن حول المسألة السورية منذ سنتين عبر استخدام حق النقض، ويقوم النظام بشلّ قرارات الدول التي تُسمى بأصدقاء سورية عبر التلويح بالفزاعة "الإسلامية". يُكرر الأوروبيون والأمريكيون منذ أكثر من عام: "تسليم أسلحة؟ نحن مستعدون للقيام بذلك، لو كنّا نعرف فقط إلى من سنرسلها!".
     يمكن القول على الأقل بأن هذا الجدل بدأ بشكل سيء. لا يجب الدوران حول طبيعة المساعدة، بل حول هوية المستفيدين منها. إذا لم يكن هناك إلا المتطرفين في سورية، كما يدّعي النظام، فلماذا إرسال المساعدة لهم مهما كان نوعها، وحتى لو كانت غير قاتلة؟ لا تستطيع أوروبا والولايات المتحدة والدول التي تُسمى بـ "أصدقاء سورية" القيام بسياسة منسجمة بدون تحديد واضح للشركاء الذين تراهن عليهم من أجل المستقبل. من أجل القيام بذلك، يجب أولاً الاعتراف بوضوح ببعض الحقائق.
     عندما تقوم إحدى المجموعات بحمل السلاح، يجب عليها أن تحصل بأي ثمن على الذخيرة والطعام لمقاتليها الذين يواجهون الموت. بسبب عدم قدرتهم على الإنفاق على كتائبهم، يواجه ضباط الجيش السوري الحر غالباً تخلّي قواتهم عنهم التي تنضم إلى المجموعات الأكثر راديكالية لأنها أكثر غنى. ثم يجب الاعتراف بأن غياب الموارد أثّر على إستراتيجية الجيش السوري الحر. إن عمليات التفجير والهجمات الانتحارية ضد المواقع العسكرية والأمنية أصبحت الوسيلة الوحيدة للتقدم في حرب غير متكافئة، وهذا هو المجال الذي يتفوق به الجهاديون. إنهم في نهاية المطاف سلاح بحد ذاتهم. في داخل هذه الحرب غير المتكافئة، هناك اختلال آخر في التوازن بين الكتائب التي تُمولها جهات إسلامية، وبين الكتائب التي قاومت هذا الإغراء.
     هناك الكثير من الكتائب التي لم توافق على التمويل الإسلامي، ولديها جذور داخل المجتمع: تخضع بعض هذه الكتائب لإشراف ضباط ليست لهم أية عقيدة سياسية، وينتمي بعضهم الآخر إلى تيارات سياسية يسارية أو يمينية، وهناك ضباط غير مسلمين في صفوفهم. هناك كتائب أخرى تتألف من بعض السكان الذين قاموا بتنظيم أنفسهم على الصعيد المحلي دون أي انتماء سياسي. أظهرت دراسة تجري حالياً أن مثل هذه الكتائب موجودة في كل مكان.
     إن العمل على توحيد صفوف الجيش السوري الحر بدون توفير الوسائل اللازمة للكتائب الديموقراطية، يُهدد بترسيخ سيطرة الكتائب الإسلامية. من المؤكد أن جبهة موحدة ستفرض نفسها في مواجهة النظام. إذا حصلت القوات الديموقراطية على الوسائل اللازمة، فستكون بوضع يسمح لها بالتعاون على قدم المساواة مع الإسلاميين، بدلاً من أن تكون تحت رحمتهم. لا شك أن تأسيس المجلس العسكري الأعلى يُشكّل تقدماُ، ولكن رئيسه سليم إدريس يعترف شخصياً بأن هذا المجلس ليس إلا هيكلاً للتنسيق، وأن قادة القيادة العسكرية العليا هم الذين يتواصلون مع الكتائب على الأرض.
     أعلنت مؤخراً مجموعة من الضباط الأعضاء في القيادة العسكرية العليا لهيئة الأركان عن تشكيل جبهة السوريين الأحرار. تم الإعداد لهذه الجبهة خلال أكثر من ثلاثة عدة أشهر، ووضعت نفسها بشكل واضح تحت سلطة المجلس العسكري الأعلى. تضم هذه الجبهة حوالي مئة كتيبة ومجموعة مُنتقاة بعناية، ووقعوا على الإلتزام بسلوك يحترم الاتفاقيات الدولية في مجال حماية حقوق الإنسان، وأعلنوا انضمامهم إلى سورية ديموقراطية وتعددية. تضم جبهة السوريين الأحرار حوالي عشرة آلاف رجل، وتفتخر بأنها تضم في صفوفها عناصراً من مختلف الأقليات، ومنهم قادة بعض الكتائب. تعهدت هذه الجبهة بالخضوع  لسلطة مدنية، واحترام تسوية سياسية، وفرض احترام وقف إطلاق نار. تقرّب إلى هذه الجبهة، منذ الإعلان عنها في نهاية شهر أيار، آلاف المقاتلين الذين يريدون الانضمام إليها. إنها تتمحور حول مبادىء مشتركة، ولكن ينقصها كل شيء: ابتداءاً من الطعام لعائلات المقاتلين إلى المعدات العسكرية المتطورة.

     إن إعلان الدول الغربية عن نيّتها بتسليح المتمردين، يُوفّر أخيراً الوسائل اللازمة لقوات الثورة لإيقاف تقدم جيش النظام وحلفائه: حزب الله وإيران والعراق. ولكن عملهم سيذهب إلى أبعد من ذلك، لأنهم سيكونون في موقف يسمح لهم بالتحرك على عدة مستويات: أولاً، على مستوى دول المنطقة لكي تُبلغهم أن تمويل التيار الإسلامي يُخيف عدداً متزايداً من السوريين، ويُؤخر سقوط الأسد. ثانياً، على مستوى الكتائب نفسها من أجل تعزيز الكتائب التي تحمل المشروع الديموقراطي. أخيراً، على مستوى الدول التي ما زالت تحمي النظام، وفي مقدمتهم روسيا، لإقناعهم بأن الدول الغربية تمتلك سياسة حقيقية تجاه الأزمة السورية، وذلك في الوقت الذي يُهدد فيه غياب العمل الحاسم بهزيمة لا يمكن إيقافها لجميع مجتمعات الشرق الأوسط.

(تحت الفانوس الإستراتيجي)

صحيفة اللوموند 27 حزيران 2013 بقلم مارتين جاكو Martin Jacot

     شاهد رجل جاره وهو يبحث عن شيء أضاعه على الرصيف تحت ضوء الفانوس المُعلّق في الشارع، سأل الرجل جاره: هل أضعت شيئاً ما؟ أجابه الجار: نعم، أضعت مفاتيحي. قال الرجل: هل أضعتهم تحت هذا الفانوس؟ أجابه الجار: لا، ولكن هذا هو المكان المُضاء الوحيد. أراد الخبير في الشؤون الإستراتيجية فرانسوا هيزبورغ Francois Heisbourg، المستشار الخاص لمؤسسة الأبحاث الإستراتيجية FRS، من خلال هذه الحكاية التاريخية إيضاح خطر قصر النظر تجاه الانقلابات الجيواستراتيجية الحالية. في الحقيقة، تجري بعيداً عن الأضواء نشاطات بحرية مُكثفة تهز آسيا والشرق الأوسط. إن تفاصيل هذه التحركات تُوضح موازين القوى، أو حتى النزاعات المقبلة الممكنة. للاقتناع بذلك، يكفي جمع الأخبار المتداولة في شهر حزيران.
     قامت البحرية الصينية بجمع ثلاثة أساطيل من أجل مناورات هامة في بحر الصين الجنوبي. تتضمن هذه الأساطيل غواصتين نوويتين لإطلاق الصواريخ، وستنضم إليهما ثلاثة غواصات أخرى قريباً، وتستعد بكين لتجهيزها بصواريخ عابرة للقارات "خلال سنتين". أكد الرئيس الصيني زي جينبيغ Xi Jinping أثناء زيارته الرسمية للولايات المتحدة يومي 7 و8 حزيران أنه يوجد مكان للبلدين في آسيا ـ المحيط الهادي. ولكن الباحثة فاليري ناكيه Valérie Naquet، مسؤولة قسم آسيا في مؤسسة الأبحاث الإستراتيجية FRS، أكدت أن بكين تُلوّح بشكل موازي "بمصالحها الحيوية غير القابلة للتفاوض"، ومنها الحصول على فضاء بحري أوسع. إن ذلك يُهدد حرية الملاحة التي تُدافع عنها الولايات المتحدة، ولاسيما في بحر الصين الذي يُمثل مسرحاً للتوترات الجديدة في جزر Senkaku وOkinawa وParacel وSpratleys التي تتنازع عليها الصين مع جيرانها.
     بدأت الولايات المتحدة من جهتها بتنفيذ إستراتيجيتها لإعادة توازن القوى باتجاه آسيا. أمضت الفرقاطة الأمريكية USS Freedom عشرة أيام في ميناء سنغافورة، وتتوجه نحو ماليزيا، ثم ستذهب إلى شواطىء تايلند التي تتواجد فيها عدة سفن أمريكية تقوم بمناورات مع القوات البحرية الحليفة في جنوب ـ شرق آسيا. استقبلت ماليزيا أربعة سفن هندية في شهر حزيران، ثم توقفت هذه السفن في فييتنام، وستتجه بعدها إلى الفيليبين في إطار برنامج مشترك. تؤكد أندونيسيا أنها قادرة على بناء غواصات بعد عامين أو ثلاثة، وحصلت مؤخراً على موافقة برلين لشراء فرقاطتين من شركة ألمانية.
     أعلنت روسيا أن البحرية الروسية ستستلم قريباً أول غواصة نووية هجومية من طراز Yasen، وأنه سيتم تحديث عشرين طائرة للمراقبة البحرية من طراز Iliouchine II-38 مع صواريخ بعيدة المدى، وذلك بعد أن رفضت موسكو اقتراحات باراك أوباما حول سورية وحول تخفيض الترسانة النووية للبلدين.

     في حال قيام روسيا بإرسال المزيد من الأسلحة إلى سورية وحزب الله، ستقوم إسرائيل بتسليح منصات التنقيب في المياه الدولية بصواريخ دفاعية، وستنتشر البحرية الأمريكية في شرق المتوسط مع وصول غواصتين نوويتين تحملان صواريخ بعيدة المدى: USS Florida وUSS Georgia. من جهة أخرى، قررت إسرائيل تجهيز ميناء حيفا ببنى تحتية جديدة لاستقبال ست غواصات هجومية تقليدية جديدة، منهم ثلاث غواصات اشترتها من ألمانيا. بالنسبة لألمانيا التي ترددت بالمشاركة في العمليات العسكرية في ليبيا ومالي، فإنها تقوم ببيع الكثير من الأسلحة في الخليج العربي ـ الفارسي بشكل خاص، وسُتصبح قريباً ثالث دولة مُصدّرة للأسلحة عالمياً بدلاً من فرنسا، بعد روسيا والولايات المتحدة. ما زال الجميع يبحث عن مفاتيحه سواء تحت الفانوس أو في الظلام.

الأربعاء، ٢٦ حزيران ٢٠١٣

(قطر تدخل حقبة جديدة مع الشيخ تميم)

صحيفة الفيغارو 26 حزيران 2013 بقلم جورج مالبرونو Georges Malbrunot


     هل هناك توجه جديد للسياسة القطرية مع أمير قطر الجديد تميم؟ على الصعيد الداخلي، سيستمع تميم إلى شكاوى المحافظين المتشددين لكبح تطور الإمارة. بشكل موازي، إن علاقاته الجيدة مع السعودية والإمارات العربية المتحدة ستُسهل الإنفراج الإقليمي. على الصعيد الدبلوماسي، من المفترض أن تكون السياسة القطرية أقل تدخلاً بالشؤون الداخلية للدول الأخرى، وربما أقل تشجيعاً للإسلاميين المرتبطين بالإخوان المسلمين. قال أحد الدبلوماسيين الأوروبيين: "سوف تتصرف قطر كبقية الدول العربية، ولن تتصرف لوحدها بشكل يذهب إلى أبعد مما يتمناه عرّابها الأمريكي، كما حصل في سورية". وقال أحد الدبلوماسيين العرب: "كان أوباما قد انتقد الأمير سابقاً عندما استقبله في الربيع الماضي، ولم يجر لقاؤهما بشكل جيد". ربما أثّر هذا التحذير على قرار الشيخ حمد الذي قرر نقل السلطة إلى ابنه من أجل "تهدئة اللعبة".

(تميم، أمير شاب وحذِر في قمة السلطة القطرية)

صحيفة اللوموند 26 حزيران 2013 بقلم بنجامان بارت Benjamin Barthe

     أكد مصدر رسمي قطري في سؤال حول العواقب السياسية الناجمة عن نقل السلطة في قطر قائلاً: "سيُتابع تميم سياسة حمد. ربما يكون هناك اختلاف في الأسلوب، ولكنه لن يحيد عن المبادىء الأساسية للسياسة القطرية". ولخّص دبلوماسي فرنسي رفيع المستوى الوضع القطري قائلاً: "نحن مُنفتحون على الخارج، اتركونا تقليديين في الداخل".

     أشار بعض المحللين إلى الطبيعة الحذِرة والرصينة للأمير القطري الجديد، وإلى قلّة خبرته نسبياً على الصعيد الدولي، وهم ينتطرون نوعاً من العقلانية الدبلوماسية بعد مرور الفترة الانتقالية. قال أحد رجال الأعمال المقيمين في الدوحة: "من الممكن أن يكون معتدلاً في الملفات الساخنة مثل سورية".

الثلاثاء، ٢٥ حزيران ٢٠١٣

(فرنسا تزيد مساعدتها إلى اللاجئين السوريين)

صحيفة الفيغارو 25 حزيران 2013 بقلم مراسلها الخاص في عمّان آلان بارليويه Alain Barluet

     أدت الحرب في سورية إلى إضعاف الأردن الذي يستقبل نصف مليون لاجىء على الأقل، وتتحدث بعض المصادر عن مليون لاجىء. إن الزيارة التي قام بها فرانسوا هولاند إلى الأردن لمدة خمس ساعات في طريق عودته من قطر، تُشكل رسالة دعم قوية للملكة الهاشمية التي تقف في الصفوف الأولى لمواجهة نزاع أصبح دولياً. إنها مؤشر سياسي يترافق مع مساعدة مالية هامة، باعتبار أن الرئيس الفرنسي أعلن خلال حفل العشاء مع الملك الأردني عن زيادة المساعدة إلى اللاجئين السوريين.
     قدمت باريس عام 2012 مساعدة مالية مباشرة إلى الأردن قدرها مئة مليون يورو، كما قامت ببناء مستشفى ميداني في مخيم الزعتري. وأعلن الرئيس الفرنسي أثناء زيارته إلى الأردن يوم الأحد 23 حزيران عن تقديم مبلغ مالي إضافي قدره خمسين مليون يورو لمساعدة اللاجئين في شمال الأردن. كما يستفيد الأردن من قروض الوكالة الفرنسية للتنمية البالغة نصف مليار يورو. من جهة أخرى،  سيتم تخصيص 35 مليون يورو لمساعدة اللاجئين السوريين في دول أخرى، ولاسيما لبنان.
     دعا الرئيس الفرنسي في لقائه مع الملك الأردني إلى "التنسيق" لمساعدة اللاجئين، لكي يستطيع الأردن استيعاب تدفق اللاجئين. عبّر الملك عبد الله عن قلقه من وصول اللاجئين السوريين الذين يبحثون عن عمل في الأردن، واعتبرهم فرانسوا هولاند بأنهم "معضلة" قائلاً: "إذا استقبلنا اللاجئين بأفضل طريقة، فسوف تتسع هذه الحركة لأن جزءاً من الشعب السوري الذي لم يتأثر بالحرب سيأتي أيضاً"، وأشار إلى أنه سبب إضافي "لدعم السوريين في سورية" عبر الدعم المالي والإنساني الذي تُقدمه فرنسا إلى بعض "المناطق المحررة" من سيطرة دمشق.  
        رفض فرانسوا هولاند تحديد فيما إذا كانت فرنسا تُقدّم دعماً عسكرياً في الأردن عبر تدريب مقاتلي المعارضة السورية، كما تفعل الولايات المتحدة التي قررت الإبقاء على 700 جندي وصواريخ باتريوت بعد انتهاء المناورات المشتركة مع الأردن الأسبوع الماضي. فيما يتعلق بإمكانية إرسال مستشارين عسكريين فرنسيين لمساعدة المتمردين على الحدود السورية ـ الأردنية، أشار مصدر دبلوماسي إلى أنه "يمكن اعتبار التدريب كمساعدة غير قاتلة".

(شاحنة أدوية فرنسية ضد غاز الساران)

صحيفة الفيغارو 25 حزيران 2013 بقلم مراسلتها على الحدود السورية ـ التركية إديت بوفييه Edith Bouvier

     طلبت فرنسا من شركات صناعة الأدوية الحصول على أدوية مضادة لغاز الساران، وذلك قبل أن تعترف رسمياً باستخدام الأسلحة الكيميائية في سورية. قال السفير الفرنسي من أجل سورية إريك شوفالييه: "نحن منسجمون مع موقفنا حول استخدام الأسلحة الكيميائية، يجب أن يؤدي ذلك إلى إدراك الجميع بخطورة الوضع في سورية. يجب على النظام أن يسمح بدخول محققي الأمم المتحدة للقيام بعملهم في سورية". إذا كانت الكميات المستخدمة ما زالت قليلة حتى الآن، ولم يُصب بالعدوى إلا 100 أو 150 شخص، فقد أرسلت فرنسا إلى سورية ستة عشر طناً من الأدوية المخصصة لمعالجة الآثار الناجمة عن غاز الساران مثل: المضادات الحيوية ومضادات الإلتهاب والمسكّنات... والمواد الأساسية بالنسبة لبلد ينقصه كل شيء.
     استطاعت الشاحنة التي أرسلتها فرنسا دخول شمال سورية بعد رحلة استمرت عدة أيام في تركيا، ووصلت إلى أبنية المنطقة الحرة وراء مستشفى باب الهوى. يقوم مقاتلو الجيش السوري الحر بحماية هذه الشاحنة على مدار الساعة. يوجد داخل الشاحنة أربعين ألف جرعة (حقنة) من الأتروبين (Atropine) تكفي لإنقاذ مئة شخص مصاب بشكل خطير بغاز الساران، أو مئتي شخص مصابين بشكل طفيف بهذا الغاز. كما يوجد ألف جرعة (حقنة) من الفاليوم (Valium) لتهدئة التشنج. قال مدير مستشفى باب الهوى جمعة عبد الراس: "إنها نعمة إلهية. نحن نصلي للحصول على هذه الأدوية منذ وصول حالات المصابين الأولى. لم يكن لدينا أي شيء لمعالجة المصابين حتى الآن". من المفترض أن يحصل هذا المستشفى على 5 أو 10 % من هذه الأدوية.
     قامت وحدة تنسيق الإغاثة برئاسة سهير أتاسي بتنظيم دورة تدريبية بالقرب من مستشفى باب الهوى في منتصف شهر حزيران لتعليم الأطباء كيفية التصرف في مواجهة حالات الهجوم الكيميائي، وشارك في هذه الدورة أطباء جاؤوا من مختلف المناطق السورية. قال المسؤول اللوجستي (أيمن): "أرسلت لنا وحدة تنسيق الإغاثة الألبسة لحماية الفريق الطبي من انتقال العدوى. ولكننا نحتاج إلى المزيد".
     قال أحد الرجال في حالة بين الخوف والغضب: "كانت مدينة سراقب ضحية هجوم بالأسلحة الكيميائية بتاريخ 29 نيسان. قمنا بمعالجة المرضى، ثم احتفظنا بأجزاء صغيرة من الشظايا وعيّنات الدم من أجل تحليلها. ولكن الجيش قصف المكان الذي توجد فيه هذه العينات، إن الجواسيس موجودون في كل مكان. تريد دمشق منعنا من الكلام". تعتبر الأمم المتحدة اليوم أنه "توجد دوافع معقولة تدفع للاعتقاد باستخدام كميات محدودة من الأسلحة الكيميائية". ولكن من المستحيل تحديد طبيعة هذه العناصر الكيميائية بدقة، أو معرفة أنظمة الأسلحة المستخدمة أو أولئك الذين استخدموها.
     يستعد مقاتلان من الجيش السوري الحر أمام المستشفى للذهاب باتجاه الجنوب لتوزيع جرعات الأتروبين، قال أحدهم: "نحن مجبرون على المرور عبر المناطق التي يُسيطر عليها النظام، وعبور الكثير من حواجز التفتيش، وتجنب القناصين... لقد قُتِل الكثيرون خلال المهمات السابقة، ولكن آمل أن ننجح هذه المرة". تمنى لهم الجميع حظاً موفقاُ، ولكن لا أحد يعرف متى سيعودون إلى باب الهوى.


(سورية: الحرب ليست ضرورة)

صحيفة الفيغارو 25 حزيران 2013 بقلم أندريا ريكاردي Andrea Riccardi، مؤسس جمعية Sant’Egidio، وهي منظمة كاثوليكية متخصصة بحل النزاعات

     سورية اليوم هي: مئة ألف قتيل وأربعة ملايين نازح ومليوني لاجىء. قمت بزيارتهم في لبنان الذي يعيشون فيه ضمن ظروف شاقة. إنه بلد مُدمّر بضحاياه وممتلكاته وروحه. نظام يقتل شعبه، ومتمردون منقسمون وراديكاليون أكثر فأكثر، وشعب منقسم حسب الانقسامات العرقية ـ الدينية التي تأججت من جديد. ما زال المجتمع الدولي منقسماً وغامضاً أمام هذه الكارثة الإنسانية.
     هناك تمرد مُحق يكمن داخل المجتمع والأوساط الثقافية الأوروبية: لماذا هذا الجمود تجاه مثل هذه المجزرة؟ لا تعرف حكوماتنا ماذا تفعل، هل يجب تسليح المتمردين أم لا؟ البحث عن اتفاق سياسي؟ تفاهم روسي ـ أمريكي محتمل؟ دور أوروبا؟ أي دور؟ في الحقيقة، إن المسألة معقدة. هناك أولاً تاريخ إنشاء هذه الدولة كما أرادها الأوروبيون. إنها موزاييك هش وفريد من نوعه في العالم من الأديان والثقافات. إن جزءاً كبيراً من القطيعة الإسرائيلية ـ العربية يمر عبر سورية. تُهدد الحرب الحالية بأن تجرف لبنان. يعتبر الشيعة أن دمشق حاجز هام جداً. يجري في سورية الفصل الأخير من الحرب الباردة مع رهان الوجود الروسي في البحر المتوسط. كل ذلك في إطار جيوسياسي  معقد، ولا يمكن اختزاله بمحاولات التغيير العديدة منذ نهاية الحرب العالمية الأولى.
     إن العجز هو حقيقتنا أمام نزاع دامي وجيوسياسي (مع وجود كبير لأطرف مؤثرة). ولكن هل يمكن الاكتفاء بتوجيه النداءات؟ من الملائم التحلّي بالشجاعة للتفكير بما يمكن القيام به، ولو بشكل مُختزل، لأنه من الممكن دوماً القيام بشيء ما. يجب بذل كل الجهود الممكنة للدفاع عن ساحة التعايش التي كانت موجودة في سورية بشكل أو بأخر. إن القراءة السياسية المحضة تدفع للاعتقاد أن فن العيش المشترك بين المسلمين بتقاليدهم المختلفة والمسيحيين بكنائسهم العديدة، مُرتبط بالنظام فقط. ولكن هذا العيش المشترك هو أيضاً ثمرة قرون من التعايش، إنها تقاليد مجتمع بأكمله. يجب على أي شكل ديموقراطي قادم (وهذا ما نتمناه) أن يأخذ بعين الاعتبار هذا الأمر. بالنتيجة، إن أي حوار بين الأقليات ليس مضيعة للوقت، بل ضمان للمستقبل. إن اختطاف رجلي الدين في حلب: غريغوريوس إبراهيم (سريان أورثوذوكس) وبول يازجي (روم أورثوذوكس) ـ والكثيرين غيرهم!ـ يُمثل مؤشراً لإفشال أية محاولة لإعادة البناء. وبالطريقة نفسها، يجب التطرق إلى مسألة العلمانية التي تلاعب بها النظام، ولكنها ما زالت أمراً أساسياً للمستقبل. إن اللعبة الصغيرة بتفتيت البلد حسب الانقسامات العرقية والدينية ليست حلاً.
     أليس من السذاجة الحديث عن السلام اليوم أمام هذه المجزرة؟ قال قداسة البابا فرانسوا: "في الحرب، نخسر كل شي. وفي السلام، نكسب كل شيء". هذا كلام صحيح: لم تحصل المعارضة المدنية والسلمية على حق التعبير عن رأيها، ولم يتحرك المجتمع الدولي لمساعدتها فوراً (هذه هي مسؤوليته الحقيقية)، وتحول الوضع بسرعة إلى مواجهة عنيفة بين السلطة العسكرية والتمرد الراديكالي. يوجد هنا درس يجب أن تتعلمه الدبلوماسية الدولية هو: عدم إضاعة الوقت عندما يشتعل الوضع. يجب  تعلّم "السلام الوقائي"، وامتلاك الوسائل لتطبيقه. ولكن ماذا يبقى من الأمل عندما لا يحق للمسالمين أن يتكلموا اليوم؟ لا تعتقد جمعية Sant’Egidio إطلاقاً بالمُسلّمة القائلة بأن الحرب ضرورة مؤلمة. إنها ليست نزعة مبدئية لحب السلم، بل واقعية نضجت عبر العديد من التجارب التي أصبح جزء كبير منها معروفاً. إن الحرب ليست حل يبعث على الإطمئنان. ألا يكفي لإقناعنا هذه الأوضاع العبثية الحالية في العراق وليبيا وأفغانستان؟ لا يجب الوقوع بالفخ المُتمثل بالخلط بين التدخل الإنساني والحرب: يفرض الأول على نفسه قواعداً وإجراءات محددة. أما الثاني، فإنه منطقه يُمثل فخاً لأفضل النوايا. لا تؤد الحرب غالباً إلا إلى تفاقم الوضع السيء بدلاً من تحسينه. إن دوافع السلام ليست مرتبطة بالخوف والجبن، بل بتقويم واقعي للنتائج. يُضاف إلى ذلك هذه الملاحظة الأكيدة بأنه ليس هناك أي شخص قادر على الانتصار بالحرب.
     إن التأكيد بأن الحل في سورية لا يمكن أن يكون إلا سياسياً، ليس تعبيراً عن الضعف، بل عن الأمل. إذا أردنا من شعب وقع رهينة العنف أن يستعيد مستقبله، يجب أن يتفاهم السوريون. يبدو اليوم أنهم بعيدون جداً عن ذلك. يقع على عاتقنا بذل كل الجهود لكي نُظهر لهم صحة هذا الخيار القائم على استعادة الرغبة بالسلام والمستقبل التي يحملها الشعب بأسره، وإعداد الأرضية الملائمة لعبور الجميع إلى الديموقراطية، والحفاظ على ساحات الحوار مهما كانت هشّة، على أمل انعقاد مؤتمر جنيف 2 ضمن هذه العقلية. هذا هو كل ما يجب فعله، وهو ليس أمراً يسيراً.


(عمّ بشار الأسد يبيع قصره في باريس بثمن بخس)

صحيفة الليبراسيون 25 حزيران 2013 بقلم توما هوفنانغ Thomas Hofnung

     حصلت صحيفة الليبراسيون على معلومات مفادها أن رفعت الأسد (76 عاماً)، عمّ الرئيس السوري، قام ببيع عقار مساحته 3600 متر مربع بسبعة طوابق في شارع فوش (Foch) بمبلغ قدره سبعين مليون يورو إلى شركة أوفشور في ماربيا بإسبانيا. يعيش رفعت الأسد الذي كان الرجل الثاني في النظام السوري مُتنقلاُ بين بريطانيا وفرنسا وإسبانيا.
     هناك تفاصيل مهمة: كان العقار معروض للبيع منذ أكثر من عام بمبلغ مئة مليون يورو، ولكن دون أن يجد مُشتري. يبدو أن البائع قرر التخلص من هذا العقار قبل ثلاثة أسابيع، وخفّض الثمن 30 %. ما زالت هوية المشتري مجهولة، ولكن مصدر مُطلع أشار إلى أن بعض الزبائن الروس أظهروا اهتمامهم مؤخراً بشراء هذا العقار. قال أحد الخبراء: "لا يوجد عدد كبير قادر على شراء مثل هذه العقارات في باريس باستثناء ممالك الخليج والروس".
     يملك رفعت الأسد ثروة تُقدّر بمليارات اليورو، ويود معارضو عائلة الأسد معرفة أصلها. أشارت مصادر متطابقة إلى أن رفعت الأسد يملك بناء فخماً في شارع لامبال (Lamballe) بالدائرة السادسة عشر بباريس، وعشرات المنازل في شارع الرئيس كينيدي بباريس بالقرب من مبنى إذاعة فرنسا على نهر السين، بالإضافة إلى أرض مساحتها 45 هكتار في بيسانكور (Bessancourt) في الضواحي الفرنسية (Val-d’Oise) بالقرب من غابة مونمورانسي (Montmorency)، ويوجد فيها اصطبلاً ضخماً للخيول.

     هل كان رفعت الأسد بحاجة إلى أموال نقدية، أم أنه كان خائفاً من الملاحقة القضائية؟ في عام 2012، قام نائبان عن حزب الاتحاد من أجل الحركة الشعبية هما: لورانس دريفوس Laurence Dreyfuss ودافيد ألفاند David Alphand بكتابة رسالة إلى نيكولا ساركوزي، وطلبا فيها تجميد أموال عائلة الأسد بدون استثناء. لقد تركزت الأنظار على عائلة الأسد بسبب الأحداث في سورية، وعلى ثرواتها المشبوهة التي يمتلكها أفراد العائلة، سواء كانوا في السلطة أم هربوا منها.

الاثنين، ٢٤ حزيران ٢٠١٣

(فرنسا تُعزز دعمها للتمرد السوري)

صحيفة الفيغارو 24 حزيران 2013 بقلم مراسلها الخاص في الدوحة وعمّان آلان بارليويه Alain Barluet

     إن الانخراط العسكري المتزايد في سورية من قبل جيرانها، دفع الدول التي تدعم التمرد إلى تشديد لهجتها بشكل واضح ضد بشار الأسد، ودفع بعض الدول إلى إرسال السلاح للتمرد. شدد فرانسوا هولاند الضغط أثناء زيارته إلى قطر والأردن يومي 22 و23 حزيران، وتبنى لهجة أكثر هجومية ضد نظام دمشق، ولكن دون أن يقول بوضوح فيما إذا كانت فرنسا تقوم بتسليح المتمردين، وقال الرئيس الفرنسي في الدوحة أنه يجب "مساعدة المعارضة لكي تُدافع عن نفسها وتتقدم على الأرض وتستعيد السيطرة على المناطق التي وقعت بأيدي المجموعات المتطرفة من أجل إبعادها". كما ذكّر فرانسوا هولاند أن باريس "تعمل من أجل التوصل إلى مخرج سياسي"، ومن أجل مؤتمر جنيف 2 الذي لم يتحدد تاريخ انعقاده حتى الآن، وأكد على أن "موازين القوى على الأرض هي التي ستُحدد اتجاه هذا الحل السياسي". لأنه كما أشار أحد الدبلوماسيين: إذا لم تتم إعادة التوازن في الوضع العسكري لمصلحة المعارضة فإن "مؤتمر جنيف 2 سيُشبه اللقاء بين الماريشال بيتان وهتلر التي أدى إلى ترسيخ التعاون والهزيمة عام 1940". تساءل الرئيس الفرنسي علناً: "كيف يمكن تسليم الأسلحة؟"، واعتبر أنه "يجب حل هذه المشكلة بين الأوروبيين ومع أصدقائنا الأمريكيين"، ولكنه أكد على وجود شرطين هما: "هيكلة المعارضة" وضمان "أن المجموعات لن تستخدم هذه الأسلحة ضد سورية الديموقراطية"، وقال أن "النيّة موجودة".
     يتوافق كلام الرئيس الفرنسي مع تعزيز إرادة أصدقاء سورية (ألمانيا، السعودية، مصر، الإمارات العربية المتحدة، الولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا، إيطاليا، الأردن، قطر، تركيا) الذي اجتمعوا في الدوحة أيضاً يوم السبت 22 حزيران. تعهد أصدقاء سورية في بيانهم بـ "تقديم جميع المعدات والتجهيزات الضرورية للمعارضة على الأرض بشكل عاجل، وأن تقوم كل دولة بذلك على طريقتها". يمكن اعتبار هذه الصيغة كضوء أخضر ضمني للدول التي تُرسل الأسلحة إلى المتمردين بشكل علني مثل السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر. أشار أحد المشاركين في الاجتماع إلى أن  جزءاً كبيراً من مستودعات الأسلحة في هذه الدول يتكون من المعدات الفرنسية التي تُمثل 80 % من أسلحة القوات القطرية.
     أعلن لوران فابيوس في الدوحة عن زيادة المساعدة  الإنسانية مثل الأدوية المضادة لغاز الساران. من حيث المبدأ، لا ترغب فرنسا بالانخراط بشكل مباشر في النزاع مثل بقية الدول الغربية، وتتحرك عبر حلفائها في الخليج. أشارت عدة مصادر إلى أن دول الخليج قامت بزيادة وتيرة إرسال الأسلحة المضادة للدبابات والطائرات بشكل كبير خلال الأسابيع الأخيرة، وهي تقوم بالتنسيق بشكل وثيق مع فرنسا والولايات المتحدة من أجل الحرص قدر الإمكان على وصول هذه الأسلحة المتطورة إلى "أيدي أمينة".
     يبقى معرفة فيما إذا كان هذا التحرك المكثف سيسمح بتغيير موازين القوى. لقد تسارعت وتيرة إرسال الأسلحة الروسية خلال الأسابيع الأخيرة إلى جيش بشار الأسد الذي تعزز مع وصول العديد من المقاتلين اللبنانيين والإيرانيين والعراقيين. قال أحد الدبلوماسيين الغربيين على هامش اجتماع أصدقاء سورية: "تصل شحنات الأسلحة الروسية إلى سورية كل يومين، وربما يومياً. هذا يكفي".

     اعتبرت بعض المصادر الغربية أن سقوط مدينة القصير بتاريخ 5 حزيران شكّل "تغيراً في المعايير، وأظهر الانخراط المتزايد أكثر فأكثر لحزب الله اللبناني والشيعة العراقيين والإيرانيين والأفغان (قبائل الهزارة)". وأشارت هذه المصادر إلى أنه ربما يوجد ما بين أربعة وخمسة آلاف مقاتل من الحركة الشيعية اللبنانية في سورية، منهم ألفي مقاتل حول حلب، وأضافت أن "مقاتلين آخرين يستعدون في لبنان".

(حزب الله يتغلغل في إفريقيا)

صحيفة الفيغارو 24 حزيران 2013 بقلم تانغي بيرتوميه Tangy Berthemet

  كانت أبيدجان، العاصمة الاقتصادية لساحل العاج، على حافة الانفجار بنهاية عام 2004، عندما ارتفعت حدة التوترات السياسية بين الرئيس لوران غباغبو وفرنسا إلى أعلى درجة. نزل أنصار الرئيس إلى الشارع، وسادت الخشية من نهب المدينة. ظهر شباب بيض ومُلتحين بأغلب الأحيان ومُسلّحين بشكل سرّي حول بعض المستودعات والشركات الكبيرة والمطاعم التابعة للجالية اللبنانية. لا يتكلم أيّ منهم اللغة الفرنسية، ويتكلمون اللغة العربية فقط. قال أحد المقربين من الرئيس آنذاك مُبتسماً دون إظهار أي شعور بالقلق: "إنهم أشخاص من لبنان، وجنود من حزب الله، جاؤوا إلى هنا لحماية ممتلكات إخوانهم".
     مرّت هذه الأحداث بدون إثارة الانتباه، ولكنها سمحت برفع الغطاء قليلاً عن إحدى الشائعات الأكثر تكراراً في القارة حول العلاقات التي تربط بين اللبنانيين في إفريقيا ولبنان، ولاسيما مع حزب الله. إن هذه الحركة الشيعية لا علاقة لها بإفريقيا من الناحية الرسمية، وتعتبرها الولايات المتحدة بأنها إرهابية، وتتمنى فرنسا منذ فترة قصيرة إدراج الجناح العسكري لهذه الحركة على لائحة الاتحاد الأوروبي للمنظمات الإرهابية. برزت التساؤلات الأولى في نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات، قال عضو سابق في أحد أجهزة الاستخبارات الغربية: "كانت هناك في ذلك الوقت مراقبة فعلية على حزب الله التي كان في طور الولادة في جنوب لبنان. لاحظنا أن بعض قادته كانوا يختفون فجأة عن شاشات الرادار، وكنّا ننتظر عدة أشهر وأحيانا عدة سنوات للعثور عليهم من جديد. كانوا مُختبئين في دول غرب إفريقيا". كانت مفاجأة كاملة. تتساءل أجهزة الاستخبارات الغربية بعد مرور عشرين عاماً فيما إذا كانت دول غرب إفريقيا قد أصبحت إحدى مصادر التمويل الأساسية لحزب الله عبر تجارة المخدرات وقاعدة خلفية فعالة. ولكن هناك العديد من الأسئلة التي ما زالت قائمة.
     على الرغم من ذلك، لا يختبىء اللبنانيون في دول غرب إفريقيا.  يُشكّل اللبنانيون من داكار إلى أبيدجان، ومن لاغوس إلى لواندا، جالية مرئية ومزدهرة وقديمة. كم يبلغ عددهم؟ تُشير التقديرات إلى أن عددهم يبلغ حوالي 300.000 مغترب لبناني في إفريقيا، من أصل خمسة ملايين لبناني في العالم. تقول الأسطورة أن أول مهاجر لبناني وصل إلى القارة السوداء كان مارونياً اسمه إلياس خوري يونس، ووصل إلى نيجيريا عام 1882 هرباً من الخدمة العسكرية التي يفرضها الاحتلال العثماني. ثم وصل بعده لبنانيون أخرون لكي يُجرّبوا حظهم. خلال سنوات العشرينيات، وإثر المستوطنين الفرنسيين، أقام اللبنانيون في السنغال وغانا (التي كانت تابعة لبريطانيا حينذاك) وساحل العاجل. لقد نجحوا في داكار وغيرها، وتحولت أعمالهم التجارية قليلة الربح التي كان  المستوطنون يُهملونها، إلى ذكريات. برهن اللبنانيون اليوم على نجاحهم في جميع القطاعات مثل المصارف والإستيراد والتصدير والعقارات والمهن الحرة والمحاماة والطب والهندسة...
     تسبب هذا النجاح ببعض الغيرة، وأصبح اللبنانيون كبش الفداء السهل، وتم تحميلهم مسؤولية الانقلابات السياسية والفساد والمشاكل بشكل عام. هناك نكتة شائعة في أبيدجان تُلخّص كل شيء: إن جزءاً كبيراً من سكان ساحل العاجل مُقتنعون بأن "اللبناني" ليس جنسية بل مهنة. قال أحد الفرنسيين المتحدرين من عائلة لبنانية عريقة في داكار: "الجالية مُعقدة.  لا يمكن تلخيصها بسهولة. إن أغلبهم يعيشون في إفريقيا منذ ثلاثة أو أربعة أجيال، واستطاعوا الاندماج حتى ولو حافظوا على العلاقة مع البلد الأم. لم يعد هناك قادمون جدد، أو أصبح عددهم قليلاً جداً، ويجب الانتباه إلى عدم خلط الأمور بشكل خاطىء". قال أحد التجار الشيعة الكبار في أبيدجان شيئاً مشابهاً على الهاتف: "يتعرض اللبنانيون للاتهام دوماً. بالتأكيد، نحن نحافظ على العلاقة مع لبنان. من الممكن أن يقوم البعض بإعطاء القليل من المال إلى حزب الله، ولكن من أجل المساعدة، وليس من أجل الإرهاب. كما أن حزب الله يُشارك في البرلمان اللبناني...". لم يُنكر هذا الرجل بشكل كامل وجود حزب الله في القارة، وأصبحت البراهين أكثر صلابة في الفترة الأخيرة.
     يعود أولى هذه البراهين إلى عام 2003. تحطمت إحدى الطائرات عند إقلاعها من كوتونو إلى بيروت، وقُتِل أكثر من مئة شخص جراء الحادث، ثم تم العثور في حقيبة أحد الضحايا على مليوني دولار نقداً. لم يتم البرهان على صحة هذه الحكاية بشكل كامل. قال الباحث في معهد السياسة والإستراتيجيا Institute for Policy and Strategy في إسرائيل إيلي كارمون Ely Karmon: "هذه الحكاية صحيحة. هذا المبلغ هو ثمرة عملية جمع الأموال في إفريقيا بأكملها من قبل أحد أعضاء حزب الله"، واعتبر أن الحركة اللبنانية قامت ببناء شبكة للمانحين في إفريقيا خلال التسعينيات. وأضاف هذا الباحث: "لا شك أن الناشطين الحقيقيين عددهم قليل جداً. إنهم يتقربون أولاً من الفقراء، ويجذبونهم بخطابهم. ثم تم جرّ الأغنياء الذي يتبرعون طوعاً أو تحت الإكراه. إنه ليس أمراً جديداً. إنها الأساليب نفسها التي يستخدمها الانفصاليون الباسك والكورسيكيون". في الوقت نفسه، تسللت الحركة إلى التجارة، ولاسيما تجارة الألماس في سيراليون والكونغو، إنه عالم غامض جداً. وهنا ظهر اسم علي إبراهيم الوطفة للمرة الأولى، إنه مواطن من سيراليون، ويُشتبه به حالياً بأنه أحد الممولين الرئيسيين للحركة مع  أحد اللبنانيين في كينشاسا. ظهر اسم هذا الأخير في تقرير للأمم المتحدة حول نهب الموارد المعدنية في جمهورية الكونغو الديموقراطية.
     ظهر سريعاً أن هذه التبرعات غير كافية. أكد أحد المتخصصين في الاستخبارات الغربية قائلاً: "بعد الحرب الثانية مع إسرائيل عام 2006، كان حزب الله بحاجة إلى المال، ولم تكن طهران تُعطيه المال الكافي. كما كانت طهران بحاجة للأموال بسبب العقوبات الاقتصادية". وهكذا اتجهت الحركة نحو إفريقيا وتجارة المخدرات. نفي علي فياض، أحد نواب حزب الله، أي تورط لحزبه في تجارة المخدرات، ووصف هذا الاتهام بأنه "دعاية أمريكية مُضللة". لأن الولايات المتحدة بدأت الآن بالتحقيق عن كثب حول نشاطات حزب الله في القارة، وقامت بتوسيع تحرياتها بعد شعورها بالقلق أكثر فأكثر من الأهداف النووية لإيران ومن الوضع في سورية.
     نشرت إدارة أوباما في شهر شباط 2011 تقريراً يتهم المصرف اللبناني Lebanese Canadian Bank بكونه غطاء لتجارة الكوكايين. تحوم التحريات حول نظام واسع تأتي فيه المخدرات من فنزويلا والمكسيك، وتمر عبر دول غرب إفريقيا، ثم تتجه إلى أوروبا. أشار الأنتربول إلى أن الجاليات الشيعية على جانبي المحيط قامت ببناء وضمان فعالية هذه العمليات. أظهر التحقيق أن تبييض الأموال يتم بفضل تجارة السيارات المستعملة التي يتم شراؤها من الولايات المتحدة، وبيعها في إفريقيا، وبفضل الشركات الإفريقية التابعة للبنانيين، ولاسيما في قطاعي صرف العملة والألماس. أكد الأمين العام للأنتربول رونالد نوبل Ronald Noble منذ عام 2009 أن حجم هذه المبالغ يبلغ "حوالي عشرات ملايين الدولارات، وأنه تم استخدام شبكة تهريب المخدرات لتمويل حزب الله والقوات المسلحة الثورية في كولومبيا (الفارك ـ FARC)". منذ ذلك الوقت، تم إغلاق العديد من مؤسسات الصرافة في بنين بشكل مفاجىء.
     أكد أحد عناصر الشرطة الفرنسية العاملين في دول غرب إفريقيا قائلاً: "يستفيد المهربون من ضعف الشرطة والمؤسسات والمصارف المركزية في إفريقيا للعمل والبقاء فيها. ولكن ذلك لا يتعلق باللبنانيين فقط. هناك أيضاً الكثير من الأفارقة والأوروبيين الذي لا يهمهم إلا المال". وهذا ما أظهرته العمليات التي قامت بها الوكالة الأمريكية لمكافحة المخدرات DEA، ولاسيما عبر الفخ الذي أوقع بالرئيس السابق للقوات البحرية في غينيا بيساو Bubo Na Tchuto. بالمقابل، فشل رجال الوكالة الأمريكية لمكافحة المخدرات في القبض بالطريقة نفسها على أحد رجال الأعمال اللبنانيين في أبيدجان. لم يتراجع الضغط الأمريكي. نشرت وزارة الخزانة الأمريكية في بداية شهر حزيران، وللمرة الأولى، لائحة بأربعة لبنانيين مُتهمين بتنظيم "جمع الأموال وتجنيد أشخاص" لصالح حزب الله. يعتبر الأمريكيون ذلك إشارة إلى تصميم حزب الله على بناء شبكة تمويل دولية.
     قال إيلي كارمون: "إنه الجزء المرئي فقط من جبل الجليد. إن الذي تظهر ملامحه وراء حزب الله هو إيران، الأمر الذي يترافق مع خطر إرهابي حقيقي ضد المصالح الإسرائيلية والغربية في إفريقيا". واعتبر أن الدليل على ذلك هو إدانة شخص إيراني في نيجيريا بتاريخ 13 أيار بتهمة تجارة المخدرات هو: عظيم أغاجاني Azim Aghajani التي تعرّض للاعتقال عام 2010 بسبب قيامه باستيراد 13 حاوية مليئة بالأسلحة إلى لاغوس. لم تتم معرفة الجهة النهائية لهذه الأسلحة، ولكن جنوب ـ غرب السنغال هو المكان الأكثر احتمالاً. تسببت هذه القضية بأزمة دبلوماسية بين داكار وطهران. في شهر أيار، تم القبض على ثلاثة رجال أعمال لبنانيين في مدينة كانو Cano بشمال نيجيريا. أشارت العاصمة النيجيرية إلى أنها عثرت في منازلهم على أسلحة لحزب الله، ولاسيما الألغام المضادة للدبابات وصواريخ أر بي جي RBG وبنادق كلاشينكوف. تشتبه أجهزة الأمن النيجيرية بأن هؤلاء الرجال الثلاثة يُشكلون "خلية لحزب الله" مستعدة للعمل. جرت أيضاً عملية اعتقال غامضة لفترة قصيرة في ساحل العاج لحوالي عشرة أشخاص بسبب الاشتباه بعلاقتهم مع حزب الله.
     هل أصبحت الحركة اللبنانية الشيعية على وشك الانتقال إلى مرحلة الفعل لحماية شبكاتها الخاصة والشبكات الإيرانية؟ يريد الإسرائيليون تصديق ذلك، ولكن أوروبا أكثر تشككاً. قال أحد المتعاونين الفرنسيين: "لا أحد يشك بوجود حزب الله في إفريقيا، وهو يربح أمولاً طائلة فيها. ولكن الاعتماد على ذلك لتصور أنه يحاول زعزعة منطقة، يُمثل خطوة كبيرة. في الحقيقة، لن يكون ذلك لمصلحته، ولكن كل شيء ممكن".


السبت، ٢٢ حزيران ٢٠١٣

(إلياكيم، قرية لبنانية بناها الجيش الإسرائيلي حسب الطلب)

صحيفة الليبراسيون 22 حزيران 2013 بقلم مراسلتها في قاعدة إلياكيم العسكرية في إسرائيل أود ماركوفيتش Aude Marcovitch

     يقوم الجيش الإسرائيلي بتدريبات عسكرية في قاعدة عسكرية اسمها إلياكيم (Elyakim) المبنية على نمط القرية اللبنانية. يستخدم الجيش الإسرائيلي هذه القاعدة كساحة تدريب لقواته من أجل تحسين تقنياته الحربية في حال وقوع مواجهة جديدة مع حزب الله، وتجنب تكرار الأخطاء التي ارتكبها أثناء حرب عام 2006. قال أرشي ليونارد Archi Leonard، مُدرّب القوات في إلياكيم: "خلال حرب عام 2006، كان الدبابات تدخل أولاً لحماية قوات المشاة. ولكن بعض الدبابات انفجرت بسبب المتفجرات التي وضعها حزب الله في طريقها. لهذا السبب، خسرنا الدبابة والجنود الذين كان من المفترض أن تحميهم الدبابة. قمنا بعد ذلك بتغيير تكتيكنا". برز فجأة بعض الجنود من الأحراش المجاورة، ودخلوا أحد البيوت ليكتشفوا نفقاً يؤدي إلى خارج القرية التي تم بناؤها بشكل يُشبه ما يمكن أن يجده الجنود في الجانب اللبناني. قال الرقيب دان (36 عاماً) من إحدى الوحدات التي تضم حوالي ثلاثين جندياً: "أصبح التدريب أكثر فأكثر صعوبة وكثافة، كما تتغير التكنولوجيات التي نستخدمها دائماً".
     يعتبر المسؤولون العسكريون الإسرائيليون أن حزب الله ما زال العدو الرئيسي على الحدود الشمالية، وأن إعادة تسليح الحزب هو أحد الاهتمامات الرئيسية لقادة الجيش الإسرائيلي. وأشار بعض الضباط الكبار في الجيش الإسرائيلي إلى أن انخراط الحزب الشيعي في الحرب السورية أدى إلى إضعافه. قال مسؤول إسرائيلي: "إن الموقف الإستراتيجي لحزب الله في حالة تراجع، لأنه خسر جزءاً من دعمه في لبنان، ولأن سورية لم يعد لديها القوة لدعمه. كما خسر الكثير من المقاتلين. ولكن يمكن تصور أن قدرته على القتال تعززت بفضل خبرته الجديدة على الأرض". حذّر هذا المسؤول العسكري من وصول أسلحة متطورة إلى لبنان مثل الصواريخ المضادة للطائرات وصواريخ أرض ـ بحر أو أسلحة كيميائية، لأنه قد ينجم عنها نتائج كارثية على الشعب اللبناني، وقال: "إذا استخدم حزب الله أسلحة متطورة ضد إسرائيل، وأطلق صواريخاً على مدننا، سوف نرد بقوة شديدة، وسيدفع المدنيون اللبنانيون ثمن ذلك. يختبىء حزب الله داخل السكان، وإستهدافه يعني حتماً إصابة المدنيين". يُشير المسؤولون الإسرائيليون إلى هدوء العلاقات مع الجيش اللبناني، ولكنهم لا يعرفون فيما إذا كان هذا الوضع سيستمر في حالة نشوب نزاع جديد بين الدولة الإسرائيلية والحزب الشيعي اللبناني.

     تدهور الوضع فجأة على الحدود الإسرائيلية ـ السورية. قامت اليابان وكرواتيا والنمسا بسحب مراقبيها من قوات الأمم المتحدة في الجولان، بسبب إصابة اثنين من المراقبين بجروح في المناوشات التي وقعت بين الجيش السوري والمتمردين. نشبت بعض المعارك في بداية شهر حزيران، ووصلت للمرة الأولى إلى نقطة عبور القنيطرة التي استطاع المتمردون السيطرة عليها عدة ساعات. يقول العسكريون الإسرائيليون أنهم لا يخشون حصول مواجهة مع الجيش السوري، ويعتبرون أن قوات بشار الأسد مشغولة بمشاكل أخرى. إن ما يخشاه الجيش الإسرائيلي هو مواجهة وضع مشابه للوضع في قطاع غزة، مع سقوط قذائف صاروخية بشكل متقطع. ربما يؤدي انخراط رجال حزب الله إلى توفير منفذ لهم إلى الحدود بين إسرائيل وسورية. في حالة وقوع سيناريو معاكس، وتراجع القوات الموالية لبشار الأسد، فإن إسرائيل تخشى من أن تستفيد المجموعات الجهادية من هذه الفرصة لكي تجعل من الحدود مع الجولان منطقة جديدة للمواجهة الإسرائيلية ـ السورية.

(حزب الله، خطر في منزله)

صحيفة الليبراسيون 22 حزيران 2013 بقلم مراسلها في بيروت توما أبغرال Thomas Abgrall

     ما زال التدخل العسكري لحزب الله إلى جانب النظام السوري يُثير بعض الاضطرابات. دعا الرئيس اللبناني ميشيل سليمان يوم الخميس 20 حزيران إلى "عودة حزب الله إلى لبنان" في المقابلة التي أجراها مع صحيفة السفير. يُمثل موقف الرئيس اللبناني إشارة هامة إلى المجتمع الدولي، حتى ولو كان نفوذه محدوداً على الصعيد الداخلي.
     أثار الانخراط الكامل لحزب الله في سورية انزعاج بعض مؤيديه الأكثر إخلاصاً، فقد قام الوزير المستقيل جبران باصيل، زوج بنت ميشيل عون، بانتقاد الحزب الشيعي خلال الأيام الأخيرة، وأكد في صحيفة الشرق الأوسط قائلاً: "إن الاهتمامات الإقليمية لحزب الله جعلته يرتكب بعض الأخطاء الداخلية. لقد طعننا وطعن الديموقراطية". كما اتهم حزب الله بأنه اتفق مع أحزاب أخرى لتأجيل الانتخابات التشريعية حتى شهر تشرين الثاني 2014. كانت هذه الانتخابات مقررة هذا الشهر، وكان من الممكن أن تضع حزب الله في موقف صعب، وتدفعه إلى إعادة النظر بانخراطه في سورية. قال أستاذ العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية غسان العزي: "لن تؤثر هذه التصريحات على التحالف الإستراتيجي للجنرال عون مع حزب الله، ولكنها تُعبّر عن شعور الرأي العام المسيحي الذي لا يؤيد بأغلبيته تدخل الحزب في سورية".
     أدى انخراط حزب الله في سورية إلى تداعيات أمنية أكثر فأكثر أهمية، ولاسيما في سهل البقاع. لقد تم إطلاق حوالي ثلاثين قذيفة صاروخية من الأراضي السورية على معقل الحزب الشيعي في مدينة بعلبك وبعض القرى المجاورة منذ بداية شهر حزيران، "انتقاماً" من استيلاء حزب الله على القصير. كما تدهورت العلاقات بين السنة والشيعة في بعلبك هذا الأسبوع مع اغتيال ثلاثة لبنانيين شيعة من عائلة الجعفر التي تتمتع بنفوذ كبير. كما تزايدت بؤر التوتر في مناطق أخرى مثل طرابلس وصيدا التي وقعت فيها مواجهات براجمات القذائف الصاروخية بين الموالين للشيخ السلفي أحمد العسير وحزب الله، وأدت إلى مقتل شخص وجرح عدة أشخاص يوم الثلاثاء 18 حزيران.


(هولاند يريط "تطبيع" العلاقات بين باريس والدوحة)

صحيفة الفيغارو 22 حزيران 2013 بقلم آلان بارليويه Alain Barluet

     كانت علاقات فرنسا واضحة ومستمرة مع قطر أثناء رئاسة نيكولا ساركوزي الذي كان في قطر قبل أسبوعين. لا شك أن هذا الإرث هو أحد العوامل التي دفعت فرانسوا هولاند إلى عدم الإسراع بزيارة قطر التي سيزورها يومي السبت والأحد 22 و23 حزيران. قام أحد مستشاري قصر الإليزيه بتلخيص نيّة الرئيس الفرنسي قائلاً: "التطبيع بدون الابتعاد" للعلاقة مع شريك تاريخي وإستراتيجي. كما أن الإليزيه يهدف عبر هذه الزيارة إلى إظهار أنه "لا يوجد تناقض" بإقامة علاقة وثيقة في الوقت نفسه مع الرياض وأبو ظبي والدوحة.
     إن قطر طرف مُحاور لا يمكن تجاوزه فيما يتعلق بالأزمة السورية عصية الحل. سيجري مؤتمر وزاري يضم أحد عشرة دولة من "أصدقاء سورية" في الدوحة يوم السبت 22 حزيران قبل وصول فرانسوا هولاند الذي سيقوم بزيارة خاطفة إلى الأردن مساء يوم الأحد 23 حزيران.
     على الصعيد العسكري في سورية، هناك خطر جدي بانقلاب موازين القوى لصالح النظام الذي تجاوز "الخط الأحمر" باستخدامه للأسلحة الكيميائية، ويستفيد من دعم حزب الله والمقاتلين الشيعة الإيرانيين والعراقيين. أصبحت آفاق المؤتمر الدولي جنيف 2 غامضة أكثر من أي وقت مضى. ولذلك، سيتشاور "أصدقاء سورية" حول الطريقة اللازمة لتنسيق مساعداتهم إلى المتمردين، ومن ضمنها الأسلحة المضادة للطائرات والدبابات. ربما تؤدي الصعوبات التي يواجهها التمرد إلى دفع فرانسوا هولاند نحو الموافقة على تقديم بعض المعدات العسكرية التي طالب بها الجنرال سليم إدريس في الأسبوع الماضي. ستتم مناقشة هذا الموضوع بين الرئيس الفرنسي والأمير القطري.
     في مواجهة المخاوف المتعلقة بالدعم القطري إلى الحركات الجهادية الأكثر راديكالية، أكد أحد المقربين من الرئيس الفرنسي أن فرانسوا هولاند "سيطالب بالثقة  والوضوح والتنسيق". ولكن هامش المناورة محدود جداً في هذا الرهان الكبير الذي يشمل السنة والشيعة وتشارك فيه قطر بنشاط. وأكد أحد مستشاري الرئيس الفرنسي: "ولكننا لسنا في وضع يسمح لنا برفض الاستثمارات الأجنيبة". يعتبر مستشارو الرئيس الفرنسي أن الملف "الإستراتيجي الأهم" هو ملف طائرات رافال الفرنسية.