الصفحات

الجمعة، ٢٩ تشرين الثاني ٢٠١٣

(بداية سيئة لمؤتمر السلام حول سورية)

صحيفة الفيغارو 29 تشرين الثاني 2013 بقلم إيزابيل لاسير Isabelle Lasserre

     في الوقت الحالي، إنها قصة فشل معلن. يهدف مؤتمر السلام حول سورية المقرر انعقاده في جنيف بتاريخ 22 كانون الثاني القادم إلى فرض اتفاق من أجل حكومة انتقالية بين النظام والمتمردين. وافق ائتلاف المعارضة على المشاركة بشرط عدم مشاركة "بشار الأسد وجميع المجرمين" في الحكومة الانتقالية. وافق النظام أيضاً، ولكن ليس من أجل التفاوض على رحيل الرئيس السوري. لن يكفي تجفيف مياه بحيرة ليمان السويسرية لتقريب وجهات النظر بين الطرفين.
     قال مصدر دبلوماسي فرنسي: "يدفع الأمريكيون ثمن عدم توجيه الضربة"، واعتبر أن العمل العسكري ولو كان محدوداً سيكون له تأثير نفسي أكيد على النظام. إن تراجع واشنطن عن توجيه الضربة في اللحظة الأخيرة عزز موقف بشار الأسد، وأضعف المعارضين المعتدلين المتحالفين مع الدول الغربية لصالح الراديكاليين الإسلاميين. تساءل السيناتور الأمريكي جون ماكين في منتدى الأمن الدولي في هاليفاكس خلال الأسبوع الماضي قائلاً: "إنه يملك الأسلحة، ويقف حزب الله اللبناني إلى جانبه، ويحظى بدعم موسكو، ويحقق نجاحات عسكرية على الأرض. لماذا سيذهب بشار الأسد إلى جنيف من أجل الاعداد للعملية الانتقالية؟".
     فيما يتعلق بالدعوة التي أطلقتها تركيا وإيران لوقف إطلاق النار، لم تجد صدى على الأرض. بل على العكس، تصاعدت حدة المعارك عنفاً منذ إعلان الأمم المتحدة عن تاريخ انعقاد مؤتمر السلام. حقق الجيش السوري تقدماً يوم الخميس 28 تشرين الثاني باستيلائه على قطاع هام في شمال دمشق. يحاول النظام خنق المتمردين حول العاصمة وفي وسط البلاد، ويهدف إلى المشاركة في مؤتمر جنيف 2 من موقع القوة من أجل التخلص من المطالب المتعلقة برحيل بشار. كما لا يعتقد رئيس المجلس الوطني السوري جورج صبرا بهذه المبادرة الدبلوماسية الجديدة، وقال مؤخراً في منتدى هاليفاكس للأمن الدولي: "إن ما لم نستطع الحصول عليه ميدانياً، من غير الممكن الحصول عليه على الورق".

     تعرضت فرنسا للتهميش بعد المبادرة الروسية ـ الأمريكية حول تفكيك الترسانة الكيميائية السورية في شهر أيلول الماضي، ولكن باريس تحاول إسماع صوتها عبر تجنب حصول صفقة جديدة من وراء ظهرها بين موسكو وواشنطن. تريد فرنسا المساهمة في إطلاق العملية الانتقالية والحصول على تحسين الوضع الإنساني الذي تدهور مرة أخرى بعد سنتين ونصف من الحرب. أشار مصدر دبلوماسي فرنسي إلى أن فرنسا "ليست لديها الوسائل للتدخل لوحدها" كما كان عليه الحال في شهر آب الماضي. أصبحت يد فرنسا مقيدة في سورية لدرجة أنه تم إبعادها عن المحادثات الثنائية بين المسؤولين الأمريكيين والإيرانيين منذ الصيف الماضي. من الناحية الرسمية، اقتصرت هذه المحادثات الثنائية على البرنامج النووي الإيراني. ولكن وقتاً طويلاً مضى على العلاقات القوية القائمة بين إيران وسورية لدرجة أنه يبدو من المستحيل تفكيكها.

(الرهان الكبير لأوباما)

افتتاحية صحيفة اللوموند 29 تشرين الثاني 2013 بقلم ناتالي نوغايرد Natalie Nougayrède

     ما هو القاسم المشترك بين الأحداث التالية التي جرت على الصعيد الدولي مؤخراً: مواصلة نزع السلاح الكيميائي السوري، الاتفاق الهادف إلى الإشراف على البرنامج النووي الإيراني، إرسال قاذفتين أمريكيتين B-52 لمواجهة الصين، تردد أوكرانيا بين الشرق والغرب على خلفية الضغط الروسي و اللامبالاة الأمريكية؟ ترسم هذه الأحداث ملامح السياسة الخارجية الأمريكية التي دخلت في مرحلة جديدة هي: نهاية عقد الحروب في الشرق الأوسط و"إعادة التوازن" باتجاه آسيا. ومن الناحية التكتيكية، إنها أيضاً استخدام لـ "الورقة" الروسية لتحييد بعض الملفات الحارقة بسبب عدم حلّها بشكل كامل. أخيراً، إنها تراجع أوروبا إلى المرتبة الثانية سواء بصفتها طرف أساسي أو كمسرح بحاجة للاستقرار والتوسيع من الناحية الإستراتيجية.
     فيما يتعلق بالشرق الأوسط، من المدهش تزامن المفاوضات السرية بين إيران والولايات المتحدة حول الملف النووي مع قرار باراك أوباما بالتخلي عن الضربة العسكرية ضد المواقع السورية في شهر أيلول بعد قيام نظام الأسد باستخدام الأسلحة الكيميائية بشكل واسع. كشفت الصحافة الأمريكية مؤخراً عن افتتاح قناة اتصال سرية بين البيت الأبيض وبعض مبعوثي المرشد الأعلى منذ عدة أشهر. إن هذه المعلومات تسلط الضوء على تغيير موقف الرئيس الأمريكي في الملف السوري. كان يبدو أن باراك أوباما مستعد لإطلاق صواريخ توماهوك، وأقنع فرنسا بتصميمه على توجيه الضربة. لا شك أنه هناك بعض الاعتبارات السياسية الداخلية التي فرضت التغيير المفاجىء في موقف أوباما، ولكن السبب الآخر هو مراعاة الدبلوماسية السرية مع إيران. هل يمكن أن نتصور لحظة واحدة بأن الضربات الجوية ضد سورية لن تؤدي إلى إغلاق القناة المفتوحة سراً مع طهران؟
     لقد جازف باراك أوباما بإضعاف مصداقيته عندما قام بتغيير موقفه بشكل مفاجىء حول سورية، ثم جاءت دبلوماسية فلاديمير بوتين لنجدة الرئيس الأمريكي عبر خيار نزع السلاح الكيميائي السوري تفاوضياً. وهكذا تعزز موقف نظام الأسد. سؤال: ماذا كان يعرف الروس عن الحوار السري بين واشنطن وطهران؟ بغض النظر عن الجواب، فإن هذه الحلقة أكدت العلاقة الوثيقة بين الملف السوري والملف النووي الإيراني. إن إحدى أولويات باراك أوباما هي الحفاظ على التعاون الروسي في العملية الدبلوماسية الصعبة حول الملف النووي الإيراني. فيما يتعلق بقتل المدنيين السوريين، يبدو أن الولايات المتحدة لا تستطيع حل جميع المشاكل، وظهر بشكل واضح أن سورية هي مشكلة ثانوية بالمقارنة مع إيران.
     يراهن باراك أوباما على الأمل بتحقيق اختراق تاريخي مع إيران، وإعادة خلط الأوراق في الشرق الأوسط. وذلك كما فعل ريتشارد نيكسون عندما تقارب ماوتسي تونغ وخلط المعطيات الدولية. إن هذا الرهان يسمح للولايات المتحدة بتركيز جهودها حالياً على الرهانات الأساسية في آسيا والمحيط الهادي. الأمر المثير للسخرية هو أن الصين امتحنت التصميم الأمريكي في الدفاع عن حلفائه في آسيا (اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان) في اليوم نفسه الذي كانت فيه جميع الجهود مكرسة للمفاوضات مع إيران في جنيف. كان الجواب الأمريكي واضحاً بقوته عندما أرسلت واشنطن قاذفتين B-52 إلى "المنطقة الدفاعية الجوية" التي تسعى الصين إلى الإدعاء بملكيتها بدون حق في مواجهة اليابان. إنها مجرد بداية للمواجهة بين الولايات المتحدة والصين.
     إن روسيا هي شريك فرضته الظروف على الولايات المتحدة حول الملف الكيميائي السوري والملف الإيراني. تنوي روسيا الاستفادة من أوراقها الرابحة بأفضل شكل ممكن. لقد وافق الرئيس الأمريكي منذ عام 2009 على بعض المطالب الروسية بخصوص الدرع الصاروخي في أوروبا، وألمح إلى فلاديمير بوتين في بداية عام 2012 إلى أنه مستعد "لإظهار المزيد من الليونة". لم تعد واشنطن قلقة من مطامع النفوذ الروسي في أوروبا الوسطى، وتركت الاتحاد الأوروبي يتفاوض مع جاره الكبير في الشرق دون التدخل في الملف الأوكراني. إنه منعطف كبير بالمقارنة مع سياسة جورج بوش الابن وبيل كلينتون اللذين كانا مصممين على توسيع الهياكل الأوروـ أطلسية في القارة الأوروبية.

     كسب الرئيس الأمريكي بعض الوقت في هذه الملفات الشرق أوسطية، وقام بـ "تجميدها" من الناحية الفعلية. يكمن التناقض في أنه لم يكن بالإمكان القيام بأي شيء بدون التهديد باستخدام القوة تجاه سورية، أو بدون سلسلة العقوبات الاقتصادية غير المسبوقة تجاه إيران. كانت المساهمة الأوروبية (البريطانيين والفرنسيين بشكل خاص) هامة في هذين الملفين، ولكن لم يعد هناك الكثيرون في واشنطن للإشارة إلى ذلك.   

(النزاع مع إيران ما زال قائماً بعد جنيف)

صحيفة الفيغارو 28 تشرين الثاني 2013 بقلم بيير روسلان Pierre Rousselin

     لم يكن ممكناً التوصل إلى الاتفاق المؤقت في جنيف مع إيران لو لم يقتصر على الملف النووي. ولكن الأمر الأساسي هو الدور الذي ستلعبه الجمهورية الإسلامية داخل التوازن الإقليمي الجديد في الشرق الأوسط. لقد نجح رجال الدين الإيرانيين منذ أكثر من عشر سنوات في إخافة المجتمع الدولي، وإعطاء نظامهم الراديكالي مكانة غير مسبوقة في المنطقة.
     نجحت الإستراتيجية الإيرانية حتى اليوم الذي بدأ فيه ظهور التأثير المُدمر للعقوبات الغربية على الاقتصاد الإيراني، وأصبح يهدد استقرار النظام. كان انتخاب الرئيس الإصلاحي حسن روحاني هو النتيجة الأولى للحظر، ثم تبعها الانفتاح الإيراني باتجاه الولايات المتحدة، وأخيراً التوصل إلى اتفاق جنيف. لم تعد الراديكالية تخدم مصالح النظام الإيراني، فقام بتغيير أسلوبه مُتبنياً الاعتدال. إذا كان الهدف الفوري هو تخفيف الحصار، فإنه لا شيء يسمح بالقول أن الأهداف الأساسية للجمهورية الإسلامية قد تغيرت.
     نجحت طهران في الوصول إلى غاياتها حتى الآن وبفعالية مخيفة. لقد استفادت من الحرب الغبية التي شنتها الولايات المتحدة في عهد جورج بوش الابن على العراق، وتخلصت من عدوها الرئيسي صدام حسين، وأقامت حكومة شيعية إسلامية برئاسة حليفها نوري المالكي. وفي لبنان، سيطر حزب الله على جميع وسائل السلطة في لبنان. وفي سورية، تدخلت الميليشيا الشيعية اللبنانية وحرس الثورة الإيراني لإنقاذ نظام بشار الأسد عندما كان مهدداً جداً.
     إن الرغبة بتصدير الثورة الإيرانية واضحة جداً، وهي جزء من البرنامج الأولي للإمام الخميني. إن التحول الشكلي في طهران ليس إلا تغييراً تكتيكياً. أدى اتفاق جنيف مع طهران إلى نتيجة مشابهة للاتفاق المبرم حول سورية بفضل الوساطة الروسية لتفكيك الأسلحة الكيميائية السورية. كما هو الحال بالنسبة لبشار الأسد في سورية، تحول النظام الإيراني بين ليلة وضحاها من دولة منبوذة في المجتمع الدولي إلى شريك شرعي.
     سيقال لنا أنه خبر سار، بالتأكيد! ولكن بشرط أن تدرك إيران بأن البرنامج النووي ليس السبب الوحيد للريبة منها. يجب أن نكون متأكدين بأن هذه الرسالة لن تكون مفهومة إذا لم تتم صياغتها بوضوح، وهذا غير متوفر حالياً، ولا أحد يقوم بطرح السؤال في جو الرضى الذاتي السائد. إن الإسرائيليين والسعوديين على حق في الشعور بالقلق. إذا وافقنا على أنه تم الحصول على ضمانات حقيقية حول الملف النووي الإيراني، فإن تصرفات حزب الله ستبقى دوماً مصدراً للقلق بالنسبة لإسرائيل. عشية اتفاق جنيف، شعر رئيس الميليشيا الشيعية اللبنانية حسن نصر الله بالحاجة للظهور علناً مرتين متتاليتين في الضاحية الجنوبية لبيروت، وذلك لكي يقول في المرة الأولى بصوت عالي أن ميليشياته ستبقى في سورية الوقت اللازم، ولكي يدين في المرة الثانية السعودية التي تدعم المتمردين السوريين.

     سيقول تطور الملف السوري فيما إذا كان الاتفاق مع إيران خدعة أم لا. بانتظار أن تتخلى طهران عن دمشق، إن الوضع الحالي يحث القوى الإقليمية على العمل من أجل حماية مصالحها بدون العودة إلى الحليف الأمريكي. هذا هو الحال بالنسبة لإسرائيل مع حزب الله في لبنان. فيما يتعلق بالسعودية، من المحتمل قيامها بتوثيق علاقاتها مع فرنسا على الصعيد العسكري، ومضاعفة جهودها للحصول على رحيل بشار الأسد، ومعارضة أهداف إيران الشيعية في المنطقة بقوة.

الخميس، ٢٨ تشرين الثاني ٢٠١٣

(سورية: غرق التمرد)

صحيفة اللوموند 28 تشرين الثاني 2013 بقلم مراسلها الخاص في تركيا (استانبول) بنجامان بارت Benjamin Barthe

     كان هناك بعض التفاؤل لدى الدبلوماسيين العرب والغربيين الذي جاؤوا للاعتراف بالإئتلاف الوطني السوري كممثل شرعي للشعب السوري أثناء اجتماع مراكش لدعم المعارضة السورية في شهر كانون الأول 2012. في دمشق، كان طريق المطار يتعرض لهجمات مستمرة، وتتحدث الشائعات المتداولة في مركز المدينة عن تمرد قريب لآلاف المقاتلين. كان السفير الأمريكي السابق في سورية روبرت فورد يتوقع بصوت منخفض في ذلك الوقت قائلاً: "سيسقط النظام في نهاية هذا الشهر". تغيّر معسكر الأمل بعد مرور عام على ذلك. لقدعادت الحيوية إلى النظام بعد سقوط مدينة القصير في شهر تموز، ثم الاتفاق الروسي ـ الأمريكي حول تفكيك الترسانة الكيميائية السورية في شهر أيلول. على الصعيد الميداني في حلب ودمشق، تقضم قوات النظام المدعومة بالميليشيات الشيعية لحزب الله المواقع من التمرد الذي أضعفته الصراعات الداخلية والمشاكل المزمنة للتموين بالسلاح.
     إن هذا التغير حديث جداً، واتساعه الجغرافي محدود جداً بشكل لا يسمح بالاستنتاج بحصول منعطف في الحرب الأهلية السورية. إنه يدل على الصعوبات التي تواجهها المعارضة أكثر مما يدل على استعادة النظام لعافيته. تعرف هذه المعارضة أنه تم التخلي عنها نهائياً في مواجهة آلة الحرب السورية منذ تحول موقف باراك أوباما وعدوله عن التدخل. اعترف أحد المعارضين قائلاً: "تتهاوى معنويات الكتائب بشكل كبير، وتتزايد ثقة بشار بنفسه أكثر فأكثر". إن التقدم الأخير الذي حققته القوات النظامية هو السيطرة على مدينة قارة في جبال القلمون التي تمثل منطقة إستراتيجية تتحكم بالطرق الموصلة إلى محافظة حمص. إن هذه المنطقة الوعرة ذات المناخ الصعب مليئة بطرق التهريب مع لبنان، ويستخدمها المتمردون كقاعدة خلفية للعديد من القرى المتواجدين فيها مثل يبرود.
     قام جهاديو جبهة النصرة والدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام الذين يشاركون في المعارك، بالرد عبر عملية تفجير انتحارية في النبك، مما أدى إلى مقتل عشرات الجنود. إن المتمردين مصممون على عدم خسارة هذه المنطقة الهامة، وهاجموا خصومهم في مدينة دير عطية على الطريق بين دمشق وحلب، وسيطروا عليها. قال سنان حتاحت، أحد الناشطين السوريين اللاجئين في استانبول: "من الممكن أن تستمر معركة القلمون عدة أسابيع أخرى. ستصبح المعارك أكثر تعقيداً مع الثلج الذي يغطي هذا الجبل طوال فصل الشتاء. ولكنني أخشى من أن يتعرض المتمردون للحصار شيئاً فشيئاً كما حصل في الغوطة".
     إن المجموعات المسلحة المعارضة للأسد في هذه المنطقة هي في موقف دفاعي. إنهم لا يسيطرون إلا على بعض الجيوب مثل زملكا في الشرق وداريا والمعضمية في الجنوب، ويتعرضون لحصار وقصف مستمرين من قبل القوات الحكومية المكلفة بتشكيل حزام أمني حول العاصمة. قال قصي زكريا، أحد الناشطين في المعضمية عبر السكايب: "ليس لدينا ماء ولا غاز ولا كهرباء منذ عام. نحن نعيش على الزيتون وبعض الخضار. إنه العصر الحجري مع طائرات الميغ فوق رؤوسنا". بدأت سياسة الخنق بإعطاء ثمارها، وهذا ما يُظهره سقوط الحجيرة وسبينة في جنوب الغوطة اللتين استعادهما النظام في منتصف شهر تشرين الثاني. دخلت فرق التلفزيون فوراً بعد دخول القوات، وبثوا بسرعة صورة علم الجمهورية العربية السورية بين الأنقاض. كما استولت القوات النظامية قبل عدة أسابيع بدعم من الشيعة العراقيين المتجمعين في مليشيا أبو الفضل العباس على الزيابية والحسينية في جنوب العاصمة. أكد قصي زكريا قائلاً: "تريد السلطة منعنا بأي ثمن من الاتصال مع بؤر المقاومة في الغوطة الشرقية". لم يفقد المتمردون قدرتهم على القيام بالمبادرة. في منتصف شهر تشرين الثاني، استعادوا السيطرة على بعض القرى الصغيرة في ريف دمشق. كما حققوا تقدماً هاماً يوم الاثنين 18 تشرين الثاني عندما قاموا بتدمير مكتب الجيش في حرستا بواسطة نفق مليء بالمتفجرات، أدى انهيار هذا المبنى إلى مقتل سبعين جندياً منهم ثلاثة ضباط. كان هذا المبنى يشرف على خنق الغوطة الشرقية. اندلعت فوراً مظاهرات تعبر عن فرحها في المدن المجاورة التي تعتمد على هذا الهجوم من أجل تخفيف الخناق الذي يفرضة الجيش وإدخال القليل من المساعدة والطعام.
     قال الناشط مهند محسن الذي جاء إلى استانبول لمقابلة قادة الإئتلاف الوطني السوري: "إن إستراتيجية الأسد هي المجاعة والموت ببطىء. لقد مات سبعة أشخاص في منطقتي بسبب الجوع، ومات 22 آخرون بسبب نقص المعالجة"، أضاف هذا الناشط الذي يبلغ عمره حوالي ثلاثين عاماً ولديه اتصال مع جيش الإسلام المكون من عدة كتائب ذات توجهات سلفية وإسلامية معتدلة قائلاً: "إن السكان منهكون. كانوا ينظرون إلينا في البداية كمنقذين. ولكنهم يميلون اليوم إلى اعتبارنا كمصدر لشقائهم". لقد احتاج محمد خير الوزير، أحد القادة الميدانيين في الغوطة، إلى أكثر من ثلاثة أسابيع للتحايل على الحواجز والوصول إلى تركيا، وقال بشكل يعبر عن حالة العجز نفسها: "بمجرد تقدم جيش الإسلام عدة أمتار، تقوم قوات الأسد بقصف المناطق المدنية خلف الجبهة. إنه تكتيك متعمد ويهدف إلى الضغط على المقاتلين ومنعهم من التقدم". إن أحد أسباب هذا المأزق هو عجز المعارضة عن الحصول على الترسانة التي تسمح لها بالوقوف في وجه قوة النيران الأكبر بكثير لدى القوات النظامية. قال محمد خير الوزير: "حصلنا قبل عدة أسابيع على مخزون من صواريخ Konkrus المضادة للدبابات، واعتقدنا أننا سنتمكن من مهاجمة قافلة المصفحات في القلمون. ولكننا لاحظنا في اللحظة الأخيرة أنها هذه الصواريخ لا تعمل، الأمر الذي أجبرنا على الانسحاب".
     يعزو العارفون بالملف السوري هذا النقص بالسلاح إلى عدة عوامل: أولاً، نجاحات الجيش في قطع طريق الصحراء الذي يمر من خلاله جزء من التموين القادم من الأردن. ثانياً، خوف الأردن من جاره السوري بشكل يدفعه إلى كبح عمليات تسليم المؤن. ثالثاً، صغوط الولايات المتحدة على حليفها السعودي بصفته المصدر الأول لأسلحة المتمردين لكي لا يرسل للمتمردين أسلحة متطورة. قال أحد أعضاء الإئتلاف عبد الأحد اسطيفو: "تريد واشنطن إجبارنا على الذهاب إلى مؤتمر السلام جنيف 2. لهذا السبب، إن تدفق الأسلحة غير كاف بشكل مستمر".
     إن الأدوار منعكسة في المنطقة المحيطة بحلب. يتواجد المتمردون في ثلثي المدينة وفي الجزء الأكبر من ريفها، وهم في وضع القوي. بينما لا يسيطر النظام إلا على بعض القواعد. ولكن التمرد بدأ يتراجع في هذه المنطقة أيضاً، باعتبار أن قوات الأسد استعادت خلال أسبوعين السيطرة على حوالي ستة مواقع مثل القاعدة 80 ومدينة السفيرة الواقعة على مفترق الطرق المؤدية إلى حلب والرقة وحماة. يبدو أن سبب سقوطها يُعزى ـ بشكل جزئي على الأقل ـ إلى الاشتباكات الداخلية بين عناصر من جبهة النصرة والجيش الإسلامي. إن هذه المجموعة المسلحة المرتبطة بتنظيم القاعدة تجذب الكثير من المقاتلين الأجانب، ولكنها في حالة حرب خفية مع كتائب الجيش السوري الحر الذي يمثل الجناح العسكري للإئتلاف الوطني السوري المعارض لعقيدتها الظلامية وأهدافها في الهيمنة. أدى هذا التنافس في جبل التركمان إلى سلسلة من عمليات خطف الرهائن والإعدامات التي تحقق مصلحة النظام المتحصن في معقله باللاذقية.

     قال الأستاذ الجامعي المتخصص بالشأن السوري توما بييريه Thomas Pierret: "إنها ليست نهاية الحرب، وما زالت نهايتها بعيدة. إنها مجرد مرحلة". إن سقوط السفيرة وقارة وحجيرة كان على حساب التدمير الذي دفع آلاف السكان إلى الهروب. إن النظام في حربه ضد "الإرهاب" يستعيد السيطرة على مدن فارغة تحولت إلى أنقاض. إن استعادة النظام لسيطرته على بعض المدن تسمح له بالإدعاء بقوته والتفكير بالمشاركة في جنيف 2 من موقع قوة. ولكن هذا التقدم لا يسمح له بإعلان الانتصار. إذا نجح المتمردون في تجاوز انقساماتهم، فإن مؤشر المعركة يمكن أن يتغير بالاتجاه المعاكس.

(موت بطل معركة حلب)

صحيفة اللوموند 28 تشرين الثاني 2013 بقلم مراسلها الخاص في تركيا (استانبول) بنجامان بارت Benjamin Barthe

     إنه الخبر الأكثر قسوة في سلسلة الأخبار السيئة التي تنهال على المعارضة السورية منذ عدة أسابيع: لقد مات قائد لواء التوحيد عبد القادر صالح في أحد المستشفيات التركية بتاريخ 16 تشرين الثاني، إنه إحدى الشخصيات الأكثر كاريزماتية في التمرد، وهو الذي قام بتنفيذ عملية الاستيلاء على الأحياء الشرقية والجنوبية في حلب في شهر تموز 2012. لقد وصل إلى المستشفى قبل يومين من موته بعد إصابته بالقصف أثناء اجتماع سري مع معاونيه الرئيسيين. ربما كانت هناك خيانة سهلت هذا الهجوم الذي أدى إلى مقتل رئيس استخبارات لواء التوحيد يوسف العباس وجرح المسؤول السياسي فيه عبد العزيز سلامة الذي أعلن عن وفاة بطل الثوار في حلب، وتم دفنه في مدينته المعرة بالقرب من الحدود التركية.
     قال سنان حتاحت، أحد الناشطين الثوريين المقيمين في استانبول: "كان قائداً للرجال، ومحبوب جداً على الأرض. كان ديموقراطياً أيضاً، إنه إسلامي بالتأكيد، ولكنه معتدل، وكان يتحدث غالباً عن ضرورة احترام حق الأقليات. أصبحت هذه الميزة نادرة للأسف"، وذلك في إشارة إلى تصاعد قوة المجموعات الجهادية مثل الجيش الإسلامي الذي كانت علاقاته متوترة مع عبد القادر صالح. إن إصراره على التواجد في الجبهة، وهدوءه في المعارك، وابتسامته التي لا تفارقه أبداً، ساهم في شعبيته التي تعززت أيضاً عبر سلسلة من التحقيقات المصورة لتلفزيون الجزيرة التابع لقطر، أحد أكثر الممولين للتمرد السوري، وربما يكون ممول لواء التوحيد. أشاد رئيس الإئتلاف الوطني السوري أحمد الجربا أثناء وجوده في الدوحة وبعد لقائه مع رئيس الوزراء القطري بذكرى الشهيد  الذي كانت مواقفه بعيدة عن مواقف الإئتلاف.
     كان عبد القادر صالح معروفاً باسم الحجة ماريا، وهو اسم مؤنث اختاره منذ بداية الثورة للاتصال عبر سكايب دون أن يكتشفه مخبرو النظام. في ذلك الوقت، لم يكن إلا تاجراً للحبوب في ريف حلب، وممثلاً لهذه الطبقة المتوسطة السنية والمحافظة التي تواجه احتقار ورقابة النظام. لم يعرف عبد القادر صالح سجون النظام بعكس بعض رفاقه في السلاح مثل رئيس كتيبة أحرار الشام حسان عبود ورئيس جيش الإسلام زهران علوش. لقد سافر إلى بنغلاديش التي تعلم فيها لدى التيار الإسلامي (التبليغ) بدلاً من الذهاب إلى العراق للقتال ضد الاحتلال الأمريكي. ربما قام عبد القادر صالح ببيع جزء كبير من أملاكه من أجل تمويل إنشاء "لوائه" في شهر تموز 2012. لم تتشوه سمعته على الرغم من أن بعض المجموعات التابعة له نظرياً متهمة بنهب المعامل في حلب وبيعها في تركيا. لقد تعززت سمعته في بداية الصيف عندما ذهب لنجدة المدافعين عن القصير التي كانت على وشك السقوط بأيدي القوات النظامية.

     لقد كرّس جهوده في الأشهر الماضية من أجل احتواء طموحات الجيش الإسلامي الذي يسعى إلى فرض نفسه باعتباره القوة المسلحة الأساسية في شمال سورية. إن اختفاءه بالنسبة لمؤيدي الخط الإسلامي المعتدل يمثل خسارة كبيرة، وذلك بعد استقالة رئيس المجلس العسكري في حلب الجنرال عبد الجبار العقيدي.

(اجتماع من النوع الثالث في أنقرة)

صحيفة اللوموند 28 تشرين الثاني 2013 بقلم كريستوف عياد Christophe Ayad

     إنه اجتماع فريد من نوعه الذي انعقد في أحد الهنغارات بضواحي أنقرة بتاريخ 6 تشرين الثاني 2013. على الطرف الأول من الطاولة، كان هناك ممثلو مجموعة الـ (11) الدول الأعضاء في مجموعة أصدقاء سورية لتقديم الدعم السياسي للتمرد السوري. كانوا بعض الدبلوماسيين من قطر والسعودية وتركيا وفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة، وأغلبهم من السفراء أو مدراء الإدارات. كان يرافقهم ممثلون عن أجهزة الاستخبارات التابعة لبلدانهم. ولكنهم كانوا في الحقيقة "عشرة" دول، قال أحد الدبلوماسيين مع بعض الغيظ: "لم يحضر المندوب المصري. لا بد من التساؤل فيما إذا كانت مصر ما زالت إلى جانب المعارضة في سورية أم أنها تقف إلى جانب النظام من الآن فصاعداً".
     في الجهة الأخرى من الطاولة، كان هناك 12 رجلاً من نوع آخر مختلف كلياً: إنهم لا يرتدون البذلات وربطات العنق، بالإضافة إلى لحياتهم الطويلة. إنهم رؤساء 12 مجموعة متمردة في سورية، وأضاف الدبلوماسي المذكور أعلاه: "باستثناء جبهة النصرة والدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام"، إنهما المجموعتان التابعتان إلى تنظيم القاعدة أو قريبتان من هذه المنظمة الإرهابية. ولكن قادة المجموعات المسلحة الأساسية موجودون في هذا الاجتماع: أي أحرار الشام ولواء  التوحيد وصقور الشام وجيش الإسلام...  الخ. يبلغ عدد عناصر هذه المجموعات عدة آلاف من الرجال الذين انشق أغلبهم من الجيش السوري الحر الذي يمثل الجناح العسكري للإئتلاف الوطني السوري الذي يُعتبر عاجزاً ومقرباً جداً من الغرب.
     لم يسبق أن إلتقى هؤلاء الرجال مع بعضهم البعض بهذا الشكل شبه الرسمي. استمر الاجتماع سبع ساعات "للتعارف وتبادل وجهات النظر". في البداية، قام رئيس كل مجموعة مسلحة بتقديم نفسه، ثم يتلو "الشهادة" التي يؤكد فيها بأنه يعمل من أجل سورية ديموقراطية وتعددية. قام أحد السلفيين السنة بالتعهد بالدفاع عن حقوق إخوته "العلويين والمسيحيين والدروز واليهود وحتى البوذيين" رغماً عن أنف محاوريه. إن الساعات السبع ليست طويلة جداً لإقناع المجموعات المسلحة بعدم إفشال مفاوضات جنيف 2 قبل انعقاد هذا المؤتمر في 22 كانون الثاني 2014. تم الإعداد بسرية كاملة لهذا الاجتماع في أنقرة بناء على طلب الدول الغربية، وتم تنظيمه بفضل مهارة بعض الدبلوماسيين من قطر وتركيا.
     في الحقيقة، لم يظهر في أي وقت مضى مثل هذا الانفصال بين الميدان العسكري والساحة الدبلوماسية. في الوقت الذي يفكر فيه الإئتلاف الوطني السوري بعناية بتعابير بياناته، كان مقاتلو هذه المجموعات المسلحة يقومون بإحصاء الطلقات لإدخارها، بانتظار الصواريخ المضادة للطائرات من أجل الرد على بشار الأسد وإدارة الأراضي التي يسيطرون عليها بقوة بنادق الكلاشينكوف. لا ينوي القادة العسكريون قبول العملية الدبلوماسية التي قد تؤدي في النهاية إلى إبعادهم لصالح "حكومة انتقالية" يُفترض بها أن توازن بدقة بين المعارضين وأعضاء النظام الذين لم تتلطخ أيديهم بالدماء. قال أحد الدبلوماسيين الغربيين: "قالوا لنا: الجيش السوري الحر لا وجود له، ولا يمثل أحداً، وكذلك الأمر بالنسبة للإئتلاف الوطني السوري. من جهة أخرى، سنقوم بإسقاطه بعد 48 ساعة! قلنا لهم أن نظام بشار الأسد يقول الشيء نفسه، الأمر الذي أزعجهم".

     في النهاية، قررت المجموعات المسلحة إعطاء الفرصة للإئتلاف الذي أسس مجموعة عمل من أجل الحفاظ على الحوار السياسي مع المتمردين غير التابعين للجيش السوري الحر.

الأربعاء، ٢٧ تشرين الثاني ٢٠١٣

(آمال التهدئة في الشرق الأوسط بعد جنيف)

صحيفة اللوموند 27 تشرين الثاني 2013 بقلم كريستوف عياد Christophe Ayad وبنجامان بارت Benjamin Barthe

     هل يمكن أن يؤدي الاختراق في جنيف إلى بداية ديناميكية دبلوماسية إيجابية وقادرة على تحطيم عقلية المحاور ("محور الشر" الشيعي ضد حلفاء "الشيطان الأكبر" الأمريكي) السائدة في المنطقة، والمساهمة في تهدئة العديد من بؤر التوتر؟
     فيما يتعلق بسورية، هل هناك توجه نحو مؤتمر سلام؟ اندهش جميع المراقبين بالتزامن بين إعلان الأمانة العامة للأمم المتحدة عن موعد مؤتمر السلام حول سورية يوم الاثنين 25 تشرين الثاني بعد 36 ساعة من التوصل إلى اتفاق في المفاوضات بين إيران ومجموعة الست. تم تحديد موعد مؤتمر جنيف 2 في 22 كانون الثاني القادم. ولكن من الخطأ اعتبار أن الإعلان عن موعد جنيف 2 هو أولى النتائج الإيجابية لاتفاق جنيف حول الملف النووي الإيراني. قال مستشارو المبعوث الخاص للأمم المتحدة والجامعة العربية حول الملف السوري الأخضر الإبراهيمي: "إن هذين المسارين للمفاوضات متوازيين، هناك تأثير لا يمكن تجنبه. ولكن فيما يتعلق بجنيف 2، كان هناك اتفاق مبدئي منذ وقت طويل".
     إن قيام الإئتلاف الوطني السوري، القاعدة الأساسية للمعارضة ضد نظام الأسد، باتخاذ قرار المشاركة في مؤتمر جنيف 2 خلال  الاجتماع العام الذي جرى في استانبول بين 9 و11 تشرين الثاني، كان حافزاً  ساهم في دفع الأمم المتحدة لتحديد موعد. بالمقابل، من الممكن أن تسهّل عودة الدفء إلى العلاقات بين واشنطن وطهران إجراء هذه المفاوضات المفترضة. قال منذر آقبيق، مدير مكتب رئيس الإئتلاف الوطني السوري أحمد الجربا،  بحذر: "من سيؤثر على الآخر: إيران أم الغرب"، وأكد على الشرطين اللذين طرحهما الإئتلاف للمشاركة في جنيف 2: أي إيصال المساعدة الإنسانية إلى المدن التي يحاصرها الجيش السوري منذ عدة أشهر، والإفراج عن النساء والأطفال. هناك نقطة خلاف أخرى قد تؤدي إلى تأجيل المؤتمر مرة أخرى، وهي مطالبة السلطات السورية بمشاركة إيران، ولكن المعارضة ترفض ذلك. قال مصدر مقرب من الملف: "قام الفرنسيون والأمريكيون بتلطيف مواقفهما قليلاً. لقد أدركوا أنه إذا كانت إيران جزء من المشكلة، فإنه من الممكن أن تكون جزءاً من الحل. ولكنهم يترددون في قبول مشاركة إيران لكي لا يُربكوا الإئتلاف".
     سيكون مستقبل إسرائيل أكثر أماناً عندما تخضع إيران لعمليات تفتيش دقيقة، وتلتزم طهران باتفاق موقع مع المجتمع الدولي. يمكن أن يكون هدف الموقف المتشدد للحكومة الإسرائيلية الحفاظ على الضغوط حتى التوصل إلى الاتفاق النهائي. من الممكن أن يصبح هذا الموقف الإسرائيلي هدفاً بحد ذاته، وتتمسك إسرائيل بموقفها كقوة ترفض أي تقدم نحو السلام في المنطقة سواء مع الفلسطينيين، "أعداء الداخل"، أو مع إيران بصفتها الفزاعة الإقليمية. في هذه الحالة، ستنتهي هذه السياسة بالاصطدام مع السياسة التي تتبعها الولايات المتحدة الحريصة على الخروج من المواجهة التي تجعل واشنطن رهينة الممالك السنية في الخليج.

     في الحقيقة، إن إيران مسالمة وأكثر قرباً من الولايات المتحدة سيكون من مصلحة إسرائيل التي استفادت من الثورات العربية أكثر مما نعتقد. خافت إسرائيل في البداية من هذه الثورات التي لم تتوقع وصولها، وجرفت معها بعض شركائها التقليديين مثل المصري حسني مبارك، ولكن الدولة اليهودية أصبحت محاطة اليوم بسلطات ضعيفة. تخضع مصر لقيادة بعض الضباط العلمانيين والقوميين، وهم بالضرورة ضد الإسلاميين وغير مهتمين كثيراً بالقضية الفلسطينية. تعيش سورية بشار الأسد ذورة الحرب الأهلية الدامية، وخسرت سلاحها الإستراتيجي المتمثل بترسانتها الكيميائية. خسر حزب الله بعض قوته والكثير من شعبيته بسبب انخراطه إلى جانب الأسد في سورية. ما زال العراق بعيداً عن استعادة قوته في حقبة صدام حسين. فيما يتعلق بدول الخليج، إنهم مجبرون على التحالف مع جارهم اليهودي في الظروف الحالية خوفاً من العودة إلى حقبة الشاه عندما كانت إسرائيل وإيران تتعاونان بشكل علني.

(العمل الإنساني داخل الرعب)

صحيفة الليبراسيون 27 تشرين الثاني 2013 بقلم جان بيير بيران Jean-Pierre Perrin

     ربما يكون هذا الشخص تجسيداً للإنسانية في سورية، ولبصيص الأمل المستمر في الوقت الذي انهار فيه كل شيء في الظلام، وضاع كل شيء في الوقت الذي تسرح فيه الكلاب الشاردة بروائحها الكريهة حول القبور التي كانت في أحد الأيام شارعاً أو حياً أو مدينة. كان الصيدلاني حذيفة إدريس (42 عاماً) في حي باب عمرو في حمص يدعو الزوار لتناول الشاي في مكتبه ويصطحبهم خارج حي باب عمرو وحمص وسورية وخارج الرعب لكي يروي لهم إعجابه بالعائلة الملكية البريطانية في أصعب اللحظات أثناء العاصفة الفولاذية في شهر شباط 2012.
     أجهشت إحدى الممرضات بالبكاء في المستوصف الصغير بتاريخ 16 شباط 2012. لقد أخفق الطبيب محمد المحمد، أحد الأطباء النادرين في الحي المحاصر منذ سبعة أشهر، عندما كان ينتزع بعنف بواسطة ملقطه الجراحي شظية من عين أحد الجرحى. لاحظ الطبيب أن المريض توقف عن التنفس، فرمى الشظية والملقط الجراحي في وسط الغرفة صارخاً وهو يلعن بحقد وحشي ضد بشار الأسد. كان يوجد إلى جانبه بعض الجرحى الذي لا نعرف فيما إذا كانوا على قيد الحياة، ثم بدأت إحدى الأمهات بالصراخ. في الخارج، اقترب القصف من مركز المعالجة الصغير الموجود في شقة صغيرة داخل قبو أحد الأبنية الذي انهار الطابق الثاني فيه بسبب قذيفة أدت إلى تدمير خزان المياه. على الرغم من هذه الكارثة العامة، وهذا الشعور بالغرق المطلق المخيم على حي باب عمرو الذي كان القلب النابض للثورة السورية أنذاك، وكون هذا الحي على وشك السقوط، كان هذا الصيدلاني ومدير المستوصف يتحدث بصوت هادىء لا يمكن سماعه إلا بصعوبة داخل العاصفة الفولاذية، وكان يحرص على الحديث عن إعجابه بالعائلة الملكية البريطانية. إنه معجب بكل شي: الحفلات الباذخة وعربات الخيل وقصر بكنغهام والحكايات وديانا... "ولكنني معجب بالملكة بشكل خاص". فجأة، يقوم بإخراج علكة قائلاً: "خذها، إنها آخر علكة في باب عمرو".
    سقط الحي بأيدي القوات النظامية بعد مضي عشرة أيام. ثم اختفى هذا الصيدلاني الصغير منذ ذلك الوقت. هل تعرض للقتل أو الاعتقال أو التعذيب؟ لا، لقد استطاع النجاة مع عائلته، وذهب إلى طرابلس في لبنان، وبدأ يتعلم في أحد المستشفيات إجراء العمليات الجراحية أثناء الحرب. قال حذيفة إدريس: "عبرنا خطوط الجنود مع خمس ممرضات في المركز. ارتدينا جميعاً الرداء الأسود. مشينا من منتصف الليل حتى الساعة الخامسة فجراً دون إصدار أي ضجيج. كنا منهكين. ربما سمعنا الجنود، ولكنهم لم يطلقوا النار. خرج حوالي ثلاثة ألاف شخص من الحي بهذه الطريقة. لولا خروجهم، كانوا سيتعرضون للذبح من الشبيحة الذين وصولوا للحي بعد الجنود. الآن، تم تدمير حي باب عمرو بالكامل، ولم يبق فيه إلا الكبار بالسن". خسر هذا الصيدلاني كل شيء باستثناء عائلته القريبة، وقال: "تعرض والدي للذبح، شاهد أحد الشيوخ جثته في أحد الجوامع إلى جانب الكثير من الجثث الأخرى. كما قُتِل أخي أسامة بقنبلة بعد أن كان سائقاً لسيارة إسعاف. كما مات شقيق أمي. بحث الشبيحة عن  صيدليتي ومنزلي لنهبهما وحرقهما. شوهدت قمصاني وأحذيتي في أسواق الأحياء المؤيدة للنظام، هذه الأسواق  التي تبيع كل ما هو مسروق".
     لجأ حذيفة إدريس إلى أحد البيوت بالقرب من دمشق بعد هروبه من باب عمرو، وقال: "عندما شاهدتني أمي، غابت عن الوعي لأنها كانت تعتقد أنني ميت". لم يكن ينوي مغادرة بلده، ولكنه اكتشف على التلفزيون "ما لم يقال لكم حول باب عمرو" وجود برنامج للوشاية أعده النظام، وأنه كان مطلوباً للعدالة في هذا البرنامج بتهمة تقديمه المساعدة للجرحى. إن عينيه باللون الأزرق الغامض في الصورة تثيران الانتباه فوراً. قال حذيفة إدريس: "عندها، ارتديت ثياباً أنيقة قدر الإمكان، وذهبت إلى لبنان بالسيارة. لم يتخيل الجنود أن رجلاً بهذه الأناقة مع عائلته يمكن أن يكون ملاحقاً".
    كان حذيفة إدريس صيدلانياً عادياً يكسب رزقه بشكل جيد حتى اندلاع التمرد في حمص. كان عضواً في حزب البعث الحاكم وفي اتحاد الصيادلة. إذاً، كان أحد الوجهاء. إن القمع العنيف هو الذي جعله ينضم إلى التمرد لإدارة أحد مركزي المعالجة الإسعافية في باب عمرو، القلب النابض للثورة. لم يكن يتمتع بأية كفاءة متميزة، وقال: "باستثناء الدكتور محمد، إن جميع الذين يعملون في هذا المستوصف لم يسبق لهم العمل في مجال الطب". بدأ بارتداء بنطال الجينز للمرة الأولى، وقال: "كان ذلك أكثر عملية للمرور بين نيران القناصة". لأنه إذا كانت الممرضات و والطبيب ينامون في المستوصف للحد من الأخطار، فإن حذيفة إدريس الرجل الهادىء يرفض النوم في سرير ميداني. كان يحرص على العودة إلى عائلته مساء كل يوم مهما كلف الثمن للتأكد من أن كل شيء على ما يرام، وطمأنتهم حتى ولو كان ذلك يعرضه للركض وراء الجدران. قال حذيفة إدريس: "في المنزل، عندما تسقط القذائف، كان يجب عليّ أن أضحك أمام ابنتي رغد التي يبلغ عمرها اليوم أربع سنوات. ولكنها تعرف من قتل جدها. وتعرف ما هي القذيفة عيار 12.7 أو الأربيجي 7. هكذا أصبح أطفالنا".
     في الوقت الحالي، يتحدث حذيفة إدريس عن الأيام الأخيرة في باب عمرو، وقال: "قيل لنا أن مستوصفنا هو أكثر ما كان يكرهه النظام، وأنه كان يسعى إلى تدميره بالقنابل مهما كان الثمن. إذا تعرض أحد المقاتلين للاعتقال، من الممكن أن يبقى على قيد الحياة في السجن. إذا تعرض طبيب أو صحفي للاعتقال، فليست أمامه أية فرصة للنجاة". كان هذا الصيدلاني يأمل بعد الهجوم الكيميائي الأخير على ضواحي دمشق أن تقوم الولايات المتحدة وفرنسا بقصف النظام، ولكنها كانت خيبة كبيرة له. قال حذيفة إدريس: "يعتقد الشعب السوري من الآن فصاعداً أنكم تستخدمون سورية كمسرح. يجب أن تقصفوا لكي نقتنع بالعكس، ولكي تُظهروا لنا أنكم دول حرّة فعلاً. نحن على وشك الموت مع الغاز أو بدونه. تقولون أنكم أصدقاء السوريين، ولكن الأصدقاء يظهرون عندما نكون بحاجة لهم". ولكنه ما زال معجباً بالملكة إليزابيت التي تمثل بالنسبة له تجسيداً لحلم الديموقراطية، وقال: "تخيلوا أن البريطانيين يستطيعون أن يطلبوا منها تقديم حساب حول الأموال التي تنفقها على ثيابها. أما بشار، فإنه يستطيع قتل من يشاء، ولا أحد يستطيع أن يطلب منه شيئاً. إن الحرية بالنسبة لنا هي أن نتمكن من العيش مثلكم أنتم الغربيين، هذه الحياة التي نراها على التلفزيون".

     ولكن سورية التي يحلم بها ما زالت بعيدة المنال، وهي محاصرة بين قوات النظام والأحزاب الجهادية التي تزداد قوتها شيئاً فشيئاً. وافق الصيدلاني على ذلك قائلاً: "نحن لا نقبل بمجيء الأجانب لممارسة السياسة عندنا. لا شك أنه يجب علينا بعد الثورة القيام بثورة أخرى لطردهم". إنه يفكر بالعودة إلى بلده بعد تعلمه إجراء العمليات الجراحية أثناء الحرب. لقد ترك قطته الصغيرة التي يحبها في حمص، وقال: "إذا عثر عليها بشار، فسوف يقتلها. إنه قادر على اتهامها بأنها مسؤولة عن الثورة".

الثلاثاء، ٢٦ تشرين الثاني ٢٠١٣

(العودة الإستراتيجية الكبيرة لروسيا)

صحيفة الفيغارو 26 تشرين الثاني 2013 بقلم رونو جيرار Renaud Girard

     يمثل اتفاق جنيف الذي توصل إليه وزراء خارجية مجموعة الست وإيران يوم الأحد 24 تشرين الثاني أحد أهم النجاحات الدبلوماسية الدولية منذ اتفاق دايتون الذي أنهى الحرب في البوسنة عام 1995. إن الأمر المثير للدهشة هو أن اسم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف كان الأكثر تداولاً في نشرات الأخبار التي أعلنت نبأ هذا الاتفاق. تحدث وزير الخارجية الروسي عن "اتفاق رابح لجميع الأطراف". يعتبر جميع المراقبين أن روسيا  فرضت نفسها كأحد المحاور الأساسية في هذه المفاوضات الهامة لأنها تحظى باحترام الأمريكيين، ويحذو الصينيون حذوها بكل شيء، ويصغي لها الإيرانيون، ويتودد إليها البريطانيون والفرنسيون. إن الفرق شاسع جداً بالمقارنة مع الوضع الذي كان سائداً أثناء اتفاق دايتون عندما كانت وجهة النظر الروسية لا تمثل شيئاً.
     لا يمكن الآن تصور سيناريو الحرب التي شنها الحلف الأطلسي على صربيا بدون موافقة الأمم المتحدة، وتهميش النفوذ الروسي على الأرض آنذاك، لأن القيصر فلاديمير بوتين لن يقبل ذلك. لا أحد يستطيع الإدعاء اليوم بممارسة الضغوط على زعيم الكريملين الذي يعرف كيف يستفيد بشكل ممتاز من الأوراق الرابحة التي يملكها: أي موارد الطاقة الهائلة وسلطة داخلية مطلقة وجيش يملك السلاح النووي.
     سيتذكر التاريخ أن عام 2013 كان عام العودة الإستراتيجية لروسيا. تحظى روسيا بالزعامة في المشرق أكثر من فرنسا أو بريطانيا أو السعودية التي قامت بدور كبير جداً في حل المسألة اللبنانية عام 1989. فيما يتعلق بالملف السوري، أصبحت موسكو في مرتبة واشنطن إلى درجة أن البعض يتحدث عن "اتفاق دايتون بين طرفين" عند الحديث عن الصعوبات التي يواجهها انعقاد مؤتمر جنيف 2 الذي يُفترض به تشكيل حكومة انتقالية في سورية، وتم تحديد موعد انعقاده بتاريخ 22 كانون الثاني 2014. كان دور هذان القطبان واضحاً جداً في الاتفاق الذي تم التوصل إليه بتاريخ 14 أيلول 2013 حول نزع السلاح الكيميائي للنظام البعثي، عندما كان جون كيري وسيرغي لافروف يتفاوضان في جنيف دون أن يكلفا نفسهما عناء التفكير بدعوة أي طرف آخر إلى طاولة المفاوضات، ولا حتى فرنسا التي تعرف جيداً "الشرق المعقد".

     فيما يتعلق ببقية أنحاء الشرق الأوسط، عرفت روسيا كيف تتقرب بذكاء من جميع الدول التي تكره الإخوان المسلمين مثلها. أصبحت علاقات روسيا مع مصر شبيهة تقريباً بعلاقاتها أثناء حكم عبد الناصر، كما تتفاهم روسيا مع إيران والسعودية وإسرائيل في الوقت نفسه، وهو أمر ليس سهلاً. لم تعرب روسيا، بعكس الدول الغربية، عن إعجابها بـ "الإسلام المعتدل" لرئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان الذي يُنظر إليه اليوم بأنه ليس معتدلاً إلى هذه الدرجة. كانت روسيا أول دولة تعبّر عن تحفظاتها تجاه "العثمانية الجديدة" لوزير الخارجية التركي النشيط أحمد داود أوغلو.

(الرهان الخطر ولكن المحسوب لباراك أوباما)

صحيفة الفيغارو 25 تشرين الثاني 2013 بقلم مراسلتها في واشنطن لور ماندفيل Laure Mandeville

     أشار الكاتب دافيد إغناطيوس David Ignatius في مقال نشرته الواشنطن بوست يوم الأحد 24 تشرين الثاني إلى أن باراك أوباما وجد نفسه في "ضباب السلام" بعد التوقيع على اتفاق جنيف حول الملف النووي الإيراني، وأضاف أن "المفاوضين ليسوا متأكدين من نتائج ما قاموا به". لا أحد يعرف ما الذي يفكر به الرئيس روحاني عند التوقيع على هذا الاتفاق "المؤقت" الذي يجمد أو يكبح لمدة ستة أشهر المسيرة الإيرانية الجهنمية نحو امتلاك القنبلة، مقابل رفع طفيف ولكن يمكن العودة عنه بسهولة لبعض العقوبات التي تخنق الاقتصاد الإيراني. كما أنه من الصعب جداً معرفة ما الذي ستطالب به الدول الغربية فعلاً في نهاية المطاف، أي باختصار معرفة ما هو تعريفهم لعتبة التسامح بخصوص الطاقة النووية.
     قال أوباما: "إن الفكرة هي شراء الوقت والمكان من أجل مفاوضات لاحقة". تأمل الولايات المتحدة الاستفادة من إعادة الثقة الناجمة عن هذا الاتفاق من أجل الانتقال إلى مرحلة أكثر تشدداً لتفكيك الإمكانيات النووية العسكرية في إيران. ولكنه رهان خطر، وما زال الجميع يتذكر بألم اتفاق عام 2003 الذي أشادت به الدول الغربية آنذاك باعتباره اتفاقاً تاريخياً حول الملف النووي الإيراني، ثم اكتشفت بعد عدة سنوات أن إيران انتهكت جميع تعهداتها. حذر المفاوض السابق كريستوفر هيل Christopher Hill في مقال نشرته النيويورك تايمز قائلاً: "الحقيقة هي أنه يمكن العودة عن كل شيء مع مرور الوقت". تُحذر إسرائيل والسعودية وبعض النواب الأمريكيين من اتفاق يمكن أن يتحول إلى مأسسة للوضع القائم بشكل يحافظ على قدرة إيران بتخصيب ما يكفي من اليورانيوم لصنع قنبلة خلال شهر تقريباً. إنهم يعتبرون أن المثال الواجب اتخاذه كمنوذج هو المثال الليبي الذي تخلى عن جميع قدراته وليس الكوري الشمالي عندما وقع جورج بوش على اتفاق مع كوريا الشمالية ثم دخل هذا الاتفاق في غياهب التاريخ.
     أشار دافيد سنجر David Sanger في مقال نشرته النيويورك تايمز إلى أن إدارة أوباما لا تعتقد بإمكانية "التدمير" الكامل للقدرة النووية العسكرية في إيران "لا عن طريق القنابل ولا عن طريق الاتفاقيات" وأضاف قائلاً: "لقد فات الأوان للقيام بذلك". إن ما تأمله واشنطن أكثر تواضعاً، وهو منع طهران من انتاج القنبلة النووية. إن الرهان المحسوب لأوباما هو الاستفادة من وسيلة العقوبات التي فرضها مع حلفائه ـ والتي ما زالت على حالها تقريباً ـ من أجل احتواء القدرة النووية الإيرانية عند عتبة مقبولة، وذلك عن طريق آليات "التحقق" الممنهجة. يأمل أوباما بمجيء اليوم الذي سيتغير فيه النظام وحصول مصالحة حقيقية فارسية ـ أمريكية قادرة على تغيير المعادلة بشكل أكثر راديكالية. تتعارض هذه المقاربة بشكل راديكالي مع النظرة المتشددة لحلفائه الإسرائيليين والسعوديين. ولكن يبدو بوضوح أنه الخطر الآخر الذي يستعد أوباما للمجازفة به."


الاثنين، ٢٥ تشرين الثاني ٢٠١٣

(سورية في محور زيارة بوتين إلى الفاتيكان)

 صحيفة الفيغارو 25 تشرين الثاني 2013 بقلم جان ماري غينوا Jean-Marie Guénois

     إن اللقاء بين الرئيس الروسي بوتين والبابا فرانسوا في الفاتيكان يوم الاثنين 25 تشرين الثاني ليس لقاء تاريخياً. إن اللقاء التاريخي الوحيد هو الذي جرى بين غورباتشوف والبابا يوحنا الثاني بتاريخ 1 كانون الأول 1989. الشيء الجديد في هذا اللقاء هو أنه الأول بالنسبة للبابا فرانسوا. حصل بعض التقارب بين الرجلين خلال الفترة الماضية عندما قام البابا فرانسوا بتوجيه رسالة إلى الرئيس بوتين "بصفته رئيس قمة العشرين" بتاريخ 5 أيلول لكي يعمل من أجل حل سلمي في سورية بعد قضية استخدام الأسلحة الكيميائية. إن نجاح الدبلوماسية الروسية في هذه الحلقة من الأزمة أعطى لهذه الرسالة التي أعلن عنها الفاتيكان بشكل متعمد بعداً دولياً.

     يعتبر الكثيرون أن الفاتيكان وموسكو "تقاربا" كثيراً على الصعيد الدبلوماسي. هذا هو الرهان الأول للقاء يوم الاثنين 25 تشرين الثاني الذي ستُناقش فيه المسألة السورية. ولكن المناخ الجيد يمكن أن يساهم أيضاً في فك الجليد عن العلاقات بين الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة الأورثوذوكسية الروسية، وهذا هو الرهان الثاني. الرهان الأخير هو استئناف روسيا لسياساتها التقليدية ما قبل الحقبة السوفييتية المتعلقة بحماية الأراضي المقدسة عبر حماية مصالحها في الشرق الأوسط. يشعر المسيحيون في الأراضي المقدسة، ومن ضمنهم الكاثوليك، بالخيبة أكثر فأكثر من سياسة الغرب، وينجذبون إلى السياسة الروسية. ولكن من كان يقول بأن الحوار بين روما وموسكو سيمر عبر طريق دمشق؟

(وزير خارجية الكنيسة الأورثوذوكسية: "لدي أمل كبير في هذا اللقاء")

صحيفة الفيغارو 25 تشرين الثاني 2013 ـ مقابلة مع وزير خارجية الكنيسة الأورثوذوكسية في موسكو الميتروبوليت هيلاريون  Méropolite Hilarion ـ أجرى المقابلة مراسلها في موسكو بيير أفريل Pierre Avril

سؤال: ما هي نقطة التقارب الممكنة بين الكنيستين الكاثوليكية والأورثوذوكسية؟ هل هي مصير المسيحيين في الشرق الأوسط؟
الميتروبوليت هيلاريون: من المحتمل أن هذا الموضوع هو الأكثر أهمية في التعاون. قمنا سابقاً بالتعبير عن قلق مشترك. وجه البطريرك كيريل في شهر أيلول رسالة إلى باراك أوباما يطلب فيها الانتباه إلى وضع الكنائس المسيحية في سورية والامتناع عن توجيه ضربة عسكرية. كما وجه البابا فرانسوا من جهته رسالة إلى قادة قمة العشرين عبر فلاديمير بوتين داعياً فيها إلى حل سياسي، وكانت رسالة هامة جداً. من وجهة النظر هذه، لدي أمل كبير باللقاء المرتقب بين الرئيس الروسي وقداسة البابا.


(روحاني يستفيد من حالة ارتياح في إيران بعد الاتفاق في جنيف)

صحيفة الليبراسيون 25 تشرين الثاني 2013 ـ مقابلة مع الأستاذ في جامعة السوربون يان ريشار Yann Richard ، المختص بعلم الاجتماع الديني للمذهب الشيعي المعاصر وبتاريخ إيران المعاصر ـ أجرى المقابلة جان بيير بيران Jean-Pierre Perrin

سؤال: هل سيعارض المتشددون في إيران اتفاق جنيف الأخير؟
يان ريشار: يُسيطر حرس الثورة على الاقتصاد الإيراني وقطاع الاتصالات والنفط والنقل والسكك الحديدية... أي على البنية الأساسية للاقتصاد الإيراني. من الناحية السياسية، إذا كان موقف حرس الثورة لم يتراجع، فإنه لن يرفض اتفاق جنيف لأنه سيكون المستفيد الأول منه عندما يستعيد النشاط الاقتصادي حركته.
سؤال: ولكنهم يتمسكون بخط إيديولوجي متشدد جداً...
يان ريشار: نلاحظ بوضوح محدودية هذا الخط الإيديولوجي. على سبيل المثال، قامت طهران بدعم أرمينيا ضد أذربيجان على الرغم من أن هذه الأخيرة دولة ذات أغلبية شيعية مثل إيران. كما نرى ذلك في سورية: يدعم القادة الإيرانيون نظاماً علمانياً يقمع الإسلاميين، ولكنه دعم إستراتيجي تُبرره أسباب تتعلق بسياسة الدولة العليا. إن هذا الدعم لا يعني تعاطفاً مع حزب البعث، بل يعني بالنسبة للنظام الإيراني الحفاظ على عائق لمنع السعودية وقطر من تصدير النفط والغاز خارج مضيق هرمز الذي تسيطر عليه إيران. إن استئناف الاتصالات مع الدول الغربية وتراجع العقوبات شيئاً فشيئاً مع الحفاظ على الهدف الأساسي المتمثل بالحق في تخصيب اليورانيوم، وهذا ما يسميه الإيرانيون بالخط الأحمر، سيسمح أيضاً بانقاذ النظام. في جميع الأحوال، يعرف حرس الثورة جيداً أن الإيرانيين لديهم ميل نحو نحو تفضيل الدول الغربية، وأنه لا يوجد أي شيء يمكنه الوقوف في وجه هذا الأمر. إن ما يريده حرس الثورة هو الحفاظ على السلطة لأنهم يدركون إمكانية "سقوطهم" أيضاً.
سؤال: هل خرجت إيران من عزلتها بعد هذا الاتفاق؟
يان ريشار: أصبحت إيران من الآن فصاعداً قوة إقليمية، وستتحسن صورتها بفضل ذلك، لأن طهران عرفت كيف تخفف من مطالب مجموعة الست. إذاً، يعني ذلك أن إيران قوية جداً لأنها لم تُخفف من لهجتها تجاه الإسرائيليين. إذا كانت جميع الدول العربية وفي مقدمتهم السعودية قد فشلت في سياستها تجاه إسرائيل، فإن الإيرانيين حافظوا على نهج متشدد لا يقبل التسوية. لقد قالوا دوماً أنهم ضد عمليات السلام الزائفة مع الفلسطينيين.
سؤال: ماذا ستفعل الدول العربية في الخليج؟

يان ريشار: سيعملون على إظهار إيران دولة خطيرة. إذاً، يجب على الإيرانيين إظهار أنهم أقل خطورة من هذه الدول. يمكن أن يظهر ذلك في سورية. إذا تمت دعوة الإيرانيين إلى المفاوضات، سيكون لديهم ما يقولونه. لا أعتقد أن هذه الدول التي ستخسر هيمنتها على المنطقة ستتراجع. تعتقد السعودية أنها الطرف المحاور الوحيد الذي يتمتع بالأهمية تجاه الأمريكيين، ولكن يجب على السعوديين الآن أن يأخذوا بعين الاعتبار وجود بلد آخر يضم عدداً أكبر من السكان ويحوي موارداً ليست أقل حجماً من الموارد السعودية ولديه موقف إستراتيجي أكثر أهمية. كان الرئيس السابق رفسنجاني يعتقد أنه لا يمكن القيام بسياسة جيدة بدون علاقات ودية مع السعودية. إن إحدى رهانات روحاني ستكون إعادة الثقة مع دول الخليج، ولكن ذلك سيكون أكثر صعوبة من إعادة الثقة مع الدول الغربية: لا يجب نسيان أن السعوديين يعتبرون الإيرانيين من أسوأ الملحدين. ستكون سورية أحد أهم الامتحانات، وسنرى فيما إذا كان هذا الطرف أو ذاك قادراً على التفاهم حول شيء ما. فيما يتعلق بالأمريكيين، بدؤوا يشعرون بالحذر من الرهان السعودي والقطري، ولا تشعر واشنطن بالغضب من تغيير موازين القوى في الشرق الأوسط لأن تغييرها سيخدم المصلحة الأمريكية.

(كاميل غراند: "المفاوضات الحقيقية تبدأ اليوم")

صحيفة الفيغارو 25 تشرين الثاني 2013 ـ مقابلة مع مدير مؤسسة الأبحاث الإستراتيجية كاميل غراند Camille Grand ـ أجرت المقابلة إيزابيل لاسير Isabelle Lasserre

سؤال: هل اتفاق جنيف بين مجموعة الست وإيران اتفاق جيد؟
كاميل غراند: إنها لحظة هامة، ويمكن أن تكون منعطفاً هاماً في المفاوضات المستمرة منذ  عقد من الزمن. إنه نجاح لسياسة العقوبات المتشددة التي دفعت إيران في النهاية إلى الانخراط في مفاوضات حقيقية وتقديم أولى التنازلات. إن تجميد بناء مفاعل الماء الثقيل في أراك هو نجاح للدبلوماسية الفرنسية. ولكن هذا الاتفاق ليس اتفاقاً تاريخياً كما قالت الولايات المتحدة. نحن نتحدث عن اتفاق مؤقت كما حصل عامي 2003 ـ 2004. سيستأنف المفاوضون العمل خلال ستة أشهر بهدف الوصول إلى اتفاق نهائي. إن المفاوضات الحقيقية تبدأ اليوم.
سؤال: ما هي نقاط ضعف هذا الاتفاق؟
كاميل غراند: أولاً، التخلي عن مبدأ عدم التخصيب على الأراضي الإيرانية لأنه كان أحد المطالب الرئيسية للمجتمع الدولي. تم التنازل أمام الإيرانيين حول التخصيب حتى مستوى 5 % كحد أقصى، حتى ولو كان تحت رقابة شديدة. ما زالت هناك نقاط غامضة حول نظام تفتيش المنشآت النووية على الرغم من تعزيزه، ولا بد من امتحان نظام التفتيش. لم يتم التطرق إلى الموقع العسكري في بارشان في الوثائق المتوفرة. يجب أن يكون نظام التحقق دقيقاً جداً من أجل استعادة الثقة. هذه هي إحدى مفاتيح نجاح ومصداقية عملية المفاوضات.
سؤال: ما هي الأخطار في الأشهر القادمة؟

كاميل غراند: أولاً، سيكون هناك امتحان فوري لحسن نية جميع الأطراف، ولاسيما الإرادة الإيرانية بفتح المنشآت وتجميد جميع النشاطات الحساسة. لا شك أن البعض في طهران يأمل بكسب الوقت وتخفيف العقوبات دون تقديم أي شيء جوهري. ثانياً، إقامة نظام رقابة مستمر ويتحلى بالمصداقية على جميع النشاطات الإيرانية من أجل إعادة الثقة لأن الاتفاق ما  زال مؤقتاً. أخيراً، إذا كانت تفاصيل اتفاق جنيف توفر ضمانات هامة، فإنه لم يظهر حتى الآن أن الإيرانيين يريدون التخلي عن طموحاتهم النووية. إذاَ، هذا الاتفاق غير كاف لتهدئة مشاعر القلق لدى جيران إيران في الشرق الأوسط وعلى رأسهم إسرائيل وممالك الخليج.

الجمعة، ٢٢ تشرين الثاني ٢٠١٣

(سورية: الرهانات المفقودة لمؤتمر جنيف 2)

صحيفة اللوموند 22 تشرين الثاني 2013 بقلم بنجامان بارت Benjamin Barthe

     تم الإعلان عن مؤتمر جنيف 2 للسلام في سورية وتأجيله ونسيانه عدة مرات منذ ستة أشهر، وما زال يُتعب أعصاب الدبلوماسيين الأممين الذين يلهثون لانعقاده. كان يبدو لفترة طويلة أنه صعب المنال مثل نزوة يركض وراءها بعض الحالمين، وذلك في الوقت الذي تجري فيه المفاوضات الحقيقية على الأرض عن طريق السلاح. ولكن إمكانية رؤية ممثلي النظام والمعارضة السورية يجلسون على طاولة واحدة اكتسبت بعض درجات الواقعية، ومن الممكن افتتاح مؤتمر جنيف 2 خلال شهر كانون الأول في أفضل الأحوال.
     تم التسليط الأضواء على هذا التقدم عبر البيان الصادر عن الإئتلاف الوطني السوري بتاريخ 11 تشرين الثاني. قال التجمع الرئيسي للمعارضين ضد النظام السوري في هذا البيان أنه مستعد للمشاركة في هذه المحادثات  "على أساس نقل السلطة إلى سلطة انتقالية" تتمتع "بكامل السلطات التنفيذية" وتتشكل "بالتراضي المتبادل". تتطابق هذه الصيغة مع الوثيقة الصادرة عن مؤتمر جنيف في شهر تموز 2012 من قبل الولايات المتحدة وروسيا، وبقيت رسالة ميتة منذ ذلك الوقت بسبب اختلاف التفسيرات بين القوتين العظميين. قال سفير الإئتلاف في واشنطن نجيب غضبان: "يجب التحلي بالواقعية. نحن لا نستطيع السماح لأنفسنا بأن يُنظر إلينا كمسؤولين عن فشل الحل السياسي".
     أكد الإئتلاف أن "بشار الأسد وشركاءه لن يقوموا بأي دور في المرحلة الانتقالية في سورية المستقبلية" بما ينسجم مع البيان الذي تبناه أصدقاء سورية في لندن بتاريخ 22 تشرين الأول. ولكن هذه الإضافة للنص الأساسي لا يجب أن تبعث على الوهم: إن التيار الرئيسي للمعارضة الذي كان يعارض بيان جنيف في السابق يعتقد أن استقالة بشار الأسد لا يمكن أن تأتي إلا كنتيجة للمفاوضات وليس كشرط مسبق لها. قال أحد مستشاري الإئتلاف: "من المضحك اليوم فرض مثل هذه الشروط. من المعروف جيداً أن الروس لن يقبلوا ذلك إطلاقاً. وفي الوقت نفسه، تدفعنا بعض المعلومات إلى الاعتقاد بأن موسكو لم تعد تقف وراء بشار 100 %. إن وجود وفد يعرف التحدث بالسياسة بإمكانه التفاهم مع الروس".
     حصل تطور ثاني ناجم عن التطور السابق: إن مبدأ الجلوس مع مبعوثي الرئيس السوري لم يعد خطاً أحمراً. لم يتقبل الناشطون في بداية العام اقتراح الرئيس السابق للإئتلاف الوطني السوري معاذ الخطيب بفتح المفاوضات مع نائب الرئيس السوري فاروق الشرع الذي يعيش حالة جفاء مع النظام. هناك معارضة أقل لإمكانية التفاوض اليوم مع وزير الخارجية وليد المعلم، الرئيس المحتمل للوفد الذي قد يرسله النظام إلى جنيف. قال منذر آقبيق، مدير مكتب الرئيس الجديد للإئتلاف الوطني السوري أحمد الجربا: "بالنسبة لجميع أعضائنا الذين خسروا بعض أقاربهم في القمع، كان هذا الموضوع من المحرمات لفترة طويلة". يمكن قراءة ما بين السطور في هذا التطور من خلال آثار استمرار المعارك وإدراك أنه من العبث المراهنة على تدخل خارجي بعد التراجع الأمريكي حول الأسلحة الكيميائية.
     الإشارة الثالثة المشجعة: يقترب الإئتلاف الوطني السوري من مواقف منافسه داخل المعارضة السورية هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديموقراطي ـ تحالف من الأحزاب والشخصيات اليسارية العلمانية التي تنتقد تسليح التمرد ـ من خلال اقتصار مطالبه لما قبل المؤتمر على الإفراج عن السجناء ووصول المساعدة الإنسانية إلى المناطق التي يحاصرها الجيش. قال هيثم المناع: "إنها العصا السحرية للخواجات. صدر بيان لندن من أجل إنقاذ ماء الوجه. إن جميع الدول التي اعترفت بالإئتلاف الوطني السوري كممثل للشعب السوري تطلب منه الذهاب إلى جنيف، لا يستطيع الإئتلاف رفض المشاركة لأنه سيخسر دعم الدول التي تدعمه في حال الرفض" وذلك في إشارة إلى الضغوط التي مارسها أصدقاء سورية على الإئتلاف الوطني السوري.
     ما زالت هناك عقبة لا يستهان بها. لم يعترف النظام بوضوح باتفاق جنيف 2012 على الرغم من أنه أعرب مبكراً عن استعداده للمشاركة في جنيف 2. تحدث بشار الأسد مؤخراً عن إمكانية ترشيحه للانتخابات الرئاسية المرتقبة عام 2014 بعد أن أحس بالثقة في قدرته على الانتصار عسكرياً. إن هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديموقراطي المقربة من موسكو مرتاحة لهذا الغموض. قال هيثم المناع: "سيذهب النظام إلى المؤتمر معتقداً أنه سيتخلص من البند المتعلق بتشكيل السلطة الانتقالية، وهو البند الوحيد الذي يخاف منه النظام. ولكن إذا أصرّت جميع الأطراف المشاركة على هذه النقطة، فلن يستطيع المراوغة".

     يشعر الإئتلاف الوطني السوري بارتياب شديد تجاه الكريملين، ولا يثق كثيراً بدعم البيت الأبيض، ويخشى من إطالة المفاوضات بشكل يُبعدها عن هدفها الأولي. قال أحد الناطقين الرسميين باسم الإئتلاف الوطني السوري خالد الصالح: "نحن سنذهب إلى جنيف من أجل إطلاق عملية انتقالية ديموقراطية، وليس من أجل مساعدة النظام على كسب الوقت". إذا تم افتتاح المؤتمر فعلاً، ما هي إمكانية نجاحه؟ قال أحد قادة الإئتلاف الوطني السوري مع ابتسامة تُظهر غيظه: "معدومة أو شبه معدومة".

(احتمال تدمير الترسانة السورية في البحر)

صحيفة الفيغارو 22 تشرين الثاني 2013 بقلم مراسلها في بروكسل جان جاك ميفيل Jean-Jacques Mével

     كان الكثيرون يخشون من تباطؤ بشار الأسد، ولكن الدول الغربية هي التي ربما ستتحايل في النهاية على الجدول الزمني بسبب عدم وجود دولة مرشحة في أوروبا لتدمير الترسانة الكيميائية السورية. تنوي الولايات المتحدة القيام بهذا العمل بنفسها في البحر في حال الحاجة، وربما تقوم به على قاعدة بحرية مؤمنة في عرض البحر المتوسط.
     من الناحية الرسمية، تم احترام الجدول الزمني الذي اتفق عليه الأمريكيون والروس والأمم المتحدة. إلتزمت سورية بالمهلة المحددة على الرغم من الشكوك، وأنجزت القضاء على منشآتها  في الأول من تشرين الثاني حسب الاتفاق. الخطوة التالية هي إنهاء خطة تدمير الغازات القاتلة والمواد الأولية المخزنة في بعض الحاويات المحمية بتاريخ 17 كانون الأول. ثم يجب "تصديرها" خارج سورية بحلول نهاية العام، ثم تدميرها بشكل نهائي بتاريخ أقصاه 30 حزيران 2014. وهنا تكمن المشكلة. إن حرق أو إزالة ألف طن من العناصر الكيميائية، ثم المعالجة السليمة للنفايات، تُشكل مخاطرة بحد ذاتها. إن القيام بذلك في بلد دمرته الحرب الأهلية يمثل مهمة شبه مستحيلة.
     اعتبرت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية منذ البداية أنه يجب إخراج هذه المواد من سورية بشكل جزئي على الأقل، وتكليف دول أخرى قريبة وآمنة بتدميرها. استكشفت الدبلوماسية الأمريكية آراء حلفاء الحلف الأطلسي، ورفضوا جميعهم. اعتذرت النرويج في البداية معتبرة أن المهلة قصيرة جداً وأن قدراتها التكنولوجية غير كافية، ثم اعتذرت بلجيكا التي تبقى أرضاً للخبراء بعد مرور قرن على تعرضها لأول هجوم كيميائي في التاريخ. وأخيراً ألبانيا التي وافقت في البداية ثم تراجعت في النهاية بعد المظاهرات المعارضة في العاصمة تيرانا. أشارت بعض المصادر الأمريكية إلى أنه تم الاتصال بفرنسا أيضاً، ولكنها لم تؤكد ولم تعلق على ذلك.
     يفكر الخبراء الأمريكيون بالاتجاه نحو مكان بدون قيود وفي حالة سلام: أي في عرض البحر بسبب عدم وجود حل بديل. تحدثت النيويورك تايمز بالتفصيل عن هذه الفكرة، وتتضمن تحميل خمس محارق تقليدية عالية الحرارة على منصة كبيرة. سيسمح ذلك بتحويل المواد الكيميائية الأولية الأكثر خطورة إلى مخزون جاف غير ضار خلال فترة قدرها ستين يوماً. يتضمن السيناريو البديل استخدام تكنولوجيات خاصة بالبنتاغون ومعدات متحركة للتحليل بالماء.
     أشارت عدة دول أوروبية مثل فرنسا إلى أنها مستعدة لتقديم خبراتها ووسائلها لإزالة الترسانة السورية بشكل نهائي، ولكن خارج أراضيها. وعدت النرويج والدانمراك وإيطاليا بتقديم سفن لنقل الترسانة السورية قبل أن ترتسم ملامح سيناريو التدمير "خارج الأراضي". أكدت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية أن المشروع يناقش من قبل مجموعة من الدول بقيادة الولايات المتحدة "حتى ولو لم يكن المشروع الوحيد على الطاولة". في جميع الأحوال، يجب على المنظمة القيام بمهمتها على الأرض والتأكد من عملية التدمير. ما زال هناك مجهولان يجب إيضاحهما: الأمن العسكري لعملية في عرض البحر ومصير البقايا الكيميائية التي يمكن تسليمها إلى بعض الشركات التجارية المتخصصة لمعالجتها.

     يجب أيضاً الاستعداد لتمويل ذلك بحلول تاريخ 17 كانون الأول. إن "التأكد" من الترسانة السورية ـ أي جردها ووضعها تحت المراقبة ـ  هو الجزء الأقل كلفة، وتمت تغطية نفقات منظمة حظر الأسلحة الكيميائية حتى 15 مليون يورو تقريباً. إن تدمير الأسلحة بحد ذاتها بحاجة إلى كلفة عالية جداً، ويعتبر الخبراء أن تدمير كل طن من العناصر الكيميائية يُكلف مليون دولار على الأقل. أي أن الفاتورة السورية ستبلغ حوالي مليار دولار.

(الولايات المتحدة ـ إيران: المفاوضات السرية حول أفغانستان والعراق والتجارة)

مدونة جورج مالبرونو Georges Malbrunot الإلكترونية 21 تشرين الثاني 2013

     تستمر المفاوضات حول الملف النووي الإيراني في جنيف يوم الخميس 21 بين الإيرانيين وممثلي القوى العظمى، ولكن مفاوضات سرية أخرى جرت خلال الأسابيع الأخيرة بين الدبلوماسيين الأمريكيين والإيرانيين. قال أحد المصادر في الخليج إلى صحيفة الفيغارو أن هذه المفاوضات السرية تتعلق بأربعة مواضيع هي: أفغانستان والعراق وسورية وكيفية استئناف الصفقات التجارية بين طهران وواشنطن بعد التوقيع على اتفاق حول الملف النووي؟ أشار هذا المصدر إلى أن الإيرانيين أجروا نقاشات مباشرة مع الدبلوماسيين الأمريكيين في الولايات المتحدة أثناء انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في شهر أيلول  الماضي. أكد هذا المصدر قائلاً: "بقي وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف عشرة أيام في الولايات المتحدة بعد الجمعية العامة للأمم المتحدة. رافق الرئيس الإيراني إلى نيويورك 75 شخصاً، ومن بينهم العديد من الصناعيين في مجال النفط والغاز، واجتمعوا مع ممثلين عن شركتي شفرون Chevron أو إكسون Exxon".
     فيما يتعلق بأفغانستان، طلب الأمريكيون من الإيرانيين تسهيل انسحاب قواتهم اعتباراً من عام 2014 "من خلال تأمين المناطق الحدودية التي تملك إيران فيها نقاط للاتصال. إن مواقف الطرفين لم تعد متباعدة جداً". فيما يتعلق بالعراق، يتمنى الأمريكيون والعراقيون "تدعيم السلطة الحالية وتجنب انقسام" البلد. أشاد الأمريكيون بقيام رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بتشديد الرقابة على الطائرات القادمة من إيران والمحملة بالسلاح إلى بشار الأسد في سورية، وذلك بعد الضغوط الكبيرة التي مارسوها على نوري المالكي.
     بالمقابل، كانت المفاوضات أكثر صعوبة حول النزاع السوري. أكد المصدر المشار إليه أعلاه: "إنها ورقة المفاوضات والجوكر الذي سيتخلى عنه الإيرانيون في اللحظة الأخيرة". ولكن حليفهم الأسد عاود تقدمه، ولن تضحي طهران به قريباً، وذلك في الوقت الذي لم يبرز فيه أي بديل يتحلى بالمصداقية حتى الآن. بالإضافة إلى ذلك، إن الحرس الجمهوري هو الذي يقوم بإدارة الملف السوري وليس حسن روحاني. إن حرس الثورة أقل ميلاً بكثير للتنازل في سورية.
     فيما يتعلق بالمفاوضات حول استئناف الصفقات التجارية بين "الشيطان الأكبر" والجمهورية الإسلامية الإيرانية، من الممكن أن تتقدم الأمور بسرعة على المدى القصير عبر افتتاح غرفة تجارية أمريكية ـ إيرانية في طهران من قبل أحد الإيرانيين المغتربين في الولايات المتحدة منذ فترة طويلة. أكد المصدر المشار إليه أعلاه قائلاً: "ربما وعد الإيرانيون بصفقات تبلغ مئات مليارات الدولارات إلى الشركات الأمريكية". تطمع شركة بوينغ الأمريكية بالحصول على عقد استبدال عشرات طائرات شركة الطيران الإيرانية، كما تتحين شركة جنرال موتوزر الفرصة منذ عدة أشهر.
     قال هذا المصدر: "لا توجد بيانات حول هذه المفاوضات الثنائية. يراهن الأمريكيون والإيرانيون على السرية لكي لا تفشل المفاوضات، ويجب عليهم المضي بسرعة لكي يضعوا الكونغرس الأمريكي والمتشددين في إيران أمام الأمر الواقع، بشكل لا يستطيع فيه اللوبي المعارض للتقارب القيام بأي تحرك".
     فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني، قام الإيرانيون والأمريكيون سراً بإعداد "الاتفاق المؤقت" الذي رفضه لوران فابيوس خلال الجولة الأولى من المفاوضات التي جرت في جنيف قبل عشرة أيام، معتبراً إياه أنه ليس صلباً بما فيه الكفاية لمنع إيران من الحصول على القنبلة النووية.


(إيران: باريس ستعيد افتتاح منصب الملحق التجاري في طهران في بداية عام 2014)

 مدونة جورج مالبرونو Georges Malbrunot الإلكترونية 22 تشرين الثاني 2013

     سترسل باريس في بداية العام القادم ممثلاً جديداً مكلفاً بالشؤون الاقتصادية والتجارية لدى سفارتها في طهران. تم إلغاء هذا المنصب قبل عدة سنوات، لأن فرنسا لم تكن تريد قيام شركاتها بالاستثمار في بلد متهم بالإعداد للحصول على القنبلة النووية. يعمل الصناعيون والدبلوماسيون الفرنسيون في طهران منذ عدة أشهر من أجل إعادة فتح هذا المنصب واستباق فك الجليد عن العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران. ولكن وزارة الخارجية الفرنسية كانت تعارض حتى الآن.
     خلال هذا الوقت، أشار رجل أعمال فرنسي بغيظ إلى أن الإيطاليين ضاعفوا عدد ممثليهم التجاريين في سفارتهم "وحتى البريطانيون الذين يعتبرهم الإيرانيون كالشيطان الصغير الواقف وراء الولايات المتحدة، أصبحوا يتحركون بنشاط حالياً من أجل العودة إلى السوق الإيراني".
     ستقوم نقابة أرباب العمل في فرنسا بتنظيم بعثة إلى إيران في نهاية شهر كانون الثاني وبداية شباط 2014 بحضور بعض رؤساء الشركات المهتمين بهذا السوق الكبير الذي يضم ثمانين مليون مستهلك. قال أحد الصناعيين الفرنسيين غاضباً: "للأسف، هناك خطر بأن نصل بعد الجميع"، وأعرب عن خشيته من التداعيات السلبية للموقف الدبلوماسي الفرنسي الذي يقف في طليعة الدول التي تريد منع إيران من التقدم نحو القنبلة، وهذا ما أظهرته المفاوضات الأخيرة في جنيف. اعترف رجل أعمال فرنسي آخر قائلاً: "إن المسؤولين الإيرانيين غاضبون. إنهم يهددون بأننا سندفع ثمن ذلك".


الخميس، ٢١ تشرين الثاني ٢٠١٣

(الملف النووي الإيراني: المرشد الأعلى يحدد الخطوط الحمراء الإيرانية)

صحيفة الفيغارو 21 تشرين الثاني 2013 بقلم جورج مالبرونو Georges Malbrunot

     استأنف المفاوضون الإيرانيون ودول مجموعة الست مفاوضاتهم الصعبة حول الملف النووي الإيراني مساء يوم الأربعاء 20 تشرين الثاني في جو يسوده التفاؤل الحذر. أكد وزير الخارجية البريطاني وليم هيغ قائلاً أن "الخلافات بسيطة". تم تحقيق بعض التقدم خلال الجولة السابقة من المفاوضات قبل عشرة أيام، ولكن كتابة نص "الاتفاق المؤقت" فشلت في النهاية بسبب الاعتراضات الفرنسية المتعلقة بمفاعل الماء الثقيل في أراك الذي تطالب فرنسا بوقف بنائه، وبتخصيب اليورانيوم على الأرض الإيرانية.
     إن رهان المفاوضات الجديدة في جنيف هو التوصل إلى نص يُضعف "التهديد" النووي الإيراني مقابل رفع بعض العقوبات المفروضة على إيران: أي ما يعادل 20 % فقط من إجمالي العقوبات (الحظر النفطي والعقوبات المصرفية والأموال المجمدة في الخارج). إن التوصل إلى مثل هذا النص سيعطي الدول الغربية هامشاً للتحرك في حال عدم إلتزام إيران بتعهداتها. يبدو أن هذه التسوية أقرب من أي وقت مضى، ولكن هناك ضغوط كبيرة من الجانبين. إن أي فشل جديد سيعزز مواقف أعداء الاتفاق لدى الجانبين.
     إذا نظرنا إلى ما هو أبعد من الهجوم العنيف الذي شنه المرشد الأعلى علي خامنئي على فرنسا في الكلمة التي ألقاها يوم الأربعاء 20 تشرين الثاني، فإن المرشد الأعلى يسعى إلى الضغط على المفاوضين الإيرانيين  مؤكداً على "الخطوط الحمراء" الإيرانية المتعلقة بحق تخصيب اليورانيوم على الأرض الإيرانية وبمفاعل الماء الثقيل في أراك وبرفض إغلاق مفاعل فوردو لتخصيب اليورانيوم المبني تحت الأرض. كانت كلمة المرشد الأعلى لطيفة تجاه الولايات المتحدة، وقال: "نحن نريد علاقات ودية مع جميع الأمم، ومن ضمنها الولايات المتحدة". إن المرشد الأعلى هو الذي أعطى الضوء الأخضر في فصل الربيع الماضي للقيام باتصالات مباشرة مع "الشيطان الأكبر"، ولا يجهل خامنئي أن الإيرانيين يقومون بمفاوضات سرية مع الدبلوماسيين الأمريكيين حول الملف النووي الإيراني وأفغانستان والعراق وسورية والتجارة المتبادلة، نقلاً عن مصدر فرنسي في الخليج.

     هل تستطيع فرنسا المخاطرة مرة أخرى بعرقلة تحقيق بعض التقدم، وأن تجد نفسها معزولة؟ بادر رئيس الوزراء البريطاني دافيد كاميرون في الاتصال بالرئيس حسن روحاني يوم الثلاثاء 19 تشرين الثاني، إنه الاتصال الأول منذ أكثر من عشر سنوات.

(الملف النووي الإيراني: اتفاق في متناول اليد)

صحيفة الليبراسيون 21 تشرين الثاني 2013 بقلم مارك سيمو Marc Semo

     ربما تكون المرحلة الأخيرة قبل التوصل إلى اتفاق حول الملف النووي الإيراني. بالتأكيد، سيكون هذا الاتفاق "مؤقتاً"، ويشبه خارطة طريق تنص على تجميد برنامج تخصيب اليورانيوم مقابل تعليق يمكن العودة عنه لجزء من العقوبات الاقتصادية على إيران، الأمر الذي يفتح الطريق أمام إمكانية التوصل إلى اتفاق نهائي خلال عدة أشهر.

     إن رهان المفاوضات التي بدأت البارحة 20 تشرين الثاني بين إيران ومجموعة الست هو التوصل إلى اتفاق مؤقت من أجل منع إيران من كسب الوقت والاستمرار بتطوير برنامجها النووي. لهذا السبب تتمسك باريس ببعض الالتزامات "الملموسة والتي يمكن التأكد منها"، ومنها إيقاف بناء مفاعل أراك للماء الثقيل الذي تم بناءه لإنتاج  البلوتونيوم لأنه يمثل بديلاً عن اليورانيوم لصنع القنبلة النووية. لا يمكن تدمير هذا المفاعل بعد تشغيله لأنه يهدد بتلوث شعاعي للمنطقة بأسرها.