الصفحات

الثلاثاء، ٣١ كانون الأول ٢٠١٣

(هولاند يحصل من السعودية على مساعدة للجيش اللبناني)

صحيفة اللوموند 31 كانون الأول 2013 بقلم مراسلها الخاص في الرياض بنجامان بارت Benjamin Barthe

     تركز اليوم الأول لزيارة فرانسوا هولاند الرسمية إلى السعودية يوم الأحد 29 كانون الأول بشكل كبير على الحرب الأهلية في سورية وامتداداتها في لبنان. أعرب الرئيس الفرنسي والملك السعودي عن توافق كبير في وجهات النظر، الأمر الذي يمثل مؤشراً على المنعطف السعودي للدبلوماسية الفرنسية في الشرق الأوسط. إن المؤشر على انخراط فرانسوا هولاند هو تغيير برنامج زيارته بشكل يسمح له بالاجتماع مع طرفين أساسيين للمرور عبر الرياض هما: رئيس المعسكر السني اللبناني المقرب من العائلة المالكة السعودية سعد الحريري، ورئيس الائتلاف الوطني السوري أحمد الجربا المخلص للملك عبد الله أيضاً.                                      
     تم تكريس محور باريس ـ الرياض الذي بدأه جاك شيراك عام 2055 بشكل فوري عبر هدية غير مباشرة إلى فرنسا: أي قيام السعودية بتقديم مساعدة قدرها ثلاث مليارات دولار إلى الجيش اللبناني من أجل شراء أسلحة فرنسية. تهدف هذه الهبة السعودية إلى مواجهة حزب الله الذي حل مكان الجيش في لبنان والمتهم بضلوعه في اغتيال رفيق الحريري عام 2005. يقول مستشارو الرئيس الفرنسي: "يجب الدفاع عن وحدة وسيادة لبنان. يجب التأكيد على احترام الاستحقاقات الدستورية" ومن ضمنها الانتخابات الرئاسية في شهر أيار 2014.
     فيما يتعلق بسورية، أكد فرانسوا هولاند مرة أخرى دعمه لمؤتمر جنيف 2 للسلام المقرر انعقاده بتاريخ 22 كانون الثاني في مدينة مونترو السويسرية، هذا المؤتمر الذي يجب أن يؤدي إلى "عملية انتقالية وليس إلى تمديد للنزاع". تعمل الرياض وباريس من أجل عدم انحراف جدول أعمال المؤتمر عن البيان الذي أعدته واشنطن وموسكو في شهر تموز 2012 والذي ينص على تشكيل "حكومة انتقالية تتمتع بكامل السلطات التنفيذية". تعتبر باريس والرياض أن هذه الصيغة تفترض استبعاد الأسد من المرحلة المؤقتة، ولكن من العبث تصور أن يقوم الأسد بإبعاد نفسه نظراً للتقدم الذي تحققه قواته على الأرض. قال أحد مستشاري فرانسوا هولاند: "يواصل السعوديون تسليح الجيش السوري الحر، ولكن ذلك غير كافي لتغيير موازين القوى". انتقد هذا المستشار قصف المناطق الخاضعة لسيطرة المتمردين قائلاً: "إن المعارضة مهددة أكثر فأكثر بعدم قدرتها على تحمل المسؤولية السياسية لمشاركتها في جنيف 2. ربما لن ينعقد المؤتمر".


(فرنسا تتحدى حزب الله في لبنان)

صحيفة الليبراسيون 31 كانون الأول 2013 بقلم جان بيير بيران Jean-Pierre Perrin

     إنها مساعدة تاريخية تلك التي منحتها السعودية مؤخراً إلى الجيش اللبناني من أجل الحصول على أسلحة فرنسية بقيمة ثلاثة مليارات دولار. كشف الرئيس اللبناني ميشيل سليمان عن هذه المساعدة يوم الأحد 29 كانون الأول، وأوضح أنها تمثل "المساعدة الأكثر أهمية في تاريخ الجيش اللبناني" مؤكداً أن هذا الملف كان "موضوع النقاش بين الملك عبد الله والرئيس الفرنسي". يعني ذلك بوضوح أن بيروت ستشتري أسلحة فرنسية، وأن الرياض ستدفع قيمتها.
     لم يُسهب فرانسوا هولاند في الحديث عن هذا الموضوع في مؤتمره الصحفي في السعودية. لقد اكتفى بالتعهد بـ "تلبية" طلبات الجيش اللبناني المعروف بأن معداته سيئة جيداً، لأن هذا الموضوع خطير جداً: قام الجنود اللبنانيون يوم الاثنين 30 كانون الأول، كما لو أنهم أخذوا علماً بشحنات الأسلحة المستقبلية، بالرد على غارات للطائرات المروحية لبشار الأسد على عرسال التي تمثل نقطة عبور اللاجئين، وذلك للمرة الأولى منذ بداية النزاع في سورية أو حتى منذ نهاية الحرب الأهلية اللبنانية (1975 ـ 1990).
     اغتيل وزير المالية السابق ومستشار وصديق رئيس الحكومة السابق سعد الحريري يوم الجمعة 27 كانون الأول، وكان معارضاً جداً لنظام دمشق. أثار اغتياله قلق الشارع السني، وذلك بعد اغتيال رئيس أحد الأجهزة الأمنية الجنرال وسام الحسن في العام الماضي، الأمر الذي يدل على وجود إرادة بتصفية مستشاري سعد الحريري الذي لجأ إلى الرياض. اجتمع فرانسوا هولاند مع سعد الحريري في السعودية من أجل التطرق إلى الوضع الإقليمي. يعتبر تحالف 14 آذار أن هذه الاغتيالات بالإضافة إلى عشرات الاغتيالات الأخرى تحمل توقيع حزب الله مع احتمال وجود مشاركة إيرانية. إذاً، إنها حرب صامتة وسرية تدور في لبنان، وتتجاوز إطار تداعيات النزاع السوري. تأخذ هذه الحرب شكل صراع بالوكالة بين الرياض التي تدعم معسكر الحريري من جهة، وطهران ودمشق اللتين تدعمان حزب الله من جهة أخرى. وإذا نظرنا إلى ما هو أبعد من ذلك، هناك الانقسام الشيعي ـ السني الدائم.
     يعني كل ذلك أن شراء الأسلحة الفرنسية سيُزعج كثيراً حزب الله والقطاع العسكري ـ الديني لدى النظام الإيراني. إن بيع هذه المعدات يعني أن باريس تدخل في نزاع غير مباشر مع الميليشيات المسلحة للحزب الشيعي وحرس الثورة الإيراني الذي يحميها ويعادي تعزيز قوة الجيش. قال الباحث السياسي خطار أبو دياب: "إنه عمل يدل على الثقة بالجيش اللبناني، ويعني رهان فرنسي على الدولة اللبنانية ومؤسساتها، ورهان ضد الدولة التي يسعى حزب الله إلى إقامتها. إنه في النهاية عمل وقائي تجاه جميع التهديدات التي يواجهها لبنان".



     ربما تم إعداد هذا الاتفاق سراً خلال زيارة لميشيل سليمان إلى الرياض. إن عدم تمكن حزب الله من منع هذا الاتفاق يمثل انتصاراً للسعودية وباريس التي حصلت على عقد جيد جداً وللمعسكر المعارض لإيران. ولكن الجيش اللبناني الذي يضم ضباطاً شيعة تابعين لحزب الله ولأتباع ميشيل عون (المسيحيين المؤيدين للتحالف مع حزب الله)، هل سيكون جديراً بهذه الثقة الفرنسية ـ السعودية؟ قال الباحث خطار أبو دياب: "يبدو لي أن شعور الانتماء إلى الجيش أقوى من الانتماء الطائفي. كما أنه جيش مبني على النمط الغربي (الفرنسي)، ونجح بالحفاظ على بعض الاستقلالية حتى تحت السيطرة السورية".

(المعارضة السورية: كم هو عدد الانقسامات؟)

 صحيفة الليبراسيون 31 كانون الأول 2013 بقلم جان بيير بيران Jean-Pierre Perrin

 في صيف عام 2012، كانت نهاية بشار الأسد تبدو قريبة جداً. كان التمرد يتقدم في ضواحي دمشق وفي حلب وكان يسيطر على الحدود مع تركيا، وكان يفرض نفسه في شرق سورية، وكان يسيطر على بعض الأحياء في حمص... لقد وقعت جميع المراكز الحدودية مع تركيا والأردن والعراق بيد التمرد باستثناء مركز حدودي واحد. ولكن بعد مرور عام واحد، لم يعد أحد يستطيع المخاطرة بالتنبؤ بسقوط الدكتاتور السوري. فشل التمرد في التقدم على جميع الجبهات، بل وخسر بعض المدن الاستراتيجية. والأكثر خطورة هو أن الجيش السوري الحر ـ الجناح العسكري للائتلاف الوطني السوري في طريقه نحو التهميش لصالح بعض المجموعات الإسلامية التي يرتبط بعضها بتنظيم القاعدة، وأصبحت هذه المجموعات الإسلامية تمثل الجزء الأساسي من القوات المقاتلة، وانضم إليها آلاف الجهاديين من جميع أنحاء العالم.
     على الرغم من كل ذلك، إن النظام ليس في أفضل حالاته، وهو مدين ببقائه إلى بروز آلاف المتطوعين الشيعة القادمين بشكل أساسي من العراق ومن مقاتلي حزب الله. إن الحرب الأهلية في سورية مهددة من الآن فصاعداً بالتحول إلى مواجهة بين المتطرفين السنة والشيعة، ويرافقها بشكل موازي أسوأ مأساة إنسانية منذ عشرين عاماً مع احتمال وقوع مجزرة إبادة.


الاثنين، ٣٠ كانون الأول ٢٠١٣

(هولاند مستعد لتجهيز الجيش اللبناني الضعيف)

صحيفة الفيغارو 30 كانون الأول 2013 بقلم مراسلها الخاص في الرياض رونو جيرار Renaud Girard

     من الناحية الدبلوسية، بدأ فرانسوا هولاند عام 2013 بزيارة الإمارات العربية المتحدة، وأنهى عام 2013 بزيارة رسمية إلى السعودية. إن الرسالة واضحة: ستستمر فرنسا بتركيز جهودها السياسية في الخليج، في الوقت الذي يبدو فيه أن الولايات المتحدة تريد الانسحاب جزئياً من الشرق الأوسط الذي أصبح مُتعباً بالنسبة للأمريكيين من شدة تعقيده.
     إن الملك عبد الله معجب بالحزم الفرنسي تجاه سورية وحول الملف النووي الإيراني. في هذه المرحلة الغامضة فيما يتعلق بصلابة الانخراط الأمريكي، قررت السعودية أن تفعل مثل الإمارات العربية المتحدة من خلال عدم الاعتماد الكلي على مصدر أمني واحد، وتعزيز شراكتها الاستراتيجية مع فرنسا.
     قام الملك باستقبال فرانسوا هولاند في مزرعته الخاصة، الأمر الذي يدل على الثقة العالية التي وصلت إليها العلاقات الفرنسية ـ السعودية. ركز الزعيمان حوارهما على الوضع الإقليمي. إنهما متفقان كلياً حول الملف السوري: يجب بذل كل الجهود للوصول إلى جنيف 2. من المفترض أن يكون فرانسوا هولاند قد التقى مساء البارحة 29 كانون الأول مع الشيخ أحمد الجربا، الذي تربطه قرابة بعيدة بالملك عبد الله ويترأس إئتلاف المعارضة السورية، من أجل إقناعه بالذهاب إلى المفاوضات مع الإرادة بالوصول إلى نتيجة. يتمنى الفرنسيون والسعوديون تشكيل حكومة انتقالية بالتراضي، وأن تتمتع "بكامل السلطات التنفيذية". ولكن لم يعد هناك حديث عن "الرحيل المسبق" لبشار تجنباً للاصطدام بموسكو ودمشق.
     فيما يتعلق بلبنان، تتمنى السعودية انخراطاً فرنسياً أكبر من أجل تعزيز الجيش اللبناني باعتباره آخر المؤسسات التي تجسد الحد الأدنى من الوحدة الوطنية في لبنان. رفض فرانسوا هولاند التطرق بالتفصيل إلى هذه القضية احتراماً للسيادة، ولكن يُقال أن الرياض ستكون مستعدة لتمويل شراء أسلحة من فرنسا بقيمة ثلاثة مليارات دولار لصالح الجيش اللبناني.
     فيما يتعلق بإيران، أكد رئيس الدولة لنظيره السعودي أن فرنسا ستبقى حذرة، وأن إيران "لن تمتلك القنبلة النووية أبداً". فيما يتعلق بعقود الدفاع الجوي والفرقاطات، لم يتم التطرق إليها بشكل مباشر لتجنب إرباك السعوديين، ولأن العمل التمهيدي قد تم إنجازه سابقاً.



(المحنة الطويلة للاجئين السوريين)

افتتاحية صحيفة اللوموند 29 ـ 30 كانون الأول 2013

     قال البابا فرانسوا بتحفظ في عظته بتاريخ 25 كانون الأول: "قتل النزاع السوري الكثير من الناس، ويُسعّر الحقد والعنف". لقد دعا إلى الحد الأدنى من الإنسانية وإلى المبادىء الأولى للحشمة، وحض "أطراف النزاع على ضمان منفذ لوصول المساعدات الإنسانية". إن الفرصة شبه معدومة للإصغاء للبابا فرانسوا.
     كان شهر كانون الأول الأكثر قسوة على السوريين. إنهم يعيشون الجحيم سواء بالنسبة للسوريين اللاجئين داخل  بلدهم أو خارجه، وذلك في ظل لا مبالاة دولية نسبية. سيتفاقم الوضع إلا في حال بذل جهود مفاجئة، ولكن هذه الجهود ضعيفة الاحتمال للأسف. قالت المفوضية العليا للاجئين: "نشهد أزمة إنسانية غير مسبوقة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية".
     يُقدر عدد النازحين داخل سورية بستة ملايين شخص، وحوالي ثلاثة ملايين خارجها، وذلك من أصل عدد سكان سورية البالغ 22 مليون نسمة. يتطلب اتساع المأساة تحركاً استثنائياً من بعض الدول العظمى التي تدعي الحق بالتدخل في مستقبل المنطقة ـ روسيا والولايات المتحدة وأوروبا ـ أو من بعض "الإخوة" الأغنياء في الخليج.
     إن وضع مئات آلاف الأشخاص في حالة ميؤوس منها داخل بعض المناطق الخاضعة لسيطرة التمرد والتي يحاصرها النظام. لا يسمح هذا الطرف أو ذاك بمرور المساعدة الإنسانية. قالت منظمة أطباء بلا حدود: "إن هؤلاء السكان لا يعيشون إلا بفضل عمل شبكات التضامن السورية وبعض المنظمات غير الحكومية".
     قام طيران النظام خلال شهر كانون الأول بقصف إحدى هذه المناطق في حلب دون هوادة، ولاسيما الأحياء المكتظة بالمدنيين والنساء والأطفال والشيوخ. لقد قُتِل المئات منهم. تستخدم الطائرات سلاحاً يهدف إلى الإيقاع بالحد الأقصى من الأضرار دون تمييز. ترمي الطائرات براميل مليئة بالمتفجرات والمسامير والقطع الحديدية من أجل قتل أو جرح السكان في أكبر مساحة ممكنة عند اصطدامها بالأرض وانفجارها.

     يستقبل لبنان العدد الأكبر من اللاجئين السوريين، أي حوالي مليون لاجىء، بالمقارنة مع عدد سكان لبنان الذي لا يتجاوز أربع ملايين نسمة. يتزعزع استقرار هذا البلد شيئاً فشيئاً يومياً بسبب الحرب التي توقظ خطوط الانقسام القديمة على أرضه. يدل على ذلك انفجار السيارة المفخخة الذي قتل وزير المالية السابق وأربعة أشخاص آخرين. يرفض لبنان إقامة مخيمات للسوريين بعد المخيمات الموجودة حالياً للفلسطينيين. عندما لا يتمكن السوريون من استئجار مبنى، فإنهم يعيشون في أماكن غير مخصصة للسكن، أو في أبنية لم ينته بناؤها، أو في ملاجىء عشوائية، أو في مخيمات مؤقتة من الخيم البلاستيكية. يبدو أن فضل الشتاء سيكون قاسياً، وبدأ صقيع الليل في شهر كانون الأول. ضاعت عظة البابا فرانسوا في رياح الحرب.

الأحد، ٢٩ كانون الأول ٢٠١٣

(هولاند في السعودية: توافق دبلوماسي ولكن بدون عقود)

مدونة جورج مالبرونو الإلكترونية 28 كانون الأول 2013

      تمثل زيارة فرانسوا هولاند إلى السعودية يومي الأحد والاثنين 28 و29 كانون الأول منعطفاً سعودياً لرئيس الدولة. جعلت فرنسا من السعودية "شريكها المرجعي" في الشرق الأوسط، بعد أن كانت قطر تلعب هذا الدور أثناء حكم نيكولا ساركوزي. سيتضمن جدول أعمال المحادثات بين الملك عبد الله وفرانسوا هولاند: لبنان وسورية والملف النووي الإيراني والتوقيع على بعض العقود. تتفق باريس والرياض حول أغلب الملفات الدبلوماسية الإقليمية، وهذا ما تدل عليه الزيارات المتكررة جداً لوزير الخارجية سعود الفيصل ورئيس أجهزة الاستخبارات بندر بن سلطان إلى فرنسا.
      فيما يتعلق بسورية، يبذل الفرنسيون والسعوديون كل ما بوسعهم لكي يتمكن معارضو بشار الأسد من إسقاط النظام البعثي. أحست الرياض وباريس بخيبة كبيرة بسبب عدم قيام الولايات المتحدة بقصف دمشق في شهر أيلول بعد الهجوم الكيميائي المنسوب إلى الأسد والذي أدى إلى مقتل أكثر من 1200 شخص في ضواحي العاصمة السورية. يتمنى فرانسوا هولاند منذ ذلك الوقت الاستفادة من الجفاء بين الرياض وحليفها الأمريكي حول سورية وكذلك حول إيران التي تمثل الأولوية الأخرى للدبلوماسية السعودية. ولكن إذا كانت الدولتان متفقتان على الهدف، فإن الخلافات تظهر حول وسائل تحقيقه. في الوقت الذي تُعلن فيه السعودية أنها تؤيد تسليح المتمردين ـ ومن ضمنهم الإسلاميين الذين استولوا مؤخراً على مركز قيادة الجيش السوري الحر ـ ، فإن فرنسا أكثر تردداً بكثير، وتتهم باريس الرياض بصوت منخفض أحياناً بأنها تقوم بـ "رهان مزدوج" عبر مساعدة المعتدلين في الجيش السوري الحر والراديكاليين السلفيين الذين يتقدمون في سورية بالوقت نفسه. يتساءل قلة من المراقبين القلقين للملف السوري: إلى أين ستصل الصواريخ المضادة للدبابات التي حصلت عليها السعودية مؤخراً من الولايات المتحدة، إذا لم تكن إلى المتمردين السوريين؟ أكدت السعودية مؤخراً أنها ستتحرك في سورية مع أو بدون الدعم الخارجي.
     فيما يتعلق بلبنان التي يواجه بشكل مباشر تبعات الحرب لدى جاره، وهذا ما تؤكده عملية الاغتيال يوم الجمعة 27 كانون الأول لأحد المقربين من الزعيم السني سعد الحريري، يعمل الشريكان الفرنسي والسعودي من أجل إنهاء حالة الفراغ الدستوري المتمثل بعدم وجود حكومة منذ ستة أشهر. من أجل تحقيق هذه الغاية، تنوي باريس والرياض تعزيز إمكانيات الجيش اللبناني. ومن هنا يأتي القرار السعودي ـ الذي سيعلن عنه خلال الزيارة ـ بتمويل الأسلحة التي ستزودها فرنسا إلى القوات المسلحة اللبنانية باعتبارها الوحيدة القادرة على الحفاظ على وحدة هذا البلد الذي يزداد فيه الانقسام الطائفي بسبب انخراط حزب الله الشيعي إلى جانب دمشق، وانخراط الراديكاليين السنة إلى جانب المتمردين السوريين. بدأ الرئيس الفرنسي بالاتصال مع رئيس الجمهورية اللبنانية ميشيل سليمان من أجل "تحديد" احتياجات القوات المسلحة اللبنانية.
     هناك اتفاق آخر منتظر خلال هذه الزيارة، وهو يتعلق بالاستثمارات السعودية في فرنسا. تُشير معلوماتنا إلى أن فرانسوا هولاند كلف وزير خارجيته لوران فابيوس باستقبال وزير المالية السعودي "خلال فترة قريبة جداً" من أجل "تحديد صيغة" الاستثمارات السعودية في فرنسا.
     ما زال هناك غموض يخيم على الزيارة، ويتعلق بالتوقيع على عقد هام جداً اسمه MK3 للدفاع الجوي السعودي لصالح الشركة الفرنسية تاليس Thalès. بدأت المفاوضات حول هذا العقد منذ أربع سنوات، وتبلغ قيمته الإجمالية حوالي خمسة مليارات يورو، وقامت الرياض بالتوقيع عليه بالأحرف الأولى، ولكنها ما زالت بانتظار توقيع الملك عبد الله. تطرق فرانسوا هولاند إلى هذا العقد يومي 16 و17 كانون الأول مع رئيس الديوان الملكي خالد التويجري الذي جاء إلى الإليزيه للتحضير للزيارة. في اليوم التالي، حرص رئيس الجمهورية على الإصرار عليه في رسالة وجهها إلى الملك عبد الله، قال فيها: "أتمنى لفت انتباهكم إلى أمر يكتسي أهمية خاصة من وجهة نظري. إنه مشروع MK3 المتعلق بالدفاع الجوي. إن هذا الاتفاق جاهز للتوقيع عليه، إذا أردتم ذلك. نظراً لانخراطنا المشترك من أجل السلام والأمن في الشرق الأوسط، إن التوقيع على هذا الاتفاق سيكون دليلاً واضحاً على الأهمية التي نوليها معاً لتعاوننا الثنائي. لهذا السبب، سأكون ممتناً جداً للقرار الذي يمكن اتخاذه في هذا الصدد".
     يبقى أنه، عشية هذه الزيارة، لا شيء يدل على أنه سيتم التوقيع على عقد MK3. بل على العكس،  تُشير معلوماتنا إلى أنه تم سحب هذا الموضوع من المحادثات بين عبد الله وهولاند. قال مصدر فرنسي مُقرب من الملف متأسفاً: "لا نعرف أين تكمن المشكلة. هل هي وزارة الدفاع؟ هل تم إطلاع الملك على الموضوع؟ بعد الضغوط الفرنسية للحصول على اتفاق أكثر قسوة حول الملف النووي الإيراني، الأمر الذي أرضى الرياض، بإمكان السعوديين رد الجميل إلينا".


(فرانسوا هولاند، الحليف الأفضل للسعودية في لبنان وسورية، في زيارة رسمية إلى الرياض)

 صحيفة اللوموند 29 كانون الأول 2013 بقلم كريستوف عياد Christophe Ayad

     يمثل اغتيال محمد شطح، المستشار المقرب لسعد الحريري، ضربة قاسية للسعودية وفرنسا معاً. يحظى وريث رفيق الحريري بحماية الرياض التي كَبِر فيها ويملك الجزء الأساسي من مشاريعه فيها. من جهة أخرى، إنه يقيم في باريس لأسباب أمنية منذ سقوط حكومته في شهر كانون الثاني 2011. يتنقل سعد الحريري بشكل مستمر بين فرنسا والسعودية، ويُجسد التحالف الذي بدأ بين هاتين الدولتين في الشرق الأوسط عام 2005، عند اغتيال والده في مؤامرة تشمل حزب الله مع بعض التفرعات المحتملة في سورية.
     سيزور فرانسوا هولاند السعودية يومي الأحد والاثنين 29 و30 كانون الأول، وهي الزيارة الثانية له منذ بداية ولايته. تعتبر الرياض اليوم أن فرانسوا هولاند هو الحليف الغربي الأكثر ثقة للمملكة، وبطل القضية السنية في مواجهة "المحور الشيعي" الذي يتألف من إيران الخمينية وسورية بشار الأسد وحزب الله اللبناني. سيتم استقبال هولاند بحفاوة كبيرة نظراً لأن الرياض أصبحت تشك علناً بصلابة التحالف مع شريكها الأمريكي التاريخي منذ التغير المفاجىء في موقف باراك أوباما حول الضربات العسكرية ضد سورية في بداية شهر أيلول والمفاوضات الدبلوماسية مع إيران التي تمثل الخصم الإقليمي الأكبر للسعودية.
     أشادت الرياض بموقف فرنسا وحزمها تجاه النظام السوري بعد الهجوم الكيميائي على ضواحي دمشق بتاريخ 21 آب. بالمقابل، اعتبر السعوديون أن التحول المفاجىء لموقف أوباما "خيانة"، نظراً لأنهم العرابون الأساسيون للتمرد السوري ويدعمونه بالمال والسلاح، وأكدوا أنهم مستعدون للتحرك لوحدهم في سورية. عانت باريس أيضاً من التخلي الأمريكي المزدوج بخصوص سورية: أولاً، بخصوص الضربات، ثم حول إعداد القرار المتعلق بتفكيك السلاح الكيميائي لدمشق.
     إن الرغبة برؤية سقوط نظام بشار الأسد ليس الرابط الوحيد في "شهر العسل" الحالي بين فرنسا والسعودية. إنه يرتكز أيضاً على الحذر المشترك من البرنامج النووي الإيراني وطموحات طهران المعلنة في الهيمنة الإقليمية. أعرب القادة السعوديون عن غبطتهم بعد موقف لوران فابيوس في لحظة التوقيع على الاتفاق المؤقت مع إيران في بداية شهر تشرين الثاني حول الملف النووي: لقد ألح وزير الخارجية الفرنسي، تجاه "الضعف" المفترض لجون كيري، على أن يأخذ الاتفاق بعين الاعتبار المفاعل الذي يجري بناؤه في آراك لانتاج البلوتونيوم. استطاعت باريس كسب التقدير السعودي في هذا الموقف، ويأمل الإليزيه بالحصول على بعض العقود المربحة في مجال السلاح والتجهيزات كعربون شكر على مواقفه. في الوقت الحالي، وقعت فرنسا على عقد وحيد لتجديد الفرقاطات، ولكن فائض الموازنة السعودي البالغ 55 مليار دولار يفتح الشهية...
     إن التحالف بين باريس والرياض قديم، وذلك على الرغم من التناقض في نظرتهما إلى بناء المجتمع ولاسيما حول العلمانية. يعود تاريخ هذا التحالف إلى منعطف الدبلوماسية الفرنسية الذي قام به جاك شيراك مع تبني قرار مجلس الأمن رقم 1559 الذي تمت كتابته بشكل مشترك مع إدارة بوش في صيف عام 2004، هذا القرار الذي طالب بانسحاب جميع القوات الأجنبية من لبنان، أي انسحاب ثلاثين ألف جندي سوري ونزع سلاح حزب الله حليف دمشق في لبنان. كانت هذه المناورة تهدف إلى تعزيز قوة رفيق الحريري باعتباره الصديق الشخصي لجاك شيراك، ولكنها فاجأت الجميع في فرنسا وحتى في وزارة الخارجية الفرنسية ـ وإدارة مراقبة الأراضي الفرنسية (DST) ـ التي ما زال فيها تيار مؤيد لسورية ولحزب البعث باسم الصراع ضد الإسلاموية.
     أدى اغتيال رفيق الحريري في شهر شباط 2005 إلى إثارة غضب جاك شيراك والملك فهد وإخوته في عائلة السديري، الأمر الذي عزز التوجه الفرنسي الجديد لصالح "الخط السعودي السني". كانت أصابع الاتهام موجهة إلى نظام بشار الأسد باعتباره المسؤول عن اغتيال رفيق الحريري، واضطرت سورية إلى الانحناء في المرحلة الأولى عبر سحب قواتها من لبنان خلال ربيع عام 2005. ولكن مع قوة الصبر والاغتيالات السياسية، استعاد بشار الأسد سيطرته في لبنان. ساعده في ذلك الحرب الفاشلة التي شنتها إسرائيل ضد حزب الله في صيف عام 2006، هذه الحرب التي وحدت تل أبيب والرياض وواشنطن وباريس على أمل القضاء على الميليشيا الشيعية المؤيدة لإيران. ولكن حزب الله خرج مرفوع الرأس من النزاع، ولم يدخر بشار الأسد وسعاُ في دعمه لحزب الله وخرج معززاً بدوره.
     قطع نيكولا ساركوزي علاقته مع دمشق عام 2011 بعد المحاولة غير المثمرة للتقارب مع بشار الأسد، ولكنه فضّل قطر بدلاً من السعودية. فضّل فرانسوا هولاند العودة إلى "السياسة الشيراكية"، وأعطى الأفضلية إلى العملاق السعودي، وطالب برحيل بشار الأسد. ولكن التوافق الثنائي الفرنسي ـ السعودي في لبنان وسورية ربما يظهر في النهاية أنه محرج، وذلك في الوقت الذي تتخلى فيه الولايات المتحدة أكثر فأكثر عن "المحور السني". بالإضافة إلى الخطر الحقيقي بالعزلة في مؤتمر جنيف 2، تخاطر باريس بأن تجد صعوبة في تبرير علاقتها الحميمة مع الرياض في الوقت الذي يدعم فيه القادة السعوديون ويمولون القمع في مصر، ويواصلون سياسة بالغة القمع بخصوص حقوق الإنسان.



السبت، ٢٨ كانون الأول ٢٠١٣

(نقاط ضعف حزب الله في الفخ السوري)

صحيفة اللوموند 28 أيلول 2013 بقلم مراسلتها في لبنان لور ستيفان Laure Stephan

     إذا كانت هناك ميزة لا يمكن إنكارها لرئيس حزب الله حسن نصر الله، فإنها التمسك بالهدف في المحنة والغموض الذي يرافق معركة حزبه إلى جانب بشار الأسد في سورية، فقد قال مؤخراً: "نحن نقاتل في سورية من أجل الدفاع عن لبنان. سيأتي اليوم الذي سيشكرنا فيه الجميع لتدخلنا، وسنشكر الشباب المقاتلين الذين سقطوا شهداء". ولكن حزب الله والمناطق الشيعية يواجهون هجمات متزايدة (قذائف صاروخية وسيارات مفخخة)، الأمر الذي يجر لبنان إلى عدم استقرار جديد. لأن هذه الهجمات تبدو شكلاً من أشكال اتساع النزاع السوري أكثر منها انعكاساً لهذا النزاع وبقية الحوادث منذ عام 2011. لقد أنهى حزب الله أي نقاش حول الثمن المدفوع لانخراطه في سورية ـ رسمياً منذ شهر نيسان 2013 ـ ،ويعزو الهجمات والتفجيرات إلى "التكفيريين" الذي ينفذون رهان إسرائيل.
     ولكن ذلك لا يخدع أحد. تخشى الأجهزة الأمنية اللبنانية أن يستوطن الجهاديون الناشطون في سورية داخل المناطق الحدودية مثل جبهة النصرة والدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام اللتان يحاربهما حزب الله في معركة القلمون التي تقع بين دمشق ولبنان. تخشى هذه الأجهزة أيضاً من بعض الأعمال التي يقوم بها الراديكاليون اللبنانيون السنة، هذه الأعمال التي يُغذيها غضب قديم ضد حزب الله: هناك على الأقل العشرات الذين ذهبوا إلى سورية للانضمام إلى بعض المقاتلين التابعين لتنظيم القاعدة الذي تزداد قوته أكثر فأكثر. لقد ارتكب انتحاريان من جنوب لبنان عملية التفجير الانتحارية ضد السفارة الإيرانية في بيروت في شهر تشرين الثاني بعد مرورهما بالمستنقع السوري المتفجر.
     في كلمة حسن نصر الله حول النزاع السوري، لم يعد السؤال متعلقاً بالتحالف مع دمشق، "دعم المقاومة"، أو مع النظام  "الشريك العسكري الحقيقي". بالنسبة لرئيس حزب الله، إن الأمر يعني من الآن فصاعداً "حرباً وجودية" ضد التكفيريين. أثار هذا الكلام غضب خصومه ابتداءاً من تحالف رئيس الحكومة السابق سعد الحريري. إن هؤلاء الخصوم الذين يدعمون المعارضة السورية ينتقدون حزب الله لأنه استورد النزاع المجاور إلى لبنان، ومارس التطرف الذي يدعي محاربته.
     اتهم حسن نصر الله خصومه مراراً بأنهم انخرطوا أيضاً في سورية. ولكن على الرغم من التهديدات الأخيرة، يبدو أنه لا يأخذ بعين الاعتبار المجادلات الداخلية. لأن حزبه المسلح ما زال الأكثر قوة، ويعتبر أن لديه أولويات أخرى، ابتداءاً من الصراع في سورية: قال الباحث في علم الاجتماع وضاح شرارة المتخصص بشؤون حزب الله: "ما زال الرهان مفتوحاً جداً. إن استيلاء الجيش السوري وحزب الله على القصير هو نصف انتصار، وتم الاحتفال به كمنعطف هام. ولكن معركة القلمون تتصف بأنها إستراتيجية أيضاً، ويُنظر إليها باعتبارها حدثاً غامضاً. كما أن الوضع في بقية أنحاء سورية غير ثابت إطلاقاً". خسر الحزب عدة مئات من رجاله على الأرض، إنها خسارة معتدلة بالنظر إلى إجمالي عدد مقاتليه البالغ 27.000 مقاتل، حسب التقديرات التي يعتبر وضاح شرارة أنها تتسم بالمصداقية.
     إن الجولة الأخيرة في الحرب السرية بين إسرائيل وحزب الله ليست خبراً جيداً بالنسبة لحسن نصر الله الذي أشاد بتاريخ 20 كانون الأول بأحد قادة الحزب حسن اللقيس الذي قُتِل في ضاحية بيروت ببداية شهر كانون الأول. اتهم زعيم حزب الله الدولة العبرية مرة أخرى بارتكاب عملية الاغتيال. إن العديد من الخصوم السياسيين لحزب الله مثل جهاز الأمن اللبناني مقتنعون بذلك أيضاً. اعتبر وضاح شرارة أن حسن اللقيس هو "صديق حميم" لحسن نصر الله، وأنه انتسب للحزب منذ بدايته، وأن هذا المهندس كان الشخص المسؤول عن إنشاء الشبكة الموازية لاتصالات الحزب الشيعي في لبنان. إنها خسارة هامة لحزب الله.
     إذا كان حزب الله يؤكد قوته العسكرية في سورية، ووعد بمواصلة المعركة فيها، فيبدو أن الحزب تنقصه الرؤيا على صعيد الإستراتيجية الإقليمية. قال وضاح شرارة: "ليس لدى حزب الله ما يقوله حول بعض المواضيع مثل مؤتمر جنيف 2 والتقارب الروسي ـ الأمريكي. إنه ينسب لنفسه الفضل في بقاء بشار الأسد، على الرغم من أنه يعرف جيداً جداً بأنه مصيره يتجاوز قدرات الحزب". يبدو أن الاتفاق بين إيران ومجموعة الست قد أثار حيرة الحزب، على الرغم من أنه أشاد بـ "انتصار مثالي" لطهران. لا يُعبّر حزب الله عن رأيه بوضوح إلا في الموضوع المتعلق بدور  السعودية، ويتهم الرياض بزعزعة استقرار لبنان للانتقام من فشلها في سورية.
     إن وقوع حزب الله في الفخ السوري يسمح باستشفاف بعض نقاط الضعف، حتى لو أنه يحافظ على إحدى نقاط قوته الأساسية المتمثلة بدعم قاعدته داخل الطائفة الشيعية التي تنظر إليه كدرع لها. ولكن بالإضافة إلى ما يسميه وضاح شرارة بـ "الكبرياء الهائلة" التي يزرعها حزب الله في الوقت الحالي، فإن الخوف قد استقر في النفوس سواء كان خوفاً حقيقياً أو محافظاً عليه. يسعى حسن نصر الله إلى التقليل من البعد الطائفي لانخراط رجاله في سورية، وإبعاد فكرة "عرقنة" لبنان، من أجل بث الطمأنينة. ولكن مع اتساع النزاع السوري شيئاً فشيئاً، فإن الحزب  الإسلامي الشيعي مهدد برؤية نفسه في مواجهة مكلفة أكثر فأكثر مع الجهاديين السنة على أرضه.


(مقتل معارض لسورية في عملية تفجير)

صحيفة الليبراسيون 28 كانون الأول 2013 بقلم جان بيير بيران Jean-Pierre Perrin

     محمد شطح هو الشخصية اللبنانية التاسعة التي انتقدت النظام السوري وحزب الله وتعرضت للاغتيال منذ عام 2005. كان وزيراً سابقاً للمالية وسفيراً سابقاً في واشنطن، وكان من التكنوقراطيين اللامعين والعقل المفكر لمستشاري رئيس الحكومة السابق سعد الحريري. لقد قُتِل يوم الجمعة 27 كانون الأول بانفجار قوي في أحد الشوارع المزدحمة في وسط بيروت وأكثرها أماناً. أدى التفجير إلى مقتل أربعة أشخاص وتدمير عشرات الأبنية. كان محمد شطح معتبراً حتى من قبل خصومه كرجل لطيف ومنفتح ويسعى للحوار، ولم يكن يمارس أي عمل أمني. كان أيضاً ممثل سعد الحريري في لبنان، لأن الأخير لم يعد يعيش في لبنان لأسباب أمنية منذ عام 2011.
     وقع هذا التفجير قبل فترة قصيرة من محاكمة خمسة ناشطين ومسؤولين في حزب الله أمام المحكمة الدولية الخاصة بلبنان التي يفترض أن تبدأ بتاريخ 16 كانون الثاني. ما زال الرجال الخمسة هاربين، وهم متهمون باغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري. من جهة أخرى، ربط سعد الحريري التفجير ضد محمد شطح بالذي قتل والده في شهر شباط 2005، وقال: "إن أولئك الذين اغتالوا محمد شطح هم نفسهم  الذين قتلوا رفيق الحريري ويريدون قتل لبنان وإهانة وإضعاف الدولة". كما وصف الانفجار بأنه "رسالة إرهابية جديدة".
     يبدو التفجير كأنه تحدياً من قبل حزب الله للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان، وتهديداً موجهاً إلى أولئك الذين يريدون الإدلاء بشهادتهم في القضية، وشكلاً من الأشكال لردع سعد الحريري من العودة إلى لبنان. ما زال لبنان بدون حكومة ولا برلمان منذ عدة أشهر، وربما تهدف عملية الاغتيال إلى الحفاظ على الوضع القائم الذي يحقق مصلحة حزب الله. انتقد محمد شطح على حسابه في التويتر حزب الله قبل ساعة من اغتياله، واتهمه بالعمل من أجل تحقيق رهان النظام السوري في لبنان الذي تمارس دمشق وصايتها عليه منذ ثلاثين عاماً، وقال: "يضغط حزب الله من أجل الحصول على بعض الاستثناءات المتعلقة بالمجال الأمني والسياسة الخارجية، وهي استثناءات شبيهة بالتي يمارسها النظام السوري".


(عملية الاغتيال التي هزت لبنان)

صحيفة الفيغارو 28 كانون الأول 2013 بقلم مراسلتها في بيروت سيبيل رزق Sibylle Rizk

     كان محمد شطح ذاهباً للمشاركة في اجتماع لتحالف 14 آذار بمنزل سعد الحريري. أدى الانفجار إلى تدمير سيارته بالكامل، ومقتل أربعة أشخاص آخرين على الأقل وجرح خمسين آخرين، بالإضافة إلى الأضرار المادية الكبيرة في الحي التجاري بوسط العاصمة بيروت. يعتبر المحللون في بيروت أنه من الواضح أن اغتيال محمد شطح الذي كان يمثل رجل الحوار، أغرق لبنان بشكل أكبر في دوامة العنف السوري.
     يمثل البيان الذي أصدره سعد الحريري بعد عملية الاغتيال اتهاماً مباشراً إلى بشار الأسد وضمنياً إلى حزب الله، ولكن دمشق نفت أي تورط لها. توالت الإدانات ضد عملية الاغتيال من فرانسوا هولاند إلى واشنطن مروراً بموسكو، ولكن بيروت تلقت جميع الإدانات بشعور من العجز تجاه السيناريو "الشيطاني" الجاري في لبنان دون أن تكون الأطراف المحلية قادرة على السيطرة عليه حقاً.
     دعا الزعيم وليد جنبلاط إلى الرد عبر "الاعتدال" على أولئك الذين يريد دفن الاعتدال، ولكن منطق المواجهة يتجاوز الإطار اللبناني بشكل كبير. يتدخل حزب الله في سورية عسكرياً إلى جانب بشار الأسد منذ عدة أشهر.

     كان محمد شطح قد نشر رسالة على حسابه في تويتر قبل ساعة من مقتله، اتهم فيه حزب الله بمنع تشكيل حكومة جديدة عبر السعي للسيطرة على وسائل السلطة في لبنان. 

(كان محمد شطح هدفاً مميزاً لأي شخص يسعى إلى راديكالية الطائفة السنة)

صحيفة الفيغارو 28 كانون الأول 2013 ـ مقابلة مع الباحث في المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية حول الشرق الأوسط إميل حكيم Emile Hokayem ـ أجرت المقابلة مراسلتها في لبنان سيبيل رزق Sibylle Rizk

سؤال: ما هي العلاقة بين التفجير في بيروت والسياق الإقليمي، ولاسيما مع الحرب في سورية؟
إميل حكيم: تم استخدام لبنان في بداية الحرب في سورية كممر نحو مسرح النزاع أكثر من كونه ساحة للمعركة. بدأت الأمور بالتغير منذ الصيف الماضي، وتحولت مناطق لبنانية واسعة إلى جزء لا يتجزأ من جغرافية النزاع السوري. ولكن لا يجب اختزال عملية اغتيال محمد شطح بهذه الديناميكية. وقعت عمليات اغتيال مشابهة قبل بداية التمرد في دمشق. يعرف النظام السوري أعداءه، ويريد معاقبتهم. من الصعب معرفة فيما إذا كان التوقيت مرتبطاً بإمكانية تنفيذ العملية أو أن معناها يرتبط بالسياق السياسي اللبناني. كان هناك حديث حول محمد شطح لإدارة حكومة سيتم تشكيلها رغماً عن حزب الله وبموافقة رئيس الجمهورية ميشيل سليمان. هناك أيضاً بداية قضية اغتيال رفيق الحريري بعد ثلاثة أسابيع.
سؤال: ماذا يمثل محمد شطح في لبنان؟
إميل حكيم: لم يكن أحد أعمدة النظام السياسي الطائفي اللبناني، ولكنه شخصية مستقلة ومنفتحة. كان أحد رجال السياسة النادرين الذين يتصفون بسعة الأفق والكفاءة في لبنان. كان أيضاً هدفاً سهلاً لأنه لا يتمتع بحماية جيدة. يندرج السبب الرئيسي في اغتياله ضمن توجه أولئك الذين قتلوا العديد من شخصيات المعسكر المعادي لسورية منذ عام 2004: أي معارضته لعمل دمشق وحزب الله في لبنان. إن اختفاءه يضعف سعد الحريري مباشرة لأنه كان المحلل الإستراتيجي له. تُثبط هذه العملية معنويات النخب في المدن والليبراليين والعلمانيين. يُشكل محمد شطح هدفاً مميزاً لأي شخص يسعى إلى راديكالية الطائفة السنية التي ينتمي إليها، وفرض قراءة طائفية للأزمات الإقليمية.
سؤال: هل راديكالية الطائفة السنية تحقق رهان بشار الأسد؟
إميل حكيم: كما هو الحال في سورية التي بذل فيها النظام كل ما بوسعه لكي يجد نفسه في مواجهة العدو الذي يريده، يتكرر السيناريو نفسه في لبنان. إن الراديكالية السنية تحشد الطوائف المسيحية وتوحد الطائفة الشيعية في مواجهة ما تعتبره تهديداً جهادياً متصاعداً، الأمر الذي يحقق رهان حزب الله حليف سورية في لبنان. كما تدفع هذه الراديكالية السنية بقوى الأمن اللبناني إلى زيادة رقابتها على الطائفة السنية، وتضعها في موقف دفاعي، الأمر الذي يساهم في راديكاليتها. في الوقت الحالي، نجح هذا المنطق بسبب عدم وجود سياسة لمواجهته. إن الإستراتيجية الوحيدة البديلة تتصف بأنها أكثر طائفية تحت رعاية السعودية.


الجمعة، ٢٧ كانون الأول ٢٠١٣

(قصف مستمر يجتاح حلب)

صحيفة الليبراسيون 27 كانون الأول 2013 بقلم هالة قضماني

     تشبه قائمة الطبيب ك الطلب المقدم إلى بابا نويل: "1ـ  إبر لحقن الدم، 2 ـ جبصين، 3 ـ كمادات، 4 ـ رباطات لاصقة، 5 ـ مواد مخدرة، 6 ـ قفازات جراحية، الخ". تتضمن القائمة 25 بنداً باعتبارهم الأكثر إلحاحاً، وتنتهي بالملاحظة التالية: "بالإضافة إلى ذلك، لا بد من  الوقود لسيارات الإسعاف والفيول للتدفئة". هذا الطبيب الجراح الشاب هو عضو في الاتحاد الطبي الحر في حلب وضواحيها، ويقوم بإدارة حوالي ثلاثين مستشفي ميداني، ويرسل قائمة "الاحتياجات الأكثر إلحاحاً" إلى نقاط الاتصال عبر السكايب كما لو أنها زجاجة في البحر.
     أدى وابل النيران التي تنهال منذ أكثر من عشرة أيام على الأحياء الواقعة تحت سيطرة التمرد في حلب إلى مقتل 422 شخصاً منهم "90 % من المدنيين" حسب الطبيب ك. أكدت وكالة الأنباء الرسمية سانا غداة الإدانة الأمريكية "للهجمات الجوية التي شنتها القوات الحكومية السورية ضد المدنيين" بقولها: "بالنسبة للمناطق المدنية التي تحدث عنها الناطق الرسمي باسم البيت الأبيض، لا يوجد فيها إلا بعض المجموعات من السعوديين والقطريين والشيشان". كما أكد نظام الأسد على رسالة الحرب ضد الجهاديين التي ما زالت تسمح له بالإفلات من العقاب الدولي، مواصلاً "مجازره بالبراميل" كما وصفها أحد مواقع المعارضة على الأنترنت. سقط 136 من هذه الحاويات المعدنية التي تشبه سخانات المياه المعبأة بالمتفجرات على حلب خلال فترة أسبوع، بالإضافة إلى القذائف. قال أحد عمال الإغاثة عبر السكايب: "لا نستطيع انتشال الجثث بكاملها أبداً بعد القصف، حتى لو حاولنا تجميع أشلائها في الأنقاض. عندما تُلقي الطائرة البرميل الأول على أحد الأحياء، يركض الناس هاربين، ولكنهم يعودون بسرعة في محاولة للعثور على بعض الناجين. ولكن الطائرة تعود لتقصف المكان نفسه لقتل بعض الناجين وأولئك الذين جاؤوا لتقديم الإغاثة".
     تلقى حي السكري الشعبي ذو الكثافة السكانية العالية في جنوب حلب الحصة الأكبر من القصف الدامي يوم الثلاثاء 24 كانون الأول. شنت الطائرات ست غارات على المنازل والمحلات التجارية والمدارس، وأدت إلى مقتل 19 شخصاً منهم العديد من الأطفال خلال عدة ساعات. نشرت محطات الأخبار الفضائية العربية والدولية صور الآباء الحزينين وهم يحملون جثثاً صغيرة ملطخة بالدم. كما امتلأت صفحات الناشطين بصورة الوجه المشرق لطفل عمره عشرة سنوات تقريباً بعد عثوره على أخته الصغيرة مع أحد عمال الإغاثة، مع إضافة التعليق التالي: "هؤلاء هم الإرهابيون الذين استهدفهم طيران بشار الأسد".
     إن التفريق بين الأهداف العسكرية والمدنية لا يعني شيئاً كثيراً في مدينة حلب التي يفصلها خط الجبهة المتحرك من شرقها إلى غربها مع بعض التغيرات القليلة منذ صيف عام 2012، وتجري المعارك فيها من شارع إلى شارع ومن بناء لآخر. تُقيم المجموعات المسلحة بين السكان في النصف الجنوبي ـ الشرقي الذي يسيطر عليه المتمردون في حلب،  في حين تتواجد قوات النظام في المستشفيات والجوامع وحولتها إلى ثكنات عسكرية حقيقية. إن إحدى اكبر المعارك التي انتصر فيها المتمردون الأسبوع الماضي كانت معركة مستشفى الكندي الواقع على هضبة في شمال المدينة ويُطل على الطريق الإستراتيجي. أشار المتمردون إلى مقتل حوالي خمسين جندياً وعنصراً من الميلشيات النظامية خلال هذا الهجوم.
     تجري حالياً معركة في حي بستان القصر على طول خط المواجهة من أجل السيطرة على جامع حذيفة بن يمان الذي تحول أيضاً إلى قلعة محصنة للجيش. هل يكثف طيران بشار الأسد هجومه ضد أحياء حلب من أجل الانتقام للمحاولات الفاشلة على الأرض؟ قال أحد عمال الإغاثة: "لم نعد نسأل لماذا. يقول البعض أنه من أجل كسب بعض المواقع قبل مؤتمر جنيف، ويقول البعض الآخر أنه من أجل إفراغ المدينة من سكانها الذين يهربون بالآلاف باتجاه تركيا عند أول هدوء في المعركة".

     إن معاقبة سكان المناطق الواقعة تحت سيطرة التمرد هي إستراتيجية غير مخفية للنظام السوري في حلب وفي أماكن أخرى. أظهر سلاح الجوع فعاليته في ضواحي دمشق عندما استطاع القضاء على المقاومة في المعضمية التي تعرضت للحصار والقصف من قبل القوات النظامية منذ عام. إن اتفاق الهدنة الذي تم التوصل إليه يوم الأربعاء 25 كانون الأول بين الطرفين ينص، رمزياً، على رفع العلم السوري الرسمي على صهاريج المياه مقابل السماح بدخول الطعام والمواد الطبية إلى المدينة. يجب على المتمردين أيضاً تسليم أسلحتهم الثقيلة في حال احترام الاتفاق، ولكن وقف إطلاق النار لم يستمر، واستؤنفت المعارك بعد ظهر يوم الخميس 26 كانون الأول بمبادرة من الجيش السوري كما يقول التمرد.

(حقد العلويين في استانبول ضد "الاندماج الإجباري")

صحيفة اللوموند 27 كانون الأول 2013 بقلم مراسلها في استانبول غيوم بيرييه Guillaume Perrier

     يتصاعد التمرد في حي Okmeydani وجميع الأحياء ذات الأغلبية العلوية في استانبول منذ المظاهرات ضد الحكومة التركية في الربيع الماضي. ساهم العلويون الأتراك ـ أقلية متحدرة من الإسلام الشيعي ويبلغ عدد عناصرها في تركيا حوالي 15 مليون نسمة ويؤيدون الأحزاب اليسارية سياسياً ـ بشكل كبير في الاحتجاج ضد سلطة رجب طيب أردوغان التي يعتبرونها تعسفية. كشفت صحيفة Miliyet مؤخراً عن تقرير لإدارة الشرطة التركية التي اعتبرت فيه أن 78 % من المتظاهرين هم من العلويين الأتراك معتمدة على 5500 ملف اعتقال تحت ذمة التحقيق. أثار هذا التقرير الاستنكار في البرلمان، قال أحد نواب المعارضة المحامي Sezgin Tanrikulu متسائلاً: "كيف استطاعت الشرطة التوصل إلى مثل هذا الرقم؟ هل عمل حكومتهم هو تسجيل أسماء المواطنين العلويين في تركيا؟".
     كانت الطائفة العلوية الغائب الأكبر عن "حزمة الإصلاحات الديموقراطية" التي أعلن عنها أردوغان في نهاية شهر أيلول. ترفض الحكومة منح بيوت الصلاة التي تجري فيها الطقوس الدينية العلوية (Cemevi) صفة مكان للعبادة، كما شبهها النائب Mehmet Metiner عن الحزب الحاكم بأنها "بؤر إرهابية". ويجب على الأطفال اتباع دروس الديانة في المدرسة، وهي دروس تتمحور على الإسلام السني، على الرغم من الحكم الذي أصدرته المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بمطالبة تركيا بالتوقف عن ذلك. اعتبر الزعيم الروحي لبيت الصلاة العلوية (Cemevi) في حي غزي Veli Gülsoy أن هذا الموقف يمثل اعتداء على حرية الاعتقاد، وقال: "إنهم يتظاهرون دوماً بأنهم لا يسمعوننا، ولكننا سنقاوم كما فعلنا دوماً".  اتهم Zeynel Odabasi، مسؤول المركز الثقافي Pir Sultan Abdal، قائلاً: "إن أولئك الذين يحكوموننا يرفضون وجودنا. مضت عدة قرون ونحن نُقتل ونُذبح ونتعرض للإنكار في هذا البلد. نحن نعاني ونعيش حالة حصار دون أن يُقال ذلك صراحة".
     عاش حي غزي  عدة أيام من التمرد في بداية شهر تشرين الأول بعد اغتيال Hasan Ferit Gedik (20 عاماً) الناشط في جبهة الشعب من اليسار المتطرف (Halk Cephesi). إنه تجمع ماركسي علوي، وأدرجه الاتحاد الأوروبي على لائحة الحركات الإرهابية، وتبنى مسؤولية بعض عمليات التفجير الانتحارية الأخيرة ضد مركز الشرطة في حي غزي وضد سفارة الولايات المتحدة في أنقرة في شهر شباط. يعتبر أقرباء Hasan Ferit Gedik أنه قُتِل من قبل أحد تجار المخدرات في عصابة مافيا معارضة للناشطين من أجل السيطرة على شوارع غزي. تساءل Zeynel Odabasi قائلاً: "هناك بائع للمخدرات في كل شارع منذ بعض الوقت، إنهم يحاولون فرض قانونهم. من الذي جلبهم إلى هنا؟". إن الحي بأكمله مُقتنع بأنها مناورة جديدة من الدولة لكي تدفع السكان للهروب من الحي، قال الناشط Ali Askar Durgun (24 عاماً) الذي تظاهر إلى جانب الضحية يوم اغتياله: "إنهم يريدون طردنا، والاستفادة من ذلك من أجل تفكيك التجمعات الشعبية العلوية".
     إن هذا الصراع على الأرض دفع بناشطي جبهة الشعب إلى إعادة تفعيل اللجان الشعبية للأحياء و"دوريات المواطنين" المعارضة لعصابات المافيا. لقد تم استخدام هذه الطريقة سابقاً خلال سنوات التسعينيات التي كانت دامية بالنسبة للعلويين الأتراك الذين وقعوا ضحية عنف المتطرفين السنة والميلشيات القومية التركية المتطرفة (Loups Gris). قام أحد المسلحين عام 1995 بقتل 18 شخصاً بسلاح أوتوماتيكي أمام بيت الصلاة العلوي في غزي، ولم يتم تحديد هوية هذا الشخص حتى الآن.
     ما زالت نار التمرد كامنة منذ مظاهرات ساحة تقسيم في الربيع الماضي، وبدأ بعض المتظاهرين يتجهون نحو الراديكالية. حذر الصحفي Kadri Gürsel قائلاً: "هناك كره متزايد أكثر فأكثر، ويتحول إلى تهديد للنظام العام". كما يُحذر العديد من المحللين أن مسألة العلويين الأتراك في طريقها إلى أن تصبح المشكلة الطائفية الأساسية في تركيا.



(صراع داخلي داخل حزب العدالة والتنمية وراء قضايا الفساد الأخيرة)

صحيفة الفيغارو 27 كانون الأول 2013 ـ مقابلة مع الأستاذ في معهد العلوم السياسية في مدينة غرونوبل الفرنسية جان ماركو Jean-Marcou المتخصص بالشؤون التركية ـ أجرت المقابلة أرييل تيدريل Arielle Thédrel

سؤال: هل يجب تصديق أردوغان عندما يدين مؤامرة؟
جان ماركو: تكشف نظرية المؤامرة عن نزعة شعبوية. ولكن وراء إدانة قضايا الفساد الحالية، هناك الجمعية الدينية التابعة لفتح الله غولن Fethullah Güllen الذي كان يدعم رجب طيب أردوغان في البداية. لقد تحدث رئيس الحكومة بنفسه عن دولة موازية تحاول التشكيك بشرعيته. ظهرت خلافات صامتة منذ سنتين بين رئيس الحكومة وجمعية فتح الله غولن. قرر رئيس الحكومة مؤخراً إغلاق المؤسسات التعليمية (Dershane) التي تمثل أحد أهم مصادر تمويل جمعية فتح الله غولن  الدينية التي اعتبرت هذا القرار بمثابة إعلان حرب. يقوم فتح الله غولن منذ ذلك الوقت بحملة ضد الحكومة عبر صحيفة Zaman التي تمثل إحدى أهم أجهزة الصحافة في تركيا، وتحولت إلى وسيلة إعلامية معارضة بعد أن كانت تدعم أردوغان سابقاً. هناك صراع داخلي على السلطة وراء قضايا الفساد الأخيرة التي من المحتمل أن تكون حقيقية. إن هذا الصراع ليس فقط بين أردوغان وجمعية غولن، بل يشمل أيضاً عدة قوى مختلفة داخل حزب العدالة والتنمية الذي يمثل حركة غير متجانسة وبالتالي هشة.
سؤال: من هو فتح الله غولن؟
جان ماركو: إنه إمام جامع ذهب إلى الولايات المتحدة وأقام فيها عندما كان الجيش يملك السلطة في أنقرة. لقد بقي في الولايات المتحدة، وساهم في الترويج لصورة إسلام إصلاحي يُجسده حزب العدالة والتنمية. لا شك أن جمعية فتح الله غول ساعدت في تطوير العلاقات بين حزب العدالة والتنمية والسلطات الأمريكية. إنها جمعية انتشرت في جميع أنحاء العالم، وأنشأت شبكة تعليمية في آسيا الوسطى وأفريقيا وتركيا، ثم تفرعت في عالم التجارة ووسائل الإعلام. هناك بعض كبار المسؤولين الذين يُنظر إليهم كمقربين من الجمعية الدينية مثل الرئيس عبد الله غول الذي اتخذ موقفاُ مختلفاً عن موقف رئيس الحكومة خلال حركة الاحتجاج في شهر حزيران، ونائب رئيس الحكومة بولنت أرينج Bülent Arinç الذي وقعت خلافات عميقة بينه وبين أردوغان. تتمتع الجمعية الدينية أيضاً بنفوذ كبير داخل القضاء والشرطة. إن بعض القضاة الذين قاموا بفتح التحقيق في القضية الحالية معرفون بقربهم من الجمعية الدينية. على سبيل المثال، أظهر زكريا أوز Zekerya Öz قدراته في قضية Ergenekon التي ساهمت في القضاء على سلطة الجيش. كان أردوغان يحذر دوماً من هذه المنظمة بسبب قوتها. بالإضافة إلى ذلك، هناك بعض الخلافات في المقاربة السياسية. تنتقد الجمعية الدينية النزعة القومية لدى أردوغان، كما انتقدت ابتعاده أحياناً عن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. كان أردوغان قد ألمح سابقاً إلى أن الجمعية الدينية كانت وسيلة بيد الأمريكيين أثناء حملة مافي مرمرة، هذه السفينة الإنسانية التركية التي فتشها الإسرائيليون عام 2010. بالتأكيد، هناك بعض التوتر بين واشنطن وأنقرة حول سورية ومصر أو حول ملف  الصواريخ الصينية التي اشترتها تركيا، ولكن العلاقات التركية ـ الأمريكية لم تكن علاقات هادئة بشكل دائم.
سؤال: هل أردوغان مهدد؟
جان ماركو: إنها قضية دولة جدية جداً. إنها تهدد بالقضاء على حملته الانتخابية للانتخابات المحلية في شهر آذار ثم الانتخابات الرئاسية في شهر آب التي سيتم فيها للمرة الأولى انتخاب رئيس الجمهورية في تصويت مباشر. ما زال الوقت مبكراً جداً لقياس تأثير هذه الفضيحة على الرأي العام وعلى ناخبي حزب العدالة والتنمية. كما أننا ما زلنا نجهل مدى اتساع هذه القضايا وخباياها.

الأربعاء، ٢٥ كانون الأول ٢٠١٣

(هجوم دامي للنظام السوري على الأحياء المتمردة في حلب)

صحيفة اللوموند 25 كانون الأول 2013 بقلم هيلين سالون Hélène Sallon

     تقوم الطائرات المقاتلة والمروحية للجيش السوري برقصة دامية في سماء حلب منذ 15 كانون الأول، وتقصف دون توقف الأحياء والقرى التي وقعت تحت سيطرة المتمردين. تُظهر الصور المنشورة على الأنترنت مدى اتساع الدمار في العاصمة الاقتصادية القديمة لسورية. تحولت شوارع بأكملها إلى أنقاض، وانهارت الأبنية ليحل مكانها حفر هائلة مليئة بالأنقاض التي يتم إخراج جثث الضحايا منها واحدة بعد الأخرى. أشارت الحصيلة المؤقتة للمرصد السوري لحقوق الإنسان يوم الاثنين 23 كانون الأول إلى مقتل أكثر من 330 شخصاً منهم حوالي مئة طفل في هذه الغارات. في يوم الاثنين وحده، أدى إلقاء براميل المتفجرات إلى مقتل ثلاثين  شخصاً منهم 12 طفلاً وإمرأتين في الأحياء المتمردة بالمرجة والسكري جنوب ـ شرق المدينة.
     أدى اللجوء المنهجي إلى البراميل المليئة بالمتفجرات والمسامير وشظايا أخرى إلى وقوع خسائر بشرية وأضرار مادية كبيرة. أدانت منظمة هيومان رايتس ووتش "الأساليب الحربية التي لا تُميز بين المدنيين والمقاتلين". ولكن نظام دمشق يواصل تحميل مسؤولية الحصيلة البشرية الكبيرة إلى اختباء "الإرهابيين" بين السكان المدنيين.
     يضاعف بشار الأسد هجماته من أجل الظهور بمظهر القوي على طاولة المفاوضات قبل أقل من شهر على مؤتمر السلام الدولي جنيف 2 الذي يفترض افتتاحه في مدينة مونترو السويسرية بتاريخ 22 كانون الثاني 2014. إنه يأمل بتوجيه ضربة حاسمة إلى المتمردين الذين يسيطرون على المناطق الشرقية في مدينة حلب وجزء كبير من المناطق الريفية المحيطة منذ صيف 2012، وذلك بعد النجاحات المتتالية في منطقة دمشق.
     ضيق النظام حصاره تدريجياً حول المدينة، واستعاد بعض القرى والقواعد المحيطة. لقد عرف كيف يستفيد من الصراعات الداخلية داخل المجموعات المتمردة، ولاسيما بين جهاديي جبهة النصرة والدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام الذي يشن حرب خفية ضد الجيش السوري الحر. ولكن مصدراً أمنياً اعترف أنه يبدو أن الجيش السوري لا يملك الوسائل الكافية للقيام بهجوم أرضي واسع ضد هذه المجموعات، وذلك كما فعل في دمشق بدعم من حزب الله الشيعي اللبناني. يبدو أن حرب الاستنزاف الحالية ستكون طويلة، ويتم استخدام براميل المتفجرات لأنها أقل كلفة من الصواريخ التي يحصل عليها من حليفه الروسي.
     إن هذا التصعيد الجديد في العنف ربما يجعل الجهود الدبلوماسية التي تبذلها الدول الغربية منذ عدة أشهر للتوصل إلى مخرج سياسي للنزاع دون جدوى. لم يعد الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون يسعى إلى إقناع الولايات المتحدة بتوجيه الدعوة إلى إيران للمشاركة في المؤتمر الدولي من أجل إنهاء قائمة المشاركين، وهددت المعارضة السورية يوم الاثنين 23 كانون الأول بإلغاء مشاركتها إذا "استمرت محاولات إبادة الشعب السوري". وكان الائتلاف الوطني السوري قد طالب دون جدوى يوم الأحد 22 كانون الأول فرض منطقة حظر جوي، وحض القوى الغربية على عدم منح الأسد "رخصة بالقتل" مقابل تفكيك ترسانته الكيميائية.
     إن عجز الدول الغربية عن إيقاف القمع الذي أدى إلى مقتل أكثر من 126.000 شخص خلال 33 شهراً، أدى إلى زيادة إضعاف موقف الائتلاف الذي تواجه مصداقيته الاحتجاج على الأرض.  أعلن حسن عبود الذي يتزعم عشرين ألف مقاتل إسلامي في أحرار الشام أنه لن يعترف بأي اتفاق يتم التوصل إليه في مونترو.


الجمعة، ٢٠ كانون الأول ٢٠١٣

(رعب وترقب لدى مسيحيي سورية)

صحيفة اللوموند 19 كانون الأول 2013 بقلم مراسلتها في لبنان لور ستيفان Laure Stephan

     ذهبت ليلى المسيحية الأورثوذكسية إلى ضواحي دمشق في بداية التمرد عام 2011 للقاء المتظاهرين والسكان وتقديم مساعدتها، وشاركت في إحدى التجمعات المضادة للنظام. انخرطت ليلى بعد ذلك بالعمل لمساعدة اللاجئين السوريين الذين يعيشون في ظروف مأساوية أكثر فأكثر، وما زالت مفعمة بشعور التمرد. قالت ليلى: "أستطيع فهم المسيحيين الخائفين والحذرين، ولكن لا أفهم أولئك الذين انضموا إلى حزب المجرم بشار الأسد. من أغرق سورية بالاضطهاد والفساد؟ من بدأ بإطلاق النار؟ لا يمكن إعادة كتابة التاريخ! يقول الكثير من المسيحيين: لا للنظام ولا للتمرد. ولكن رفض الاثنين معاً يعني  الفراغ".
     تعرف ليلى جيداً أن قلق المسيحيين الذين بقي معظمهم حيادياً يزداد مع اتساع النزاع المسلح وصعود المجموعات المتطرفة ابتداءاً بالدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام التي يطلق عليها هنا اختصاراً اسم: داعش. أكدت ليلى قائلة: "المستقبل مظلم. تشعر الطائفة بأن دورها قد حان، وأنها وسيلة، وأنها مهددة من قبل الجهاديين والنظام. يتساءل الكثيرون عن مصدر إطلاق القذائف على المناطق المسيحية في دمشق"، كما يتساءلون عن الصعود المدهش لـ "داعش" التي تعمل ضمن تنظيم القاعدة.
     قام المتطرفون في الرقة بتحويل إحدى الكنائس إلى قاعدة لوجستية، وقاموا بتفكيك الصليب الموجود في المبنى الديني، وعلقوا مكانه العلم الأسود للإسلاميين. إذا كان هذا الاعتداء على الأماكن المقدسة هو من عمل الجهاديين، فإن هذه المبادرة تخدم النظرية التي يلوح بها  النظام منذ عدة سنوات، ويعتبر نفسه مدافعاً عن الأقليات. هل المسيحيون محميون مع بشار الأسد؟ إنهم يتمتعون بالتأكيد بحرية العبادة، ولكنهم كانوا محرومين من تمثيل سياسي فعلي، ويعيشون تحت قانون الصمت مثل بقية السوريين. هناك جذور عميقة لترقب المسيحيين الناجم عن الغموض: إنه الانزعاج الناجم عن "إعادة أسلمة" المجتمع السوري بتشجيع من النظام، إنه شبح العراق المقسم، وشبح لبنان الطائفي.
     قال أحد المسيحيين المقيمين في دمشق: "تلاعب بنا النظام خلال أربعين عاماً. لقد تحول ما كنا نتخيله إلى واقع: أي صعود المتطرفين وانهيار البلد". بقي هذا المسيحي حيادياً على الرغم من أنه يكره النظام كما هو الحال بالنسبة لجزء من رجال الدين المسيحيين برأيه. ولكن ما زال هناك بعض المسيحيين الذين يدافعون عن السلطة إلى جانب الأغلبية الصامتة أو أولئك الذين يدعمون التمرد. قالت سلوى اللاجئة القادمة من حلب: "نعرف من هو بشار. هل أساء معاملة المسيحيين؟ إن وجود زعيم أخر هو المجهول. هل تجدون المتمردين لطفاء، أصحاب اللحى المسلحين الذين ينتشرون في البلد؟ لا يمكن إقناعي بأن المسيحيين سيكون لهم مكان معهم"، إنها تشعر بالحنين إلى ما "قبل"، وتعارض المتمردين بقوة.
     كم هو عدد الذين هربوا من حلب مثل سلوى بعد اندلاع الحرب فيها صيف عام 2012؟ يعتبر الأب اليسوعي نورس سمور من مدينة حلب أنهم أكثر من النصف، واعتبر أن نزوحاً مشابهاً حصل في حمص، وأن 70 % من مسيحيي الجزيرة غادروها مع تقدم المجموعات المتطرفة فيها.  لم يغادر جميع المسيحيين سورية، واستقر بعضهم في المناطق التي تعتبر أكثر أماناً مثل دمشق ووادي النصارى. بدأ بعض رجال الدين المسيحيين منذ عام 2011، وكذلك بعض الذين جعلوا نفسهم ممثلين عن الطائفة مثل الراهبة أنييس ماري دولاكروا ـ وهي لبنانية ـ ، بالذهاب إلى العواصم الغربية للتحذير من مصير المسيحيين.
     أظهر ممثل الفاتيكان في دمشق المونسينيور ماريو زيناري Mario Zenari موقفاً مختلفاً جداً، وأعرب عن أسفه من الخطابات "المتهورة" لبعض الزعماء الدينيين لصالح النظام، وأكد أنه لم يتم استهداف المسيحيين بشكل خاص خلال السنتين الأولى والثانية من التمرد قائلاً: "هناك بعض الموتى، لأن الجميع يعاني من الحرب". ولكن ممثل الفاتيكان في دمشق يشعر بالقلق اليوم جراء تصاعد قوة المجموعات المتطرفة "للأجانب" ابتداءاً بالدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام، واعتبر أن المعطيات تغيرت، وقال: "هناك تهديدات واعتداءات على الأماكن المقدسة وأماكن العبادة المسيحية منذ فصل الربيع. لقد قُتل بعض المسيحيين مؤخراً في السادات التي اشتبك فيها الراديكاليون والجيش للسيطرة على مستودعات للأسلحة".
     لا يريد الأب نورس سمور الاسترسال حول ادعاءات المسيحيين. بالنسبة له، إن الأمر العاجل هو مساعدة العديد من النازحين في دمشق من جميع الطوائف بمساعدة زملائه في القسم اليسوعي للاجئين و"إنقاذ ما يمكن إنقاذه من سورية التي تشمل الجميع". إن ذلك يمر عبر النشاطات المخصصة للأطفال. تحدث الأب اليسوعي عن تغيير مستمر لجبهات هذه الحرب، ويخشى من أن "الكثير من المسيحيين الذين غادروا إلى الخارج لن يعودوا في حال استمرار الحرب". هذه هي إحدى بواعث القلق الأساسية للكنائس السورية. يريد المونسينيور زيناري رؤية بصيص من الأمل في المجزرة السورية مع هذا "التضامن وهذا الانخراط الإنساني الذي يظهر بشكل يتجاوز إطار الطوائف". إنه يريد الأمل بأن المؤتمر الدولي جنيف 2 سيفتح مخرجاً للأزمة باعتباره الجهد الأخير. ولكن انعقاد هذه المفاوضات المرتقبة في 22 كانون الثاني ما زال غير مؤكد.
     يتساءل المسيحيون في بيروت أيضاً عن نتائج المأساة السورية. أدان رجال الدين المسيحيين اختطاف الراهبات من أحد الأديرة الأورثوذوكسية في معلولا من قبل جبهة النصرة. انعقدت العديد من المؤتمرات لتحليل مصير الطائفة المسيحية في المشرق. لم نرى فيها الكثير من العلمانيين المنخرطين، ولكن رأينا خليطاً من الشخصيات السياسية والدينية. تأسف أحد العلمانيين قائلاً: "لا ينجم عن هذه المؤتمرات إلا إعادة إطلاق التحذيرات"، واعتبر أن خطاب الخوف تجاه التطورات السورية انتصر داخل المسيحيين في لبنان في المعسكرين السياسيين (المؤيد والمعارض لبشار الأسد)، وأضاف متأسفاً: "الخوف هو أمر جوهري لدى مسيحيي الشرق. حان الوقت للتساؤل حول موقفنا الانطوائي". إن هذا اللبناني من أصل عراقي مُقتنع بأنه "لو حقق التمرد في سورية نجاحات جوهرية وسريعة، فإن المسيحيين كانوا سينضمون إليه. إن التمرد متهم أيضاً: لم يعرف كيف يرسل الضمانات إلى الأقليات. ومن هو المسيحي الذي سيثق بالجهاديين؟".


(التخلي)

 افتتاحية صحيفة الليبراسيون 19 كانون الأول 2013 بقلم فرانسوا سيرجان François Sergent

     هذه هي قصة الطبيب البريطاني عباس خان Abbas Khan (32 عاماً) الذي عُثر عليه ميتاً في سجنه السوري يوم الاثنين 16 كانون الأول. جاء هذا الطبيب الجراح لمساعدة الضحايا المهملين للحرب التي يشنها نظام الأسد ضد شعبه. تتهم عائلته والحكومة البريطانية النظام بـ "القتل".  الطبيب خان هو أحد ضحايا هذا النزاع البالغ عددهم مئة ألف ضحية أحصتهم بعض المنظمات غير الحكومية التي تحاول كسر الأبواب المغلقة التي أغلقتها عائلة الأسد حول جرائمها وأعمال التعذيب والمجازر.
     إن جميع الشهادات القادمة من هذا البلد المعذب الذي أصبح البلد الأكثر خطورة على الصحفيين السوريين والأجانب، تشير إلى الوحشية القصوى لجلادي النظام الدكتاتوري الذي لا يرحم حتى الأطفال. من المتعارف عليه حالياً تقليل قيمة المعارضة السورية التي هيمن عليها الإسلاميون مع استمرار الحرب بسبب انعدام إرادة الدول الغربية التي تركت الأسد وحلفاءه الإيرانيين ومرتزقة حزب الله يقتلون شعباً بأكمله.
     إن سيطرة تنظيم القاعدة وأشباهه لا يمكن إنكارها. إن هذه السيطرة تخدم النظام ويجب على المجتمع الدولي التساؤل حول مسؤوليته عن صعود التطرف. استخدمت السلطة السلاح الكيميائي دون أن تتعرض لأي عقاب، وتخلى أوباما عن تعهداته بالتدخل. عزز الأسد موقفه بعد تخلي الغرب عن المعارضة، واستعاد بقوة السلاح وقوة التجويع بعض الأراضي التي خسرها. سيصل هذا التراجع حتى التخلي عن ملايين النازحين واللاجئين السوريين المنسيين من قبل المجتمع الدولي الذي سيترك البلد وشعبه يموتون.


(المتطرفون يطغون على التمرد)

صحيفة الليبراسيون 19 كانون الأول 2013 بقلم جان بيير بيران Jean-Pierre Perrin

     عندما جاء الجنرال سليم إدريس رئيس الجيش السوري الحر، الذراع المسلح للائتلاف الوطني السوري، إلى باريس في شهر تموز الماضي، كان يؤكد دون الخوف من تعرضه للسخرية أن صعود قوة المجموعات الجهادية في سورية لم يكن إلا "اختراعاً" من قبل الصحفيين الغربيين. بعد مضي ستة أشهر، لم يعد هذا الضابط متأكداً من قدرته على العودة إلى المناطق المتمردة بسبب هذه المجموعات الإسلامية التي كان يقلل من أهميتها بشكل دائم. على العكس، إن القوات الذي يقودها تلاشت اليوم إلى درجة أصبحت فيها عديمة الأهمية. حصل الفشل الأخير في الأسبوع الماضي عندما خسر مركز باب الهوى الحدودي الذي يمثل نقطة العبور الإستراتيجية على الحدود التركية التي تسيطر عليها عدة مجموعات متمردة. كان هناك مركز قيادة الجيش السوري الحر وعدة مستودعات للأسلحة والذخيرة بالقرب من الحدود التركية، وقد خسرها أيضاً لصالح تحالف جديد للمتمردين هو الجبهة الإسلامية التي تأسست في بداية شهر كانون الأول. أعقب هذا الفشل هروب العديد من قادة وحدات الجيش السوري الحر ولجوئهم إلى تركيا خوفاً على حياتهم. يُخشى من الآن فصاعداً أن الحرب في سورية تتلخص أكثر فأكثر في مواجهة بين  المجموعات الإسلامية التي تضم جزءاً من الجهاديين وبين القوات الموالية لبشار الأسد.
     لم يكن التمرد السوري يتسم بالعنف في البداية، ثم أصبح تمرداً مسلحاً منذ صيف 2011 لمواجهة القمع الوحشي للقوات النظامية التي كانت تقتل المتظاهرين. إذاً، كانت مهمة الجيش السوري الحر، المؤلف من المنشقين وبعض المدنيين الذين انضموا إليه لاحقاً، حماية المتظاهرين. ثم بدأ يبذل جهده شيئاً فشيئاً للسيطرة على المدن التي تمردت. نقطة الضعف الأولى هي أن ضباط الجيش السوري الذين انشقوا جاؤوا من الأقسام الإدارية واللوجستية، باعتبار أن المراكز الهامة يحتكرها العلويون في أغلب الأحيان. صحيح أن حوالي خمسين جنرالاً انشقوا عن الجيش، ولكن هذا العدد يبقى ضئيلاً بالمقارنة مع عدد جنرالات الجيش السوري البالغ عددهم 1200 جنرالاً.
     أظهر الجيش السوري الحر تصميمه خلال الحصار الطويل لحمص من قبل الفرقة المدرعة الرابعة. ولكن في هذه اللحظة شاهدنا محدودية قوته: لم تأت أية وحدة أخرى تابعة للجيش السوري الحر لتقديم المساعدة أو السعي إلى قطع طرق إمدادات القوات النظامية. إن إنشاء المجلس العسكري الأعلى لم يغير شيئاً في المعطيات، قال مدير مجموعة الأبحاث والدراسات حول المتوسط فريدريك بالانش Frédéric Balanche: "لم يكن الجيش السوري الحر موجوداً على الأرض إطلاقاً. إنه مجرد شعار لبعض المجموعات المتمردة قبل أي شيء آخر". كما أن بعض هذه المجموعات كانت أهدافها إسلامية مثل كتائب التوحيد التي تعمل في حلب. أضاف فريدريك بالانش قائلاً: "إذا كانت هذه المجموعات تشكل جزءاً من الجيش السوري الحر، فلأنها كانت تأمل الاستفادة من شحنات الأسلحة المرسلة من قبل الدول الغربية". عندما اتضح أن هذه الأسلحة لن تصل، تخلت هذه المجموعات عن الجيش السوري الحر. إن رفض الولايات المتحدة للتدخل، بعكس وعودها، بعد الهجوم بالأسلحة الكيميائية أدى إلى تسريع هذه الحركة. كما أن الجيش السوري الحر تتآكله المجموعات المافيوية التي ضمها تحت جناحه من أجل تضخيم عدد أفراده، ولكنها ساهمت في نزع المصداقية عنه إلى حد كبير.
     تأسست في تاريخ 22 تشرين الثاني الجبهة الإسلامية التي تضم أقوى سبع مجموعات متمردة، ويوجد في صفوفها أغلب أفضل القيادات في التمرد. حصلت القطيعة مع الجيش السوري الحر بتاريخ 3 كانون الأول عندما انسحبت الجبهة الإسلامية من هيئة الأركان التي كانت تعتبر نفسها "مجموعة سياسية وعسكرية واجتماعية مستقلة تسعى إلى إسقاط نظام الأسد بشكل كامل وبناء دولة إسلامية تقليدية صارمة". أعلنت الجبهة الإسلامية عن تشكيل مكتب وحيد مكلف باستقبال وتوزيع جميع المساعدات العسكرية التي ستصله. لا شك أن السبب في إنشاء مثل هذا المكتب جاء تحت ضغط الممولين الأغنياء جداً في الخليج ابتداءاً من الكويت التي اشترطت إنشاء هيكلية واحدة من أجل تقديم مساعدتها.
     ولكن المعطيات تعقدت مع صعود قوة مجموعتين جهاديتين. تأسست جبهة النصرة في شهر كانون الثاني 2012 من قبل بعض الجهاديين المرتبطين بتنظيم القاعدة القادمين من العراق وبعض الإسلاميين الذين أفرج عنهم النظام. ثم حصل انشقاق أدى إلى ولادة الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام التي انخرطت في تصفية الحسابات مع بقية المجموعات المتمردة بالإضافة إلى مقاتلة النظام.
     سعى الجيش السوري الحر في البداية إلى التفاهم مع هؤلاء المقاتلين المتمرسين والمستعدين للقتال حتى الموت. وقعت القطيعة في 11 تموز الماضي عندما قام الجهادي العراقي أبو أيمن البغدادي بقتل أحد أفضل قادة الجيش السوري الحر كمال الحمامي الذي كان شاباً ويؤيد المثل الديموقراطية، وذلك بعد لقائه مع أحد قادة الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام في منطقة اللاذقية.

     أشارت دراسة حديثة لمركز دراسات IHS Jane’s Terrorism and Insurgency Center إلى أن الجهاديين في جبهة النصرة والدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام يمثلون حوالي نصف عدد القوات المتمردة مقابل 10 ـ 15 % للجيش السوري الحر. إن الفشل الأخير للجيش السوري الحر هو قيام واشنطن ولندن بتعليق إرسال الأسلحة غير الفتاكة إليه منذ الأسبوع الماضي بسبب فقدان باب الهوى خشية من وقوع المساعدة بين أيدي المجموعات الراديكالية.