الصفحات

السبت، ٢٨ حزيران ٢٠١٤

(التمرد الجهادي في العراق يخلط الأوراق في النزاع السوري)

صحيفة اللوموند 28 حزيران 2014 بقلم بنجامان بارت Benjamin Barthe

     بدأ الحلم الجهادي بالتحقق في وادي الفرات بين دير الزور والفلوجة. استولى مقاتلو الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام على مدينة البوكمال السورية يوم الأربعاء 25 حزيران بعد استيلائهم على مركز القائم الحدودي في نهاية الأسبوع الماضي. تأتي السيطرة على البوكمال كنتيجة مباشرة لانضمام القوات المحلية لجبهة النصرة ـ الجناح السوري لتنظيم القاعدة ـ إلى داعش. لم يكن هناك خيار آخر أمام قائد جبهة النصرة في البوكمال المصري أبو يوسف المصري، وذلك سقوط الموصل واستيلاء مقاتلي الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام على الأسلحة والأموال الموجودة فيها في منتصف شهر حزيران.
     تكرر سيناريو البوكمال في عدة قرى أخرى في محافظة دير الزور، ولاسيما في قرية المحسن التي أعلنت فيها القوات التابعة للجيش السوري الحر المدعوم من  الدول الغربية وممالك الخليج عن ولائها إلى الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام. قال الباحث في مركز المبادرة العربية للإصلاح Arab Reform Initiative فيليكس لوغراند Félix Legrand: "إذا انضم المتمردون إلى داعش، فإن السبب هو أنها الأكثر قوة في الوقت الحالي، ولكي لا يُعرضوا قبائلهم للخطر". ولكن إذا ذهبنا إلى الشمال قليلاً، فإن الكتائب التي تحمل اسم الجيش السوري الحر أو الجبهة الإسلامية السلفية ما زالت تقاتل الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام لأن موازين القوى أكثر اعتدالاً.
     اعتقل مقاتلو جبهة النصرة أحد الذين انضموا إلى الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام في قرية المحسن، وقطعوا رأسه بتهمة الخيانة. هناك مؤشر آخر يدل على المصاعب التي تنتظر داعش في سورية، فقد قام رجال الجبهة الإسلامية بتصفية زعيم داعش في الغوطة، ووجهوا إنذاراً بإعطاء قواته مدة أربع وعشرين ساعة لإخلاء المنطقة. قال الباحث في مجموعة الأزمات الدولية نوح بونزي Noah Bonsey: "ستواجه داعش صعوبة أكبر في التقدم في سورية بالمقارنة مع العراق. إن سورية هي الحلقة الضعيفة في إستراتيجيتها العابرة للحدود الوطنية".
     تفاجأت الميليشيات الشيعية العراقية بالهجوم الصاعق لداعش، وتشعر المعارضة السورية بالرضى لسبب واحد على الأقل هو أن رئيس  الوزراء العراقي نوري المالكي استدعى الآلاف من عناصر الميليشيات الشيعية العراقية الذين ذهبوا لمساعدة نظام بشار الأسد. أشار البعض إلى رحيل بعضهم من اللاذقية وضواحي دمشق وحلب، وشاهد بعض الشهود قوافل الحافلات وهي تغادر ملعب كرة القدم في شمال المدينة، قال فيليكس لوغراند: "أحس الناس في حلب بالارتياح لأنهم كانوا يخشون في الفترة الآخيرة من نجاح القوات الموالية بمحاصرتهم".
     تعمل الميليشيات العراقية غالباً في المؤخرة وفي مهمات الحراسة والدوريات، بعكس اللبنانيين في حزب الله الذين يقاتلون في العمليات الهجومية بسبب خبرتهم في مجال حرب العصابات. سمحت الميليشيات الشيعية العراقية واللبنانية للنظام السوري بحل مشكلته الأساسية في العناصر واستعادة الأراضي من التمرد اعتباراً من منتصف عام 2013. هل سيستفيد معارضو الأسد من المعطيات الجديدة؟ أو هل ستنجح السلطة بإيجاد الوسيلة للتأقلم مع ذلك عبر زيادة عدد عناصر حزب الله؟ من الصعب معرفة ذلك في الوقت الحالي، ولكن هناك أمر مؤكد: كلما استمر النزاع في العراق، كلما ستصبح مسألة العناصر أمراً عاجلاً.
     كشف رهان مكافحة الإرهاب لنظام الأسد عن عدو جديد هو الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام، وبدأت طائرات النظام بقصف المواقع الجهادية في الرقة والبوكمال بعد سقوط الموصل. كانت قوات النظام تحرص على عدم مهاجمة داعش من أجل نشر الشقاق داخل التمرد. عززت الأعمال الوحشية التي ارتكبتها داعش من الخطاب الرسمي الذي يميل إلى اعتبار جميع المتمردين كـ "متطرفين" و"إرهابيين". ولكن احتمال قيام الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام بالهجوم على بغداد دفع بالسلطة السورية إلى تغيير حساباتها، ربما لم يُدرك حلفاؤها الإيرانيون أن بشار الأسد سيبقى سلبياً تجاه أخطار كسر  المحور  الشيعي الممتد من طهران إلى بيروت.

     تأمل دمشق باستعادة الحظوة لدى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عبر المساهمة في الحرب ضد داعش التي أصبحت العدو اللدود للمجتمع الدولي. اعتبر نوح بونزي أن هذه المناورة ستُمنى بالفشل، وقال: "لا أرى كيف يمكن أن يكون الزعماء الغربيون ساذجين إلى درجة اعتبار الأسد كشريك في مكافحة الإرهاب. يمثل النظام السوري جزءاً من المشكلة وليس جزءاً من الحل، وكان وزير الخارجية الأمريكي كيري واضحاً جداً حول ذلك. إن ما تفعله دمشق اليوم ضد داعش قليل جداً ومتأخر جداً".    

الجمعة، ٢٧ حزيران ٢٠١٤

(سورية: "صناعة" اللاجئين)

صحيفة الليبراسيون 27 حزيران 2014 بقلم أستاذ التاريخ المعاصر للعالم العربي في الكوليج دو فرانس هنري لورانس Henry Laurens ورئيسة منظمة العفو الدولية جينفييف غاريغوس Geneviève Garrigos ورئيس منظمة أطباء العالم تييري بريغو Thierry Brigaud

     تعرض القانون الدولي للإهانة فترة طويلة مع الأزمة السورية. لا يحظى السكان المدنيون بالحماية، والأسوأ من ذلك أنهم مستهدفون بشكل ممنهج. لاحظ برنامج الغذاء الدولي والأطراف المتواجدة على الأرض منذ شهر كانون الثاني 2013 أن المساعدة الدولية تصل إلى المناطق الواقعة تحت سيطرة الدولة بشكل أساسي. ما زالت جميع المنظمات الدولية تحترم بدقة الاتفاقات التي تربطها مع الدولة السورية، وما زالت بعض الحكومات الغربية ترفض تمويل بعض النشاطات العابرة للحدود (Cross-Border) بحجة احترام السيادة السورية. ولكن المعلومات التي تصلنا تؤكد أن السوريين يواجهون الرعب يومياً: حرب أهلية بدون قانون، وإرهاب الدولة، وقصف المناطق المدنية ببراميل المتفجرات، واستخدام الأسلحة الكيميائية، ومحاصرة المدن من أجل تجويع  السكان، واستهداف العاملين في مجال الصحة. تقود هذه الأزمة نحو "التطهير"، لأن جزءاً من السكان مُجبر على البحث عن ملجأ خارج البلد.
     تحولت سورية إلى مجموعة من المناطق غير الخاضعة للقانون، ويستفيد قادة الحرب لدى هذا الطرف أو ذلك من الفوضى ويفرضون الترهيب. تنتشر هذه المناطق الرمادية في سورية وغيرها (الصومال وجمهورية أفريقيا الوسطى وجنوب السودان وليبيا والعراق ... الخ)، ولكن هل أصبحت هذه المناطق أسلوباً للإدارة الدولية الدائمة التي تتأقلم ديموقراطياتنا العاجزة معها؟ وإذا كان الجواب بالإيجاب، ألا تساهم المنظمات الإنسانية رغماً عنها ضمن المجال الضيق الذي ما زال متاحاً أمامها في ديمومة هذه المناطق غير الخاضعة للقانون؟
     لم ينجم عن التحرك الدبلوماسي أي عمل قوي من قبل المجتمع الدولي، وسادت اللامبالاة بعد الأشهر الأولى من السخط. تبقى الإحصائيات التي تنزع الصفة الإنسانية عن الضحايا، وتمحي وجوههم ومعاناتهم من أجل التخفيف عن عجزنا. تزداد هذه الإحصائيات يوماً بعد يوم مع قوافل المعارضين الذين يتخلون عن بلدهم. بدأت "صناعة" السوريين بدون دولة وبدون ملجأ.
     من سيستفيد غداً من هذه "الصناعة" الوقحة التي يمولها المجتمع الدولي والأمم المتحدة في المقام الأول؟ هل سنرى في السنوات القادمة هؤلاء السوريين يستقرون حيث رمتهم الحرب في هذا الشرق الأوسط الهش؟ هل سنستطيع غداً تطبيع علاقاتنا الدبلوماسية مع حكومة أفرغت بلدها من ربع سكانها، وكأنه لم يحصل أي شيء؟ إنها أسئلة بدون جواب اليوم، ويُفترض أن تُحرك مسؤولينا السياسيين من أجل عدم إجبار هؤلاء اللاجئين على الاستسلام والبقاء في الدول المجاورة. أصبح البقاء على قيد الحياة داخل المخيمات في الأردن صعباً جداً، ونشهد شيئاً فشيئاً جميع الانحرافات التي يمكن تصورها في مكان مغلق: التهريب والدعارة وانعدام الأمن... الخ. كما يعيش في لبنان مليون لاجىء مع ثلاثة ملايين لبناني، ويريد البعض في لبنان "إسكان" اللاجئين في المخيمات. في الوقت الحالي، يحافظ المجتمع اللبناني على توازناته الهشة مع استقبال أقربائه السوريين، ولكن إلى متى؟ تقوم الدولة التركية بإدارة المخيمات في تركيا بشكل مباشر، ولكن إلى أين، وكم من الوقت؟

     يلعب وزير الداخلية الفرنسي بالكلمات والأرقام بين تأشيرات العبور وتأشيرات الاستقبال كرد على هذه المأساة. لم تبذل الحكومة أي جهد من أجل استقبال اللاجئين السوريين بشكل جدي على الرغم من الأسئلة الموجهة من مختلف الجمعيات إلى رئيس الجمهورية. يحاول البعض منهم الذهاب إلى بريطانيا عبر مدينة كاليه Calais الفرنسية، ويتم التغطية على عمليات الطرد العنيفة منها عبر التدخل الصحي ضد مرض الجرب، الأمر الذي يُلحق العار بفرنسا. إنه وضع صعب. تتسارع عملية "صناعة" اللاجئين، ولكن سياسة المجتمع الدولي ما زالت متناقضة وغير مقروءة. إنها تمهد للمزيد من الجنون الدامي مستقبلاً، إذا كان ذلك ممكناً.

(جان بيير شوفنمان: "الانحطاط الأمريكي حتمي ولكنه بطيء")

مجلة اللوبوان الأسبوعية 26 حزيران 2014 ـ مقابلة مع وزير الدفاع الفرنسي السابق جان بيير شوفنمان Jean-Pierre Chevènement ـ أجرى المقابلة إيف كورنو Yves Cornu

سؤال: غادرت الولايات المتحدة من العراق، وسوف تنسحب من أفغانستان، ويتدخلون بشكل أقل في الشرق الأوسط. هل هذا التراجع مرتبط برئاسة أوباما أم أنها نزعة أكثر قوة؟
جان بيير شوفنمان: يبدو لي أن باراك أوباما يتمتع بقدرة جيدة على النظر للأمور من بعيد. لو لم يرتكب جورج بوش حماقة التدخل في العراق، لما كان على باراك أوباما الانسحاب. إن هذه المغامرة لوثت تدخلاً آخر، مشروعاً هذه المرة، ضد نظام الطالبان في أفغانستان. في القضية السورية، أعتقد أنه تحلى بالكثير من الشجاعة لكي يقاوم وسائل الإعلام والمؤسسة العسكرية التي كانت تضغط عليه من أجل التدخل فيما يظهر أكثر فأكثر أنها حرب دينية. لا يمكن إصلاح الخطأ المرتكب في العراق. يمكن توجيه الكثير من الانتقادات إلى الدكتاتورية العلمانية لصدام حسين، ولكن كان لدينا نفوذاً كبيراً عليه. إن ممارسة ضغط قوي سيكون أقل كلفة من حل الجيش العراقي ونشر الفوضى في البلد على حساب مئات آلاف القتلى، بشكل أدى في النهاية إلى نظام يدور في الفلك الإيراني بشكل واضح.
سؤال: كيف يمكن الخروج من هذا المنطق؟
جان بيير شوفنمان: هناك أغلبية شيعية صريحة في العراق، ولكن كان بإمكان الأمريكيين أن يحاولوا بناء نظام أكثر توازناً بشكل يسمح للسنة بإسماع صوتهم والحصول على إدارة ذاتية حقيقية مثل الأكراد دون أن يؤدي ذلك إلى تدمير الدولة العراقية. خلقت اتفاقيات سايكس ـ بيكو دولاً حول العواصم العربية القديمة في دمشق وبغداد مع الأخذ بعين الاعتبار بعض التنوع العرقي والديني. ولكن في بعض الأحيان هناك عجز غربي في التعامل مع بعض المفاهيم على الرغم من أن الغرب هو الذي اختلقها بنفسه، ويراهن الأمريكيون بشكل أكبر على الطائفية.
سؤال: يعطي الأمريكيون الانطباع بأنهم أصبحوا يعطون الأولوية إلى الشرق الأقصى.
جان بيير شوفنمان: أصبحت السياسة الخارجية الأمريكية تتمحور حول الصين. إن الانحطاط الأمريكي حتمي، ولكنه محدود، وسيكون بطيئاً جداً. بما أن الولايات المتحدة لا تستطيع القيام بدور الشرطي في العالم بأسره، فإنها تقوم بسياسة هيمنة ذكية جداً ومبنية على التحالفات والتوغل الاقتصادي وجاذبيتها الثقافية بدلاً من غزو الأراضي. كما أنها ما زالت تتمتع بقوة عسكرية هائلة لا تقارن مع مثيلتها الصينية، إن الموازنة العسكرية الصينية أقل بسبعة مرات من مثيلتها الأمريكية على الرغم تعزيز الوسائل العسكرية الصينية. ستبقى الولايات المتحدة القوة العسكرية الأولى خلال عدة عقود.
سؤال: هل تستطيع أوروبا أن تأخذ مكانها في عالم تقولون أنه ثنائي القطب؟
جان بيير شوفنمان: إن الجواب سيكون بالنفي إذا نظرنا إلى أوروبا عبر الاتحاد الأوروبي. لأنه ليس هناك شعور كافي بالانتماء لكي توافق الدول التي يحظى موقفها بالأقلية على الانضمام إلى الأغلبية، ولأن السياسة العسكرية والخارجية ما زالت تابعة للدول. تمثل أوروبا مزيجاً معقداً من القوى العاجزة. ولكن إذا كانت هناك سياسات مشتركة بين فرنسا وألمانيا وبريطانيا حول بعض المسائل الكبرى مثل العلاقات مع روسيا وكيفية فهم الصعود الصيني والأمن والتنمية في أفريقيا، فإن أوروبا في هذه الحالة بإمكانها الاستمرار في القيام بدور في عالم الغد.


الخميس، ٢٦ حزيران ٢٠١٤

(العراق، الصدمة الجديدة للحضارات)

مجلة اللوبوان الأسبوعية 26 حزيران 2014 ـ مقابلة مع أستاذ تاريخ العالم العربي في الكوليج دو فرانس هنري لورانس Henry Laurens ـ أجرى المقابلة رومان غوبير Romain Gubert

سؤال: هل يمكن تصور انفجار الحدود في الشرق الأوسط؟
هنري لورانس: يريد جهاديو داعش إقامة خلافة إسلامية بين سورية والعراق، ولكنه حلم ووهم. لا يملك البلدان تاريخاً مشتركاً، والمبادلات التجارية غير منسجمة، والقبائل تتنافس على طرفي الحدود. في الحقيقة، لم يكن تقدم داعش باتجاه بغداد ممكناً لولا اعتماده على البعثيين السابقين الذين يريدون الانتقام من السلطة الحالية في بغداد. إنه تحالف سني يريد إسقاط رئيس الوزراء العراقي الشيعي نوري المالكي الذي تحول شيئاً فشيئاً إلى مستبد، ولكن التوترات بدأت تظهر في هذا التحالف. إذا نظرنا إلى ما هو أبعد من النجاحات العسكرية، لا تملك المجموعات المقاتلة برنامجاً سياسياً مشتركاً ومنسجماً. هناك أيضاً المسألة الكردية، وهي مسألة أساسية. استولى الأكراد على كركوك، ويريدون تعزيز حكمهم الذاتي تجاه بغداد أو حتى الحصول على استقلالهم والمطالبة بضمانات حول إعادة توزيع العوائد النفطية. يكمن السؤال في معرفة إذا كانت تركيا وإيران ستقبلان بكردستان مستقل ويمكن أن ينتشر على جزء من سورية.
سؤال: ولكن الحدود العراقية تبدو اليوم كما لو أنها غير منطقية...
هنري لورانس: تم رسم هذه الحدود غداة الحرب العالمية الأولى في مؤتمرات الدول المتحالفة ولاسيما مؤتمر سان ريمو عام 1920، وليس عبر اتفاقيات سايكس ـ بيكو عام 1916 كما يُعتقد. بالتأكيد، انتهى العداء الفرنسي ـ البريطاني الذي حسم الأمور بسرعة في ذلك الوقت. ولكن هذه الحدود عمرها مئة عام، ولا يمكن إزالتها بهذه السهولة. تكونت عدة مجتمعات وتاريخ قومي خاص لكل منها خلال مئة عام، وأنتجت هويات مختلفة أكثر فأكثر. لم يعد ممكناً تغيير الجنسية في أوروبا والعالم العربي بسهولة. بالمقابل، من الممكن التساؤل حول مستقبل العراق الذي يمكن ينفجر داخلياً مع الحفاظ على حدوده الخارجية.
سؤال: هناك اليوم تناقض كبير: تتعاون إيران والولايات المتحدة من أجل حماية بغداد...
هنري لورانس: يمكن أن يكون هناك مصلحة مشتركة مؤقتة بين الولايات المتحدة وإيران، ولكن واشنطن لن تتنازل إطلاقاً حول الملف النووي الإيراني. إذاً، يدخل "تحالفهما" في نطاق الأمور المُضمرة وغير المُعلنة، ولن يتحول إلى واقع ملموس إلا من أجل "إنقاذ" بغداد. كانت هناك دوماً تحالفات متناقضة وظرفية في هذه المنطقة التي تتصف بالتعقيد. خلال سنوات الثمانينيات، كان هناك محور دمشق ـ طهران الذي كان يهدف في ذلك الوقت إلى تشجيع سلطة موالية لسورية وإيران في بغداد، ولكن دمشق كانت مستعدة للتخلي عن هذا المحور مقابل استعادة الجولان المحتل. فيما يتعلق بحرب لبنان، ظهر تحالف بين المارونيين والفلسطينيين خلال بعض الوقت على الرغم من العداء القاتل بينهما. لقد سمح صراع الدول العربية ضد إسرائيل بإخفاء هذه التحالفات المتقلبة ونسيان الانقسامات بين هذا الطرف وذاك. تجري هذه الأمور بشكل أكثر علنية اليوم: تدعم إيران بشار بشكل كامل، ولم تعد إسرائيل وتركيا حليفتان. مثال آخر، الاضطرابات في مصر منذ ثلاث سنوات: عندما كان مرسي والإخوان المسلمين في السلطة، كانت قطر وتركيا أفضل حلفاء القاهرة، وكان بشار الأسد هو العدو. تغير الوضع اليوم: تدعم السعودية حالياً السيسي الذي لا يعمل إطلاقاً ضد بشار الأسد.
سؤال: وسورية تراهن على ذلك...
هنري لورانس: في الحقيقة، يعرف بشار الأسد بشكل ممتاز كيف يراهن على هذه التغيرات في التحالفات حتى لو كان يقوم بتدمير شعبه وبلده، إن انتهازيته هي أفضل أوراقه. على سبيل المثال، كانت حماس مدعومة من سورية وإيران، ولكن حماس قطعت علاقاتها معهما بعد اندلاع الثورة السورية على أمل الحصول على دعم مرسي في مصر، وهذا هو السبب في عزلتها حالياً. ينطبق الأمر نفسه على قطر التي حاولت التقارب مع دمشق في فترة المظاهرات الأولى ضد النظام، واقترحت تمويل الإصلاحات التي لم تأت أبداً، وهي تقوم حالياً بتمويل المعارضة في دمشق.
سؤال: هل ما يحدث اليوم هو حرب سنية ـ شيعية؟
هنري لورانس: إن هذا النزاع السني ـ الشيعي موجود فعلاً في التصور الجهادي. كان خالد قلقال الذي نظم عمليات التفجير في فرنسا عام 1995 يقول في "وصيته" أن اليهود هم الذين اخترعوا المذهب الشيعي.  يمكنني القول أن العداء القديم بين السنة والشيعة هو حقيقة كانت تتجه نحو التهدئة منذ القرن التاسع عشر، ولكنها استعادت قوتها بسبب الوضع السياسي الذي خلقته الثورة الإيرانية عام 1979. تحرر الشيعة في لبنان والعراق، ولكنهم انغلقوا على أنفسهم في إطار طائفي. إن نشر الديموقراطية الأمريكية في العراق منذ عام 2003 خلط بين الأغلبية السكانية والأغلبية الديموقراطية. رفض المالكي دومأً أن يحكم مع بعض العناصر السنية التي تمثل طائفتها، وهذا هو سبب التمرد الحالي.
في سورية، راهن بشار على الانقسام الطائفي من أجل البقاء في السلطة، ولكن هذا الانقسام لم يكن موجوداً مع بداية الثورة السورية عام 2011. أصبح هذا الانقسام الطائفي محور النزاع بسبب عنف النظام. إن هذه "الحرب" بين السنة والشيعة تشبه قليلاً الحرب بين البروتستانت والكاثوليك في أوروبا. بالتأكيد، هناك جذور دينية لهذه الحرب، ولكنها تخفي أيضاً التنافس على السلطة. عندما أصبح المذهب الشيعي الدين الرسمي للدولة الفارسية، بدأت ثلاثة قرون من الحرب، ولكن ليس لأسباب دينية، بل بسبب التنافس بين الإمبراطوريات. أكد مبارك قبل سقوطه أنه يوجد الكثير من الشيعة في مصر وأنهم يشكلون خطراً على الرغم من أنهم لا يشكلون إلا 1 % من سكان مصر، وذلك من أجل تحويل الأنظار عن التوترات. التزم مرسي بالخطاب نفسه. على أي حال، لا يمثل العالمان السني والشيعي أوضاعاً منسجمة. هناك العديد من الانقسامات داخلهما، وليس هناك انسجام نسبي إلا عندما يتم النظر إلى الآخر باعتباره تهديداً.
سؤال: يبدو أن تنظيم القاعدة يتراجع أمام الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام...
هنري لورانس: إن تاريخ الجهاد العالمي قديم. تُظهر الثورة الإيرانية عام 1979 أنه من الممكن إسقاط السلطات الحاكمة. قدّم آية الله الخميني نفسه كزعيم للعالم الإسلامي بعد نجاح الثورة، ولكنه لم ينجح في ضم السنة. شاركت العناصر الأكثر راديكالية لدى السنة في الجهاد الأفغاني ضد السوفييت، ثم تحول هذا الجهاد إلى جهاد عالمي ضد الدول الغربية واليهود والشيعة. كان بن لادن يشبه قليلاً التلميذ الجدي لتشي غيغارا: قام بمضاعفة أماكن النزاع في الشيشان والبوسنة واليمن وأفغانستان بشكل يشبه "منارات" الثائر الأرجنتيني. تجذرت هذه البؤر الجديدة للصراعات لدى الأوساط القبلية أيضاً، وجذبت إليها المتطوعين الذين جاؤوا من كل مكان وحتى من الدول الغربية، ويمكن تسميتهم بـ "اللصوص". يمكن ملاحظة فعالية الكفاح الذي يستخدم جميع وسائل الاتصال المتوفرة عبر الأنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي. إن الجهاد العالمي هو أول "حركة عبر الأنترنت" في القرن الواحد والعشرين، وليست له قيادة مركزية، وحصلت فروعه على استقلالها.
سؤال: كيف تحللون التقدم المدهش للجهاديين على الأرض؟
هنري لورانس: كان الجهاديون موجودين في المنطقة منذ سنوات التسعينيات، ولكن تم إبقاؤهم بعيداً أو حتى التلاعب بهم. استخدمتهم سورية لمواجهة المقربين من عرفات في لبنان. قامت سورية بلعبة غريبة أثناء حرب العراق عام 2003، واستخدمتهم من أجل زعزعة الولايات المتحدة في المناطق السنية العراقية، وكانت تُسلحهم أحياناً أو تفتح سجونها لإرسالهم إلى العراق. وفي الوقت نفسه، كانت سورية تعطي المعلومات إلى الأجهزة السرية الغربية وتقمع الجهاديين بشكل كبير كلما كان ذلك ضرورياً. في الحقيقة، كانت دمشق خائفة من أن تواصل الولايات المتحدة طريقها بعد بغداد، وهذا هو السبب في رهانها المزدوج. هذا هو الوضع نفسه مع الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام حالياً، إنها ليست من صنع بشار، ولكنه سمح لها بالانتشار من أجل إضعاف المعارضة المسلحة المعتدلة التي تحافظ على علاقات جيدة مع الغرب. ولكن الظاهرة الجديدة هي هذا التدفق لـ "اللصوص" الأوروبيين وحتى الأمريكيين، وغالباً من المجرمين أو الشباب المنقطعين عن المجتمع. أصبح من السهل جداً بفضل الأنترنت العثور على نقطة اتصال من أجل القيام بالجهاد، ويعتمد بشار عليهم من أجل الحصول على تغيير موقف الدول الغربية لصالحه...
سؤال: ما هي مسؤولية القوى الغربية؟
هنري لورانس: كان الدبلوماسيون الفرنسيون يعتبرون أن سورية كانت سرطاناً، وأنه كان يجب معالجته بسرعة من أجل تجنب انتشاره إلى لبنان والعراق والأردن. لقد وصلنا إلى هذه المرحلة. إن الجهاديين موجودون في سيناء، ويعتقد البعض أنه لديهم نقاط اتصال في فلسطين. لم ترغب الولايات المتحدة بالمتابعة لأنها "مُتعبة" من الحروب في أفغانستان والعراق. يعني ذلك أن مسؤوليتها كبيرة. زعزعت حرب عام 2003 الاستقرار في المنطقة. نحن اليوم أمام حرب أهلية في العراق.
سؤال: هل تتهرب الولايات المتحدة من تحمل مسؤولياتها؟
هنري لورانس: إن السبب الوحيد الذي قد يدفع الولايات المتحدة إلى التدخل هو إمدادات النفط. لم تتخل الولايات المتحدة عن دورها كمُنظم للنزاعات، ولكنها تهتم بأسيا أكثر ولاسيما بحر الصين. يبدو ذلك أكثر أهمية من الشرق الأوسط بالنسبة لإدارة أوباما. إن افتقار الصينيين للدبلوماسية دفع بجيرانهم إلى أحضان الأمريكيين. ما زالت الولايات المتحدة شرطي العالم لأنها تسيطر على طرق النفط، وتضطلع بدور "نقابة" الدول المستهلكة. يسمح لها ذلك بأن تكون أفضل حليف للسعودية وقطر في الوقت نفسه، وألا تعترض أوروبا واليابان على دورها، الخ. يضمن الأسطول الأمريكي السادس في البحر المتوسط والأسطول الأمريكي الخامس في المحيط الهندي السيطرة على الطرق البحرية. إذا أصبحت الصين عدوانية، تستطيع الولايات المتحدة عرقلة كل شيء خلال يومين وتركيع الصين. إذا نظرنا إلى ما هو أبعد من ذلك، إن الولايات المتحدة هي القوى العظمى الوحيدة القادرة على القيام بتحالفات عسكرية ونشر قواتها في مناطق بعيدة.




الأربعاء، ٢٥ حزيران ٢٠١٤

(القوة)

افتتاحية صحيفة الليبراسيون 25 حزيران 2014 بقلم ألكسندرا شوارتزبرود Alexandra Schwartzbrod

     بدأت الكارثة المتوقعة بالتحقق، ولا أحد يعرف كيف يمكن إيقافها. تتقدم المجموعة الجهادية الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام ليس فقط باتجاه بغداد في محاولة للسيطرة على مصفاة النفط الرئيسية في العراق، بل وتحقق أيضا بعض التقدم في سورية مع المعدات العسكرية التي صادرتها من الجيش العراقي المهزوم، وبدأت تقترب من الأردن أيضاً. تم الإعداد بدقة لهذا الهجوم الذي يضم جميع أولئك الذين يُحركهم الحقد ضد الأمريكيين والشيعة، ولاسيما القادة البعثيين السابقين لدى صدام حسين.

     إذاً، لم يعد الحديث يتعلق بالحرب الأهلية أو حتى عن مواجهة  بين دولة وأخرى، بل عن سياسة تهدف إلى القضاء على الشيعة وتدمير حدود الشرق الأوسط. كلما مرت الأيام، كلما ازدادت صعوبة القضاء على الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام، لأن نجاحاتها تُثير حماس الشباب الذين تُجندهم من بين الذين أهملتهم سياسة رئيس الوزراء العراقي الشيعي نوري المالكي. كما أن الغنيمة التي حصلت عليها الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام (طائرات مروحية مقاتلة من طراز Black Hawk ورشاشات ثقيلة وملايين الدولارات) ستزيد من قوتها العسكرية. تطالب بعض الدول الغربية بعقد مؤتمر إقليمي عاجل يضم أهم المسؤولين في المنطقة من أجل مواجهة هذه المأساة. ولكن لماذا لم يتم القيام بذلك مبكراً عندما اشتعل الوضع في سورية؟ تخلت الدول الغربية عن مصداقيتها في هذه المنطقة التي لم تعد تعتقد بأنه ما زالت هناك فرصة للتحرك.

(النجاحات العراقية للدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام تزيد من قوتها في سورية)

صحيفة الليبراسيون 25 حزيران 2014 بقلم لوك ماتيو Luc Mathieu

     هاجم جهاديو الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام يوم الأحد 22 حزيران بعض القرى بالقرب من إعزاز في شمال سورية (قريتي إكسار ومعلال) بعربات مدرعة أمريكية الصنع، كان المتمردون يسيطرون على هاتين القريتين حتى ذلك التاريخ. لم يكن هذا الهجوم ممكناً لولا الهجوم الذي شنته الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام في شمال العراق بتاريخ 9 حزيران، وسيطرت فيه على أجزاء واسعة من الأراضي العراقية وبعض مراكز العبور مع سورية، واستولت على أسلحة الجيش العراقي.
     قال الباحث والخبير بالمسائل الإسلامية رومان كاييه Romain Caillet: "أكدت الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام دوما أنه لديها جيشان: الأول في سورية والثاني في العراق. سمح لها ذلك بالتحرك داخل البلدين. أصبحت تقوم الآن بنقل الأسلحة الثقيلة التي استولت عليها من الجيش العراقي إلى سورية، كما استخدمت بعض الصواريخ أرض ـ جو التي استولت عليها في سورية من أجل مهاجمة بعض القواعد العسكرية في العراق".  إن هذه الأسلحة الجديدة تسمح للجهاديين باستعادة السيطرة على بعض القرى في شمال سورية بعد أن طردهم منها تحالف المتمردين خلال الأشهر الأولى من عام 2014. كما سمحت لهم أيضاً باستعادة المبادرة في دير الزور ومواجهة جبهة النصرة ـ الجناح المحلي لتنظيم القاعدة في سورية.
     إن انشقاقات المتمردين والقادة المحليين في جبهة النصرة ساعدت في تنفيذ هذا الهجوم، وبدأ هؤلاء المنشقين بالانضمام إلى الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام منذ عدة أيام. حاولت جبهة النصرة إيقاف هذه الانشقاقات عبر قطع رأس أحد هؤلاء "الخونة"، ونشرت صورة جثته قبل عدة أيام. ولكن الأوساط الجهادية تعتبر أن الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام هي التي انتصرت في معركة التجنيد حالياً على الأقل. أعلن معظم قادة جبهة النصرة في جنوب دمشق ولاءهم إلى خصومهم السابقين في الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام التي أعلنت أيضاً عن انضمام أحد القادة السعوديين لتنظيم القاعدة في المنطقة الأفغانية ـ الباكستانية (Anas Nushwar) إلى صفوفها في سورية. إذا تأكد ذلك، فإنه سيُمثل هزيمة بالنسبة لجبهة النصرة التي كانت تجذب إليها قادة تنظيم القاعدة في الخارج.

     يستفيد نظام بشار الأسد أيضاً من نجاحات الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام، ولكن على المدى القصير، لأنه يعتبر منذ بداية التمرد أن المتمردين بمثابة "الإرهابيين"، كما يعتبر أن خطابه أصبح مؤكداً، وأنه أصبح بإمكانه تقديم نفسه كحليف للدول الغربية في مكافحة الجهاد. قام جيش النظام بقصف الرقة والشدادة بالقرب من الحسكة يومي 14 و15 حزيران للمرة الأولى بمثل هذا العنف.

(موجة الانفجارات في لبنان تُثير الخوف من تمركز الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام في لبنان)

صحيفة الليبراسيون 25 حزيران 2014 بقلم مراسلها في بيروت توما أبغرال Thomas Abgrall

     تعرض لبنان إلى عمليتي تفجير انتحاريتين خلال ثلاثة أيام، وذلك بعد فترة من الهدوء منذ شهر نيسان. استهدف التفجير الأول مدير الأمن العام اللواء عباس ابراهيم يوم الجمعة 20 حزيران، وفجّر انتحاري آخر نفسه أمام حاجز للجيش على مدخل الضاحية الجنوبية لبيروت يوم الاثنين 23 حزيران. لم تتبنى أية جهة مسؤولية هذين التفجيرين، باستثناء مجموعة مجهولة اسمها كتائب السنة الأحرار في بعلبك، ولكن هل يحملان علامة الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام؟
     يعتبر الباحث رومان كاييه Romain Caillet المختص بالشؤون الإسلامية أنه ليس بالضرورة أن تكون الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام هي التي تقف وراء هذين التفجيرين، وقال: "ما زالت الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام غير متمركزة جيداً في لبنان بالمقارنة مع بقية المجموعات التي ارتكبت تفجيرات انتحارية مثل جبهة النصرة أو كتائب عبد الله عزام. لم يتبنى فرعها في حلب إلا مسؤولية تفجير واحد في شهر كانون الثاني في بيروت". لم تتمتع المجموعة الجهادية التي تتقدم باتجاه بغداد بالشعبية لدى السنة اللبنانيين أو حتى لدى الجهاديين في لبنان الذين ما زالوا يدعمون جبهة النصرة.
     بدأت الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام تتمركز شيئا فشيئاً في لبنان. أعلن أبو سياف الأنصاري، إحدى الشخصيات الجهادية في طرابلس، بتاريخ 23 كانون الثاني عن تشكيل فرع لبناني للدولة الإسلامية في العراق  وبلاد الشام، وخرجت بعض المظاهرات المؤيدة لها للمرة الأولى في هذه المدينة. تغيرت المعادلة منذ استيلاء هذه المنظمة الجهادية على بعض المحافظات العراقية. أكد رومان كاييه قائلاً: "أصبحت الأوساط الشعبية السنية الراديكالية المقربة من الشيخ العسير تنظر إلى الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام بشكل أكثر إيجابية بكثير، لأنها تعتبرها كمُدافع عن المصالح السنية في مواجهة الإهانة التي يتعرضون لها من قبل الشيعة". كما قال الباحث في مركز كارنيجي رافاييل لوفيفر Raphaël Lefèvre: "توجد أرضية خصبة لتجنيد الشباب من قبل الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام في المناطق الفقيرة مثل طرابلس ومنطقة عكار والمخيمات الفلسطينية. إن الموارد المالية الكبيرة التي حصلت عليها الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام ربما سيسمح لها بتفعيل الخلايا النائمة وتجنيد المتطوعين بشكل أكثر سهولة".


الثلاثاء، ٢٤ حزيران ٢٠١٤

(الإرث المزعج لوالده يُلقي بعبئه على أمير قطر)

صحيفة اللوموند 24 حزيران 2014 بقلم بنجامان بارت Benjamin Barthe

     يلتقي الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند مع أمير قطر تميم آل ثاني (34 عاماً) في قصر الإليزيه يوم الاثنين 23 حزيران، وذلك بعد عام من لقائه مع والده حمد آل ثاني في الدوحة. إنها أول زيارة يقوم بها أمير قطر إلى دولة غربية، وهو ينوي مواصلة سياسة والده الذي اعتاد على زيارة فرنسا. ولكن هذه الاستمرارية بين الأمير ووالده ليست مؤكدة كما يبدو للوهلة الأولى. كانت قطر في ذروة قوتها عندما تنازل الشيخ حمد عن السلطة بتاريخ 25 حزيران 2013 بعد يومين من استقباله للرئيس الفرنسي، وكانت الدوحة آنذاك تحلم بزعامة العالم العربي. تواجه قطر اليوم سلسلة من الأزمات التي تُجبر الشيخ تميم على الابتعاد عن الإرث المزعج لوالده، واضطرت الدوحة إلى تخفيض طموحاتها بشكل بطيء وحتمي.
     بدأ هذا التحول بتاريخ 3 تموز 2013 مع سقوط محمد مرسي في مصر، ثم تلقت قطر ضربة قاسية أخرى بعد ثلاثة أيام مع هزيمة مرشحها لزعامة المعارضة السورية أمام أحمد الجربا المقرب من المملكة السعودية. تزايدت هذه المصاعب مع الأزمة في مجلس التعاون الخليجي وقيام السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين باستدعاء سفرائها في الدوحة. قام تميم ببعض مبادرات التهدئة منذ ذلك الوقت، واتفق وزير خارجيته خالد العطية مع نظرائه في مجلس التعاون الخليجي بتاريخ 17 نيسان على "آلية" لعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء في المجلس. كما أرسلت قطر برقية تهنئة إلى عبد الفتاح السيسي بعد فوزه بالانتخابات الرئاسية، قال أحد الدبلوماسيين في الدوحة: "يتصف توجه القطريين بالمصالحة تجاه مصر، ولم يعد يتحدثون عن انقلاب دولة، وهم مستعدون أيضاً لاستئناف مساعدتهم المالية إذا سمحت لهم القاهرة بذلك".
     لم تكن هذه التنازلات كافية، ولم ترسل الكويت والرياض وأبو ظبي والمنامة سفراءها إلى الدوحة من جديد. قال أحد الدبلوماسيين في الرياض: "يُطالب السعوديون بإيقاف تمويل الإخوان المسلمين من قبل القطريين، وتغيير موقف تلفزيون الجزيرة ليصبح أكثر حيادية. لن يتوقف السعوديون عن ممارسة ضغوطهم ما لم يحصلوا على هذه الضمانات. أنا أشفق على تميم، إنه محاصر بين والده والسعوديين". تعتبر الدوحة أن هذه الضغوط تمثل إملاءات لا يمكن التسامح معها. قال مسؤول قطري رفيع المستوى: "إن ما تريده السعودية والإمارات العربية المتحدة هو أن نوافق كلياً على إسقاط مرسي، ولكن ذلك غير ممكن. لا يمكننا قبول أن يتدخل الجيش في العملية الديموقراطية وعودة الإسلام السياسي إلى العمل السري".

     يعتبر المحللون أن الانتقادات الكثيرة التي تتعرض لها الدوحة حالياً ليست مفاجأة. إن الدوحة فريسة سهلة بسبب عدم خبرتها، ويدفع الشاب تميم ثمن السعي الجنوني للسلطة من قبل الشيخ حمد. يجب على تميم أن يتخلص من وصاية والده الذي ما زال حاضراً جداً في الدوحة لكي يستطيع الخروج من هذه المرحلة المضطربة.

الاثنين، ٢٣ حزيران ٢٠١٤

(التحالف الكردي ـ التركي الغريب في العراق)

صحيفة الليبراسيون 23 حزيران 2014 بقلم مراسلها الخاص في ديار بكر (تركيا) مارك سيمو Marc Semo

     يكشف صمت السلطات التركية حول ما يجري في كركوك عن الرهان المحوري الذي تمثله هذه المدينة في المعضلة العراقية. ما زالت أنقرة صامتة منذ سيطرة البشمركة بتاريخ 12 حزيران على هذه المدينة التي يُطالب بها الأكراد منذ وقت طويل كعاصمة لهم، وذلك على الرغم من أن تركيا كانت تعتبر منذ عدة سنوات أن مصير هذه المدينة النفطية التي يسكنها التركمان والأكراد والعرب يمثل خطاً أحمراً بالنسبة لها أو حتى عملاً عدائياً. يُظهر الصمت التركي الرسمي أيضاً حيرة الحكومة الإسلامية المحافظة برئاسة رجب طيب أردوغان تجاه تسارع الأحداث وعلاقاتها الوثيقة مع رئيس المنطقة الكردية العرقية مسعود بارزاني.
     أصبح الحكم الذاتي للأكراد العراقيين عاملاً إيجابياً لأنقرة بعد أن كانت تعتبره تهديداً لفترة طويلة. قال الكاتب التركي سنغيز كاندار Cengiz Candare على هامش مؤتمر نظمه الاتحاد الأوروبي حول المسألة الكردية في مدينة ديار بكر: "تعتبر تركيا أن الحكم الذاتي للأكراد العراقيين وسيلة لتأكيد دورها على الساحة الإقليمية المضطربة مع دخول الأكراد إلى التاريخ". يعيش أكثر من نصف أكراد الشرق الأوسط في تركيا (15 مليون نسمة على الأقل)، ويمثلون 15 % من سكان تركيا، وهذا هو السبب الذي يدفع تركيا إلى الإسراع بإيجاد حل سياسي للمسألة الكردية في تركيا.
     تواجه السياسة الإقليمية لحكومة رجب طيب أردوغان مصاعب كبيرة منذ سنتين، وفشلت في رهانها على التمرد السوري، وساءت علاقاتها كثيراً مع القاهرة بعد أن انتقدت أنقرة "الانقلاب" الذي قام به الرجل القوي الجديد عبد الفتاح السيسي، كما ساءت علاقاتها أيضاً مع الحكومة العراقية برئاسة نوري المالكي، ولم يبق لها إلا السلطة الإقليمية في كردستان. قال الكاتب التركي سولي أوزيل Soli Ozel: "أصبحت أنقرة وأربيل أكثر حاجة إلى بعضهما البعض في الوضع الجديد، ولا يمكن لعلاقاتهما إلا أن تتوثق". يعتمد اقتصاد الحكومة الكردية الإقليمية على المنتجات والاستثمارات التركية بشكل شبه كامل، وتمثل تركيا المنفذ الوحيد للمنطقة الكردية إلى البحر المتوسط وأوروبا، ولاسيما من أجل تصدير نفطها عبر خط الأنابيب الذي يصب في ميناء سيحان التركي. يمثل هذا النفط فرصة ثمينة بالنسبة لتركيا التي تعتمد بشكل شبه كامل على الغاز الروسي والإيراني.
     ترسل أنقرة حاليا البنزين إلى الأكراد العراقيين بعد الهجوم الجهادي الأخير. ولكن تعزيز العلاقات مع مسعود البارزاني لا يمكن أن يتحقق بدون أن تتوصل الحكومة التركية إلى اتفاق مع الأكراد السوريين على الرغم من الهالة التي يتمتع بها مسعود البارزاني لدى الأكراد. أقام الأكراد السوريون حكما ذاتياً خاصاً بهم في "غرب كردستان" Rojava، ولكن حزب الاتحاد الديموقراطي الذي يهيمن عسكرياً وسياسياً على هذه المنطقة مُقرّب من المتمردين الأكراد في تركيا. من هنا تأتي ضرورة حلحلة المفاوضات مع عبد الله أوجلان وحزب العمال الكردستاني وممثلي حزب السلام والديموقراطية الذين يمثلون الواجهة السياسية للأكراد في البرلمان التركي.
     في الحقيقة، تتهم تركيا حزب العمال الكردستاني بأنه لم يسحب جميع مقاتليه من تركيا باتجاه قواعده الخلفية في شمال العراق، ويُدين الأتراك التنازلات المحدودة جداً في مجال حق تعليم اللغة الكردية أو الإصلاحات الخجولة للقانون الجنائي في الوقت الذي ما زال فيه آلاف القادة والنواب الأكراد في السجون. تتصف المفاوضات بين الجانبين بأنها غامضة وبدون مضمون فعلي في مجال الحكم الذاتي المحلي، وليست هناك خارطة طريق. ينتظر الأكراد مبادرات قوية من قبل أنقرة مثل الإفراج عن عبد الله أوجلان أو وضعه تحت الإقامة الجبرية في منزله.
     قال أحمد تورك Ahmad Turk النائب الكردي السابق في البرلمان التركي وأحد الرموز التاريخيين للأكراد في تركيا: "لم تعد الدولة ـ القومية تتلاءم مع الحقائق الإقليمية الجديدة. يجب التفكير بما يمكن أن تكون عليه الأمة الديموقراطية التي يجد الجميع مكانهم فيها". يعرف الأكراد أن موازين القوى في المنطقة أصبحت لصالحهم أكثر فأكثر، وقال مسعود البارزاني ذلك بشكل واضح في مقابلة مع BBC : "لن يعود العراق أبداً إلى ما كان عليه الوضع قبل سقوط الموصل".



السبت، ٢١ حزيران ٢٠١٤

(باريس لا تتمنى الانجرار في عملية ضد الجهاديين)

صحيفة اللوموند 21 حزيران 2014 بقلم إيف ميشيل ريولز Yves-Michel Riols

     في الوقت الذي أعلن فيها باراك أوباما عن إرسال مستشارين عسكريين إلى بغداد، أظهرت فرنسا حذراً كبيراً تجاه تدهور الوضع في العراق. اجتمع الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند يوم الخميس 9 حزيران بالمجلس العسكري المصغر بحضور وزيري الدفاع والخارجية وقائد الأركان الجنرال بيير دوفيلييه Pierre De Villiers. أشار مصدر حكومي إلى أنه "لم يتم تفعيل عمل وزارة الدفاع" في هذه المرحلة، بمعنى آخر، لا تفكر فرنسا في الوقت الحالي بالمشاركة في الإجراءات المحتملة "للرد" في العراق، وأكد هذا المصدر قائلا: "كما أنه لم يطلب أحد منا ذلك".
      أصدر قصر الإليزيه بياناً عقب هذا الاجتماع مشيراً إلى أن فرنسا "قلقة جداً" من تقدم المقاتلين الجهاديين في الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام. ولكن هذا الاجتماع يهدف فقط إلى توجيه رسالة سياسية إلى السلطات العراقية، ودعت باريس إلى تقديم "رد حاسم وعاجل" على تهديد الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام، مؤكدة على أن الحل العسكري "لا يشكل إلا جزءاً من الحل" الذي يجب أن يتضمن أيضاً تشكيل حكومة وحدة وطنية. تشير باريس بوضوح إلى أنها في الخط الثاني للنزاع، قال دبلوماسي فرنسي رفيع المستوى: "ليس لدينا حاملة طائرات وباسادران في المنطقة" في إشارة إلى  انتشار عدة سفن حربية أمريكية في الخليج وتعبئة قوات النخبة في الجيش الإيراني.
      تُعبّر التصريحات الفرنسية عن شعور بالعجز تجاه أزمة لا تتحكم بها فرنسا، وعن الغضب الواضح تجاه الولايات المتحدة. تعتبر باريس أن الفوضى العراقية ليست إلا "امتداداً للأزمة السورية"، وهذا يعني انتقاداً غير مباشر لرفض الرئيس أوباما القيام بقصف نظام بشار الأسد في نهاية شهر آب 2013 على الرغم من أن فرنسا كانت تؤيد الضربات الجوية. أعرب مصدر فرنسي عن أسفه قائلاً: "قلنا في ذلك الوقت أنه إذا لم يتم تحمل مسؤولية هذا النزاع، فإننا سنواجه بعض التعقيدات. تُظهر الأزمة الحالية خطر السماح بذلك".
      يؤكد مستشارو الرئيس هولاند على أنه في الوقت الحالي "يجب على كل طرف أن يقوم بدوره"، وذلك للتأكيد على أن باريس ليست في الخطوط الأولى للنزاع. تقول باريس أنه يجب على الأطراف الرئيسية والعراقيين أنفسهم والولايات المتحدة أن يكونوا الأطراف المُحرّكة لتقديم رد دبلوماسي ـ عسكري. قال أحد الدبلوماسيين: "لسنا نحن الذين ننظم الرد الأمني. في الوقت الحالي، لم يُطلب منا المساعدة، وسنرى عندما يحين الوقت". أشار خبير عسكري إلى أن قدرة فرنسا على تقديم المساعدة "محدودة"، وحتى في مجال الاستخبارات، لأن الولايات المتحدة والدول المجاورة "تملك وسائل أفضل" في هذا المجال.
     تقول باريس أنه ليس لديها أية نية بالانجرار في معركة متسرعة، وتشترط أية مشاركة محتملة في العراق بشرطين: الأول هو التشاور الوثيق مع الدول المجاورة من أجل الحصول على دعم دبلوماسي واسع، وهذا هو السبب في اللقاءات المتعددة التي أجراها الرئيس هولاند مع قادة المنطقة. قام هولاند باستقبال الابن الأكبر للملك السعودي الأمير متعب بن عبد الله في باريس يوم الأربعاء 18 حزيران، كما استقبل الرئيس اللبناني الحالي ميشيل سليمان يوم الخميس 19 حزيران، ومن المفترض أن يتحادث مع رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان يوم الجمعة 20 حزيران، كما سيلتقي مع أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني يوم الاثنين 23 حزيران في باريس.
     الشرط الثاني هو عدم قيامها بدور القيادة، وأن أي تحرك سيكون استجابة لطلب رسمي. في الوقت الحالي، أكد الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية الفرنسية رومان نادال Romain Nadal يوم الثلاثاء 17 حزيران أن "السلطات العراقية وجهت طلباً إلى المجتمع الدولي، وليس إلى فرنسا بشكل خاص". أكد أحد الدبلوماسيين قائلاً: "لن يكفي القصف عبر الطائرات بدون طيار. لا يمكن دعم الرد إلا في إطار جهد سياسي يمر عبر توحيد الطوائف العراقية". بعبارة أخرى، لا مجال لتوقيع شيك على بياض لرئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الذي أدت سياسته الطائفية إلى تأجيج التوترات في بلده.



الجمعة، ٢٠ حزيران ٢٠١٤

(الخلاف الأول بين واشنطن وموسكو حول الترسانة الكيميائية السورية)

صحيفة اللوموند 20 حزيران 2014 بقلم مراسلتها في لاهاي ستيفاني موباس Stéphanie Maupas

     أكدت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية في تقريرها الصادر بتاريخ 16 حزيران استخدام الكلورين في الهجمات المنفذة خلال الأشهر الأخيرة في سورية. اعتمدت المنظمة في تقريرها على الشهادات الشفهية لطبيبين كانا متواجدين أثناء الهجوم على كفر زيتا في حماة بتاريخ 19 أيار، كما اعتمدت على بعض أفلام الفيديو وبعض شظايا الذخائر. لم يتمكن المحققون من الذهاب إلى موقع الحادث لجمع العينات ومقابلة الضحايا كما كان مفترضاً. لقد تعرض موكب المحققين إلى الهجوم بتاريخ 17 أيار على طريق كفر زيتا في المنطقة الخاضعة لسيطرة المتمردين، وذلك بعد عدة دقائق من مغادرتهم لآخر نقطة تفتيش تابعة للحكومة السورية.
     انتقد روبيرت ميكولاك Robert Mikulak المندوب الأمريكي في منظمة حظر الأسلحة الكيميائية في لاهاي مسؤولية السلطات السورية أثناء اجتماع مغلق بتاريخ 17 حزيران، وتساءل قائلاً: "إن الطبيعة الممنهجة للهجمات والأهداف المستهدفة وبقية المعلومات العامة تشير جميعها باتجاه الفاعل المحتمل: الحكومة السورية. من غيرها بإمكانه الاستفادة من ذلك؟ من غيرها يستطيع القيام بمثل هذه الهجمات الممنهجة؟". أشار أحد الدبلوماسيين الذين حضروا هذا الاجتماع إلى أن السوريين نفوا هذه التهمة، وألقوا "المسؤولية على أولئك الذين يسمونهم بممولي الإرهاب الدولي". أكدت دمشق في منتصف شهر أيار لمفتشي منظمة حظر الأسلحة الكيميائية أن المعارضة استولت على مصنع لإنتاج الكلورين على مسافة أربعين كيلومتراً من حلب، وأن هذه المعارضة استولت على منتجات كيميائية في طرطوس والبيضة.
     أكد دبلوماسيون آخرون على مسؤولية دمشق، وطلبوا بمبادرة من واشنطن تعليق الاجتماع من أجل التناقش مع حكوماتهم حول ما يجب القيام به بعد النتائج التي توصل إليها مفتشو منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، الأمر الذي أثار معارضة موسكو. أعرب مصدر دبلوماسي عن قلقه قائلاً: "إنها المرة الأولى التي يظهر فيها الخلاف بشكل علني وواضح بين واشنطن وموسكو بصفتهما الدولتين الراعيتين لاتفاق نزع السلاح الكيميائي في سورية"، واعتبر ذلك "تحولاً هاماً".

     تم إبطال مفعول ثلاثة عشر معملاً من أصل واحد وخمسين تم الإعلان عنهم، ولكن لم يتم تدميرهم. أدانت العديد من الدول "لا مبالاة" سورية وكلفة العملية التي لا تشارك سورية في تمويلها. ولكن القلق يتعلق أيضاً بحقيقة الترسانة السورية. يعتمد عمل منظمة حظر الأسلحة الكيميائية على الثقة، وقد تلقت جرداً للمخزون الكيميائي السوري من دمشق في شهر تشرين الأول 2013. تدين عدة دول منها فرنسا والولايات المتحدة علناً وأكثر فأكثر وجود اختلافات بين هذا الجرد المُعلن وبين حقيقة الترسانة الكيميائية. أكد مندوب تركيا يوم الأربعاء 18 حزيران أن "دقة الجرد المعلن من قبل سورية ما زال مصدراً جدياً للقلق". تقوم منظمة حظر الأسلحة الكيميائية منذ عدة أشهر بمفاوضات مع دمشق من أجل حثها على إكمال هذا الجرد. تستطيع الدول الأعضاء في المنظمة إدانة بعض المنشآت أو المستودعات غير المعلن عنها، ولكن البعض يقول: "يجب البرهان على وجود بعض العناصر الناقصة".

(العراق: الرجل الذي أرعب العالم)

مجلة النوفيل أوبسرفاتور الأسبوعية 19 حزيران 2014 بقلم سارا دانييل Sara Daniel

     من هو أبو بكر البغدادي هذا النبي الدموي الذي بدأ بإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط؟ وُلِد أبو بكر البغدادي عام 1973 في منطقة ديالا شرق العراق. من الصعب معرفة وجهه الحقيقي لأنه يهرب من الكاميرات، ولديه العديد من الأسماء المستعارة (المداوي، البدري، ...) لدرجة تسميته بـ "الشبح". إنه الخليفة غير المرئي، وحتى أقرب مساعديه لا يرونه إلا بغطاء على رأسه. إنه يُطبق دروس معلمه أبو مصعب السوري الذي كان أحد المنظرين الأوائل الذين انتقدوا استراتيجية بن دلان، وسخروا من ميله للدعاية، وكتب عنه أبو مصعب السوري منذ عام 1999: "إن أخانا مصاب بعدوى مرض الشاشات والفلاشات والمعجبين والتصفيق".
     لا يتجرأ أحد على ذكر اسم أبو بكر البغدادي في الرقة التي أصبحت عاصمة لإمبراطوريته. إن كل شيء ممنوع فيها: الدخان والموسيقى وحتى كرة القدم. صدرت فتوى بتحريم مشاهدة كأس العالم، وأخرى تمنع نهائياً الحديث عن أمير الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام. دفع رجل الدين اليسوعي باولو دالوغليو ثمناً باهظاً لارتكابه هذه الخطأ بإهانة الخليفة، وذلك عندما ذهب إلى الرقة بتاريخ 27 تموز 2013، وطلب مقابلة البغدادي لكي يتفاوض مع الأمير حول الإفراج عن الصحفيين المعتقلين لدى المجموعة الأصولية. تم اعتقاله وإحالته بعنف إلى محكمة المدينة: من هذا الرجل الذي يتجرأ على ذكر اسم الأمير، والأخطر من ذلك أنه يريد مقابلته؟. بعد يومين، قام حوالي عشرة أشخاص بخطف الأب باولو أمام المنزل الذي كان يقيم فيه، وكانوا يريدون إرساله إلى أبو إيمان العراقي، أحد معاوني البغدادي. أشار أحد الشهود الذين حضروا الحادثة إلى أن بعض أعضاء جيش الدولة الإسلامية طلبوا من مرافقي الأب باولو أن يرحلوا، ولكن أحدهم رفض ذلك، فتعرض للقتل فوراً، وقال أحد أعضاء الميلشيا ساخراً: "هل يريد أحد أن يبقى؟". اقتيد الأب باولو، ولم يراه أحد منذ ذلك الوقت.
     طلب الرئيس السوري بشار الأسد قبل أسبوعين تقريراً من جواسيسه حول مجموعة البغدادي. يتضمن هذا التقرير بعض المعلومات الدقيقة مثل أسماء ثمانية ألاف عضو في الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام، ومحاضر استجواب العديد من الجهاديين المعتقلين. بالمقابل، إنه تقرير فقير بالمعلومات حول السيرة الشخصية لنجم الجهاد العالمي الجديد. يضم التقرير مجموعة من المعلومات المتفرقة والمتناقضة أحياناً والقديمة في غالب الأحيان، إن مصدر هذه المعلومات هو الاستخبارات الأمريكية أو العراقية بشكل خاص. عرفنا من هذا التقرير أن الأمير لديه بنت اسمها ضحى (Doha). درس البغدادي في الجامعة الإسلامية في العراق، وهو إمام مُتميّز ومُصاب بجنون العظمة، وأعد أطروحة حول أصول عائلته التي أوصلها إلى الرسول. كان يؤم الصلاة في جامع أحمد بن حنبل في منطقة ديالا. حمل السلاح للمرة الأولى بعد سقوط نظام صدام حسين عام 2003 عبر الهجوم على قوافل الجيش الأمريكي مع بعض المجموعات المسلحة الصغيرة التي تتألف من بعض الجنود السابقين لدى النظام. أقام بعض العلاقات داخل المنطقة الحدودية، واستفاد من هذه العلاقات لاحقاً عندما نقل معركته إلى داخل الأراضي السورية. كان ينظم انطلاقاً من مدينة القائم مرور الجهاديين السوريين الذين يرسلهم بشار الأسد بالحافلات من دمشق لمكافحة الاحتلال الأمريكي. وهكذا بدأ يصعد شيئاً فشيئا في تراتبية المقاومة العراقية.
     تأثر جهاد البغدادي بالحقد على الشيعة. اعتقل الأمريكيون أبو بكر البغدادي في بداية عام 2007 عندما كانوا يقنعون القبائل البدوية بالتمرد على جهاديي تنظيم القاعدة، ثم خرج من السجن في شهر نيسان 2010 ليصبح زعيم منظمة باسم "الدولة الإسلامية في العراق"، وارتكب العديد من التفجيرات الدامية منها التفجير ضد كاتدرائية بغداد (46 قتيلاً).
     اندلعت الحرب بسرعة بين الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام وبين جبهة النصرة في سورية. إن هاتين المجموعتين لا تعملان من أجل الأهداف نفسها؛ هذا ما قاله أبو إيمان العراقي، معاون أبو بكر البغدادي، إلى سجانيه السوريين بعد اعتقاله على الحدود السورية قبل عدة أسابيع. تعتبر المجموعة العراقية أن الكفاح ضد نظام بشار الأسد أمر ثانوي، وأن هدفها الأساسي هو إلغاء "حدود سايكس بيكو" المصطنعة في الشرق الأوسط، واستيراد الحرب الطائفية المشتعلة في العراق منذ وقت طويل إلى سورية. استولى جيش البغدادي شيئاً فشيئاً على المناطق النفطية في سورية، واكتسب صداقة القبائل عبر التنازل لهم عن استثمار الآبار النفطية. أصبحت سماء دير الزور سوداء بسبب تصفية النفط في الآلات المحملة على سيارات البيك آب بالقرب من الآبار.





الخميس، ١٩ حزيران ٢٠١٤

(سورية: شبح الموساد)

مجلة النوفيل أوبسرفاتور الأسبوعية 19 حزيران 2014 بقلم هادريان غوسيه بيرنهيم Hadrien Gosset-Bernheim


     من اغتال رئيس أجهزة المخابرات العسكرية السورية اللواء سمير الشيخ المكلف بالحدود السورية؟ إن طريقة الاغتيال المستخدمة لقتل أحد المخلصين لبشار الأسد في وسط دمشق بتاريخ 13 نيسان الماضي في وضح النهار بواسطة اطلاق عيار ناري عن قرب من مسدس كاتم للصوت عيار 9 ملم، تُثير الفضول. إنها عملية معقدة جداً بالنسبة للتمرد السوري الذي يتبنى بشكل عام عمليات التفجير بالقنابل اليدوية أو السيارات المفخخة. كما أنها حصلت في وضح النهار لدرجة لا يمكن نسبها إلى عملية تطهير داخل النظام. إذاً، تتجه الأنظار نحو الموساد الذي اعتاد على مثل هذا النوع من عمليات الاغتيال، ولاسيما ضد العلماء المسؤولين عن البرنامج النووي الإيراني أو قادة حزب الله. إن انخراط اللواء سمير الشيخ في سلسلة العمليات الأخيرة التي نفذتها الميلشيا الشيعية اللبنانية ضد المواقع الإسرائيلية في هضبة الجولان، ربما كان السبب الذي دفع بالدولة العبرية إلى اغتياله. هذا هو أسلوب الإسرائيليين الذين يلتزمون رسمياً بسياسة عدم التدخل في النزاع السوري لكي يجعلوا نظام الأسد يدفع ثمن تحالفه مع حزب الله.

(العراق: حكمة البشمركة)

مجلة النوفيل أوبسرفاتور الأسبوعية 19 حزيران 2014


     أثار "خندق الخيانة" بين كردستان العراق وسورية غضب الأكراد في الربيع الماضي، ولكنه لم يعد فكرة سيئة إلى هذه الدرجة حالياً... كانت حكومة منطقة كردستان قد بدأت في منتصف شهر نيسان بحفر خندق طوله عشرات الكيلومترات على حدودها مع سورية في منطقة نيفين. الهدف هو إيقاف تسلل الإرهابيين، ولكن سرعان ما أدانت العديد من الأحزاب السياسية هذا الخندق باعتباره انكاراً للأمة الكردية ورفضاً لـ "المواطنين" السوريين. يبدو أن الهجوم الذي شنته الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام بعد شهرين أظهر أن البشمركة كانت على صواب.

(في العراق: الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام تضم عدة مجموعات سنية راديكالية)

صحيفة اللوموند 19 حزيران 2014 بقلم سيسيل هينيون Cécile Hennion

     أشار أحد الناطقين الرسميين باسم الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام إلى أن "12000 عراقي" تم تجنيدهم تحت العلم الأسود للجهاد منذ السيطرة على الموصل بتاريخ 10 حزيران. يشير الحد الأعلى من التقديرات إلى أن عدد مقاتليها يصل إلى حوالي عشرين ألف مقاتل. إن الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام ليست إلا الوجه المرعب والإعلامي لتحالف سني واسع يضم العديد من المجموعات والإيديولوجيات المتنوعة.
     يمكن تقسيم هذا التحالف الغريب إلى أربع فئات: تضم الفئة الأولى بعض الضباط البعثيين السابقين في جيش صدام حسين، وتتألف من عدة مجموعات مسلحة تشكلت بعد الغزو الأمريكي عام 2003، ولم تُسلم سلاحها منذ ذلك الوقت، ثم انضمت المجموعات الأكثر تشددا فيها إلى العقيدة النقشبندية التي يتزعمها عزة ابراهيم الدوري، أحد الأصدقاء المقربين من صدام حسين. قدّمت العقيدة النقشبندية في العراق أهم ضباط المخابرات المدنية والعسكرية أثناء حكم صدام حسين، وشن جيش النقشبندية بعض العمليات المشتركة مع تنظيم القاعدة بعد سقوط صدام حسين. اعتاد جيش النقشبندية على العمل ضمن الأراضي السورية التي تم استخدامها كقاعدة خلفية فترة طويلة. تشير العديد من المصادر إلى أن هذه المجموعة هي الأكثر قوة والحليف الأول للدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام داخل العراق.
     تضم الفئة الثانية بعض المجموعات مثل كتائب ثورة 1920 والجبهة الإسلامية للمقاومة العراقية المقربة من الإخوان المسلمين بزعامة رئيس الجناح العراقي حارث الضاري الذي يعيش في الأردن. عارضت الجبهة الإسلامية للمقاومة العراقية تنظيم القاعدة لفترة طويلة، وشارك الإخوان المسلمون في العراق بتأسيس ميليشيات "الصحوة" السنية بتمويل وتسليح أمريكي من أجل قتال الجهاديين. من جهة أخرى، لم يتردد تنظيم القاعدة عن اغتيال ابن أخ حارث الضاري عام 2009. من الناحية الرسمية، إن العمليات الانتحارية ممنوعة لدى الإخوان المسلمين.
     تضم الفئة الثالثة العديد من المجموعات المسلحة السنية الصغيرة ذات الميول البعثية أو الإسلامية والخاضعة لنفوذ الأطراف المحلية. حملت هذه الفئة السلاح ضد الأمريكيين بعد عام 2003، وانضم أغلبها إلى ميليشيات "الصحوة"، ثم توقف نشاطها بعد خروج القوات الأمريكية. يبدو أن جميع الفئات السابقة، باستثناء جيش النقشبندية، تحالفت مع الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام بعد المظاهرات الكبيرة في بداية عام 2013 لإدانة التهميش والاضطهاد والظلم الذي تتعرض له الطائفة السنية تحت حكم نوري المالكي.
     تضم الفئة الرابعة زعماء القبائل داخل المجالس العسكرية الثورية التي ظهرت في جميع المدن السنية في العراق بعد تفريق المظاهرات بشكل وحشي.
     يتصف هذا التحالف بأنه واسع جداً لدرجة أنه من الصعب إيجاد النقاط المشتركة بين أعضائه باستثناء أنهم ينتمون إلى الطائفية السنية وأنهم راديكاليون جداً. سيكون من الصعب على الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام أن تسيطر على الأراضي التي استولت عليها مؤخراً بدون دعم هذه المجموعات وبدون الموافقة الضمنية لجزء من السكان. من جهة أخرى، يحتاج الجهاديون إلى الكفاءات الخاصة التي يتمتع بها الضباط البعثيون السابقون في حال الحاجة إلى استخدام بعض الأسلحة والمعدات العسكرية الذي أخذوها من الجيش. كما يحتاج الجهاديون مع اقترابهم من بغداد إلى المعرفة بالأرض، والسكان المحليون هم الوحيدون القادرون على تقديمها.
     يستفيد المتمردون العراقيون في الوقت الحالي من قوة الضرب المُرعبة التي تتمتع بها الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام من أجل تحقيق هدفهم في استعادة المنطقة السنية. ولكن أين ستتوقف هذه الاندفاعة المجنونة؟ أشار أحد زعماء القبائل الشيخ رافع الجميلي الذي اتصلت به صحيفة اللوموند إلى أن التحالف السني المتحالف مع الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام يشعر بالقلق إزاء نقل جزء من غنائم الحرب إلى سورية. عرض هذا التحالف السني على الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام عدداً من النقاط التي يود التفاوض عليها. قال الشيخ رافع الجميلي: "يريد التحالف تحديد تعاونه المسلح مع الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام داخل الحدود العراقية، وتخفيض عدد المقاتلين الأجانب من أجل إظهار أن هذه الحرب تستهدف الحكومة العراقية فقط. يجب على الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام أن تدرك بأن فكرتها ببناء دولة إسلامية تُثير الخوف، وأن ذلك يهدد بخطر إعطاء المالكي دعم العالم بأسره. يطلب التحالف أيضاً إنهاء الجهاد ضد الشيعة". ربما وافق بعد مسؤولي الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام على دراسة هذه الطلبات، واعتبر الشيخ رافع الجميلي أن ذلك "أمر إيجابي جداً".



الأربعاء، ١٨ حزيران ٢٠١٤

(تشيس فريمان: "نحن نسير باتجاه نهاية حدود الشرق الأوسط")

صحيفة الفيغارو 18 حزيران 2014 ـ مقابلة مع السفير الأمريكي السابق والمختص بشؤون الشرق الأوسط والصين تشيس فريمان Chas Freeman ـ أجرت المقابلة مراسلتها في واشنطن لور ماندفيل Laure Mandeville

سؤال: هل ما زال هناك دور تقوم به الولايات المتحدة تجاه تفاقم الوضع في العراق بعد أن حاربت عشر سنوات فيه؟
تشيس فريمان: نحن نعيش المرحلة الأخيرة التي وصلنا إليها في المعارك الطائفية المشتعلة منذ الغزو الأمريكي للعراق، وامتدت هذه المعارك إلى سورية، وأدت السياسات الحمقاء لعرب الخليج والأمريكيين وفرنسا في سورية إلى تسريع كارثة تتجه نحو ولادة نوع من الخلافة السنية. ستشمل هذه الخلافة السنية جزءاً من سورية وربما جزءاً من لبنان والعراق. نحن لا نستطيع القيام بأي شيء. بالتأكيد، ستطلب الحكومة الشيعية العراقية برئاسة المالكي المزيد من الأسلحة والمساعدة. ولكن المشكلة ليست عسكرية بل سياسية. إن تخلي الجيش العراقي عن أسلحته ومعداته تجاه الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام من أجل الهروب يؤكد هذه الحقيقة. بالتأكيد، لن يتدخل الأمريكيون مرة أخرى في العراق بشكل مباشر عبر إرسال الجنود على الأرض. إنها حرب أهلية عراقية، وهي أيضاً جزء من الحرب الأهلية السورية. نحن نسير باتجاه نهاية حدود الشرق الأوسط التي رسمها سايكس وبيكو.
سؤال: هل سنشهد نهاية الدول التي تشكلت في تلك الحقبة؟
تشيس فريمان: هناك تقسيم بحكم الأمر الواقع في العراق الذي أصبح شماله كردياً متصلاً بالمناطق الكردية في سورية. هناك أيضاً الخلافة الإسلامية للدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام في سورية والعراق، وهناك حكومة فعلية في المناطق العراقية الوسطى والجنوبية يُهيمن عليها الشيعة المؤيدين لإيران، كما لم يعد هناك سيطرة حكومية فعلية على أجزاء كاملة من الدولة اللبنانية. هناك أيضاً تسعة ملايين من السوريين النازحين والعديد من العراقيين، إنه نوع من التطهير العرقي في كل مكان. وأخيراً، هناك ظهور "الدويلات الصغيرة" كما كان عليه الحال عند انهيار الإمبراطورية الرومانية. إذاً، يبدو أنه من المحتمل جداً ظهور حدود جديدة في الشرق الأوسط. أنا أرى هذا الوضع كتعاقب مستمر ومتنوع للأحداث (Kaléidoscope). تتحرك هذه الأحداث دون أن نعرف كيف ستنتهي وتستقر. ولكن من الواضح أن الماضي لم يعد مرشداً للمستقبل.
سؤال: عندما تتحدثون عن السياسات الغربية الحمقاء، ألا تُبالغون في مسؤولية الدول الغربية التي وقعت بين دكتاتورية بشار الأسد والمتمردين الإسلامويين؟
تشيس فريمان: حصلت أخطاء خطيرة جداً في التقويم من قبل جميع الأطراف، ومن السهل أن نرى بعد وقوع الأحداث لماذا حصلت هذه الأخطاء. بالغ بشار الأسد في ردة فعله تجاه الاحتجاجات الأولى بعد أن شاهد سقوط الرئيسين التونسي والمصري، ولجأ إلى قمع عنيف جداً. كان يعتقد أنه سيسحق حركة المطالبات في بدايتها، ولكنه تسبب بنتيجة معاكسة مع تحول الاحتجاج السلمي إلى تمرد مسلح. قامت دول الخليج مثل السعودية وقطر بتشجيع العنف، واعتقدت هذه الدول أن الأسد سيسقط عبر تقديم مساعدة إضافية للمتمردين. كما أرسلت الدول الغربية رسائل سيئة عندما دعت إلى رحيله. كانت مقاربة سيئة لأنها أقنعت بشار الأسد بأنه ليس هناك أي سبب للتفاوض، لأنه لماذا يتفاوض على موته؟
سؤال: توحي هذه اللوحة القاتمة التي ترسمها أن الرئيس أوباما اختار المقاربة الصحيحة عبر الانسحاب من الشرق الأوسط؟
تشيس فريمان: كان باراك أوباما واقعياً عندما اعترف بمحدودية الوسائل التي يمكن أن يتحرك من خلالها. إن ما يحصل ليس مفاجأة بالنسبة لأولئك الذين لم يعتقدوا أبداً بنجاح سياسة مكافحة التمرد التي وضعها بوش عامي 2006 و2007 لإنقاذ الوضع العسكري في العراق. أدت هذه السياسة إلى تعزيز التطهير العرقي في بغداد، وأوصلت حكومة شيعية مقربة من إيران إلى السلطة. لم تتوصل هذه السياسة إلى أي حل للانقسامات الطائفية التي أشعلها غزو العراق عام 2003. فقط أولئك الذين اعتقدوا أو ادعوا نجاح هذه السياسة هم الذين يقولون اليوم أن كل ذلك هو خطأ أوباما. في الحقيقة، قام أوباما بتنفيذ خطة انسحاب القوات الأمريكية التي وضعها بوش. ولكن الأمور لم تحصل كما كان المحافظون الجدد يتمنون.
سؤال: من المدهش رؤية إلى أية درجة ساهم العراق في تغيير الولايات المتحدة وإغراقها في الشك حول دورها.
تشيس فريمان: إنها هزيمة حقيقية. كان لهذه الحرب تأثير هائل على النفسية الجماعية للأمريكيين. ربما يمكن مقارنتها بخيبة فرنسا بعد هزيمتها أمام بروسيا عام 1870. يكمن الاختلاف بين الهزيمتين في أن الهزيمة الفرنسية كانت سريعة جداً، أما الهزيمة الأمريكية فكانت على شكل اكتشاف بطيء. ولكننا نجد الإهانة نفسها في الهزيمتين.
سؤال: هل هي نهاية العالم الأمريكي؟

تشيس فريمان: نحن نعيش منذ بعض الوقت في عالم انتقلت فيه السلطة إلى المستوى الإقليمي. لم يعد هناك مركز. تتراجع السيطرة الأمريكية شيئاً فشيئاً على ما يحصل. إن مجلس الأمن لا يعمل. هل انتهى "السلام الأمريكي"؟ لم ينته تماماً، ولكنه يتراجع. إنه أمر واقع، وتسارع مع حرب العراق، ولكن ذلك لا علاقة له إطلاقاً بأوباما.