الصفحات

الخميس، ٣١ تموز ٢٠١٤

(خطأ المالكي)

مجلة النوفيل أوبسرفاتور الأسبوعية 31 تموز 2014 بقلم رونيه باكمان René Backman

      اكتشفت الولايات المتحدة دخول مئات الشاحنات المحملة بالمقاتلين والسلاح إلى العراق قبل عشرة أيام من استيلاء جهاديي الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام على الموصل. قامت واشنطن آنذاك بإخبار رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الذي تجاهل هذه المعلومات. تم توجيه تحذير ثاني إلى بغداد قبل عدة أيام من دخول رجال أبو بكر البغدادي إلى المدينة. كما اقترحت وزارة الخارجية الأمريكية على المالكي أن يطلب مساعدة المقاتلين الأكراد المتمرسين الموجودين بالقرب من المدينة، ولكن المالكي رفض ذلك مُقللاً من أهمية الهجوم الجهادي. لم يطلب المالكي من واشنطن تقديم دعم جوي إلا بعد هروب وحدات الجيش العراقي المكلفة بحماية المدينة، ولكن وزارة الخارجية الأمريكية تقول أنه لم يقم بتقديم هذا الطلب رسمياً. تم الكشف عن هذه المعلومات المزعجة لرئيس الوزراء العراقي خلال اجتماع لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأمريكي خلال الأسبوع الماضي، الأمر الذي يشكل حلقة جديدة في اتهامات الحزب الجمهوري لباراك أوباما بالضعف والتردد. 


الأربعاء، ٣٠ تموز ٢٠١٤

(السوريون لا يريدون الجهاديين الفرنسيين!)

صحيفة اللوموند 30 تموز 2014 بقلم مجموعة تطلق على نفسها اسم: تجمع الديموقراطيين الفرنسيين ـ السوريين منهم: بشر حاج ابراهيم Bicher Haj Ibrahim (مهندس وباحث)، بسمة قضماني Bassma Kodmani (باحثة سياسية)، سلام كواكبي Salam Kawakibi (باحث سياسي)، فريدريك فريد سركيس Frédéric Farid Sarkis (أستاذ جامعي)، ماري كلود سليك Marie-Claude Slick (صحفية)، مانون نور طنوس Manon-Nour Tannous (باحثة في العلاقات الدولية)، لميس زلحف Lamis Zolhof (الناطقة الرسمية باسم الائتلاف السوري للتنمية والإغاثة Codssy)

     يتركز الاهتمام السياسي والإعلامي على قضية مئات الشباب الفرنسيين الذين يذهبون للجهاد في سورية. إن القلق المبني على أن هؤلاء الأفراد ربما يحاولون عند عودتهم القيام ببعض الأعمال الشبيهة بما قام به مهدي نيموش هو أمر خطير بما فيه الكفاية لكي لا يكون ذريعة لإثارة الجدل والمزاودات وخلط الأمور واختزالها. نحن الديموقراطيين الفرنسيين نشعر أيضاً بالقلق على أمن فرنسا والفرنسيين وكذلك على مصير الشعب السوري ضحية أعمال الترهيب اليومية من قبل الجهاديين ونظام بشار الأسد.
     نحن نعتبر أنه يجب القيام بكل ما من شأنه تقليل هذا الخطر، ونشعر بقلق كبير من وقوع عمليات أخرى في أوروبا شبيهة بعملية بروكسل. اتخذت الحكومة الفرنسية عدة إجراءات ضرورية ومفيدة مؤخراً مثل: تخصيص رقم هاتفي لكي تتمكن العائلات من التحذير من رحيل هؤلاء الشباب، وخطة لمكافحة الشبكات الجهادية باتجاه سورية، والحرمان من جوازات السفر، وإنشاء برامج لإعادة دمج الأفراد في المجتمع، بالإضافة إلى التنسيق بين أجهزة الاستخبارات على الصعيد الأوروبي. بالإضافة إلى الإجراءات الأمنية، من الضروري القيام ببعض الإجراءات الموازية على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي والثقافي من أجل معالجة المشكلة.
     إن مثل هذه الإجراءات السياسية والعملية والمسؤولة لا يجب خلطها مع المزاودة في الاقتراحات الارتجالية مثل فكرة نزع الجنسية الفرنسية عن الجهاديين المبتدئين. ليس فقط لأنها تشكل انتهاكاً للمبادىء الأساسية للدستور ولصعوبة تطبيقها، بل أيضاً لأنها ستكون بدون تأثير حقيقي على الأشخاص الراغبين بالذهاب للقتال أو ارتكاب عمليات التفجير. في الحقيقة، من يعتقد فعلاً بجدية أن مهدي نيموش أو محمد المراح من قبله كانا سيتراجعان عن خططهما الإجرامية خوفاً من فقدان الجنسية الفرنسية؟
     نحن الذين انخرطنا إلى جانب الثورة السورية، ونعرف جيداً الوضع في سورية والأحداث الجارية فيها والقوى الناشطة على الأرض بجميع اتجاهاتها، نشعر بالصدمة بسبب نسيان أمر أساسي في الجدل الدائر في فرنسا. لا يمكن اختزال التهديد القادم من سورية بخطر عمليات التفجير في أوروبا. إن هؤلاء الجهاديين هم أولاً مصيبة على السوريين الذين يمثلون أول ضحايا وحشيتهم. لا يذهب العديد من هؤلاء الشباب إلى سورية لمجرد النزهة مع خيار "التدريب العسكري"، إنهم يرتكبون فيها جميع أنواع الترهيب من أجل بث الرعب لدى السكان وفرض قانونهم.
     نحن نقول إلى أولئك الذين يغادرون لأنهم يعتقدون حقاً بأنهم سيساعدون السوريين بأن السوريين يتعرضون لأعمال الترهيب من قبل الجهاديين الذين لا يبالوا بإسقاط النظام السوري، وأن تمردهم المشروع ضد الدكتاتورية تلوث بجرائم الجهاديين. إن الرسالة الأولى التي نوجهها إلى أولئك الذين يغادرون لمساعدة السوريين هي أن نقول لهم: "إن السوريين لا يريدونكم"! يجب أن يعرفوا أن الشعب رفض هؤلاء الإرهابيين ـ ولاسيما الدولة الإسلامية التي تستقبل أغلبية هؤلاء الأجانب المبتدئين ـ ، وأن هذا الشعب يعاني أصلاً من النظام الدكتاتوري السوري. يجب أن يعرفوا أنهم لا يذهبوا لقتال النظام السوري الذين لا يقاتلهم لأن هذه المجموعات هي حليف موضوعي بالنسبة له. تشن الدولة الإسلامية الحرب على المجموعات التي تقاتل فعلاً ضد النظام الدكتاتوري في دمشق، وقتلت الآلاف في معسكر المتمردين حتى الآن. إنهم أيضاً فزاعة لتخويف الدول الغربية لكي لا يساعدوا الثورة. إذاً، إن من مصلحة النظام مراعاة هذا الحليف الثمين.
     إن الشباب الفرنسيين ـ ومن بقية الجنسيات ـ الذين سينضمون إلى المجموعات الجهادية يدعمون عملياً مناورات النظام الدكتاتوري في دمشق. ولكن هذه الحقيقة لم يتم ذكرها إطلاقاً في فرنسا أو في الجدل حول التهديد الجهادي المذكور أو في الاقتراحات الحكومية المُقدمة حتى اليوم. دعمت فرنسا دوماً تطلعات السوريين إلى الديموقراطية ودولة القانون، ويجب عليها تنفيذ سياسة تستجيب في الوقت نفسه للعامل الأمني فيها ولانخراطها في سبيل حق الشعوب ضد الوحشية والهيمنة. إن شجرة الجهاديين لا يجب أن تخفي غابة المأساة السورية. 


(النفط من أجل تمويل الرعب)

 صحيفة الفيغارو 30 تموز 2014 بقلم جورج مالبرونو Georges Malbrunot

     بدأت حرب النفط الخام في الخلافة السورية ـ العراقية منذ الساعات الأولى لغزو الموصل بتاريخ 10 حزيران الماضي واستيلاء الجهاديين على أربعة حقول نفطية صغيرة وقيامهم باستثمارها بسرعة لضمان الحصول على مردود مالي. منذ ذلك الوقت، ازداد عدد الشاحنات التي تتنقل بين العراق وسورية وتركيا في سباق من أجل الذهب الأسود الذي يُغري الإسلاميين والمهربين والمحتالين الذين يبحثون عن أرباح مجزية.
     يعتمد الجهاديون على حقلي النجمة Najma والقرايا  Qarayaمنذ سقوط الموصل، وهما حقلان نفطيان في شمال المدينة، بالإضافة إلى حقلي حمرين Himreen وعجيل Ajil بالقرب من تكريت. يبلغ انتاج حقل القرايا سبعة ألاف برميل يومياً، أي أنه لا يمثل حجماً كبيراً بالمقارنة مع الآبار النفطية الهائلة في كركوك والبصرى التي ما زالت تحت سيطرة السلطات العراقية أو الكردية، ولكنه انتاج كافي لكي يتمكن الجهاديون من الإبقاء على العمال والوعد بحمايتهم إذا استمروا في ضمان إنتاج النفط الخام في الحقول التي سيطروا عليها. يبلغ إجمالي عدد الحقول النفطية ثمانين حقلاً، وهم يمثلون مصدراً هاماً للدولة الإسلامية لكي تحصل على المال الضروري من أجل إدارة مناطق الخلافة والسيطرة عليها.
     لم يتباطأ الجهاديون في نقل النفط الخام من حقل القرايا إلى المصافي المتحركة في سورية التي تقوم بتحويل النفط الخام إلى بنزين ووقود من النوعية الرديئة، ثم ترسله مرة أخرى إلى الموصل عن طريق الشاحنات بعد تصفيته من أجل بيعه. ما هي الأرباح المحققة؟ من الصعب تقديرها بدقة لأن عدد الشاحنات التي تتنقل يختلف بين يوم وآخر. ولكن بما أن الدولة الإسلامية بحاجة ملحة إلى أموال نقدية، فإنها تبيع عدداً أكبر من شحنات النفط الخام إلى تركيا انطلاقاً من حقل النجمة عبر المهربين الذين يبيعون النفط بأسعار بخسة (25 دولار للبرميل الواحد). إنها تجارة غير قانونية، ولكنها تدر الكثير من الأموال على الخلافة.
     أكد معاون محافظ منطقة الأنبار فالح العيساوي Faleh al-Issaoui قائلاً: "يقبض الجهاديون مليون دولار يومياً عبر استيراد المشتقات النفطية من سورية وبيعها داخل المناطق التي يسيطرون عليها في العراق". إن هذا المبلغ لا يشمل التهريب مع إيران عبر المناطق الكردية في العراق. كما لا يشمل الرسوم المختلفة التي يستوفيها شركاء الجهاديين في التجارة من أجل نقل بقية البضائع إلى الموصل وبقية أنحاء الخلافة التي تباطأ فيها النشاط الاقتصادي. يبيع الجهاديون حالياً كميات محدودة من النفط الخام انطلاقاً من حقل عجيل النفطي الذي كانت طاقة انتاجه تبلغ خمسة وعشرين ألف برميل نفط يومياً قبل الأزمة. فيما يتعلق بحقل حمرين الذي تبلغ طاقة انتاجه خمسة ألاف برميل يومياً، يعمل الفنيون الذين جاؤوا خصيصاً إلى تكريت لكي يبقى هذا الحقل قيد الانتاج.
     كان المقاتلون الأكراد والبشمركة يغضون الطرف حتى وقت قريب بعد أن يقتطعون رسم العبور من  الشاحنات التي تنقل النفط الخام من حقلي حمرين وعجيل باتجاه كردستان وإيران. ولكن الطائرات المروحية للجيش العراقي قصفت بعض القوافل المتجهة إلى شرق تكريت بتاريخ 12 تموز، كما بدأت القوات الكردية بإيقاف الشاحنات التي تريد عبور أراضيها مع حمولاتها من النفط الخام المهرّب. أشار الناطق الرسمي باسم البرنامج العراقي لمكافحة الإرهاب صباح نوري Sabah Nouri إلى أنه تم تدمير حوالي خمسين شاحنة منذ ذلك الوقت. كانت هناك ما بين ثلاثين وستين شاحنة تدخل يومياً إلى كردستان العراق في السابق. أعرب مجلس الأمن عن قلقه من عمليات تهريب النفط الخام، وحذر من شراء النفط من الجهاديين في سورية والعراق، وقالت الدول الأعضاء في مجلس الأمن يوم الاثنين 28 تموز: "إن مثل هذه التصرفات تشكل دعما مالياً للإرهابيين، ويمكن أن ينجم عنها عقوبات جديدة".
     تمكنت الدولة الإسلامية من تعزيز مواقعها في العراق، وتركز جهودها حالياً في سورية ولاسيما في منطقة دير الزور النفطية. يحتاج الجهاديون إلى أموال نقدية لتدعيم سلطتهم. طردت الدولة الإسلامية خصومها في جبهة النصرة ـ الجناح المحلي لتنظيم القاعدة من مدينة دير الزور بتاريخ 14 تموز. ثم سقط حقل الشاعر الغازي شرق تدمر تحت سيطرتهم قبل أن يستعيده الجيش السوري يوم السبت 26 تموز. كان مقاتلو الدولة الإسلامية قد سيطروا على حقل العمر النفطي ـ أحد أكبر الحقول النفطية السورية (عشرة ألاف برميل يومياً) في بداية الشهر بفضل وصول الرجال والسلاح من العراق.


الاثنين، ٢٨ تموز ٢٠١٤

(جنود الدولة الإسلامية يتقدمون في العراق وسورية)

صحيفة الليبراسيون 28 تموز 2014 بقلم لوك ماتيو Luc Mathieu

     لم يكتف جهاديو الدولة الإسلامية بالتقدم الذي حققوه خلال الأسابيع الأخيرة في العراق، وضاعفوا هجماتهم في سورية المجاورة. لقد استولوا على قاعدة تابعة للجيش السوري بالقرب من الحسكة يوم الأحد 27 تموز، واستولوا على قاعدة أخرى في محافظة الرقة يوم السبت 26 تموز، وقتلوا خمسة وثمانين جندياً. بالمقابل، خسر الجهاديون حقل الشاعر النفطي يوم السبت 26 تموز بعد أن استولوا عليه قبل أسبوع.
     لماذا انتقلت الدولة الإسلامية إلى الهجوم؟ يسعى الجهاديون إلى توسيع خلافتهم الممتدة من محافظة حلب إلى الموصل قبل أي شيء آخر. تشير المصادر إلى أنها تضم ما بين إثني عشر ألف وعشرين ألف مقاتل موزعين بين البلدين. نقلت الدولة الإسلامية بعض المعدات العسكرية الثقيلة إلى سورية منذ هجومها الناجح على العراق في منتصف شهر حزيران، ومن ضمنها بعض المدرعات التي سلمتها الولايات المتحدة إلى العراق. استعاد الجهاديون السيطرة على جميع الحقول النفطية تقريباً في شرق سورية. أشار أحد الدبلوماسيين في بغداد إلى أن الدولة الإسلامية تبيع جزءاً من انتاجها النفطي إلى النظام السوري بسعر تفضيلي قدرة ثلاثين دولاراً للبرميل.
     ما هو الطابع الإستراتيجي لهذا التغيير؟ لم يكن جهاديو داعش يواجهون جنود الجيش السوري إلا بشكل نادر جداً منذ تمركزهم في سورية في ربيع عام 2013، وكانت هجماتهم تقتصر على بقية الفصائل المتمردة والأكراد. ردّ النظام الجميل لهم عبر عدم قصف مواقعهم إلا بشكل نادر جداً، في الوقت الذي كان يقصف فيه بقية المجموعات. سمح ذلك لداعش بالاستيلاء على  العديد من المدن في شمال وشرق سورية دون قتال تقريباً بعد أن استولى عليها المتمردون في وقت سابق.  تحالفت العديد من الفصائل في شهر كانون الثاني بعد أن شعرت بالتعب من إرادة داعش بالهيمنة، وأبعدت الجهاديين باتجاه الشرق. أدى هذا الهجوم إلى سقوط أكثر من ثلاثة ألف قتيل خلال أقل من شهرين.
     كيف يتصرف بقية المتمردين؟ لا يوجد رقم إجمالي، ولكن البعض أشاروا إلى انشقاق بعض المقاتلين الذين انضموا إلى داعش ولاسيما في دير الزور. أشار رئيس اللجنة الأممية للتحقيق حول سورية باولو بينهيرو Paulo Pingeiro إلى أن هذه الانشقاقات هامة، وتمثل نوعاً من "إضفاء الطابع السوري" على المجموعة الجهادية التي كانت تتألف من الأجانب بأغلبيتها. أدت خلافة الدولة الإسلامية إلى زعزعة جبهة النصرة، المجموعة الجهادية الأخرى الناشطة في سورية. ترتبط جبهة النصرة بتنظيم القاعدة مباشرة، وفرضت نفسها كإحدى أكثر المجموعات قتالية، ولكنها انفصلت عن بقية المجموعات منذ نهاية شهر تموز، واستولت على العديد من القرى في محافظة إدلب. كما هو الحال بالنسبة لداعش، تريد جبهة النصرة إقامة إمارتها الخاصة بها. 


الخميس، ٢٤ تموز ٢٠١٤

(هوبير فيدرين: "يجب على الغرب ألا يخشى الانخراط من جديد")

مجلة اللوبوان الأسبوعية 24 تموز 2014 ـ مقابلة مع وزير الخارجية الفرنسي السابق هوبير فيدرين ـ أجرى المقابلة رومان غيبير Romain Guibert (السؤال المتعلق بالشأن السوري)

سؤال: فيما يتعلق بسورية، ألم تكن الولايات المتحدة وأوروبا أقل بكثير من المستوى المأمول؟ مع النتيجة المعروفة...

هوبير فيدرين: للأسف، كان من السذاجة الاعتقاد بأن الثورات العربية ستؤدي إلى الديموقراطية بسهولة. إنها مأساة بالنسبة للذين يعتقدون أنه يجب علينا نشر قيمنا مهما كان الثمن. وحتى بالنسبة للواقعيين، إن عجزنا في سورية تجاه نظام الجزارين مؤلم جداً. ولكن المعارضين الديموقراطيين ليس لهم نفوذ على الأرض، وكان يجب الاعتماد على روسيا أيضاً. النتيجة: ما زال بشار الأسد موجوداً. في هذا الوضع الذي وصلنا إليه الآن، ودون أن نتخلى عن أي شيء، يجب على جميع الدول الأوروبية إعادة فتح سفاراتها الدبلوماسية في دمشق لكي تُظهر للسوريين أننا لم نتخل عنهم، ومن أجل إعطائهم الأوكسجين (الإنساني والثقافي)، وتجنيب هذا البلد الذي سينبعث مرة أخرى أن يصبح "ثقباً أسوداً".

(تهديد البغدادي)

مجلة النوفيل أوبسرفاتور الأسبوعية 24 تموز 2014 بقلم رونيه باكمان René Backmann

     وجه أبو بكر البغدادي الذي نصب نفسه خليفة للدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام رسالة تهديد إلى ملك الأردن عبد الله الثاني، واعتبرتها المملكة الهاشمية وحلفاؤها رسالة مُقلقة جداً. تم الكشف عن هذه الرسالة خلال المحادثات بين الدبلوماسيين الأردنيين ومحاوريهم الأوروبيين، ويأمر البغدادي فيها العاهل الأردني بتطبيق احترام الشريعة بأسرع وقت وبالتخلي عن الإجراءات الأمنية الهادفة إلى منع عبور "المتطوعين" الأردنيين الذين جندتهم الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام إلى العراق وسورية، وأنه إذا لم ينفذ ذلك، فسوف يتم إسقاطه عبر تمرد جهادي. أجرى عبد الله الثاني اجتماعاً طارئاً مع رؤساء أجهزته الأمنية، وأكد أن عمّان سترد بحزم على أي اعتداء. وصل رد البغدادي بعد ثماني وأربعين ساعة على شكل مظاهرات حاشدة في العديد من المدن في جنوب الأردن، ولوح فيها المتظاهرون بالعلم الأسود للدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام.



(إسرائيل اختارت حماس ضد الدولة الفلسطينية)

صحيفة اللوموند 24 تموز 2014 بقلم الباحثة في العلوم السياسية في مركز دراسات Noria Research ليلى سورا Leila Seurat

     تؤكد عملية "الجرف الصامد" التي بدأتها السلطات الإسرائيلية منذ أسبوعين الإستراتيجية التي تبنتها إسرائيل بعد انسحابها بشكل أحادي من غزة عام 2005: أي الالتفاف على مسألة إقامة الدولة الفلسطينية عن طريق تشجيع بناء كيان مستقل ذاتياً في قطاع غزة. إن ردة فعل حكومة بنيامين نتنياهو على مشروع المصالحة الأخير بين فتح وحماس هي دليل واضح على ذلك. لقد تسبب تشكيل حكومة فلسطينية جديدة في بداية شهر حزيران بغضب الإسرائيليين على الرغم من أنها لا تضم أي وزير من حماس، ووصل هذا الغضب إلى أوجه مع اعتراف الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بهذه الحكومة.
     تعرضت عملية المصالحة الفلسطينية لصعوبات مفاجئة بسبب العديد من الإجراءات الإسرائيلية مثل: عدم السماح للوزراء المقيمين في غزة بالذهاب إلى رام الله لأداء القسم، ورفض السماح لقوات الأمن التابعة للرئاسة الفلسطينية بالانتشار على الحدود بين غزة ومصر، ورفض السماح لمحمود عباس بتحويل رواتب موظفي الدولة في قطاع غزة إذا لم يكونوا تابعين لفتح.
     يجب قراءة عملية "الجرف الصامد" أيضاً كرد على جميع المحاولات الأخيرة للتقارب بين الفلسطينيين، وهو رد يُكرّس الانقسام الجغرافي والسياسي لفلسطين. أدت تغيرات "الربيع العربي" وعودة الضباط في مصر إلى إضعاف حماس التي استدارت نحو خصمها  الوطني فتح، وقدمت لها العديد من التنازلات. تخلى رئيس وزراء حماس اسماعيل هنية عن منصبه، ولكنه أكد أن "رحيل حماس عن الحكومة لم يكن رمزاً للرحيل عن السلطة"، أي كما فعل راشد الغنوشي في تونس قبله بعدة أشهر. لم تعد حماس قادرة على نقل الأموال الضرورية لدفع رواتب موظفي الدولة في حكومتها بعد قيام الماريشال السيسي بتدمير جميع أنفاق التهريب التي تربط قطاع غزة مع مصر تقريباً.
     إذاً، يمكن تفسير إرادة حماس بالمصالحة بأنها السبيل الأخير للخروج من المأزق أكثر من كونها دليلاُ على التزامها الوطني. يصطدم هذا التقارب الإجباري لحماس مع رام الله بالسياسة الإسرائيلية التي تكمن مصلحتها في استمرار الحركة الإسلامية بإدارة قطاع غزة لوحدها. لكي تتمكن الدولة العبرية من تحقيق هذا الهدف، يجب عليها بالضرورة السماح للمقاومة الإسلامية بالاستفادة من بعض الميزات التي لا تقتصر على تسهيل نقل وتحويل الأموال لاستمرار عمل الحكومة في غزة، بل وتشمل أيضا السماح لحماس وبقية فصائل المقاومة الفلسطينية بالتمتع بنوع من الحكم الذاتي.


     إن اقتراح وقف إطلاق النار بنقاطه العشرة الذي تقدمت به حماس والجهاد الإسلامي بتاريخ 16 تموز إلى السلطات المصرية يساهم في هذا الطموح المتمثل ببناء سلطة إدارية في غزة بشكل منفصل عن الضفة الغربية. تتعلق هذه الطلبات برفع الحصار والإفراج عن المعتقلين والحصول على منطقة صيد  أكثر اتساعاً، وهناك العديد من النقاط في هذا الاقتراح  التي تدل على وجود إرادة بإقامة كيان سياسي في قطاع غزة وإدارته بشكل ذاتي ولاسيما النقاط المتعلقة بالسيطرة على نقاط العبور بشكل جماعي مع قطر وتركيا، وذلك على الرغم من أن قطاع غزة يجب أن يبقى تحت الهيمنة الإسرائيلية.
     في مثل هذا الوضع، تتوافق الإستراتيجية الإسرائيلية جزئياً مع إستراتيجية حماس، الأمر الذي يدفع للتذكير بسنوات السبعينيات عندما سمح الإسرائيليون بنمو الجمعيات الخيرية والدينية تحت إدارة الإخوان المسلمين لمكافحة نفوذ منظمة التحرير الفلسطينية التي كانت تُعتبر كمنظمة إرهابية في ذلك الوقت. كما يدفع هذا الوضع للتذكير بالمحاولات الإسرائيلية لتفويض الأردن بإدارة الضفة الغربية وتفويض مصر بإدارة غزة. يبدو أن إسرائيل مصممة على إعادة ارتكاب أخطاء الماضي عن طريق الإبقاء على رأس الحركة الإسلامية بدون إغراقه تحت الماء، وفي الوقت نفسه عدم إعطائه صفة الطرف المُحاور الحقيقي.
     هل حماس موافقة فعلاً على هذه الإستراتيجية؟ لا يبدو أن حركة المقاومة الإسلامية قادرة على مواجهة المشروع الإسرائيلي على الرغم من إدعاءاتها الوطنية، ولاسيما أنه بإمكانها الاستفادة منه. يبدو أن السؤال أصبح من الآن فصاعداً حول صفة هذا الكيان السياسي المستقبلي: إذا كانت آفاق الحصول على سيادة حقيقية تبدو مهددة، فإنها تدعونا إلى إعادة التفكير بمفهوم الدولة في هذا السياق الإقليمي الذي يطرح صعوبات كبيرة على هذا النموذج المثالي لمفهوم الدولة.



الأربعاء، ٢٣ تموز ٢٠١٤

(صمت، هناك اضطهاد!)

افتتاحية صحيفة الفيغارو 23 تموز2014 بقلم إيتيين دومونتيتي Etienne de Montety

     أعلنت الدولة الإسلامية الحرب على المسيحيين في الموصل. أصبح أتباع المسيح مجبرين على مغادرة "الخلافة" أو دفع ضريبة "الكفار" بعد أن صدر بحقهم العقاب الشعبي عبر حرف الـ "ن" ـ أي النصارى ـ المكتوب على منازلهم، وتحولوا إلى مواطنين من الدرجة الثانية، ولن يكون لهم الخيار قريباً إلا بين "اعتناق الإسلام" أو الموت بحد السيف... لم يعد التعصب مخفياً، وتبناه الزعيم أبو بكر البغدادي الذي أطلق على نفسه اسم ابراهيم. من سخرية القدر: ابراهيم هو الاسم العربي لأبو المؤمنين أبراهام، وهو من العراق، ومن المفترض أن يجتمع المسلمون والمسيحيون حول هذا الاسم، ويعيشون في وئام.
     كان عدد مسيحيي العراق مليون نسمة قبل التدخل الأمريكي، وأصبح عددهم أربعمائة ألف على الأكثر. إنهم يختارون طريق الرحيل بعد كل موجة من أعمال التنكيل والعنف والاضطهاد. كتب أحد هؤلاء المهاجرين جوزيف فاضل Joseph Fadelle في كتابه: "الثمن الواجب دفعه" عن المصير المرعب الذي ينتظر المسيحيين منذ عدة سنوات. أصبح التهديد مُعلناً بوضوح بعد إقامة "الخلافة": المسيحية هي العدو! بالتأكيد، ارتفعت أصوات هامة للاستنكار: يُحذر البابا فرانسيس منذ عدة أشهر، ويؤكد تعاطفه مع إخوانه. كما أدان الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون "جريمة ضد الإنسانية"، وأعربت الحكومات الغربية عن قلقها. وماذا بعد ذلك؟  اعتاد الرأي العام الأوروبي على حملات تعبئة الرأي العام والمظاهرات والعرائض بمختلف أنواعها... ولكن لا شيء من ذلك اليوم! صمت، هناك اضطهاد...

     هل يجب ارتكاب مجزرة خارج فترة الهدنة الصيفية لإثارة الشفقة؟ أو بعد انتهاء سباق فرنسا الدولي للدرجات الهوائية؟ هل سنكتفي باللامبالاة في مواجهة الروايات المخيفة لموكب الرعب؟ سواء كنا مسيحيين أم لا، هل سنبقى طرشاناً لفترة طويلة تجاه كلام الانجيل الذي وصلت أصداءه إلى العالم أجمع: "إذا صمتوا، فإن الصلوت ستصرخ"؟

(مارك فروماجيه: "مسيحيو العراق: لن نستسلم")

صحيفة الفيغارو 22 تموز 2014 ـ مقابلة مع مدير جمعية مساعدة الكنائس المهددة Aide à l’Eglise en détresse مارك فروماجيه Marc Fromager ـ أجرت المقابلة أوجيني باستييه Eugénie Bastié

سؤال: كيف تغير وضع مسيحيي العراق منذ استيلاء إسلاميي الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام على الموصل؟
مارك فروماجيه: إن الطائفة المسيحية في العراق مهددة بالانقراض بكل بساطة. لم يتوقف وضع المسيحيين في هذا البلد عن التدهور منذ الغزو الأمريكي عام 2003. تجاوز هذا التدهور عتبة إضافية مع استيلاء الإسلامويين على الموصل بتاريخ 10 حزيران. أصبح التهديد مباشراً بالنسبة للآشوريين ـ الكلدانيين، كما أن العديد من القرى المسيحية تتواجد بالقرب من الموصل. أصدرت الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام بتاريخ 17 حزيران أمراً إلى آخر المسيحيين في المدينة باعتناق الإسلام أو القبول بوضع "الذمي" الذي يُجبر على دفع ضريبة "الحماية" أو مغادرة المدينة قبل ظهر 19 تموز. تم وضع إشارة حرف الـ "ن" ـ أي النصارى ـ على منازلهم التي صودرت. إن مسيحيي الموصل مجبرون على الرحيل، واضطروا للتخلي عن جميع ممتلكاتهم التي صادرها الإسلامويون. ما زال هناك بعض المسيحيين في بغداد، ولكن الوضع أصبح فوضوياً. يبقى الجزء الكردي من العراق الذي يحظى فيه المسيحيون بأمن نسبي في الوقت الحالي.
سؤال: هل كانت الموصل إحدى أقدم المدن المسيحية في العالم؟ منذ متى يتواجد المسيحيون في العراق؟
مارك فروماجيه: ولدت المسيحية في الشرق الأوسط، وانتشرت فيه بشكل واسع. يتواجد المسيحيون في العراق منذ الأسابيع الأولى لبداية المسيحية. لقد مرّ الرسول القديس توما بالعراق، وكانت توجد بقايا رفاته في الموصل التي كان اسمها نينوى في التوراة. من المحتمل أن الموصل مع أنطاكيا ودمشق كانت تحوي إحدى أهم الطوائف المسيحية في ذلك العصر. إن إحدى عناوين مجد الموصل بالنسبة للمسيحيين هو أن مطرانها كان القديس إسحاق السوري Isaac le Syrien ـ حتى لو أنه وُلِد في الأراضي الحالية لقطر ـ ، وما زال يدعى بالقديس إسحاق في نينوى.
سؤال: هل يمكن الخشية على المدى الطويل من اختفاء مسيحيي الشرق بشكل نهائي بعد بروز الإسلام الراديكالي؟
مارك فروماجيه: عندما نتحدث عن هذا الاحتمال، نوصف بأننا مُكتئبون أو بالقسوة. يُلمّح المُشككون بأننا نلوح بهذا الاحتمال لتحفيز كرم المانحين أو لصب الزيت على النار عبر توضيح عدم فائدة الحوار بين الأديان. ولكن إذا نظرنا إلى الأرقام، لم تتوقف نسبة المسيحيين في الشرق الأوسط عن الانخفاض منذ وصول الإسلام، وتسارع هذا الانخفاض طوال القرن العشرين ولاسيما خلال الخمسة وعشرين عاماً الأخيرة. يتعزز احتمال اختفاء المسيحيين في الشرق الأوسط أكثر فأكثر على الرغم من التصريحات المتفائلة وتشجيع السلطات المسيحية المحلية، ومن المفهوم أن هذه السلطات لا تريد مفاقمة الرغبة المتزايدة بالرحيل. بالتأكيد، ما زال هناك ملايين المسيحيين في مصر، ومن الصعب تصور اختفاءهم في المستقبل القريب، ولكنهم يختفون حالياً في العراق وربما يختفون غداً من سورية، ويصبح هذا السيناريو محتملاً يوماً بعد يوم. بشكل موازي ومتناقض، يتزايد عدد المسيحيين الأجانب أكثر فأكثر في الشرق الأوسط، وهم من الهند والفيلبين بشكل عام. تشير الأرقام إلى وجود مليون ونصف مسيحي كاثوليكي في السعودية، وذلك بعد أن اختفى المسيحيون من هذا البلد خلال أربعة عشر قرناً. ولكن هؤلاء المسيحيين هم عمال قادمون من آسيا وليسوا مسيحيي الشرق، ولن يبقوا في المنطقة.
سؤال: في الوقت الذي ينظر فيه العالم بأسره إلى فلسطين، يبدو أن مصير المسيحيين في المشرق يُثير تعبئة أقل لدى الرأي العام الغربي. كيف يمكن تفسير هذه اللامبالاة؟
مارك فروماجيه: إنه لغز كبير! إن الأمر لا يتعلق بمسيحيي الشرق فقط. بشكل عام، لا أحد يهتم بمصير المسيحيين في العالم. عندما يتعلق الأمر باضطهاد المسيحيين، يسود الصمت! هل لأنه يُفترض بأن المسيحية لم تعد جزءاً من الاهتمام العام؟ هل يجب أن نرى في ذلك علاقة مع رفض جذورنا وهويتنا؟ هل المسيحيون لم يعد يؤثرون على المصالح العليا المتعلقة بالطاقة والمال بشكل عام؟ الأمر الأكثر إثارة للاستغراب هو أنه حتى الكنيسة المسيحية نفسها، باستثناء البابا فرانسيس الذي يتحدث عن ذلك أكثر فأكثر، يبدو أنها مُخدرة حول هذه المسألة. هل يعتبر البعض أنه لا يمكن القيام بأي شيء من أجل المسيحيين في العالم؟
سؤال: ماذا يمكن أن يفعله الغرب لمساعدة مسيحيي المشرق في مواجهة هذا الوضع المأساوي؟
مارك فروماجيه: يجب أولاً الحديث عن ذلك. لا يجب البقاء غير مبالين بهذه التهديدات بالانقراض حتى لو لم نكن مسيحيين. ثانياً، من الضروري أن تُعبّر السلطات الحكومية الفرنسية والأوروبية بشكل حازم ودائم عن سخطنا البالغ تجاه هذه المأساة. إن الرسالة بسيطة: إن أعمال الاضطهاد ضد المسيحيين غير مقبولة! من أجل تجنب اتهام القيام بحملة صليبية، من الممكن إدراج هذه الدعوة ضمن إطار الحرية الدينية للجميع. وضع الإسلامويون إشارات على منازل الشيعة أيضاً في الموصل، إنه أمر غير مقبول أيضاً.



الثلاثاء، ٢٢ تموز ٢٠١٤

(إيران: الوكالة الدولية للطاقة النووية تقول أن إيران أزالت مخزونها النووي المتطور)

صحيفة اللوموند 22 تموز 2014 نقلاً عن وكالة رويترز


     أشار التقرير السري الأخير للوكالة الدولية للطاقة النووية الذي اطلعت عليه وكالة رويترز يوم الأحد 20 تموز إلى أن إيران أزالت الجزء الأساسي من مخزونها للمواد النووية المتطورة (Sensible). أشار هذا التقرير الذي استلمته الدول الأعضاء في الوكالة الدولية للطاقة النووية إلى أن إيران أزالت الجانب الأكثر إثارة للجدل في برنامجها النووي، أي تخصيب اليورانيوم إلى درجة 20 % التي تُعتبر قريبة من درجة تخصيب اليورانيوم لاستخدامات عسكرية. كما أنهت إيران إزالة مخزونها المتطور عبر تحويله أو تخفيف تركيزه، وهذا ما كانت قد تعهدت بإنجازه قبل تاريخ 20 تموز بموجب الاتفاق المؤقت الذي تم التوصل إليه بين إيران ومجموعة الست في شهر تشرين الثاني 2013. تقول إيران أنها تقوم بتخصيب اليورانيوم من أجل تغذية المحطات النووية والمفاعلات النووية للأبحاث العلمية، ونفت أنها تريد امتلاك سلاح نووي.

(فرنسا تفتقد خطاباً جامعاً)

صحيفة الليبراسيون بتاريخ 21 تموز 2014 ـ مقابلة مع الباحث المختص بالإسلام والعالم العربي جيل كيبيل Gilles Kepel ـ أجرت المقابلة ألكسندرا شوارتزبرود Alexandra Schwartzbrod

سؤال: كيف تحللون الغزو البري الإسرائيلي لغزة؟
جيل كيبيل: إنه نتيجة المأزق الذي وصل إليه الخصمان: لا يمكن لأي طرف أن يظهر منتصراً في الوقت الحالي، وليس أمامهما إلا خيار المجازفة بكل شيء. يواجه نتنياهو ضغوطاً كبيرة من الأحزاب اليمينية في تحالفه ومن المستوطنين وسكان جنوب إسرائيل الأكثر تعرضاً للصواريخ، أي في المنطقة التي نجحت فيها حماس بحفر الأنفاق من أجل تسلل المقاتلين. لم يحقق نتنياهو هدفه من الحرب المُعلنة: لم يتم القضاء على ترسانة الأسلحة في غزة، ووصلت شعبية حماس إلى ذروتها كرمز للمقاومة البطولية للشعب الفلسطيني، بل وتجمع تحت رايتها جميع القضايا العربية ـ الإسلامية في الشرق الأوسط وضواحي المدن الأوروبية، وذلك بعد أن كانت شعبيتها في أدنى مستوياتها قبل المواجهة. إن رفض حماس للهدنة المصرية أعطى الانطباع بأن المبادرة في يدها بشكل يتجاوز قدرة أقوى الجيوش في المنطقة، ولكن هذه المزاودة على المدى القصير لن تُخف ضعفها البنيوي: انفصلت حماس عن نظام الأسد الذي كان يحميها وعن إيران منذ بداية الثورات العربية، ويكرهها الماريشال السيسي الذي أغلق أغلب أنفاق التموين بين غزة ومصر، كما أن حماس منهارة ومعزولة عن عرابيها التقليديين. ما زال مخزون حماس من الأسلحة هاماً، ولكنه سينضب. إذا تمكنت حماس من منع إسرائيل أن تعلن الانتصار، وإذا أجبرت الجيش الإسرائيلي على التورط في المستنقع البشري في غزة الذي يضم 1.7 مليون نسمة محتشدين داخل 360 كيلومتر مربع مع بعض الخسائر البشرية وصور المدنيين القتلى، فسوف يكون ثمن ذلك لا يُحتمل بالنسبة لنتنياهو، وستحقق حماس تقدماً سياسياً حاسماً على حساب السلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس.
سؤال: هل هناك خطر باستيراد هذا النزاع إلى فرنسا؟
جيل كيبيل: يندرج هذا السباق الدامي مع الزمن في إطار إعادة توزيع الأوراق في المنطقة بين المفاوضات النووية بين إيران والدول الغربية والحروب المدنية في سورية والعراق مع سيطرة الجهادية السنية في الدولة الإسلامية على التمرد في هاتين الدولتين. ولكن هذا النزاع يتضمن بالتأكيد مخاطر زعزعة استقرار مجتمعاتنا الأوروبية. إن أسوأ السيناريوهات هو الذي يسمح بعودة بعض الجهاديين من سورية والعراق، ما زال تأثير ذلك محدوداً في الوقت الحالي على الرغم من الإنذار المتمثل بقضية مهدي نيموش باعتبارها الأكثر إثارة للقلق، وقيامهم بأعمال ترهيب ضد اليهود بحجة الانتقام من ضحايا غزة. لا يستفيد الإرهاب الجهادي على أرضنا من أي دعم شعبي هام حتى الآن. يتغير المناخ عندما نشاهد بعض المجموعات  الشبابية في بعض الأحياء الشعبية تُقلد الإشارة المشهورة للممثل ديودونيه Dieudonné المعادية للسامية (La Quenelle) ـ تتمثل هذه الإشارة بوضع اليد اليمنى على أعلى الذراع اليسرى الممدودة إلى الأسفل ـ ، ولكن هؤلاء الشباب يقلدونها مع أحد صواريخ القسام المصنوعة من الكرتون. يُلاحظ تغير المناخ أيضاً عندما تتفاقم إحدى المظاهرات بالقرب من كنيس يهودي بين بعض هؤلاء المتظاهرين وأعضاء رابطة الدفاع اليهودية.
سؤال: هل تمثل الجهادية تهديداً لفرنسا؟
جيل كيبيل: لم يصل الجهاد في الصحراء الإفريقية إلى هنا، لأن الجالية المالية في فرنسا تتحدر من جنوب مالي، وهي معادية للجهاديين. لم يكن هناك قضية مشابهة لقضية خالد قلقال، هذا الجزائري الذي كان عضواً في الجماعة الإسلامية المسلحة والمسؤول الأكبر عن موجة التفجيرات في فرنسا خلال صيف عام 1995. لم تحصل عمليات تفجير في فرنسا منذ خالد قلقال حتى محمد المراح لسببين: قامت الشرطة خلال سنوات التسعينيات بتفكيك الشبكات الإسلامية، وكانت العائلات راغبة جداً بالابتعاد عن مثيري القلاقل لأنها ترغب بالنجاح في علمية الاندماج بالمجتمع الفرنسي. كانت إستراتيجية الارتقاء الاجتماعي هي العنصر الأساسي لرفض الإرهاب المستورد من الجزائر.
تغير الوضع بسبب الفقر وتهميش جزء كبير من الشباب المهاجرين، حتى ولو كنا نشهد بروز بعض التجار المسلمين الذين ينجحون مالياً ويصوتون لصالح أحزاب اليمين ويلعبون دوراً هاماً في القضاء على التصويت المنهجي لصالح أحزاب اليسار، وهذا ما حصل خلال الانتخابات البلدية الأخيرة في شهر آذار 2014. أصبحت السلفية مرئية جداً في الأحياء الشعبية بصفتها علامة للأراضي الموجودة فيها، لأن قيمها الأساسية تتعارض مع قيم المجتمع الفرنسي. تتوجه السلفية إلى الشباب المُضطربين، وتوفر لهم حلولاً بديلة ورموزاً أخلاقية كانت السلطات الفرنسية لا تعتبرها إشكالية حتى الآن، بل تعتبرها نوعاً من الانغلاق الذاتي داخل أماكن خاصة بها (autoghettoïsation). اعتبر البعض بروز هذا التيار السلفي كوسيلة للسيطرة على مرتكبي الجنح ومدمني المخدرات مثل المسلمين السود Black Muslims في الولايات المتحدة. لا يوجد خطاب وطني يفرض نفسه لمواجهة النموذج الذي يقترحه السلفيون. لا يوجد في فرنسا خطاب جامع وقادر على دمج الجميع في بوتقة واحدة بالمقارنة مع الولايات المتحدة التي توجد فيها أسطورة حقيقية للأمة التي ينصهر فيها الجميع. كانت العلمانية تقوم بهذا الدور في فرنسا، ولكن الضواحي المزدحمة لا تعتبر العلمانية فضاءا حيادياً يمكن للجميع أن يجد مكانه فيها بل يعتبرها أداة للتمييز ضد الإسلام. ساهم التجار الإسلامويون بتفاقم هذا الشعور، ويمثلون العلمانية كأداة لكراهية الإسلام، واقترحوا في الوقت نفسه بعض البدائل الإسلاموية القائمة على اعتبار الطعام الحلال كهوية مغلقة.
سؤال: هل هناك إسلام فرنسي؟
جيل كيبيل: كانت الدول الذي يهاجر منها المسلمون هي التي تسيطر على المسلمين في فرنسا حتى عام 1988. ثم جرت محاولات سياسية لإبراز إسلام فرنسي، ولكن أطفال المهاجرين لم ينضموا إلى هذا الإسلام. إن أولئك الذين سيديرون الإسلام الفرنسي بين عامي 1989 و2005 هم الإخوان المسلمين القادمين من دولهم الأصلية في المغرب العربي والمشرق، وكانوا وراء القطيعة على صعيد القيم باسم تأكيد الثقافة الإسلامية التي يُلقنوننها إلى أطفال العمال المهاجرين. لم تعد هناك نخبة سياسية متحدرة من المهاجرين قادرة على تقديم نموذج للاندماج بعد مسيرة المهاجرين العرب عام 1983 برعاية منظمة SOS Rasime لمكافحة العنصرية. هذا هو سبب الفراغ الكبير واليأس على خلفية  البؤس الاجتماعي والاقتصادي. وهذا هو السبب في صعود الإسلامويين الذين ظهروا كالمنقذين عندما اختفت مؤسسات الجمهورية من الساحة. لم يبدأ دخول أبناء المهاجرين إلى الساحة السياسية إلا بعد حركات التمرد في مدينة كليشي ـ مونتفيرمي Chichy-Montfermeil الفرنسية عام 2005. ندفع اليوم ثمن عشرين عاماً من العجز السياسي. نشهد اليوم وللمرة الأولى تصويتاً إسلامياً في بعض المدن الشعبية يقف وراءه بعض رجال الأعمال المتعصبين لهويتهم. لم نعد في مواجهة بين السكان المستفيدين من المساعدات والسلطات، إنهم ناخبون يُعبرون عن رأيهم ويُسمعون صوتهم. إن هذه الظاهرة جديدة حتى ولو لم تكن واسعة. في الحقيقة، هناك نموذج آخر يقف على الجهة المقابلة لهذه الجهات الداعية لإعادة الأسلمة هو نموذج الحركات اليهودية المتشددة مثل موقع لوبافيتش Loubavich الإلكتروني، وهو الظاهرة الأكثر مرئية في الأحياء الشعبية. يقول العديد من المغاربة عندما نتحدث معهم: "قمنا بالمراهنة على الاندماج والانصهار في المجتمع الفرنسي، ولكننا خُدعنا. لقد حدد اليهود بقوة أبعاداً محددة جداً لتعاليمهم الغذائية بشكل يحافظ على الفرد داخل الطائفة اليهودية، وفرضوا احترامهم على الدولة". لقد اقتدى تجار الطعام الحلال بنموذج طعام الكاشير Casher اليهودي.
سؤال: كيف يمكن تفسير العدد الكبير للذين ذهبوا إلى سورية؟
جيل كيبيل: يعتبر الذين يغادرون إلى سورية أنه لم يعد هناك أي شيء للقيام به في هذا البلد الملحد أي فرنسا، وأنه يجب القتال ضد  المسلمين السيئين لكي ينتصر إسلام الحق ضد نظام دكتاتوري. في البداية، لم يكن يعضهم يعتبر نفسه ضمن منطق العداء لسياسة الحكومة الفرنسية التي تعارض نظام الأسد أيضاً. على الرغم من ذلك، عندما ذهبوا إلى الكتائب الجهادية للدولة الإسلامية، تعرضوا إلى تعليم إيديولوجي معادي للغرب، وواجهوا تجربة المعركة، وقتلوا "الكفار" بشكل وحشي، وأصبح الوضع يبعث على القلق عند عودتهم. إنه نموذج محمد المراح ومهدي نيموش. يتحدر هذا الأخير من إحدى العائلات التي تطوعت في الجيش الفرنسي بشمال أفريقيا (Harki)، وتعيش في مدينة روبيه Roubaix الفرنسية التي ذهب منها الكثيرون للجهاد في سورية، وتملك الحركة السلفية في هذه المدينة بعض نقاط الاتصال في الجوامع الهامة التي تنظر السلطات إليها بعين الرضى لأنها تعمل في مجال الرقابة الاجتماعية. لا تتعلق المسألة السورية إلا بعدد محدود من الأفراد، أي حوالي ثمانمائة شخص حسب أرقام الشرطة، ولكن هذا العدد أكبر بعشر مرات من عدد الذين ذهبوا إلى أفغانستان والبوسنة والجزائر.
سؤال: هل يختلف الخطر الإرهابي عن خطر تنظيم القاعدة سابقاً؟
جيل كيبيل: نعم، لقد تغير نموذج التجارة الإسلامية للجهاد الإرهابي: تهدف الدولة الإسلامية لأبو بكر البغدادي، الخليفة المُزيف إبراهيم، إلى إعادة الاستقلالية للفرد. كان تنظيم القاعدة يدفع ثمن بطاقات الطائرة، ويحدد الأهداف، وكان انتحاريو 11 أيلول ينفذون الأوامر. إن الذي يقوم بالتنظير لهذه المعطيات الجديدة هو أبو مصعب السوري الذي كان أحد معاوني بن لادن سابقاً. لقد اعتقله الأمريكيون، وسلّموه إلى سورية، ثم أفرج عنه بشار الأسد عام 2011 لكي ينقل الجهاد إلى التمرد من أجل تفتيته؛ أدى ذلك في النهاية إلى تأسيس الدولة الإسلامية التي قضت على بقية المعارضين الأقل راديكالية، وسمحت للأسد بتقديم نفسه كحصن ضد الوحشية الجهادية. عندما نقرأ "نداء  المقاومة الإسلامية العالمية" التي كتبه  أبو مصعب السوري ـ وقمت بترجمة بعض مقاطعه في كتابي:  الرعب والشهادة Terreur et Martyre ـ ، يشرح أنه يجب استهداف ثلاثة أنواع من الأهداف في الغرب هي: اليهود وليس الكنائس اليهودية، ومن الأفضل المراكز الاجتماعية، ثم المسلمون "المرتدون" الذين يخدمون تحت رداء "الكفار"، ثم المهرجانات الرياضية. انظروا إلى محمد المراح والأخوين تسارناييف Tsarnaïv في بوسطن والمتحف اليهودي في بروكسل: إنه تطبيق حرفي لطريقة العمل. تكمن الفكرة في أن مثل هذه العمليات لا تُكلّف كثيراً، ولكنها تُثير ردود فعل مرعبة في أوروبا، ثم تثير الأعمال الكارهة للإسلام التي سينجم عنها تضامن المسلمين مع تجار الإسلام الأكثر راديكالية من أجل الوصول إلى الحرب الأهلية في أوروبا كمقدمة لانتصار الجهاد العالمي. ما زال كل ذلك في المرحلة الجنينية لتكونه حتى الآن.
سؤال: إذاً، يمكن أن يكون استخدام عودة النزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني كفتيل...
جيل كيبيل: نعم، إن صور مجازر المدنيين الفلسطينيين في هذا السياق المتفجر تراكمت مع شعور الكثير من الشباب المتحدرين من المهاجرين بوجود خطاب مزدوج لدى وسائل الإعلام الفرنسية لصالح إسرائيل. إننا داخل المنطق الذي يتمناه جهاديو الجيل الثالث الذين تأثروا بمنطق أبو مصعب السوري والدولة الإسلامية: ما زالت القضية الجهادية السورية ـ العراقية غير قادرة على تعبئة أعداد كبيرة، ولكن القضية الفلسطينية تُثير تعاطفاً أكبر. إن أساليب العمل للتعبئة معدة بعناية، ولهذا السبب يأملون بتشجيع الانحرافات. من جهة أخرى، شهر رمضان هو شهر مقدس ويتجمع فيه المسلمون بحماس. ولكن السكان المسلمين في غزة مُنهكون من الصيام والحر الشديد والقصف. وصل شعور الانتماء والسخط إلى ذروته. نلاحظ جيداً القلق الناجم عن اختلاط هاتين القضيتين، وأن يستفيد الجهاديون الذين تدربوا في سورية من هذه الأرضية الخصبة.
سؤال: هل كان يجب منع المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين في فرنسا؟
جيل كيبيل: يجب أن يكون لدينا الحق في التعبير عن رأينا في فرنسا تجاه تدهور الوضع في المنطقة. ولكن يجب توفير إشراف أكبر لأن تجاوز إطار هذه المظاهرات أمر غير مقبول. المظاهرة هي تعبير اجتماعي مؤطر بالحرمان من الحقوق. إن حرية التظاهر هي حق ديموقراطي وضروري. إن منع التظاهر إذا كان سلمياً يعني المخاطرة باللجوء إلى استخدام وسائل سرية وغير مؤطرة. من المشروع الشعور بالقلق من تزايد العداء للسامية ومن معاناة المدنيين في غزة أيضاً. إن عدم وجود إرادة لمعالجة المشكلة، يعني تحقيق رهان تجار التعصب للهويات الضيقة وبعض الناس مثل آلان سورال Alain Soral وديودونيه Dieudonné.




الأحد، ٢٠ تموز ٢٠١٤

(من الانسجام إلى التكبر، نقاط قوة وضعف العالم الغربي)

صحيفة اللوموند 18 تموز 2014 ـ مقابلة مع ريجيس دوبريه Régis Debray ـ أجرى المقابلة نيكولا ترونغ Nicolas Truong

     ريجيس دوبريه، روائي ومفكر وفيلسوف وكاتب فرنسي (74 عاماً)، وهو مدير المعهد الأوروبي للعلوم الدينية منذ عام 2005. كان ناشطاً ثورياً، وانضم إلى معركة فيدل كاسترو وتشي غيغارا، واعتقل في بوليفيا أربع سنوات بين عامي 1967 و1971. كان مستشاراً للرئيس فرانسوا ميتران بين عامي 1981 و1988. صدر آخر كتاب له بالتعاون مع الفيلسوف الصيني زهاو تينغيانغ Zhao Tingyang بعنوان: (من السماء إلى الأرض. الصين والغرب).
سؤال: ماذا تعني كلمة الغرب؟
ريجيس دوبريه: الغرب هو منطقة ومنظمة ومشروع في آن واحد. تغطي هذه المنطقة الفضاء الأوروبي ـ الأطلسي، أي ما كان يطلق عليه في الماضي "العالم الأول" مقابل "العالم الثاني" في الكتلة الشيوعية والعالم الثالث. إنه المنطقة المسيحية باستثناء العالم الأورثوذوكسي. الغرب هو منظمة سياسية ـ عسكرية أيضاً، أي حلف شمال الأطلسي وهو منظمة هجومية وتوسعية، وكما قال ديغول: "الحلف الأطلسي هو أداة الهيمنة الأمريكية". لم يعد هذا الحلف مرتبطاً بشمال الأطلسي فقط على الرغم من اسمه، باعتبار أنه يعمل في أفريقيا وآسيا الوسطى، أي ما كان يسمى "خارج المنطقة". أخيراً، الغرب هو مشروع وإرادة بتحديث العالم بأسره حسب المفهوم الذي يعطيه للحداثة، أي ذلك الخليط من السوق الحر والفردية في أقصى أشكالها ـ الفرد الملك بدون التقاليد والانتماء الذي يكبل المستهلك ـ والإدارة الرشيدة التي تعني فن الحكم بدون ممارسة السياسة، وبالتالي، إدارة الدول كما تُدار الشركات. الغرب ليس مؤامرة بل حلم طوباوي وجنون يقف وراء النزعة الغربية لحكامنا ووسائل إعلامنا، إذا كان بالإمكان التمييز بين الحكام ووسائل الإعلام اليوم.
سؤال: هل وُلد الغرب في العصور الوسطى مع قدوم المسيحية وولادة الجامعات وازدهار المدن كما يقول المؤرخ جاك لوغوف Jacques Le Goff؟
ريجيس دوبريه: نعم. المسيحية في العصور الوسطى هي الشكل الكامل للغرب، وحتى في حروبها الصليبية ضد  المسلمين. أعتقد أن الغرب وُلِد في اليوم الذي صعد فيه بيترارك Pétrarque (شاعر إيطالي عاش بين عامي 1304 م و1374 م) إلى جبل فونتو Ventoux (ارتفاعه 1911 متر في جبال الألب الفرنسية). لأن الغرب هو الفكرة التي تقول بأنه يجب الانتقال من التأمل إلى الهيمنة على العالم، وبالتالي لا يكتفي بمراقبة جبل أولمب كما كان يفعل اليونان، بل يتسلقه أيضاً. إن هذا المشروع بالتدخل هو الذي حوّل الزمان إلى تاريخ محدد، وحوّل المكان إلى تُخوم يجب غزوها، الأمر الذي ساهم في تطوير "الروح الفاوستية" (âme faustienne) التي لا توجد حدود لطموحاتها. يتمثل شعار الألعاب الأولمبية بالمقولة التالية: أكثر سرعة وأكثر ارتفاعاً وأكثر قوة. يجب أن تكون في المرتبة الأولى والبطل قبل الآخرين، ويجب قياس كل شيء.
سؤال: لماذا يجري الحديث حالياً عن انحطاط الغرب؟ إن فكرة انحسار القوة ليست جديدة منذ أفلاطون حتى أوزفالد سبينغلر Oswald Spengler (فيليسوف ألماني عاش بين عامي 1880 و1936)...
ريجيس دوبريه: إن فكرة أوزفالد سبينغلر هي أن الإرادة بغزو العالم تفترض أن نبيع روحنا إلى الشيطان، أي إلى الآلة. إن هذه النظرية هي فرضية عمل بالنسبة لنا: العلماء في العصور القديمة يتأملون العالم، والعلماء العرب يبحثون عن الوصفة السحرية التي ستسمح لهم بالحصول على الكنوز بدون أن يتحركوا كثيراً، والعلماء الغربيون أصبحوا مهندسين. اخترع الشرق البارود، واستخدمه من أجل الألعاب النارية. أما الغرب، فقد استفاد من البارود لصنع المدافع. ينطبق ذلك على البوصلة أيضاً، فقد اكتشف الغرب القارة الأمريكية. إن الغرب هو الذي يعرف الانتقال من المعرفة إلى التقنية. تنبأ أوزفالد سبينغلر بأن الطبيعة ستتمرد في النهاية، وظهر علم البيئة فيما بعد. ولكنه أخطأ في نقطة واحدة: لم يلاحظ أن الروح الفاوستية يمكن أن تصبح عالمية، وأن الهند والصين بإمكانهما الحصول على مهندسين وتقنيين وبراءات اختراع صناعية يوماً ما.
سؤال: متى استعادت كلمة الغرب مركزيتها مرة أخرى؟
ريجيس دوبريه: شهدنا في عام 2000 تقريباً انبعاث كلمة الغرب مرة أخرى بعد اختفائها منذ الحرب العالمية. كان يجري الحديث سابقاً عن أوروبا وتجمع الأمم، ثم جاء الغرق الديموغرافي وإغلاق المعامل وتلوث البيئة وانعدام الإيمان بهذا النموذج للنمو ليعلن عن قدوم ساعة الحنين إلى المجد المفقود.
سؤال: لماذا هذا الهاجس؟
ريجيس دوبريه: إن تخلي أوروبا عن تحديد شخصية خاصة بها وعن تحديد حدودها اضطرها إلى إيجاد وسيلة لتمثيل نفسها ولتقديم نفسها إلى الآخرين. أن تكون أوروبا سوقاً كبيرة فقط، ليس أمراً يدعو للفخر كثيراً. بالمقابل، يفرض الغرب هذا الفخر واعتاد عليه. تخلت الجمهورية الفرنسية عن نظام قيمها وعن استقلاليتها الدبلوماسية، وعادت مرة أخرى إلى قيادة منظمة حلف شمال الأطلسي. إنه قرار ثانوي، ولكنه يرمز للرئيس الديغولي ـ الجمهوري نيكولا ساركوزي، ثم صادق عليه شبيهه فرانسوا هولاند. وهكذا عدنا إلى "العائلة الغربية". إن هذا الموت التاريخي لجان جوريس Jean Jaurès (رجل سياسة فرنسي اغتيل في باريس عام 1914) وشارل ديغول أعطى لهذا الاستسلام معنى العودة إلى الوضع الطبيعي.
سؤال: لا يمكن فرض النفس إلا عبر المعارضة. ما الذي يعارضه الغرب؟
ريجيس دوبريه: إنه يعارض الشيطان. تغير اسم الشيطان خلال القرون الماضية: كان اسمه الملحد البيزنطي ثم المسلم في العصور الوسطى (Sarrasin) ثم العثماني ثم البرابرة ثم الشيوعية الستالينية وأخيراً الإسلاموية. إن الإشارة الغامضة قليلاً إلى الغرب تمنحه ميزة التناقض الضمني بدون سيئات الجدل المفتوح. إنه شكل للمعارضة بدون قول ماذا نعارض، ولكنه يقول كل شيء في الوقت نفسه.
سؤال: تبنت مجموعة يمينية متطرفة في فرنسا خلال سنوات الستينيات اسم الغرب من أجل الدفاع عن إيديولوجيتها. كتب الكاتب التشيكي ميلان كونديرا Milan Kundera مقالا هاماً عام 1983 حول الفكر المعارض بعنوان: (الغرب المخطوف). كيف يمكن تفسير الاستخدام المتعارض والمتناقض للكلمة نفسها؟
ريجيس دوبريه: إن قوة مفهوم الغرب تكمن في غموضه. هناك الغرب الذي يحمل القيم الإنسانية، ولنقل أنها قيم يسارية مثل: تحرير العقل والحقوق العالمية والمساواة بين الجميع. وهناك عنصرية حضارية (أي أنا الذي أقول ما هو القانون لأنني الأكثر قوة). ظهر بيان عام 1934 بعنوان: "من أجل الدفاع عن الغرب" لدعم  العدوان الإيطالي على إثيوبيا، وينادي بشرعية الدول الغربية في الاحتلال باسم التفوق الوجودي (Supériorité ontologique). ظهر بيان آخر للرد عليه بتوقيع فرانسوا مورياك Francois Mauriac (كاتب فرنسي عاش بين عامي 1885 و1970) وآخرين. إنه دليل على أنه يجب فصل ما هو مفيد عما هو ضار. على أي حال، إن قيام بعض الجهات التي يُفترض انها يسارية باستعادة موضوع الدفاع عن الغرب يمثل تغيراً مفاجئا وغريبأً للأشياء.
سؤال: ما هي نقاط قوة الغرب؟
ريجيس دوبريه: أولاً، تماسك غير مسبوق تحت قيادة واشنطن بموافقة الجميع. الغرب هو التجمع الوحيد أحادي القطب في عالم متعدد الأقطاب. لن يقبل أي صيني أبداً أن يُمثله أحد الهنود، والعكس صحيح. وكذلك الحال بين الأرجنتيني والبرازيلي أو بين النيجيري و جنوب الإفريقي. الغرب ليس لديه إلا رقم هاتف وحيد في حال الأزمة هو البيت الأبيض. ثانياً، احتكار ما هو عالمي: الغرب هو المكان الوحيد في العالم القادر على تمثيل مصالحه الخاصة كمصالح للإنسانية بشكل عام. إن التعبير الأكثر سمواً للضمير العالمي هو منظمة الأمم المتحدة الموجودة في نيويورك، أي في مركز القوة العظمى الوحيدة التي تملك قواعد عسكرية في القارات الخمسة. شخصياً، أنا أفضل أن يكون مقر منظمة الأمم المتحدة في مدينة القدس المقدسة باعتبارها تمثل الحدود بين الشرق والغرب.
ثالثاً، الغرب هو أيضاً مدرسة لكوادر العالم. ليس هناك مهاجرون أمريكيون في العالم، ولكن الولايات المتحدة تستقطب 42 مليون مهاجر، ولديها أطفال بالتبني في جميع أنحاء العالم، وحتى أبناء القادة الصينيين يرسلون أبناءهم لتعليمهم في شركاتها وجامعاتها. الولايات المتحدة هي متعددة الهويات من جميع أنحاء العالم، وهي حالة فريدة من نوعها. رابعاً، توحيد الوعي الإنساني بكل تنوعاته، وهذا ما يسمى أيضاً بـ "القوة الناعمة" (Soft power) التي تمثل نوعاً من تشكيل الأحلام الخيالية للعالم بأسره.
سؤال: إذاً، انتصر الغرب في معركة الهيمنة الثقافية على الرغم من زوال الاستعمار والعالم متعدد الأقطاب؟
ريجيس دوبريه: انتصر الغرب في الحرب الباردة عبر موسيقى الجاز وفرقة البيتلز والصدور العارية وعبر القوة المالية والعسكرية. اليوم، إن أول عشرة شركات عالمية للدعاية هي شركات غربية، كما تمثل جوائز نوبل للسلام وبراءات الاختراع تفوقاً هائلاً. لا يمكن اختزال موازين القوى بالقوة المادية والعددية. إن تحول الصين إلى القوة الاقتصادية الأولى في العالم في عام 2030، كما كان عليه الحال عام 1830، لا يعني أنها ستصبح القوة الأولى المهيمنة في العالم. الولايات المتحدة ليست بحاجة إلى مؤسسات ثقافية في العالم. انهزم الجنود الأمريكيون في فييتنام، ولكن كوكا كولا هي التي انتصرت في الحرب. الهيمنة هي عندما تكون ليست فقط مقبولة بل ومرغوبة أيضاً من قبل المُهيمَن عليهم. كان نيكولا ساركوزي فخوراً بارتدائه قميصاً عليه أحرف شرطة نيويورك (NYPD)، وكان فرانسوا هولاند فخوراً عندما وضع أوباما يده على كتفه.
سؤال: ما هي نقاط ضعف الغرب؟
ريجيس دوبريه: أولاً، جنون العظمة. هناك جهل متعجرف بالعالم الخارجي: يُقال في الولايات المتحدة: "الغرب والبقية" (The West and the Rest). احتاج الغرب إلى ثماني سنوات لكي يفهم أن قواته كانت تحتل أفغانستان. ثانياً، ضياع المُقدس ونكران التضحية: قُتِلَ ستة وعشرون ألف جندي فرنسي يوم 26 آب 1914، ولم يخرج الرئيس الفرنسي آنذاك ريمون بوانكاريه Raymond Poincaré من مكتبه. كان ذلك طبيعياً. اليوم، يُقتل جندي في مالي، ويصبح ذلك مأساة. تغيرت علاقتنا مع الموت جذرياً، وهذا هو السبب في البحث عن حرب بدون قتلى وعن الطائرات بدون طيار. المُقدس هو الذي يفرض التضحية ويمنع تدنيس المقدسات. لا يوجد أوروبيون مستعدون للموت من أجل أوروبا. حافظ الشرق على معنى المُقدس، وبالتالي على التضحية، وهذه هي نقطة قوته.
سؤال: ولكن تسعة أمريكيين من أصل عشرة يؤمنون بالله، وحتى جلسات مجلس الشيوخ الأمريكي تُفتتح بالصلاة. أليست الولايات المتحدة هي مكان المُقدس الغربي؟
ريجيس دوبريه: نعم. إن ديانتها التوراتية ـ الوطنية جعلتها أمة ملتحمة ومُغلقة ومُهيمِنة ومبنية بشكل عمودي. إن المعادلة الوطنية فيها هي التحالف بين الدولار والله والحداثة العلمية والميتافيزيقيا البالية. ينطبق ذلك على الولايات المتحدة وإسرائيل التي ليست مستعمرة بل البلد الذي يرمز للولايات المتحدة بصفتها الأرض الموعودة.
سؤال: الغرب هو هيمنة الحاضر أيضاً؟
ريجيس دوبريه: هذه هي نقطة ضعفه الكبرى. يجري التفكير والحكم على وتيرة نشرة أخبار القناة الأولى TF1 التي تريد أخباراً خاطفة وآنية. يعيش "الأعداء" في زمن أطول. إن ذاكرة المُهانين أقوى من ذاكرة أسيادهم دوماً، لأننا نتذكر الصفعات التي تلقيناها أكثر من الصفعات التي نوجهها. إن كلمة المُهانين الأولى هي المقاومة. لننظر إلى العراق وأفغانستان وليبيا، لقد عُوقب الجنون بشكل كبير. وأكثر من ذلك، أدى تدمير الدول الوطنية إلى انتشار الحق المزعوم بالتدخل في الشؤون الداخلية من قبل الدول المُخلة بالنظام. على المدى القصير، نحن نتكبر. على المدى الطويل، سنرحل. يُطرح دوماً السؤال المتعلق بالفترة التالية، وليس لدينا جواب على ذلك. بافتراض أن إسرائيل قادرة على تدمير حماس، فإنها ستواجه منظمات أكثر راديكالية بكثير ولا يمكن الاتصال معها.
سؤال: ألا تنسون الخصوصية الغربية المتمثلة في الانتقاد والشك الدائم، الأمر الذي جعلها استثناءاً في الوقت الذي تعود فيه المذاهب التقليدية المتمسكة بصحة معتقداتها؟
ريجيس دوبريه: أنتم محقون، إن الابتعاد عن الذات والتمرد النقدي هما ميزتنا الأساسية. ولكن في كل مرة يُطلب فيها من الغرب أن يحاسب نفسه، فإنه يُلوح بقيمه. يختلف الوضع مع الإسلام: نتحدث عن تصرفات المتطرفين في الإسلام، ولكن لا نتحدث عن قيم الإسلام.
سؤال: ألا تتسرعون في إفراغ الثقافة الأوروبية من مضمونها، وهي ما زالت حية، ولم تتوقف عن مساءلة تقاليدها بشكل يُغذي الاحتجاج ضد هيمنتها؟
ريجيس دوبريه: أنا مستعد للقتال من أجل الغرب الذي يتمثل بفلاسفة عصر النهضة مثل ميشيل دو مونتين Michel de Montaigne والباحث الفرنسي بعلم الأجناس والأعراق كلود ليفي ستروس Claude Lévi-Strauss (1908 م ـ 2009 م) والمفكر والمؤرخ السياسي الإسرائيلي زيف ستيرنيل Zeev Sternhell (أستاذ في الجامعة العبرية بالقدس). يجب الدفاع عن الغرب المُتمثل بعلماء الأجناس والأعراق وبحب الاطلاع وبالشجاعة الحضارية، أي الغرب الذي يعترف بوجود الآخر. إنه هذه المساحة من العالم التي يُسمح فيها بالشك. نحن لدينا الميزة المتمثلة بالقدرة على امتصاص النقد السلبي. عندما يكون لدينا منشق، نقوم بإشراكه ودمجه. انظروا كيف جعلنا من دانييل كون بينديت Daniel Cohn-Bendit (رجل سياسي يساري فرنسي، كان عضواً في حزب الخضر وعضواً في البرلمان الأوروبي، واعتزل العمل السياسي بعد الانتخابات الأوروبية الأخيرة في شهر أيار عام 2014) أهم الشخصيات في أوروبا الليبرالية الجديدة!
سؤال: هل يمكن فصل هذا الغرب الثقافي عن الغرب السياسي؟
ريجيس دوبريه: يبدو لي أن الغرب الثقافي هو شاهد النفي للغرب السياسي. إنه شاهد النفي للإرادة بالهيمنة المنافقة والغبية. صحيح أن أوروبا السياسية هي أوروبا التشاور وليس أوروبا القرار. يوجد بالتأكيد نقاط اتصال بين الجامعات والحكومات، ولكن العامل الثقافي يتضاءل جداً للأسف.  انتصر المال في هذه الجولة.
سؤال: فيما يتعلق بمقولة الفيلسوف الألماني هيغل Hegel (1770 م ـ 1831 م) المشهورة حول نابليون عندما قال أنه شاهد مرور "روح العالم على الحصان"، أليس هناك أي أساس لهذه المقولة؟ ألا توجد قيم عالمية تفرض نفسها بالقوة أو حتى بالغزو؟
ريجيس دوبريه: لا. إن كل ما يفرض نفسه بالقوة يتسبب بظهور مقاومة واللجوء إلى القيم المضادة. هذا هو سبب انبعاث الإسلاموية إلى حد ما: إنه ردة فعل لتحصين الهوية. لا يمكن مهاجمة الإيمان وشهر رمضان والممنوعات الثقافية دون أن يكون هناك ردة فعل على ذلك.
سؤال: يبدو أن أعداء الغرب أصبحوا واضحين: الإسلام الراديكالي والجهادية. إنه صدام جديد بين الحضارات؟
ريجيس دوبريه: الغرب لديه مشروع عالمي منذ أن أصبح مسيحياً. قال القديس يوحنا: "إذهبوا وعلّموا جميع الأمم". جاء بعده دين آخر عالمي أيضاً مع إله واحد: الله. يملك الدين الأول الوسائل اللازمة لتحقيق أهدافه، أما الدين الثاني فلا يملكها. الجهاد العالمي هو تصور خيالي خادع (Fantasme). إن ما يبحث عنه الطالبان الأفغان هو مجرد عدم غزو وديانهم، ولا يريدون تغيير دين العالم بأسره. لقد جعلنا من الإسلام كلمة تتضمن العديد من المفاهيم المختلفة حسب الشخص الذي يستخدمها، ونجمع فيها القاتل والمقتول معاً. إن الانقسام بين الشيعة والسنة يُذكّر بالانقسام بين البروتستانت والكاثوليك في القرن السادس عشر، ولكن لم يعد له مقابل لدينا في القرن الواحد والعشرين. لا توجد أية عاصمة سنية أو شيعية تتبنى نظرية الجهاد العالمي. توجد نزعة "عالمية غربية"، ولا توجد نزعة "عالمية إسلامية".
سؤال: لم تتوقف الدول الغربية عن التنظير للتدخل العسكري أو الإنساني منذ الفيلسوف ورجل الدين توما الإكويني (1225 م ـ 1274 م). ألا توجد حرب عادلة؟
ريجيس دوبريه: إن كل بلد يشن حرباً يعلن أنها حرباً عادلة. لنقتدي بجان جوريس حول هذه النقطة: الحرب العادلة هي حرب الدفاع الوطني. إن أي شعب يبدأ المقاومة عندما يتعرض للاحتلال أو للاعتداء من قبل شعب آخر. ولكن الذهاب لاحتلال بلد بعيد لم يعلن الحرب عليك يعني الاستعمار الذي حظي دوماً بغطاء إنساني.
سؤال: هل نحن في طور مشاهدة تحول العالم إلى قبائل (Tribalisation) بدلاً من صدمة الحضارات؟
ريجيس دوبريه: اعتقدنا خلال فترة طويلة أننا سنخرج بشكل مُشرّف من عالم الدول القومية إلى عالم المنظمات العالمية، ولكننا نكتشف أننا نخرج بشكل مُهين إلى القبيلة. نرى اليوم عودة الأحزاب البالية المبنية على العرق والدين. حان الوقت لإعادة الأفكار القديمة والجميلة التي وُلِدت في الغرب مثل المواطنة، والدول القائمة على قانون للجميع وليس على أصل هذا الطرف أو ذلك، أو حتى على العلمانية التي تمثل مفهوماً يمكن تصديره نظرياً، وهي مفهوم ضروري للبقاء. على سبيل المثال، لن نسلك طريق العلمانية عندما نرى الصهيونية العلمانية للمؤسسين الأوائل تتحول إلى قومية دينية. ينطبق ذلك على فلسطين التي لم تعد أولويتها تتمثل في الكفاح السياسي لحركة فتح، وأصبحت تابعة لإسلاميي حماس. كما أصبحت الهند هندوسية مرة أخرى، وأصبح البعض الآخر مرة أخرى بوذيين يحملون السلاح. إذا كانت فرنسا ما زالت تملك القليل من استقلالية الفكر، فبإمكانها تذكير الغرب وأنصاره بمبادئها الثقافية الأساسية بدلاً من دفن الرأس في الرمل، ولاسيما في الشرق الأوسط.
سؤال: إذاً، لم يعد الغرب مكاناً لـ "خيبة أمل العالم"؟

 ريجيس دوبريه: اخترع هذا التعبير عالم الاجتماع الألماني ماكس ويبر Max Weber (1864 م ـ 1920 م) الذي راهن على عقلنة المجتمعات وإبعاد الأديان والمعتقدات. من المؤكد أنه هناك خيبة أمل في فرنسا أو بلجيكا، ولكن أوروبا الغربية أصبحت على الهامش وليس في مركز المصير الإنساني. يجب تصور فكرة أن التحديث هو انكفاء وأن العولمة هي بلقنة. كلما تماثل العالم مع بعضه البعض عبر التقنية والاقتصاد، كلما ازداد حاجته إلى البحث عن الهويات الضائعة.