الصفحات

الثلاثاء، ٣٠ أيلول ٢٠١٤

(هزيمة داعش ستحتاج للوقت)

صحيفة الفيغارو 30 أيلول 2014 بقلم آلان بارليويه Alain Barluet

     يؤكد جميع السياسيين والمحللين في التحالف المعادي للجهاديين أن هزيمة داعش عسكرياً ستحتاج للوقت، ولاسيما أن الهدف هو "تدمير" هؤلاء الزعماء الجدد للترهيب كما صرح باراك أوباما. إذاً، ليس هناك خيار آخر غير العمل على المدى الطويل خلال عدة أشهر وربما عدة سنوات. ولكن هذه الحركة الفعالة والمؤدلجة ستسعى بدورها للاستفادة من الوقت من أجل توسيع سيطرتها على الأرض وتعزيز وسائلها العسكرية والمالية والإعلامية. هذه هي المعادلة المتناقضة التي سيواجهها القادة الغربيون والعرب في التحالف: إنه سباق مع الوقت، وسيكون سباقاً طويلاً بالتأكيد، ويكمن رهانه في تغيير موازين القوى على الأرض في العراق.
     يعتبر المقربون من وزير الدفاع الفرنسي جان إيف لودريان أن "داعش هي العدو الأكثر تهديداً الذي واجهته فرنسا خلال السنوات الأخيرة". هناك العديد من الأسباب التي تُفسّر هذه الخطورة مثل: القدرات الاستراتيجية والعسكرية لهؤلاء الجهاديين "من الجيل الأحدث"، وخبرتهم في وسائل الإعلام الاجتماعية، والعلاقة التي أقاموها بين التهديد الداخلي والخارجي (هناك الكثير من الأجانب منهم حوالي ألفي أوروبي يقاتلون أو قاتلوا في صفوفهم). يملك الجهاديون 3500 عربة خفيفة وألف شاحنة والمدافع والدبابات، وقد استولوا على عشرات الدبابات الإضافية خلال الأيام الماضية، ولكن يبدو أنهم غير قادرين على شن غارات بالعربات المدرعة.
     يؤكد المحللون في وزارة الدفاع الفرنسية أن "الهدف واضح، وهو إضعاف داعش بما فيه الكفاية من أجل السماح للدولة العراقية باستعادة السيطرة على الأراضي"، وأضافوا أن "إبعاد الجهاديين ممكن، ولكن ذلك سيحتاج للوقت". تتضمن استراتيجية مواجهة داعش عدة جوانب: الجانب الأول هو توجيه ضربة لإيقاف ديناميكية الدولة الإسلامية، وقد سمحت الضربات الجوية بإيقاف انطلاقة الدولة الإسلامية ومنعتها من الهجوم على بغداد وأربيل، ولكن الضغط الجهادي ما زال قوياً جداً في العديد من الجبهات. اعترف المحللون في وزارة الدفاع الفرنسية أن "الجيش العراقي والأكراد ليسوا قادرين حالياً على استعادة الموصل. إن أولئك الذين بإمكانهم طرد الدولة الإسلامية ميدانياً ليسوا مستعدين في الوقت الحالي". كان عدد الجهاديين يتراوح بين عشرة آلاف وإثني عشر ألفاً في شهر حزيران الماضي، وأصبح عددهم حالياً يترواح بين خمسة وعشرين ألف وثلاثين ألفاً. يبقى معرفة فيما إذا كانت هذه الأعداد الكبيرة ستتصف بالصلابة نفسها للنواة الأولى التي تتألف من حوالي عشرة آلاف جهادي.
     الجانب الثاني في هذه الاستراتيجية هو دعم الدول المجاورة مثل لبنان والأردن وتونس...، وتجنب انتقال عدوى الإرهاب من خليج غينيا إلى وازيرستان. إن العملية العسكرية الفرنسية في في الصحراء الأفريقية (الساحل) Barkhane تمثل وسيلة أساسية لقطع عمليات التهريب غير الشرعية، ولكن العمل الشامل والواسع في "قوس الرعب" يحتاج إلى وقت طويل. الجانب الثالث هو ضرب الوسائل المالية للإرهابيين. تقوم داعش بالابتزاز والنهب في المناطق التي تسيطر عليها، وتبيع النفط بأسعار بخسة، وهذه هو السبب في الهجمات التي شنها التحالف ضد المصافي النفطية. لن تظهر نتائج هذا القصف بشكل فوري، ولكن المحللون في وزارة الدفاع الفرنسية أعربوا عن قلقهم بقولهم: "كلما تمسك الجهاديون بالأرض، كلما ازدادت عوائدهم المالية". إن الأموال والترهيب ستسمح للجهاديين بتعزيز سيطرتهم العسكرية والبشرية على "دولة" ربما ستصبح أقل وهمية مع مرور الوقت.

     تصبح هذه المعادلة أكثر تعقيداً مع سورية. إنها معقدة جدا لدرجة أن باريس ترفض تحديد الهدف العسكري، مؤكدة على "تقاسم المهمات" مع واشنطن، وضرورة "عدم القيام بأي شيء يستفيد منه بشار".

الاثنين، ٢٩ أيلول ٢٠١٤

(أضرار)

افتتاحية صحيفة الليبراسيون 29 أيلول 2014 بقلم ألكسندرا شوارتزبرود Alexandra Schwartzbrod

     إن السؤال الذي يشغل بال المحللين هو: هل يمكن الاستمرار بشن الحرب ضد الجهاديين والانتصار بها عبر الضربات الجوية فقط؟ الأمر المؤكد هو أن هذه الحرب التي بدأت في العراق تُعيدنا إلى سورية التي يقصفها الأمريكيون. ولكن أولئك الذين يحاولون اعادة العلاقة مع الأسد من أجل مواجهة الجهاديين بشكل أفضل، يجب عليهم عدم التوهم: إن الجهاديين مدينون كثيراً للدكتاتور. يكفي لإقناعهم أن يقرؤوا الشهادات التي جمعها مراسلنا الخاص في مدينة غازي عنتاب على الحدود التركية ـ السورية لوك ماتيو Luc Mathieu.

     أظهر المقال أننا عدنا إلى نقطة البداية: هل يجب مساعدة وتسليح المتمردين المعتدلين في سورية؟ أضاعت الدول الغربية أكثر من سنتين والكثير من الضحايا السوريين لأنها لم تتجرأ على القيام بهذه الخطوة في وقتها. يجب التوقف عن التردد، ومساعدة وتسليح المتمردين المعتدلين أو ما بقي منهم، هذه هي الأولوية.

(الجهاديون والمدنيون يهربون من الرقة)

صحيفة الليبراسيون 29 أيلول 2014 بقلم مراسلها الخاص في مدينة غازي عنتاب على الحدود السورية ـ  التركية لوك ماتيو Luc Mathieu

     قال المتمرد السابق أبو جعفر الذي هرب من الرقة مع عائلته يوم الأربعاء 24 أيلول بعد بدء الضربات الأمريكية في سورية: "إنه شعور غريب يختلط فيه الحزن مع الغضب والفرح. أنا مسرور لأنه تم استهداف الجهاديين أخيراً، ولكنني غاضب لأن سورية تتعرض للقصف من جديد، ولأن المدنيين يُقتلون. أخشى من أن ذلك لن ينفع بشيء في النهاية". أشار أبو جعفر أيضاً إلى أن الضربات الأمريكية بدون مساعدة المعارضة لن يستفيد منها إلا نظام بشار الأسد، وقال: "أن ذلك يعني تحالفاً بحكم الواقع بين النظام والولايات المتحدة ضدنا نحن المتمردين الأوائل".
     اختفى الجهاديون من مدينة الرقة في منتصف شهر أيلول. قال أحد الناشطين الذين ما زالوا في الرقة: "قام الجهاديون بإعادة تنظيم أنفسهم غداة سماعهم لكلمة باراك أوباما بتاريخ 11 أيلول، وتخلوا عن المركز العام لقيادتهم تاركين فيه بعض الحراس، ونقلوا دباباتهم وأسلحتهم الثقيلة. غادر الجهاديون الأجانب الرقة باتجاه الشمال للمشاركة في الهجوم على مدينة قوباني الكردية، ولم يبق إلا المقاتلين السوريين الذين تتحدر أصولهم من الرقة. إنهم لا يتمركزوا الآن في مباني الدولة الإسلامية، بل في المنازل بين المدنيين".
     ما الفائدة من الضربات الأمريكية باستثناء أنها تؤجج غضب الجهاديين؟ قال إبراهيم الذي ما زال في الرقة عبر السكايب: "لا فائدة تُذكر كما هو الحال بالنسبة للضربات السابقة. صحيح أن القصف الأمريكي أدى إلى هروب المقاتلين من الرقة، ولكنهم ما زالوا في سورية. يكمن الخطر في أن جيش بشار الأسد سيملئ الفرغ الذي تركوه. إذا حصل ذلك، فهذا يعني أننا هُزمنا بشكل نهائي. الحل الوحيد هو تجهيز وتسليح كتائب الجيش السوري الحر بأقصى سرعة. إنهم ما زالوا هنا مُختبئين في المناطق المحيطة بالرقة، وهم يعرفون المنطقة بشكل ممتاز".



نتائج انتخابات مجلس الشيوخ الفرنسي 28 أيلول 2014

     جرت انتخابات مجلس الشيوخ الفرنسي يوم الأحد 28 أيلول، واستطاع حزب الاتحاد من أجل الحركة الشعبية وحليفه حزب الوسط الفوز بـ 188 مقعداً من أصل 348، مع العلم أن الأغلبية المطلقة تبلغ 175 مقعداً. حازت أحزاب اليسار على 155 مقعداً، وتمكن حزب الجبهة الوطنية من دخول مجلس الشيوخ للمرة الأولى في تاريخه عبر الفوز بمقعدين.
     ستجري انتخابات رئيس مجلس الشيوخ يوم الأربعاء 1 تشرين الأول، وتنحصر بين الرئيس السابق للمجلس بين عامي 2008 و2011 جيرار لارشيه Gérard Larcher ورئيس الوزراء السابق جان بيير رافاران Jean-Pierre Raffarin والرئيس الحالي للجنة الموازنة في مجلس الشيوخ فيليب ماريني Philippe Marini.
     خسر اليسار جميع الانتخابات المحلية منذ فوزه بالانتخابات الرئاسية والتشريعية عام 2012 بسبب فشل سياسته الاقتصادية وعدم تحقيق وعوده الانتخابية، ومن المتوقع أن تستمر سلسلة هزائمه في الانتخابات المحلية خلال انتخابات المجالس المحلية في شهر آذار 2015 ثم في الانتخابات المناطقية في شهر كانون الأول 2015. وهذا يعني أن الحزب الاشتراكي والأحزاب اليسارية بشكل عام ستفقد قاعدتها الانتخابية التي سمحت لها بالوصول إلى السلطة عام 2012.


السبت، ٢٧ أيلول ٢٠١٤

(الترحيب بتوضيحات أنقرة)

افتتاحية صحيفة اللوموند 27 أيلول 2014

     وضع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حداً للغموض بعد عدة أشهر من التردد، إلا إذا كان ذلك رهاناً مزدوجاً. تعهد رجب طيب أردوغان يوم الثلاثاء 23 أيلول أثناء الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك بدعم  التحالف الذي تنظمه الولايات المتحدة لمكافحة الدولة الإسلامية، وأكد أنه سيدعم "عسكرياً وسياسياً وكل شيء". إنه تحول هام بالنسبة لأنقرة التي كان شركاؤها في الحلف الأطلسي يعتبرونها كحليف غامض، ويُشتبه بأنه يسمح لجهاديي الدولة الإسلامية باستخدام أراضيه كقاعدة خلفية.
     في الحقيقة، كانت الحدود التركية ـ السورية البالغة حوالي ألف كيلومتر مكاناً ملائماً لجميع أنواع تهريب الأسلحة والمعدات والنفط منذ ثلاث سنوات وبداية الحرب الأهلية في سورية. كان الكثيرون يعتبرون مدينة غازي عنتاب كـ "مركز تجاري حقيقي للجهاديين" الذين يأتون إليها لإعادة تنظيم أنفسهم والمعالجة وتجنيد المقاتلين الجدد ولاسيما القادمين من أوروبا. أظهر تصريح أردوغان في نيويورك أن حكومته الإسلامية المحافظة أدركت مدى التهديد الذي يمثله جهاديو الدولة الإسلامية ضد تركيا، ولكن يبقى تحديد شكل التعاون التركي مع التحالف الذي من المفترض أن يمر في المرحلة الأولى عبر تنسيق مكثف مع أجهزة الاستخبارات.
     إن أسباب هذا التغير في الموقف التركي مزدوجة. تخشى تركيا من تعزيز قوة المعسكر الشيعي في العراق وسورية، ودعمت المتمردين السنة. كان دعم الجهاديين مبادرة من الجمعيات الإنسانية الإسلامية أكثر من كونه سياسة تركية متعمدة. كما تخشى السلطات التركية من أن الفوضى الحالية في سورية والعراق ستعزز قوة حزب العمال الكردستاني. في الحقيقة، إن التحالف ضد الدولة الإسلامية على وشك تعزيز قوة جميع المنظمات الكردية في الشرق الأوسط، ولاسيما الوحدات العسكرية المرتيطة بحزب العمال الكردستاني الذي يكافح ضد الجهاديين في سورية. إن هذا الاحتمال يقلق الحكومة التركية التي تتفاوض حالياً مع زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان المسجون منذ أربعة عشر عاماً في جزيرة عمرالي.
     أخيراً، بإمكان القادة الأتراك التباهي بأن موقفهم كان ثابتاً حول نقطتين أساسيتين منذ بداية النزاع السوري. أولاً، كانوا يقولون دوماً أن المعارضة ضد بشار الأسد ستتجه نحو الراديكالية بسبب ضعف الدعم من قبل الدول الغربية. ثانياً، إنهم يعتبرون بأن المشكلة الأساسية ليست الدولة الإسلامية بقدر ما هي نظام دمشق الذي هيأ الأرضية أمام الشر، ويدّعي اليوم أنه يريد القضاء عليه. إن أنقرة ليست مُخطئة حول هذين النقطتين. ولكن تركيا محقة في المشاركة بالمعركة ضد الدولة الإسلامية نظراً للوضع الطارئ.



(الذهب الأسود، السلاح الاستراتيجي للدولة الإسلامية)

صحيفة اللوموند 27 أيلول 2014 بقلم جاك فولورو Jacques Follorou ومراسلها في بيروت بنجامان بارت Benjamin Barthe

     أوضحت الضربات الأمريكية يوم الأربعاء 24 أيلول ضد إثني عشرة مصفاة نفطية تحت سيطرة الدولة الإسلامية في شرق سورية الطابع الاستراتيجي لبيع النفط من أجل تمويل هذه الحركة الإسلامية الراديكالية. تكشف هذه المحاولات لقطع الدخول النفطية عن حقيقة معقدة لا تتوافق فيها الاعتبارات التجارية إلا نادراً مع  التحالفات السياسية ـ العسكرية. إن شبكات تهريب النفط التي تنقل نفط الدولة الإسلامية هي نفسها التي تعمل في المنطقة منذ منتصف سنوات التسعينيات. استفادت هذه الشبكات من مصالح غير منتظرة ومرتبطة بدول مثل تركيا وإسرائيل، كما استخدمت الولايات المتحدة أيضاً هذه الشبكات الخفية في العراق من أجل تحقيق مصالحها بين عامي 2003 و2011.
     يتمحور التهريب حول شبكة من الوسطاء والطرقات البديلة التي توصل إلى المصافي السرية في كردستان وتركيا. إن هذه الشبكات موجودة منذ وقت طويل: كان سوق الذهب الأسود مزدهراً خلال سنوات التسعينيات عندما كان الحظر مفروضاً على العراق. يشير عدد من الوسطاء المنخرطين إلى أن سعر برميل النفط الخام القادم من المناطق الواقعة تحت سيطرة الدولة الإسلامية يتراوح بين عشرين وستين دولار، أي أقل من سعر السوق الذي يبلغ مئة دولار تقريباً، الأمر الذي يضمن بيعه. أشار المرصد السوري لحقوق الإنسان في شهر تموز إلى أن الجهاديين كانوا يبيعون برميل النفط الخام بسعر ثمانية عشر دولار إلى السكان الخاضعين لسيطرتهم من أجل تحسين صورتهم.
     إن إبعاد الوسطاء الذين يبيعون نفط الدولة الإسلامية يعني حرمان أجهزة الاستخبارات من مصادر معلومات نادرة تملك اتصالات مع مركز نظام الدولة الإسلامية. يشهد على ذلك الصور التي تلتقطها الطائرات بدون طيار أو الأقمار الصناعية، وتتبادلها أجهزة الاستخبارات الفرنسية والأمريكية. جاءت الصهاريج المسجلة في العراق وتركيا وكردستان العراق إلى موقع دير الزور بين شهري تموز وأيلول. أشار مسؤول رفيع المستوى في الاستخبارات الفرنسية إلى أنه تمت رؤية الصهاريج تحمل النفط المستخرج من الحقول النفطية في بداية الصيف تحت رقابة الدولة الإسلامية. إذا كانت الصهاريج معروفة الهوية، يبدو أن معرفة الطريق الذي تسلكه أكثر صعوبة. أكد رئيس مركز استراتيجيات وسياسات الطاقة فرانسيس بيران Françis Perrin الذي يدير أيضاً مجلة (النفط والغاز العربي) قائلاً: "من المعقد معرفة الطريق الذي تسلكه الشاحنات، لأنه ارتجالي. تستخدم الدولة الإسلامية جزءاً من النفط لتلبية احتياجاتها، وتبيع جزءاً آخراً في محيطها القريب، وتصدر الباقي عن طريق تركيا".
     ربما لن يستمر هذا الوضع. أشار باتريك أوزغود Patrick Osgood من الموقع الإخباري  المتخصص بالنفط العراقي Iraq Oil Report إلى أن السلطات في كركوك وفي كردستان العراق كثفوا رقابتهم خلال الصيف، وأكد بقوله: "أصبح مهربو الدولة الإسلامية يحصلون على نفط أقل، وأصبحت الطرقات التي يسلكونها أقل، وتراجع عدد زبائنهم عما كان عليه الوضع قبل شهرين". هذا هو السبب الذي يُفسّر الهجوم الذي شنته الدولة الإسلامية في شمال سورية من أجل الحفاظ على ممر يتجه نحو الشمال وتركيا. اضطر الجهاديون إلى الانسحاب من الحقل النفطي في عين زالة الواقع في شمال ـ غرب الموصل في نهاية شهر آب بسبب الهجوم المضاد لقوات البشمركة بمساعدة الضربات الجوية الأمريكية.
     أشار مسؤول رفيع المستوى في الاستخبارات الفرنسية إلى أن ضباطاً عراقيين بعثيين سابقين يقومون بدور مركزي في تنظيم بيع نفط الدولة الإسلامية. تشير بعض المعلومات المشتركة بين الأجهزة السرية الفرنسية والأمريكية إلى أن  أحد أهم مسؤولي النظام العراقي السابق عزت إبراهيم الدوري كان متواجداً في دير الزور خلال فصل الصيف. لقد تمكن عزت إبراهيم الدوري خلال سنوات التسعينيات من إقامة التحالفات مع البعثيين في سورية أثناء حكم الرئيس السابق حافظ الأسد. تشير المصادر الأمريكية إلى أنه كان يقوم بتهريب النفط على الحدود السورية العراقية مع الشقيقين باسل وماهر الأسد.
     أشارت المعارضة السورية إلى أن الدولة الإسلامية تركت بعض الآبار ذات العوائد المنخفضة إلى العشائر المحلية لشراء ولائها. تذهب بعض الصهاريج إلى مدينة منبج، شرق حلب، التي أصبحت سوقاً محلية لتبادل مختلف المنتجات النفطية. تعبر الصهاريج الأخرى الحدود العراقية مباشرة وتذهب باتجاه تركيا عبر كردستان العراق. من الممكن تسليم هذه الحمولات على الطريق إلى زبائن لا يحرصون على معرفة مصدرها نظراً لأسعار المهربين التي لا يمكن منافستها. أخيراً، يمكن خلط إنتاج الدولة الإسلامية في نهاية طريقه مع النفط الكردي القادم من حقول كركوك ويصب في ميناء سيحان عبر أنبوب النفط التركي.
     يكمن رهان المهربين في إخفاء مصدر نفط الدولة الإسلامية من أجل التهرب من الرقابة. ولكن المسؤول في الاستخبارات الفرنسية المذكور أعلاه قال: "في الحقيقة، يملك الأمريكيون الوسائل لمعرفة ذلك. عندما كانوا يحتلون العراق، كانوا يغطون على تهريب النفط بين مصفاة باجي في جنوب الموصل وميناء العقبة في الأردن، ويستخدمون أموال التهريب من أجل شراء ولاء العشائر السنية". إن جزءا من مالكي قوافل الشاحنات اليوم هم نفسهم الذين كانوا يملكونها في ذلك الوقت، وهم يحملون الجنسيات التركية والعراقية والكردية ـ العراقية. أكد التاجر الدولي في مجال النفط كزافييه هوزل Xavier Houzel الذي كان رئيس شركة Carbonaphta، إحدى أكبر الشركات المشترية للنفط السوري منذ عام 1974 إلى عام 1990، قائلاً: "هناك أيضاً بعض الأردنيين الذين يعملون بشكل خفي مع بعض المستثمرين الإسرائيليين بالمشاركة".
 أخيراً، لم يتم تأكيد الشكوك المتعلقة ببيع نفط الدولة الإسلامية إلى نظام دمشق بشكل مؤكد. ولكن وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس أكد في إذاعة فرانس أنفو France Info يوم الخميس 25 أيلول قائلاً: "كل شيء يدعو للاعتقاد بأن آبار النفط الواقعة تحت سيطرة داعش تُستخدم من أجل تزويد السيد بشار الأسد".





الجمعة، ٢٦ أيلول ٢٠١٤

(الولايات المتحدة توسع قصفها لمساعدة المعتدلين في سورية)

صحيفة الفيغارو 26 أيلول 2014 بقلم جورج مالبرونو Georges Malbrunot

     قصفت الطائرات الأمريكية والسعودية والإماراتية للمرة الأولى اثني عشرة مصفاة نفطية تابعة للدولة الإسلامية في محافظة دير الزور، وذلك بهدف تجفيف إحدى المصادر الرئيسية لتمويل المنظمة الجهادية التي تجني مليوني دولار يومياً من بيع النفط المُهرّب. أشار المرصد السوري لحقوق الإنسان إلى أن غارات يوم الثلاثاء 23 أيلول أدت إلى مقتل مئة وثلاثين مقاتل أجنبي ـ من أوروبا والدول العربية وتركيا والشيشان ـ ، منهم 84 من الدولة الإسلامية و46 من جبهة النصرة.
     بدأت ترتسم معالم الهدف من الضربات في سورية، قال خبير لم يكشف عن اسمه: "إن المقصود هو إضعاف الدولة الإسلامية وجبهة النصرة لفترة طويلة، وفي الوقت نفسه، تلاحق الولايات المتحدة وحلفاؤها المقاتلين الأجانب حتى عندما ينضمون إلى مجموعات أخرى مثل خوراسان وأحرار الشام". هذا هو السبب في قرار مجموعة أحرار الشام، التي تضم العديد من الأردنيين ولم يتم استهدافها حتى الآن، بإخلاء مقاتليها من مواقعهم في إدلب.
     يسعى التحالف الأمريكي ـ العربي إلى تشجيع بروز معارضة معتدلة حقيقية ـ ولكنها ما زالت مُفترضة حتى الآن ـ وقادرة على توفير بديل للنظام البعثي، وذلك من خلال توسيع أهدافه لكي تشمل كل ما يشبه من قريب أو بعيد التمرد الإسلامي الذي يستحيل التعاون معه ضد بشار الأسد. ستضم هذه المعارضة بشكلها الجديد بقايا الجيش السوري الحر وبقية المجموعات الإسلامية المعتدلة مثل جيش الإسلام المقرب من السعودية وجبهة الثوار السوريين المرتبطة بأجهزة الاستخبارات التركية. قال الخبير المذكور أعلاه: "ليس من قبيل الصدفة أن هاتين المجموعتين هما الوحيدتان اللتان لم تنتقدان بشدة القصف في سورية".
     بالمقابل، أعربت أغلبية المجموعات الأخرى عن ارتيابها من القصف الأمريكي والعربي ضد الجهاديين. انتقد بيان للإخوان المسلمين علناً هذا القصف. كما أدانته أيضاً مجموعة حزم Hazm المتمردة التي زودتها الولايات المتحدة سابقاً بصواريخ مضادة للدبابات. وحتى القيادة العسكرية العليا التابعة للجيش السوري الحر المدعوم من الدول الغربية ألحت على "ضرورة تجنب قصف القوات المعتدلة والوطنية والإسلامية، والتركيز على قوات الطغيان الممثلة بنظام الأسد والذين يدعمونه مثل حزب الله".
     إن قابلية التنقل بين مختلف الفصائل المسلحة تُفسّر بشكل كبير هذه التحفظات المعلنة. لاحظ أحد قادة الائتلاف الوطني بمرارة قائلا: "صحيح أنه حتى داخل الائتلاف الوطني هناك بعض القادة المقربين من الإخوان المسلمين يدينون القصف ضد الجهاديين. ولكن يجب الاعتراف بأن تصريحات الأمريكيين ما زالت غامضة حتى الآن. لقد تحدثوا عن إضعاف ثم تدمير الدولة الإسلامية. نأمل أن الخيار الأخير هو الذي سيفرض نفسه".
     إن خطر تعزيز الأسد هو أحد الانتقادات الأساسية للمتمردين تجاه هذا القصف، بالإضافة إلى الخوف من سقوط ضحايا مدنيين. يؤكد أغلب هؤلاء المتمردين أنه يجب استهداف مواقع النظام أيضاً لكي يكون القصف الجوي فعالاً. نقلت وكالة الصحافة الفرنسية AFP عن أحد المتمردين إبراهيم الإدلبي قوله: "إذا لم يحصل ذلك، فإن هذا القصف سيخدم المصالح الغربية"، وأعرب عن شكوكه بوجود استراتيجية واضحة ومحددة من هذه الحرب.
     ما زالت السلطة السورية في حالة ترقّب، وتشعر بالرضى لرؤية أعدائها يتراجعون أمام نيران الولايات المتحدة. لم يتقدم الجيش السوري في المناطق المستهدفة في الرقة على سبيل المثال. لقد استفادت طائرات دمشق من الضربات الأولى ضد الجهاديين يوم الثلاثاء 23 أيلول لكي تقصف شمال مدينة حلب التي يطمح النظام إلى استعادتها بشكل كامل مع حلول نهاية العام.


(الاتحاد الأوروبي لا يملك الوسائل اللازمة لمواجهة جهادييه)

صحيفة الفيغارو 26 أيلول 201 بقلم مراسلها في بروكسل جان جاك ميفيل Jean-Jacques Mével

     بدأت أوروبا تدرك قوة عدوها الجديد على حدودها، وبدأت تدرك أيضاً أنها لا تملك الوسائل اللازمة لمعرفة هويته وتحديد موقعه وملاحقته حتى داخل حدودها. لم يتهرب منسق الاتحاد الأوروبي ضد الإرهاب جيل دوكيرشوف Gilles de Kerchove من هذا التحدي الذي يواجهه، وذلك بغض النظر عن نتيجة الهجوم الذي تشنه الدول الغربية في العراق وسورية، وقال: "إن المشكلة ليست في التغلب على الانقسامات داخل الأجهزة الوطنية، بل في أننا لا نعرف شيئاً كثيراً". إذا تم "تدمير" العدو في الشرق الأوسط كما وعد باراك أوباما، فسوف يجب مواجهة عودة الناجين من بين ثلاثة ألاف أوروبي ذهبوا للقتال تحت راية الجهاد.
     لقد عاد المئات من هؤلاء المقاتلين، وعاد الكثيرون منهم من حرب مُرهقة كما هو الحال بالنسبة لثلاثة أشخاص مقربين من محمد المراح عادوا مؤخراً إلى فرنسا. وهناك آخرون يعودون إلى بريطانيا وألمانيا وبلجيكا من أجل مواصلة الصراع في بلدانهم بوسائل أخرى. أجرى الجيش النرويجي دراسة هامة شملت الأوساط الاستخباراتية، وأشار فيها إلى أنه من بين كل تسعة جهاديين هناك جهادي واحد مستعد لحمل السلاح ضد البلد الذي يحمل جواز سفره. لم ينس أحد أن نهاية الحرب السوفييتية في أفغانستان أدت إلى عشرة سنوات من الحرب الأهلية في الجزائر، ثم تلاها عمليات التفجير التي ارتكبها تنظيم القاعدة ضد الولايات المتحدة في 11 أيلول 2001.
     قال أحد كبار المسؤولين الأوروبيين دون أن يكشف عن اسمه: "في أفغانستان، كنا نتحدث عن أقل من مئة مقاتل أوروبي وأمريكي ذهبوا للقتال مع المجموعات الإسلامية. اليوم، تشير الأرقام إلى ثلاثة آلاف أو حتى أربعة ألاف مقاتل من الدول الغربية على علاقة مباشرة بالجهاد، ولم ينته الأمر. يقول جميع رجال الشرطة في أوروبا: سيتجاوزنا الوضع قريباً، وسيصبح الوضع خارج نطاق السيطرة. لا تُحملونا المسؤولية إذا حصل شيء خطير".
     هناك سبب آخر يدعو أجهزة الاستخبارات الأوروبية للقلق: إنه ليس وجود الدولة الإسلامية في سورية، بل وجود مجموعة خوراسان التي جاءت من أفغانستان. يبدو أن وجود هذه المجموعة هو الذي يُفسر جزئياً سبب القصف الأمريكي في سورية. لم تُخف هذه المجموعة أبداً نيتها في ضرب الغرب مباشرة.
     تحاول أوروبا الإسراع في منع الرحيل إلى العراق وسورية وكذلك العودة منهما. ولكن يبدو أن أوروبا غير مستعدة لمواجهة هذا التهديد حتى عبر تشريعاتها القانونية التي تحرص على الحياة الخاصة لمواطنيه أكثر من حرصها على أمنهم.





انتخابات مجلس الشيوخ الفرنسي 28 أيلول 2014

تجري في فرنسا يوم 28 أيلول انتخابات مجلس الشيوخ لتجديد حوالي نصف عدد أعضائه، أي 178 مقعداً من أصل 348. يبلغ عدد النساء في مجلس الشيوخ الحالي 76 إمرأة من أصل 348 عضو، أي 22 % من مجلس الشيوخ. تختلف انتخابات مجلس الشيوخ عن الانتخابات الرئاسية أو التشريعية في أنه يُفترض أن يقوم المرشحون بمقابلة جميع الناخبين الكبار واحداً تلو الآخر في البلديات والمدن الصغيرة خلال عدة أشهر. من المتوقع عودة الأغلبية في مجلس الشيوخ إلى أحزاب اليمين التي خسرت الأغلبية فيه عام 2011، ويعود السبب في ذلك إلى الهزيمة الساحقة التي تعرض لها الحزب الاشتراكي في الانتخابات البلدية التي جرت في شهر آذار الماضي. تتضمن المجالس البلدية الجديدة 95 % من عدد الناخبين الكبار الذين سينتخبون الأعضاء الجدد في مجلس الشيوخ، ويضاف إلى ذلك إلى أن العديد من الناخبين الكبار غير راضين عن الإصلاحات الحكومية المتعلقة بالنظام المدرسي الجديد وتخفيف الإعانات الحكومية للمجالس البلدية.
     تتوزع حالياً المقاعد السياسية في مجلس الشيوخ بين الأحزاب السياسية الفرنسية على الشكل التالي:
1ـ أحزاب اليسار                             ـ الحزب الاشتراكي: 128 مقعد
                                                  ـ الحزب الشيوعي: 21 مقعد
                                                  ـ الأحزاب الرايكالية اليسارية: 19 مقعد
                                                  ـ حزب الخضر: 10 مقاعد
2ـ حزب الاتحاد من أجل الحركة الشعبية: 130 مقعد
3ـ أحزاب الوسط                               31 مقعد
4ـ المستقلين:                                    6 مقاعد  
5ـ ثلاثة مقاعد شاغرة   
     يحاول الحزب الاشتراكي الحيلولة دون استعادة حزب الاتحاد من أجل الحركة الشعبية للأغلبية في مجلس الشيوخ وبالتالي رئاسة هذا المجلس بعد ثلاث سنوات من حصوله على الأغلبية في مجلس الشيوخ بفارق ستة مقاعد فقط. يبذل الحزب الاشتراكي قصارى جهده للتحالف مع جميع أحزاب اليسار من أجل إبقاء الأمل بالحفاظ على الأغلبية في مجلس الشيوخ، ولكن هذا التحالف ربما لن يكون كافياً حتى في حال تحقيقه بسبب الهزيمة الساحقة للحزب الاشتراكي في الانتخابات البلدية الأخيرة في شهر آذار الماضي. بالإضافة إلى كل ذلك، تعتمد نتائج انتخابات مجلس الشيوخ أيضاً على الناخبين الكبار المستقلين الذين لم تهتم بهم الحكومة عندما خفضت الإعانات الحكومية لمجالسهم المحلية، كما يعارض هؤلاء الناخبين الكبار الإصلاحات الإدارية المتعلقة بتخفيض عدد المناطق الإدارية في فرنسا من 22 إلى 13 منطقة. يعتبر الكثير من قادة الحزب الاشتراكي أن تغيير الأغلبية في مجلس الشيوخ لا يمثل خسارة سياسية كبيرة على الرغم من أنه استفاد من فوزه بالأغلبية في مجلس الشيوخ عام 2011، وجعله قاعدة لحملته في الانتخابات الرئاسية عام 2012 وفوزه بها.
     يعقد حزب الاتحاد من أجل الحركة الشعبية أمالاً جدية للفوز بانتخابات مجلس الشيوخ واستعادة رئاسة المجلس التي انتقلت للمرة الأولى إلى الحزب الاشتراكي في انتخابات عام 2011 بفارق ستة مقاعد فقط. يتوقع المحللون في حزب الاتحاد من أجل الحركة الشعبية أن تؤدي هذه الانتخابات إلى تقدم حزبهم على الحزب الاشتراكي بفارق سبع إلى خمس عشر مقعداً. بدأ التنافس منذ الآن على رئاسة مجلس الشيوخ بين الرئيس السابق للمجلس بين عامي 2008 و2011 جيرار لارشيه Gérard Larcher ورئيس الوزراء السابق جان بيير رافاران Jean-Pierre Raffarin والرئيس الحالي للجنة الموازنة في مجلس الشيوخ فيليب ماريني Philippe Marini.
     يدخل حزب الجبهة الوطنية الحملة الانتخابية لانتخابات مجلس الشيوخ دون وجود أمل حتى بالفوز بمقعد واحد. السبب في ذلك هو أن هذه الانتخابات تعتمد على العلاقة مع الناخبين الكبار، أي حوالي مئة وخمسين ألف ناخب يُمثلون النواب وأعضاء مجالس المناطق والمحافظات والنواحي والمجالس البلدية، ولا يبلغ عدد ناخبي الجبهة الوطنية إلا نائبين اثنين في البرلمان وعدة مئات من أعضاء المجالس البلدية الذين فازوا في الانتخابات البلدية الأخيرة.
     من الجدير بالذكر أن صلاحيات مجلس الشيوخ تبقى أقل من صلاحيات البرلمان على الرغم من توسيع صلاحياته في دستور الجمهورية الخامسة. لا يمكن لمجلس الشيوخ أن يحجب الثقة عن الحكومة، ويشارك في العمل التشريعي من موقع أقل قوة من البرلمان الذي يملك الكلمة الأخيرة في التصويت على القوانين في حال وجود خلاف مع مجلس الشيوخ. في حين أن مجلس الشيوخ يملك سلطة حقيقية في عرقلة تعديل الدستور، لأن أي تعديل فيه يجب أن يتم التصويت عليه في مجلس الشيوخ والبرلمان قبل عرضه على الشعب. وفي حال قرر رئيس الجمهورية عدم الأخذ بموقف مجلس الشيوخ في أي تعديل دستوري، يجب أن يحصل مشروع تعديل الدستور على موافقة ثلاثة أخماس أعضاء البرلمان.






الخميس، ٢٥ أيلول ٢٠١٤

(دمشق تريد الاستفادة من الضربات ضد الجهاديين)

صحيفة اللوموند 25 أيلول 2014 بقلم مراسلها في بيروت بنجامان بارت Benjamin Barthe

     ينظر الدكتاتور السوري ومعارضيه عاجزين أمام التدخل الأمريكي ـ الفرنسي (مع انضمام حلفائهم العرب) ضد عدوهم المشترك الدولة الإسلامية، وذلك بعد أن أنهكتهم ثلاث سنوات ونصف من الحرب الأهلية. إنها المرة الأولى التي صفق فيها الطرفان معاً يوم الثلاثاء 23 أيلول مع بداية الضربات الجوية في سورية، وأعرب كل طرف عن قناعته بأن إضعاف الجهاديين سيصب في مصلحته. ولكن هذه الموافقة الظاهرية تُخفي الكثير من الأفكار الخفية. إنه السباق من أجل الاستفادة من المعطيات الجديدة الناجمة عن بداية الهجوم ضد الدولة الإسلامية.
     ظهرت ردة فعل بشار الأسد في بيان صادر عبر وكالة سانا الرسمية، وصرح الرئيس السوري أنه يدعم "أي جهد دولي ضد الإرهاب" بدون الإشارة إلى القصف الجوي بشكل خاص. لقد قرر نظام دمشق محاربة الجهاديين اعتباراً من شهر آب عندما أصبحوا العدو الأول للمجتمع الدولي، وذلك بعد تساهل معهم لفترة طويلة، لأن تطرفهم يضرّ بصورة الثورة. إن الحرب على الدولة الإسلامية أعطت دفعة جديدة للدعاية الإعلامية للنظام الذي سعى دوماً إلى وصف المتمردين بأنهم إسلاميين متعطشين للدم.
     أعرب رئيس تحرير إحدى الصحف اليومية المقربة من النظام عن سروره قائلاً: "نجح صاروخ توماهوك واحد بسحق مركز قيادة داعش في الرقة، بعد أن أنهكت طائراتنا نفسها لتدميره منذ عدة أيام. إنه أمر جيد للإنسانية وللدولة السورية". يحرص الرئيس السوري على الظهور كشريك للتحالف الذي تقوده واشنطن والخروج من العزلة التي يفرضها الغرب عليه، وكلف وزارة الخارجية بمهمة تأكيد أنه تم إعلام سورية بقرب بدء الضربات.  تؤكد دمشق أن مندوبها في الأمم المتحدة بشار الجعفري تم إعلامه بذلك، وأن وزير الخارجية العراقي  نقل له رسائل من الولايات المتحدة.
     قال الصحفي السوري المذكور أعلاه مؤكداً: "لا يوجد اتصال على الصعيد السياسي، وليس من مصلحة السلطة السورية استئناف العلاقة مع واشنطن. ولكن هناك شراكة حقيقية على صعيد أجهزة الاستخبارات. لا يوجد حوار، ولكن رادارات هذا الطرف وذلك ترى بعضها البعض". تهدف هذه الحجة أيضاً إلى التخفيف من الإهانة التي يمثلها انتهاك المجال الجوي السوري من قبل الطائرات "الإمبريالية" الأمريكية، وتبرير عدم تحرك وسائل الدفاع الجوي السوري بعكس التهديدات الموجهة قبل عدة أسابيع.
     ولكن واشنطن نفت جميع هذه الجهود الكلامية، وقالت الناطقة الرسمية باسم وزارة الخارجية الأمريكية جنيفر بساكي Jennifer Psaki: "لم نطلب الإذن من النظام. لم ننسق عملنا مع الحكومة السورية. لم نرسل تبليغات مقدماً إلى السوريين، ولم نعط أية مؤشرات حول تاريخ الضربات ولا حول الأهداف". وأكدت جنيفر بساكي أنه إذا تم الاتصال بالسيد بشار جعفري، فإنه من أجل ردع سورية عن "مهاجمة الطائرات الأمريكية". أكد مصدر مطلع على الملف السوري بعد عودته من واشنطن قائلاً: "لا أحد في الولايات المتحدة ينوي أن يتناقش مع هذا النظام. تقرّبت بعض أجهزة الاستخبارات الغربية من نظيرتها السورية خلال الأشهر الأخيرة، ولكنهم شاهدوا أن ذلك لم ينفع بشيء. لا يمكن إنقاذ هذا النظام، إنه يدمر نفسه بنفسه مهما فعل. كيف يمكنه تقديم حل لراديكالية السنة؟".
     أعربت المعارضة عن ارتياحها تجاه توضيحات وزارة الخارجية الأمريكية. أعرب الائتلاف الوطني السوري عن سروره من أن المجتمع الدولي "انضم إلى معركتنا ضد داعش"، وقال أحد قادة الائتلاف منذر أقبيق: "إنه تطور أساسي. استفاد النظام لفترة طويلة من وجود الجهاديين من أجل تلويت قضيتنا". على الصعيد الميداني، يسود الشك. أكدت حركة حزم Hazm، المجموعة المسلحة الأكثر اعتدالاً والتي حصلت على صواريخ مضادة للدبابات من الولايات المتحدة، أن الضربات الجوية "ستضر بالثورة السورية". كما أكدت هذه المجموعة التابعة للجيش السوري الحر على حسابها في تويتر أن "المستفيد الوحيد من هذا التدخل الأجنبي في سورية هو النظام، ولاسيما مع غياب استراتيجية حقيقية لإسقاطه".
     يخشى مقاتلو الجيش السوري الحر من تأثير الأخطاء غير المقصودة التي سترتكبها حتماً الطائرات الأمريكية على الرأي العام السوري. ربما قُتِلَ عشرات المدنيين في القصف يوم الثلاثاء 23 أيلول بالإضافة إلى ما يتراوح بين سبعين ومئة وعشرين جهادياً حسب المصدر. يخشى المتمردون أيضا من توسيع هامش الضربات ليشمل المجموعات القريبة من الدولة الإسلامية بشكل يؤدي إلى دفع العديد من الكتائب إلى أحضان الدولة الإسلامية. قصفت الولايات المتحدة أيضاً مواقع مجموعة خوراسان التابعة لجبهة النصرة ـ الجناح السوري لتنظيم القاعدة. قال دبلوماسي غربي على اتصال مع أوساط المعارضة: "هناك خوف حقيقي مذهل بين المتمردين الذين يخشون أن يجدوا أنفسهم مستهدفين من قبل الولايات المتحدة".
     يستعد الطرفان من الآن فصاعداً للجولة القادمة: أي استعادة الأراضي التي كانت تسيطر عليها الدولة الإسلامية. قام رجال الدولة الإسلامية بتوزيع قواتهم تحسباً للضربات الأمريكية، وأخلوا قواعدهم الأكثر مرئية، وربما يضطرون إلى الاختفاء خلال الأيام القادمة، وبالتالي التخفيف من سيطرتهم على الأرض. هل سيعرف الجيش السوري الحر كيف يستفيد من هذه الفرصة لكي يتقدم؟ إن بقاء الثورة على قيد الحياة يعتمد على ذلك.



(لماذا لا تقوم فرنسا بقصف سورية)

صحيفة الفيغارو 25 أيلول 2014 بقلم إيزابيل لاسير Isabelle Lasserre

     يرفض المسؤولون الفرنسيون الانخراط في سورية، ولكنهم يدعمون القوات الأمريكية في العراق. أكدت باريس قبل أسبوع أن التدخل في العراق "قانوني" لأن بغداد تطلبه، ولكنها عارضت التدخل العسكري في سورية لأنها اعتبرته "غير قانوني". لقد اختفت هذه الحجة اليوم، وأكد لوران فابيوس قائلاً: "ليس هناك مانع قانوني بأن يكون الرد في العراق وسورية ضد هجمات داعش"، مشيراً إلى المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة التي تنص على حق الدفاع عن النفس. كانت فرنسا تخشى حتى الآن من أن يؤدي التدخل العسكري في سورية ضد داعش إلى تعزيز قوة الرئيس السوري. ولكن بعض الدبلوماسيين يؤكدون اليوم أن ضرب الجهاديين سيُضعف نظام دمشق أيضاً، باعتبار أنه شجع على صعود قوة داعش. تعتبر فرنسا أن الولايات المتحدة مسؤولة جزئياً عن تدهور الوضع في سورية بسبب عدم التدخل فيها قبل عام، الأمر الذي استفاد منه الجهاديون.
     يعاني الجيش الفرنسي من نقص في المخزون بسبب معركته في مالي وجمهورية أفريقيا الوسطى ضد الجهاديين، وهو يعرف  من تجربته في الصحراء الإفريقية (الساحل) أن القصف الجوي غير كاف. دعت باريس منذ البداية إلى رحيل بشار الأسد، ولا تريد الرجوع عن موقفها عبر قصف أحد أعدائه الرئيسيين اليوم أي الدولة الإسلامية. لم يتغير الموقف الرسمي الفرنسي المتمثل بدعم المعارضة السورية المعتدلة. ولكن باريس تخشى أن يؤدي التدخل في سورية إلى تعزيز خطر الإرهاب.
     هل الموقف الفرنسي في سورية منقوش على الحجر؟ لا شيء مؤكد. قال أحد الضباط الفرنسيين: "لا أستطيع تأكيد أن فرنسا لن تتدخل في سورية". إن تردد فرنسا ربما سيؤدي إلى خسارتها على جميع الجوانب: أي الخضوع لانتقام المجموعات الإرهابية بسبب انخراطها في العراق، والسماح للولايات المتحدة بجني العوائد من دول الخليج بعد تدخلها في سورية. وذلك دون أن يكون هناك أي شيء يؤكد على أن المعارضة المعتدلة ستكون قادرة على رفع رأسها ميدانياً.





الأربعاء، ٢٤ أيلول ٢٠١٤

(صالح مسلم:"يجب على الغرب مساعدتنا للقضاء على الجهاديين")

صحيفة الفيغارو 24 أيلول 2014 ـ مقابلة مع رئيس حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي في سورية صالح مسلم ـ ") ـ أجرى المقابلة رونو جيرار Renaud Girard

سؤال: بعد النزوح الذي شهده كردستان سورية، كم يبلغ عدد الأكراد الذين ما زالوا في الأراضي السورية؟
صالح مسلم: يقتصر هذا النزوح على منطقة كوباني. لم تتأثر بقية المناطق الكردية بذلك.
سؤال: لماذا بدأت داعش فجأة بمهاجمتكم على الرغم من انشغالها في العراق؟
صالح مسلم: إنها ليست المرة الأولى التي تهاجمنا بها داعش. يقوم الإسلاميون بالهجوم على الأكراد منذ شهر تشرين الثاني 2012 تحت تسميات مختلفة. شنت داعش هجوماً شاملاً ضدنا، واستمر هذا الهجوم شهران، واستطعنا صده. في الحقيقة، إن داعش هي وسيلة بأيدي العديد من القوى الإقليمية.
سؤال: من هي هذه القوى؟
صالح مسلم: إنها القوى التي لا تريد ديموقراطية علمانية في الشرق الأوسط، والقوى التي تخشى إقامة دولة كردية مستقلة.
سؤال: ما هو رهان تركيا؟
صالح مسلم: قامت تركيا بمساعدة الدولة الإسلامية وما زالت تساعدها. إنها تعالج جرحاها، وتسمح بمرور الجهاديين القادمين من أوروبا والمغرب العربي وآسيا الوسطى، وتدعمهم لوجستيكياً. توغلت خمس مدرعات في الجيش التركي داخل سورية بتاريخ 18 أيلول من أجل مساعدة داعش، وتدمير الخط الأول للدفاع الكردي. نحن نخشى بأن تحصل تركيا من الولايات المتحدة على حق إقامة منطقة عازلة على أرضنا تحت ذريعة حماية المدنيين. من أجل تحقيق هذا الهدف، قامت تركيا بتضخيم عدد اللاجئين الأكراد، وتحدثت عن مئة وثلاثين ألف شخص، في حين أن العدد لا يتجاوز عشرة آلاف.
سؤال: لماذا تقوم تركيا بمثل هذا الرهان الخطير بدون علم حلفائها الغربيين؟
صالح مسلم: إنها لا تتحمل فكرة قيام المنطقة الكردية في سورية بإدارة نفسها ذاتياً منذ شهر تموز 2012.
سؤال: ولكن أردوغان يقيم علاقات جيدة مع أكراد العراق؟
صالح مسلم: ينطبق ذلك فقط على حزب مسعود بارزاني الذي يمثل الأكراد العراقيين على الحدود التركية. ولكن الحقيقة هي أن تركيا لن ترغب إطلاقاً بكردستان مستقل.
سؤال: ما هي الأسلحة التي تحتاجونها؟
صالح مسلم: صواريخ مضادة للدبابات شبيهة بالصواريخ التي تقوم ألمانيا حالياً بتسليمها للأكراد العراقيين.
سؤال: هل طلبتم المساعدة من الغرب؟
صالح مسلم: نعم. ولكننا لم نتلق أي شيء حتى الآن بسبب اللوبي التركي. يجب على الغرب مساعدتنا للقضاء على الجهاديين!
سؤال: لماذا لا يقوم الأكراد العراقيون التابعون لمسعود بارزاني بمساعدتكم؟
صالح مسلم: لأنهم يريدون الاستمرار ببيع نفطهم إلى تركيا!







الثلاثاء، ٢٣ أيلول ٢٠١٤

(التحالف منقسم حول القصف في سورية)

صحيفة الفيغارو 23 أيلول 2041 بقلم آلان بارليويه Alain Barluet

     هل يمكن أن يتحرك المجتمع الدولي في سورية؟ أدى البروز المُدمر لداعش إلى إعادة خلط الأوراق. برهن الهجوم الذي شنه الجهاديون ضد الأكراد في سورية أن الحدود سهلة الاختراق، ووضع دول التحالف أمام مسؤولياتها. في الوقت الحالي، إن الولايات المتحدة هي الوحيدة التي أكدت استعدادها للقيام بضربات جوية في سورية.
     تعتبر باريس أن الضربات الغربية ضد الدولة الإسلامية في سورية يمكن أن تستفيد منها جبهة النصرة ـ الجناح السوري لتنظيم القاعدة أو جيش بشار الأسد. تُبرر فرنسا عدم تدخلها في سورية بغياب الأساس القانوني بعكس الوضع في العراق. ولكن فرنسا كانت مستعدة قبل عام لتجاوز هذا العائق وشن عملية عسكرية ضد بشار الأسد الذي استخدم آنذاك الأسلحة الكيميائية.
     أشار مصدر مطلع إلى أن "المواقف يمكن أن تتغير" حول الاقتراب من النظام السوري. من الممكن أن تكون الدول الغربية والعربية مضطرة تدريجياً إلى عدم وضع بشار والجهاديين السنة على قدم المساواة. كما يمكن أن يُستأنف الجدل عن ضرورة القوات العسكرية على الأرض. أظهر النواب الجمهوريون في واشنطن شكوكهم بقدرة الضربات الجوية على مواجهة الجهاديين بفعالية.

(مجموعة خوراسان، مُختصة ببث الرعب)

صحيفة الليبراسيون 23 أيلول 2014 بقلم لوك ماتيو Luc Mathieu


      لا يكشف أعضاء مجموعة خوراسان عن أنفسهم على الفيسبوك بعكس جهاديي الدولة الإسلامية، ولا يتناقشون على تويتر، ولا يُطالبوا بأي شيء، ولا ينشروا بيانات، ولا يهددوا أي شخص علناً. ولكن أجهزة الاستخبارات الأمريكية تعتبر أن أعضاء هذه المجموعة المتجمعين في سورية تحت راية تنظيم القاعدة هم أكثر خطورة من نظرائهم في الدولة الإسلامية. اعتبر مدير الاستخبارات الأمريكية جيمس كلابر James Klapper  يوم الخميس 18 أيلول أنه بإمكان هذه المجموعة أيضاً ارتكاب عمليات داخل الولايات المتحدة. قال أحد الدبلوماسيين: "برأيي، إنهم أكثر تهديداً وحتى في أوروبا. إنهم يلتزمون السرية الكاملة، ويقودهم بعض الأعضاء القدماء في تنظيم القاعدة. كما أن تواجدهم في سورية ليس من أجل إضعاف الخليفة، وهدفهم هو التدريب والتأهيل من أجل ضرب الغرب".
     أشارت النيويورك تايمز إلى أن رئيس هذه المجموعة هو محسن الفضلي Muhsin al-Fadhli الشخصية الأكثر شهرة وإثارة للخوف في تنظيم القاعدة، وكان أحد المقربين من أسامة بن لادن، وربما كان أحد القلائل الذين كانوا يعرفون بتفجيرات 11 أيلول 2001 قبل حدوثها. تعرّض للملاحقة خلال السنوات التي أعقبت هذه التفجيرات، وهرب إلى أفغانستان، ثم أقام في إيران، وأصبح خلال إقامته فيها أحد زعماء التنظيم المكلفين بتمويله. يعود تاريخ وصوله إلى سورية إلى منتصف عام 2013، ربما تم إرساله كوسيط لتسوية النزاع بين المجموعات الجهادية، ثم تحوّل نحو تجنيد الشباب المسلمين الأوروبيين.
     وصل العديد من رموز تنظيم القاعدة إلى سورية قبل محسن الفضلي، ومنهم السعودي صنافي النصر. لقد جاؤوا من أفغانستان ومن مناطق القبائل الباكستانية، ووجدوا فيها مكانا آمناً يوفر لهم القدرة على تنظيم أنفسهم بمنأى عن قصف الطائرات الأمريكية بدون طيار أو عن غارات القوات الخاصة الأمريكية. كما وجدوا في سورية منظمة قادرة على استقبالهم هي جبهة النصرة المعروفة داخل التمرد السوري بفعاليتها في المعارك ضد قوات نظام بشار الأسد، بالإضافة إلى كونها الجناح المحلي لتنظيم القاعدة. جدد زعيم جبهة النصرة أبو محمد الجولاني ولاءه عدة مرات إلى أيمن الظواهري، هذا الولاء الذي رفضت الدولة الإسلامية تقديمه، وأعلنت نفسها قائدة الجهاد العالمي. بدأت هاتان المجموعتان نزاعاً مفتوحاً منذ ذلك الوقت، وتضمان آلاف المقاتلين الأجانب في صفوفهما.
     إن هذه الحرب الداخلية لم تمنع مجموعة خوراسان من البروز، وأصبحت تضم بعض المجندين من شمال أفريقيا والشرق الأوسط وجنوب آسيا وأوروبا. أشارت الأسوشيتد بريس إلى أن عناصر هذه المجموعة  تدربوا على صناعة المتفجرات من قبل خبراء تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية. برهن خبير المتفجرات في تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية إبراهيم العسيري على خبرته المخيفة عدة مرات عبر صناعة قنابل من طراز جديد من شبه المستحيل كشفها. في عام 2010، تم وضع قنبلتين من هذا الطراز في عدد من خراطيش الحبر للطابعات الإلكترونية من أجل نقلها جواً إلى الولايات المتحدة. ولكن أجهزة الاستخبارات السعودية اكتشفت هذا الهجوم. هناك شكوك أيضاً بأن إبراهيم العسيري هو الذي صنع قنبلة الشاب النيجيري الذي حاول تفجير نفسه في طائرة متجهة إلى بوسطن بتاريخ 25 كانون الأول 2009. إن الخشية من مثل هذا النوع من التفجيرات دفع بالسلطات الأمريكية هذا الصيف إلى رفض قيام ركاب الطائرات المتجهة إلى الولايات المتحدة باصطحاب هواتف جوالة أو كمبيوترات إذا كانت بطارياتها غير مشحونة.
     إذا كانت الفروع السورية واليمنية لتنظيم القاعدة تمثل الخطر الرئيسي بالنسبة للولايات المتحدة، فإن فرنسا تواجه عدواً آخراً هو تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي الذي خسر معقله في شمال مالي خلال العملية العسكرية الفرنسية في شهر شباط 2013. كما أصاب الضعف هذه المنظمة بسبب الصراعات على السلطة داخلها، قام أحد زعمائها الجزائري مختار بلمختار بتأسيس منظمة خاصة به اسمها "المرابطون" في شهر آب 2013. ولكن الجهاديين أعادوا تنظيم أنفسهم من جديد في جنوب ليبيا، ويتنقلون فيه بدون عوائق، وهذا ما حذرت منه فرنسا مؤخراً معتبرة أنه من الضروري القيام بتدخل عسكري.

(نهايات)

افتتاحية صحيفة الليبراسيون 23 أيلول 2014 بقلم فرانسوا سيرجان François Sergent

     يدل التهديد الواضح الذي أعلنته الدولة الإسلامية ضد "الفرنسيين القذرين" أن باريس دخلت في حرب ضد عدو متعصب ومصمم وقوي. أظهرت ردة الفعل الفورية لوزير الداخلية الفرنسي أن فرنسا تأخذ هذه التصريحات على محمل الجد، وهي محقة. تملك الدولة الإسلامية جيشا يضم عشرات آلاف الرجال ثلثهم من الأجانب الفرنسيين والبريطانيين والألمان. إن هؤلاء الشباب الفرنسيين المتمرسين بالحرب لا يمثلوا جميعهم تهديداً ضد بلدهم. ولكن مهدي نيموش، مجرم المتحف اليهودي في بروكسل، أظهر أن الانتقال إلى الفعل ممكن. أراد وزير الداخلية الفرنسي بث الاطمئنان يوم الاثنين 22 أيلول، وكرر أن "فرنسا لا تخاف"، وأكد على التشريعات التي تم التصويت عليها مؤخراً حول الجهاديين العائدين من سورية والعراق.

     يبقى أن هذه التهديدات ضد السكان المدنيين هي النتيجة المباشرة للضربات التي قررها فرانسوا هولاند ضد مواقع الدولة الإسلامية في العراق. تحظى هذه الضربات بتأييد الطبقة السياسية بأسرها باستثناء دومينيك دوفيلبان وجان لوك ميلانشون، وهي شرعية بنظر القانون الدولي، ولكن نطاق هذه الضربات يبقى غامضاً. هل هذه الضربات واقعية وفعالة؟ هل يمكن هزيمة خصم مثل الدولة الإسلامية التي سيطرت على ثلث سورية وبعض المناطق في العراق عبر القنابل والطائرات بدون طيار؟ يجب على الرئيس بعد هذه التهديدات المقلقة من قبل إرهابيي الدولة الإسلامية أن يشرح موقفه حول أهدافه الحربية، ومدة انخراطه في الحرب، وأن يقول ما هي معايير الانتصار على هذا العدو.

(دم بارد)

افتتاحية صحيفة الفيغارو 23 أيلول 2014 بقلم فيليب جيلي Philippe Gélie

     لا تشبع الدولة الإسلامية من الدعاية، وتستفيد من اجتماع العالم في نيويورك بالأمم المتحدة من أجل تسليط الأضواء على خلافتها العراقية ـ السورية. أعلن جهادي ملتحي اسمه العدناني حرباً شاملة رداً على الضربات الفرنسية الأولى منذ ثلاثة أيام. إن هذا الناطق الرسمي الفصيح لداعش ـ هذا هو الأسم الذي تفضله واشنطن وباريس بدلاً من الدولة الإسلامية ـ يعرف عن ظهر قلب قائمة أعماله البربرية. اشتهر رجال الخليفة في الموصل حتى الآن بتقنية قطع الرؤوس بالسكين وعمليات الإعدام الواسعة بالكلاشينكوف. من الآن فصاعداً، إن أية طريقة بدائية للاغتيال ستحقق الغاية المرجوة ضد بعض "الفرنسيين الأشرار" مهما كانت هويتهم، وحتى ولو كان شخصاً بريئاً يتنزه في الجزائر.
     ردت باريس على هذا الخطاب المتخلف من العصور الوسطى لداعش عبر موسيقا معقدة من العبارة المكررة: "فرنسا لا تخاف" في كلمة وزير الداخلية برنار كازنوف البارحة 22 أيلول. بالتأكيد، يجب التزام الحذر أمام تهديدات المجموعات الإرهابية وأفلامها المرعبة. ولكن هذه التهديدات تُظهر لنا كلفة التدخل في العراق، هذا التدخل الذي لم تتم مناقشته في البرلمان حتى الآن، وستتم مناقشته غداً 24 أيلول.
     قرر فرانسوا هولاند قصف الدولة الإسلامية كما لو أنه يركل عشاً للنمل دون أن يعرف ماذا سينجم عن ذلك. هناك خطر حقيقي بتعزيز بقية المجموعات المعادية للغرب على الصعيد الميداني، وكذلك في فرنسا والجزائر وأماكن أخرى. لا ينقص داعش الرجال للانتقال من الكلام إلى الفعل. تشكل فرنسا المستودع الغربي الأول للجهاديين، وقد عاد مئتان منهم من سورية. إن هذا  "العدو الداخلي" الذي أعرب مانويل فالس عن قلقه منه عندما كان وزيراً للداخلية أصبح يملك أمر المهمة. إن قطع الطريق أمامه يتطلب جهداً كبيراً على صعيد الاستخبارات وعبر تعزيز التنسيق الدولي. سنحكم على فضائل "الدم البارد" لوزير الداخلية من خلال قدرته على حماية الفرنسيين.






الاثنين، ٢٢ أيلول ٢٠١٤

(المساعدة العسكرية الأمريكية إلى المتمردين "المعتدلين" في سورية تبدو غير كافية)

صحيفة اللوموند 21 ـ 22 أيلول 2014 بقلم هيلين سالون Hélène Sallon

     يتواجد مركز قيادة العمليات العسكرية للبرنامج الأمريكي المتعلق بدعم المعارضة السورية المسماة بالمعتدلة في مكان سري على الجانب التركي من الحدود السورية. من المفترض أن تشرف وزارة الدفاع الأمريكية انطلاقاً من هذا المركز على برنامج سنوي لتدريب وتسليح القوة المتمردة المستقبلية التي ستقود الصراع ضد الدولة الإسلامية على الأرض. ينص القانون الأمريكي الذي صادق عليه البرلمان يوم الجمعة 19 أيلول ووقعه الرئيس باراك أوباما على تخصيص نصف مليار دولار من أجل تدريب خمسة ألاف مقاتل، وتعهدت السعودية باستقبالهم على أرضها. ولكن مستشارة الأمن القومي سوزان رايس أشارت إلى أن تدريبهم سيحتاج إلى "عدة أشهر".
     تعتبر المعارضة السورية أن الدعم الذي أعلن عنه باراك أوباما رسمياً ضد نظام الرئيس بشار الأسد جاء متأخراً جداً. لم يعد الجيش السوري الحر إلا خيالاً لنفسه، وذلك بعد أن تمكن عام 2012 من الاستيلاء على المناطق الشمالية والشرقية في سورية بدعم من عشرات آلاف المقاتلين. أصبحت القوات المتمردة المعتدلة مشتتة في العديد من المجموعات المحلية، ولم تنجح في التصدي لبروز المجموعات الإسلامية، ولاسيما سيطرة الدولة الإسلامية على الجزء الأكبر من المناطق المحررة. يبدو أن البرنامج الأمريكي غير كافي لمواجهة هذا التهديد الواسع، قال الباحث زياد ماجد Ziad Majed: "إن الاستراتيجية الأمريكية غير واضحة. إنها تهدف إلى مقاتلة الدولة الإسلامية وإضعاف النظام بدون القضاء عليه من أجل فرض حل سياسي لا يكون الأسد جزءاً منه".
     يتصدع الإجماع داخل المعارضة المحاصرة بين نظام دمشق والمجموعة الجهادية. قال الباحث السياسي توما بييريه Thomas Pierret: "تخشى العديد من المجموعات أن يستخدمهم الأمريكيون كميليشيات إضافية ضد الدولة الإسلامية وعدم تقديم الدعم لهم ضد الأسد. إذا قامت الطائرات الأمريكية بقصف الدولة الإسلامية، وفي الوقت نفسه، استمر النظام السوري بقصف حلب دون أن يمنعه الأمريكيون، سينجم عن ذلك أصداء كارثية لدى المعارضة". تعرض العديد من قادة المعارضة إلى محاولات اغتيال. نجا قائد جبهة الثوار السوريين جمال معروف من غارة جوية شنها النظام يوم الثلاثاء 16 أيلول، وأدت إلى مقتل زوجته ومعاونه. كما تم القضاء على قيادة مجموعة أنصار الشام بتاريخ 9 أيلول في هجوم ما زال مصدره مجهولاً حتى الآن.
     تتصاعد بعض الانتقادات بسبب المنافسة بين الفصائل المسلحة للاستفادة من الدعم الأمريكي. إن المساعدة المقدمة من أجل دفع رواتب المقاتلين وتدريبهم وتسليحهم مخصصة لمجموعات منتقاة بعناية، وأن تتصف عقيدتهم بأنها معتدلة. تقوم واشنطن منذ عدة أشهر بتقديم دعم مباشر إلى عدة آلاف من المقاتلين المتجمعين داخل عشرات المجموعات. تقوم السعودية بدور محوري في عملية الانتقاء، وتم استبعاد بعض المجموعات المعتبرة قريبة من الإخوان المسلمين المدعومين من خصوم السعودية مثل قطر وتركيا.
     خلقت معايير الانتقاء تباينات جغرافية في دعم المجموعات المسلحة بسبب الصعوبة التي يواجهها الحلفاء في التفريق بين المجموعات في بعض المناطق. قال زياد ماجد: "هناك نقص حاد في الدعم بحلب التي تقاتل فيها المعارضة ضد الدولة الإسلامية والنظام في آن معاً. لا بد من صواريخ أرض ـ جو لحماية السكان من غارات النظام الجوية". على الصعيد المحلي، قامت بعض المجموعات بنسج تحالفات مع جهاديي جبهة النصرة ضد الدولة الإسلامية. إن مسألة تزويد هذه المجموعات بأسلحة متطورة مثل صواريخ أرض ـ جو لمواجهة طائرات النظام السوري تُثير الجدل من جديد بسبب الخشية من سقوط هذه الأسلحة بأيدي المجموعات الجهادية. يتنقل المقاتلون السوريون من مجموعة لأخرى حسب عروض الرواتب والأسلحة والانضباط في المعركة، قال الباحث في مركز كارنيجي أرون لاند Aron Lund: "سيكون الأمر فضيحة سياسية إذا شن تنظيم القاعدة هجوماً بأسلحة أمريكية، وارتكبوا مجزرة".
     يعتبر المحللون أنه من الممكن أن يتغير المشهد العسكري مع المساعدة الأمريكية المحتملة. من الممكن أن تقوم بعض المجموعات بتغيير خطابها وتكتيكها بعد أن تبنت "برنامجاً" إسلامياً لإغراء الجهات المانحة الحكومية والخاصة. انفصلت العديد من كتائب الجبهة الإسلامية عن مجموعة أحرار الشام السلفية في شهر آب. قامت الولايات المتحدة بتحذير قطر وتركيا اللتين اتخذتا بعض الاجراءات من أجل  تجفيف تدفق الأموال إلى المجموعات الإسلامية المُعتبرة راديكالية مثل المجموعة الجهادية جبهة النصرة التي تمثل الفرع السوري لتنظيم القاعدة.