الصفحات

الثلاثاء، ٢١ تشرين الأول ٢٠١٤

تنويه

تحتجب المدونة عن الصدور اعتباراً من اليوم 21 تشرين الأول ولغاية 2 تشرين الثاني 2014 ضمناً

السبت، ١٨ تشرين الأول ٢٠١٤

(داعش ربما ستتمكن من التحليق بالطائرات)

صحيفة الفيغارو 18 تشرين الأول 2014 بقلم مراسلتها الخاصة على الحدود السورية ـ التركية في مدينة Suruç التركية دولفين مينوي Delphine Minoui

    أشار المرصد السوري لحقوق الإنسان إلى أن الدولة الإسلامية تملك ثلاث طائرات قادرة على الطيران من طراز ميغ 21 وميغ 23. ربما تم الاستيلاء على هذه الطائرات في المطارات العسكرية السورية الواقعة تحت سيطرة الدولة الإسلامية في محافظتي حلب والرقة. أكد المرصد السوري لحقوق الإنسان أن جهاديي داعش يستطيعون الاعتماد على خبرة الضباط السابقين في الجيش العراقي من أجل استخدام هذه الطائرات.
     ربما شوهدت هذه الطائرات تُحلق بالقرب من مطار الجراح العسكري السوري في محافظة حلب، قال مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن: "شاهد البعض هذه الطائرات وهي تحلق. أقلعت هذه الطائرات عدة مرات من هذا المطار، وحلقت في المناطق المجاورة له، وعادت إليه".
     تسيطر الدولة الإسلامية على ثلاثة مطارات عسكرية في الطبقة والجراح والبوكمال، وتسعى للاستيلاء على مطار كويرس بالقرب من حلب. ولكن المرصد السوري لحقوق الإنسان لم يستطع التأكد فيما إذا كان الجهاديون يملكون الصواريخ لشن الهجمات بالطائرات. أشار الناطق الرسمي باسم الجيش الأمريكي الكولونيل باتريك ريدر Patrick Ryder إلى أنه ليس على علم "بوجود عمليات جوية شنتها الدولة الإسلامية في سورية أو أي مكان آخر. نحن نراقب نشاطات الدولة الإسلامية في سورية والعراق، وسنواصل القيام بالهجمات ضد معداتهم والبنى التحتية لهم ومقاتليهم ومراكزهم الأساسية".







الجمعة، ١٧ تشرين الأول ٢٠١٤

(العلويون المؤيدون للأسد في سورية ينتابهم الملل)

صحيفة اللوموند 17 تشرين الأول 2014 بقلم مراسلها في بيروت بنجامان بارت Benjamin Barthe
                     
     تقول الشكوى التي تتصاعد في الأوساط السورية المؤيدة: "الشرف لهم، والقبر لنا". يتزايد سماع ذلك أكثر فأكثر خلال مراسيم تشييع الجنود وأعضاء الميليشيات المؤيدة للأسد في الساحل بشكل خاص، وهي المنطقة التي تتركز فيها الطائفة العلوية. يُعبّر هذا الكلام عن الغضب المتصاعد لهذه الأقلية التي تمثل قاعدة النظام في مواجهة النزاع الذي يسحقها دون أن ترى نهاية له. قال مُغترب سوري على اتصال مع العديد من العلويين في سورية: "إن الحل الأمني المزعوم الذي يواصله النظام منذ ثلاث سنوات لم يقدم أي حل. عندما تتوقف المعارك في مكان ما، تندلع في مكان آخر من جديد. إن أغلب الناس الذين أتحدث معهم يشعرون بأنهم مسجونون في دائرة عنف لا نهاية لها".
     بدأ هذا الحرمان بالتعبير عن نفسه علناً. تظاهر بعض سكان الأحياء العلوية في حمص بتاريخ 2 تشرين الأول ضد محافظ حمص طلال البرازي، واتهموه بالكذب حول حصيلة العملية الانتحارية التي أودت بحياة 54 مدنياً بينهم 47 طفلاً. وضع الرجل الانتحاري القنبلة على مدخل مدرسة عكرمة التي تقع في منطقة مؤيدة للنظام. لم تتبن أية جهة مسؤولية هذه المجزرة، وأحس مؤيدو الأسد بالصدمة من صور أشلاء الضحايا والمَحافظ المدرسية المتروكة على الأرض. لم يتوقف النظام عن القول بأن حمص قد تطهرت من "الإرهابيين"، ولكن إذا كان الجزء الأكبر من المتمردين قد أخلوا المدينة في شهر أيار بعد سنتين من القصف، فإن حي الوعر في الغرب لم يستسلم حتى الآن. كما أن الريف الشرقي في حمص باتجاه الرستن والسلمية ما زال مليئاً بالمجموعات المسلحة. هتف المتظاهرون قائلين: "إرحل يا طلال، الشعب يريد رحيل المحافظ" بشكل يشبه الشعار المعروف للربيع العربي، وهو أمر غير مسبوق.
     هناك ظاهرة مُدمّرة أخرى: بدأ سكان الساحل منذ فصل الصيف بتصوير أنفسهم بعد تغطية وجوههم بورقة مكتوب عليها: "الشعب يريد أن يعيش". تمت تسمية هذه الحملة بـ "الصرخة"، وتقوم بها حفنة من الناشطين، ولكنها ما زالت محدودة الانتشار. تهدف هذه الحملة إلى الاحتجاج على الثمن الباهظ الذي دفعه العلويون المنذورون للموت من أجل السلطة. تصل الأكفان يومياً من خط الجبهة إلى بعض المدن مثل طرطوس والقرداحة، ويرافقهم أحياناً كبار المسؤولين في النظام المكلفين بتهدئة العائلات الحزينة. قال أحد المقربين من الأوساط المؤيدة للأسد: "صدّق الناس في البداية فكرة الانتصار التي يكررها النظام دوماً، ثم صدقوا محاولات المصالحة هنا وهناك، ولكن هذه المحاولات محدودة جداً لدرجة أنها لا يمكن أن تكون فعالة. كما صدقوا أن الأسد سيستأنف عملية الإصلاحات بعد إعادة انتخابه في حزيران. إن المأزق الذي تعيشه المعارضة شجعهم في هذا الأمل، ولكن داعش وصلت ولم يعد يصدقون أي شيء الآن".
     ازدادت حدة الصدمة لدى مؤيدي الرئيس السوري بعد المجزرة التي ارتكبها الجهاديون بحق حوالي مئتين وخمسين جندي كانوا معتقلين بالقرب من الرقة في نهاية شهر آب. أدى ذلك إلى التشكيك بأسطورة استعادة السيطرة التي تنشرها دمشق منذ استعادة القصير في شهر حزيران 2013 والهجوم على القلمون في خريف العام نفسه. من غير المحتمل أن يؤدي هذا الاستياء إلى عصيان مفتوح. إن راديكالية المعارضة وإصابتها بعدوى الخطاب الطائفي المعادي للشيعة وللعلويين يمنع انتقال هؤلاء الأشخاص بأعداد كبيرة إلى المعسكر المعادي للأسد. بالمقابل، هناك خطر بأن ترفض بعض وحدات الجيش تنفيذ الأوامر. قال الباحث فابريس بالانش Fabrice Balanche المختص بسورية: "من الممكن أن يقول بعض الجهود في نهاية المطاف: باعتبار أن عائلاتنا غير محمية، فلن نقاتل خارج أرضنا. هذا هو الخوف الأكبر للنظام: أي مواجهة مؤامرة من الضباط العلويين". أدرك النظام هذا الخطر، وقرر إقالة المسؤولين الأمنيين الاثنين الأساسيين في حمص.


(الحرب ضد "الدولة الإسلامية" ستكون طويلة ومُكلفة للغرب)

من المعروف أن "الدولة الإسلامية" تمارس أعمالاً وحشية، وأن قواتها من المسلمين السنة حصراً والمؤمنين جداً، وأن ممارساتها مستوحاة من اغتيال ثمانمائة يهودي في المدينة المنورة من قبل الرسول عام 627. باعتبار أن المسلمين السنة في المنطقة لم يريدوا أو لم يستطيعوا تدميرها، إن ذلك ليس فضيحة بل عزاء، فإن الدول الغربية تدخلت ودعمت أعداءها عسكرياً. ولكن لا يجب الانخداع بالكلمات والعواطف، لأن البربرية ليست صفة ملازمة للإسلام. لننظر إلى التاريخ قليلاً، وسنرى البربرية في أعمال الألمان المتحضرين جداً، وسنراها في حروبنا الاستعمارية، وفي رواندا وسيبرينيتسا، ونراها اليوم في الكونغو وجمهورية أفريقيا الوسطى... الخ. يجب مكافحة البربرية في كل زمان ومكان وحتى بربريتنا.
     إن الخطاب الرسمي يُخفي الأسباب الحقيقية لدخول الدول الغربية في الحرب ضد الدولة الإسلامية. إن الحافز الأساسي وراء اجتماع التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة لا يكمن في مكافحة البربرية بشكل أساسي، ولا حتى في إدراك الخطر الداخلي الحقيقي جداً الذي سيمثله الجهاديون العائدون من سورية ولبنان ودول أخرى. لو كان الأمر كذلك، كانت هذه الدول ستتدخل خلال مجازر صبرا وشاتيلا في لبنان عام 1982، وكانت ستتدخل خلال المجازر في غزة هذا العام (أكثر من ألفي شخص منهم خمسمائة طفل). نحن لم نتدخل في الصومال التي لا تحترم حقوق الإنسان أكثر من العراق، وتدخلنا قليلاً جداً في أفريقيا. إن التدخل الواسع للولايات المتحدة وحلفائها الغربيين والعرب في العراق وسورية يستجيب للنظرة القائلة بأن النجاحات العسكرية للدولة الإسلامية تمثل خطراً قاتلاً على ما يدعى بالتوازنات الشرق أوسطية، وبمعنى آخر، على تقاسم السلطة والموارد الطبيعية المفروض ضد إرادة الشعوب من قبل البريطانيين والفرنسيين والأمريكيين غداة الحرب العالمية الأولى أثناء تقاسم بقايا الإمبراطورية العثمانية. لقد تم الحفاظ على هذا التوازن المزعوم بجميع الوسائل منذ ذلك الوقت سواء عبر القمع الدامي للحركات القومية والتقدمية، أو عبر الانقلابات، أو الانتخابات المزيفة للحكومات الصديقة، أو الإطاحة بالحكومات القومية بمختلف الوسائل.
     تعمدت الدول الغربية إقامة الحكومات الإسلامية الرجعية والمتزمتة أو المحافظة عليها لأنها أفضل ضمانة ممكنة ضد الأفكار التقدمية والشيوعية. لقد أغمضت عيونها حول السياسات التي أبقت الجزء الأكبر من السكان في الجهل والخضوع للإسلام الأكثر تقليدية. لقد استفادوا من استثمار النفط، واستعادوا جزءاً من الأرباح المتروكة لهذه الحكومات (المبالغ المدفوعة مقابل استثمار النفط Royalties)، وعبر استقبال الأمراء العرب في الفنادق الفخمة بعواصمهم، وعبر الصفقات مع شركاتنا والمحافظة على استثماراتهم في هذه الشركات. بدأت الشكوك تظهر حول هذا البناء من خلال بروز الدولة الإسلامية بشكل لا يمكن السيطرة عليه، إنها حركة معادية للغرب وللحكومات بشكل عنيف، وقضت على أية إمكانية للتراجع عندما قتلت سجنائها سواء كانوا غربيين أو مسلمين، وبعثت مفهوم الخلافة، وطالبت بالخضوع المطلق إلى الأغلبية المسلمة في جميع الدول.
     يجب إزالة الأوهام. إذا نجح القصف وتسليح القوت العراقية في القضاء على الدولة الإسلامية كما نعرفها اليوم، فإن هذه الحركة ستولد مرة أخرى من تحت الرماد بشكل آخر، لأنها ترتكز على مشاعر الحرمان المشتعلة دوماً بسبب النظرة إلى الماضي العربي ـ الإسلامي والإمبريالي، وهي نظرة ليست خاطئة كلياً. كيف يمكن الاعتقاد بأن المسلمين في الشرق الأوسط يصدقون نوايانا الإنسانية وتصريحاتنا ضد البربرية عندما يشاهدوننا ننظر دون حراك إلى قصف غزة وقتل الأطفال تحت القنابل، هؤلاء الأطفال القريبون منهم على صعيد الدين واللغة والجغرافية؟ كيف يمكنهم تصديق مديحنا للديموقراطية عندما يروننا ندعم الانقلاب العسكري الدامي للجنرال السيسي في مصر، ونحصل عبر الضغط على استبدال رئيس الوزراء العراقي بشخص أخر أكثر ليونة ويحمل الجنسية البريطانية، ثم نقرر عبر الضغط أيضاً اسم الرئيس الأفغاني المعين بعد الانتخابات التي كانت مهزلة في سيرها وفرز أصوات الناخبين؟
     إن الحرب ضد الدولة الإسلامية ومن سيعقبها ستكون طويلة، لأن الدول الغربية وحلفاءها يمشون في الطريق الخاطئ. شاهدنا خلال أقل من أسبوعين انقلاباً مذهلاً في التحالفات، وأصبحت الولايات المتحدة الحليف الموضوعي لإيران الشيعية وسورية بشار الأسد وحزب الله اللبناني مع الحفاظ في الوقت نفسه (إلى متى؟) على خطابها الذي ينتقدهم. بالنسبة للمارونيين اللبنانيين الذين تعتمد عليهم الدبلوماسية الفرنسية منذ قرون، إنهم يقتربون من النظام السوري وحزب الله لأن الدولة الإسلامية التي تطارد وتقتل المسيحيين في كل مكان تدخله تمثل اليوم بالنسبة لهم خطراً أكبر من الشيعة في حزب الله أو من علمانية بشار الأسد. وجدت الحكومتان السعودية والقطرية نفسهما مضطرتين للتدخل ضد حركة حصلت على تمويل كبير منهما أو من مواطنيهما الأغنياء، كما أن إيديولوجيتها مستوحاة من الوهابية التي انتشرت في العالم بفضل أموال النفط. في الحقيقة، إن الدولة الإسلامية تكره الحكومتين السعودية والقطرية بقدر ما تكره الدول الغربية التي تقوم بحماية السعودية وقطر.
     إن تركيا مُجبرة على استقبال ألاف الأكراد وقبول تسليح الأكراد في سورية والعراق على الرغم من أنها في حالة حرب على أرضها ضد الحركة القومية العلمانية الكردية. يجب على الحكومة الشيعية العراقية أن تترك الولايات المتحدة تتملق العشائر السنية العراقية المتحالفة مع الدولة الإسلامية، وتُسلّح البشمرغة في كردستان العراق بشكل يهدد بتسريع الاستقلال الذي يطالبون به منذ عدة سنوات، وبإعادة النظر في مسألة الحدود الحالية لتركيا والعراق وسورية. ينتظر الدبلوماسيون الغربيون الكثير من المشاكل في هذا الصدد. بإمكان قادة الجيش وتجار السلاح أن يظهروا سرورهم: إن الموازنات العسكرية التي تنخفض في أوروبا والولايات المتحدة سترتفع من جديد.
     إن رحيل العديد من المواطنين الغربيين للجهاد، ومنهم الكثير من الفرنسيين ومن الذين اعتنقوا الإسلام حديثاً، يُظهر أن حكوماتنا وشعبنا لم يدركوا جيداً اليأس الذي أصاب الشباب الذين لم تنجح المدرسة ولا العمل في دمجهم بنسيجنا الاجتماعي. هذا ما يقوله اليسار منذ سنوات عندما كان في المعارضة، ولكن اليسار لم يفعل ولم يقل شيئا عندما وصل إلى السلطة. إذا لم تتغير المعطيات، وإذا لم نجد حلاً للمشكلة الاجتماعية، وإذا لم نعط عبر المدرسة إلى هؤلاء الشباب الوسيلة لكي يدركهم بأنفسهم أن الدين ليس عذراً للبربرية والتخلف الاجتماعي، فلن يكون هناك ما يدعو للتفاؤل. ولكن ذلك ليس سبباً للتخلي عن المعركة.


(التعاون الصعب بين فرنسا وتركيا)

مجلة النوفيل أوبسرفاتور الأسبوعية 16 تشرين الأول 2014 بقلم مراسلتها الخاصة في تركيا لور مارشاند Laure Marchand


     يبدو أن الاتصالات تمر بصعوبة بين باريس وأنقرة. بعد عدة أسابيع من الخطأ المرتكب أثناء طرد ثلاثة جهاديين فرنسيين من تركيا التي لم تُعلم السلطات الفرنسية بأنها أرسلت هؤلاء الجهاديين في طائرة متجهة إلى مرسيليا وليس إلى باريس (ولكن تم القبض عليهم لاحقاً)، ظهرت قضية جديدة تُربك البلدين الشريكين في مكافحة الإرهاب، ويُفترض أنهما يتشاركان بالمعلومات. أشارت صحيفة التايمز إلى أنه هناك ثلاثة فرنسيين من بين مئة وثمانين إسلامي أفرجت عنهم أنقرة في شهر أيلول أثناء عملية تبادل السجناء بين الحكومة التركية والدولة الإسلامية مقابل الإفراج عن الرهائن الأتراك الذين تم اختطافهم من القنصلية التركية في الموصل. ولكن السلطات الفرنسية لم تعلم بذلك على الرغم من أن وزير الداخلية الفرنسية برنار كازنوف زار أنقرة بتاريخ 26 أيلول في محاولة لإعادة الحوار. إن تركيا هي المدخل الرئيسي للجهاديين الفرنسيين الذين ذهبوا للقتال في سورية.

الخميس، ١٦ تشرين الأول ٢٠١٤

(المأثرة الدموية الجديدة للشيشان)

مجلة النوفيل أوبسرفاتور الأسبوعية 16 تشرين الأول 2014 بقلم جان باتيست نوديه Jean-Baptiste Naudet

     اكتسب المقاتلون الشيشان خبرتهم في الحرب خلال عدة قرون من التقاليد الحربية لمقاومة الغزاة، ثم ظهروا في الشرق الأوسط مع سلاحهم، وجعلوا من سورية ثم العراق ساحة القتال الجديدة لإظهار إنجازاتهم الحربية المأثورة. يقوم هؤلاء المتطوعون القوقازيون بالحرب المقدسة العالمية باسم الله، ولاسيما داخل منظمة الدولة الإسلامية. إن هؤلاء الشيشانيين عاجزون عن القتال في بلدهم، ويهاجمون روسيا بشكل غير مباشر عبر مواجهة النظام السوري المدعوم من موسكو. أصبح المشرق أفقاً لمأثرة جديدة، ولكنها مأثرة دامية أكثر من أن تكون عظيمة. إنها المرة الأولى التي يقاتل فيها الشيشانيون خارج أرضهم دون أن يكونوا مضطرين للدفاع عن عائلاتهم وعشائرهم وشعبهم.
     كم يبلغ عددهم؟ يقول Mairbek Vatchagaev، المؤرخ والمحلل السياسي لشمال القوقاز وأحد كبار القادة الشيشانيين الانفصاليين سابقاً: "يبلغ عددهم ألف وخمسائة تقريباً، ولكن لا أحد يعرف عددهم بالضبط. من المستحيل معرفة ذلك لأنهم يغادرون ويعودون يومياً"، وأشار إلى أن 10 % منهم يأتون من الشيشان، وحوالي 50 ـ 60 % منهم من الشرق الأوسط وسورية، وحوالي 20 ـ 30 %  منهم يأتون من أوروبا الغربية (يوجد حوالي مئتا ألف لاجئ شيشاني في النمسا وألمانيا وبلجيكا بشكل أساسي). يوجد في فرنسا خمسة وثلاثون ألف شيشاني، ولكن لم يخرج منهم إلا حوالي عشرة أو عشرين مقاتلاً. إنهم لاجئو حرب الشيشان أو المهاجرون القدماء الذين طردهم الغزو الروسي من القوقاز في نهاية القرن التاسع عشر.
     لاشك أن كتيبة عمر الشيشاني هي الأكثر عدداً بالرجال، وتضم حوالي ألف شيشاني وحوالي مئة أو مئتي داغستاني. إن انتصارات عمر الشيشاني ساعدته في جذب عدد متزايد من المقاتلين الشيشان الذين يتركون الكتائب الأخرى. على سبيل المثال، لم يعد هناك إلا حوالي مئة رجل في كتيبة أنصار الشام للأمير أبو موسى المُقرب من جبهة النصرة السورية التابعة لتنظيم القاعدة. كذلك الأمر بالنسبة للأمير مسلم (اسمه الحقيقي Margoshvili) الذي ما زال يتزعم حوالي مئتي شيشاني، ولكنه مُقرّب من الجيش السوري الحر. هناك العدد نفسه أيضاً لدى الأمير صلاح الدين في كتيبة جيش المهاجرين والأنصار، إنه شيشاني مستقل، ولكنه الممثل الرسمي في المشرق لـ "أمير القوقاز" أبو محمد (اسمه الحقيقي Aliaskhab Kebekov وهو من داغستان). الأمر الذي يدعو للاستغراب أن جميع هؤلاء الأمراء يتحدرون من وادي Pankissi في جورجيا.

     إن المقاتلين الشيشان مستعدون للتضحية بأنفسهم، ولكنهم لا يرتكبوا العمليات الانتحارية. إنهم لا يبحثوا عن الموت، بل يخدعونه. إنهم يستفيدون من سمعتهم كمقاتلين أشداء، الأمر الذي يثير إعجاب بقية المقاتلين وخوف أعدائهم. لهذا السبب، إن نفوذهم في النزاع السوري والعراقي أكبر بكثير من عددهم لأنهم جعلوا من الحرب فناً للحياة والموت.

(أبو عمر الشيشاني: الرجل الاستراتيجي في الدولة الإسلامية)

مجلة النوفيل أوبسرفاتور الأسبوعية 16 تشرين الأول 2014 بقلم جان باتيست نوديه Jean-Baptiste Naudet

     أبو عمر الشيشاني (28 عاماً) هو أحد الرجال المحوريين في بروز قوة منظمة الدولة الإسلامية كعدو عالمي جديد. اسمه الحقيقي هو: Tarkhan Batirashvili، وأصبح الرجال الثاني والزعيم العسكري لهذه الحركة. تحول هذا الرجل ذو اللحية الحمراء خلال سنتين من سجين في جورجيا إلى القائد العسكري للجهاد في المشرق. إنه أحد مهندسي استيلاء الإسلاميين على الموصل بفضل تكتيكاته المدمرة. لقد تم اختياره لقدراته العسكرية وليس الدينية. قال أحد المقربين منه: "إنه لم يدخل إلى الجامع كثيراً". إن ما يهم أبو عمر الشيشاني في تعبير الحرب المقدسة هو كلمة الحرب. إنه ليس مؤدلجاً، ولكن أحد الضباط الجورجيين الذي راقبوه خلال الحرب ضد روسيا عام 2008 قال: "إنه بارع جداً في الاستراتيجية العسكرية ".
     يتحدر أبو عمر الشيشاني من أب مسيحي من جورجيا وأم شيشانية مسلمة. ولد في جورجيا عام 1986، وترعرع في شمال ـ شرق جورجيا في وادي Pankissi الذي يمثل ملجأ للمقاتلين الشيشان الملاحقين في بلده. تم وصف هذا الوادي بشكل مبالغ به كـ "أحد أهم معاقل الإرهاب" العالمي بعد أحداث 11 أيلول، وكان هذا المكان نقطة الاتصال بين "الممولين" وممثلي تنظيم القاعدة والعصابة الشيشانية التي أصبحت إسلامية. ولكن عمليات الجيش الجورجي الذي درّبه الأمريكيون أدت إلى "تنظيف" هذا الملجأ. أشار أحد المحللين إلى أن أبو عمر الشيشاني جعل من هذا المكان "جامعة لتعليم الإرهاب" (Harvard du terrorisme). قال Mairbek Vatchagaev: "تبنى أبو عمر الشيشاني عقلية شعبه: إنه لا ينسحب أبداً، الأمر الذي يحقق هدف زعيم داعش أبو بكر البغدادي".

     التحق أبو عمر الشيشاني بالجيش الجورجي الذي يُدربه الأمريكيون عندما كان عمره 21 عاماً، وكان عضواً في وحدة الاستخبارات العسكرية. تغير كل شيء في عام 2010 عندما اعتقلته الشرطة الجورجية بسبب حيازة السلاح بشكل غير شرعي، وحُكِمَ عليه بالسجن ثلاث سنوات. خرج من السجن بعد ستة عشر شهراً في بداية عام 2012 لأنه كان يعاني من مرض السل، ثم هرب إلى تركيا. اعتنق الإسلام الراديكالي خلال السجن. قال أبو عمر الشيشاني في مقابلة نادرة لم يتم التأكد من صحتها في نهاية عام 2013: "عندما كنت مسجوناً في جورجيا، أقسمت أمام الله بأنني سأقوم بالجهاد إذا خرجت حياً من السجن". انضم أبو عمر الشيشاني إلى داعش لسبب بسيط هو المبلغ الكبير من المال الذي عرضته هذه المنظمة الغنية، وسمحت له بالقتال. أكد الباحث Mairbek Vatchagaev قائلاً: "يبدو أنه نزيه حتى لو كان محاطاً بعصابة إسلامية فاسدة". تمت تسمية أبو عمر الشيشاني "أميراً للجبهة الشمالية في سورية" عام 2013، ثم أميراً عسكرياً للمنظمة بأسرها، ثم أصبح سريعاً رمزاً هاماً لهذه الحركة الجهادية. وهكذا نجح في تحقيق الإنجاز بأن يصبح الكابوس الجديد للأمريكيين والروس معاً.

الأربعاء، ١٥ تشرين الأول ٢٠١٤

(مكافحة داعش: أوباما يجد صعوبة في تنسيق مصالح الدول المتحالفة)

صحيفة الليبراسيون 15 تشرين الأول 2014 بقلم مراسلها في نيويورك فابريس روسلو Fabrice Rousselot

     يجب على واشنطن مواجهة الخلافات الواضحة والمتزايدة أكثر فأكثر مع حلفائها في المعركة ضد المتطرفين، وذلك بعد مرور شهر على الضربات الجوية الأولى في سورية. أعربت واشنطن منذ أكثر من أسبوع عن غضبها المستمر تجاه أنقرة وما تعتبره بأنه "جمود تركي" أمام هجوم الجهاديين على مدينة قوباني الكردية في سورية. إن المثال الأخير على هذه الخلافات هو التصريحات المتناقضة في واشنطن وأنقرة حول إمكانية استخدام القواعد العسكرية التركية ولاسيما قاعدة أنسيرليك Incirlik من قبل الطائرات الأمريكية. لقد أعربت واشنطن عن سرورها يوم الأحد 12 تشرين الأول عن التوصل إلى اتفاق بهذا الشأن بعد مشاورات ثنائية مكثفة، ولكن أنقرة أكدت يوم الاثنين 13 تشرين الأول أنه لم يتم التوقيع على أي شيء بهذا الخصوص.
     تُعبّر هذه الخلافات عن الرهانات الإقليمية المعقدة لدى بعض شركاء الولايات المتحدة في مكافحة داعش. تشعر تركيا بالقلق من الدعم العسكري الذي تقدمه واشنطن إلى الأكراد السوريين منذ بداية الضربات الجوية. كما أعربت تركيا والسعودية والأردن عن الخشية من أن تؤدي الحملة الجوية الأمريكية إلى تعزيز سلطة بشار الأسد في دمشق. قال أحد الدبلوماسيين العرب: "لا أحد يريد أن تتقدم داعش وأن تبني خلافتها. ولكن مصالح هذا الطرف أو ذاك ليست نفسها بالضرورة على المدى المتوسط والطويل الأجل. إذا أردنا تلخيص ذلك، إن الممالك الخليجية التقليدية مثل السعودية والإمارات العربية المتحدة والأردن لا تنظر إلى الأمور كما تنظر إليها تركيا وقطر".
     قامت الرياض وأبو ظبي وعمّان بتحذير البيت الأبيض في الأسبوع الماضي من "الرهان المزدوج" لقطر المُتهمة بمواصلة تمويل المجموعات المتطرفة على الرغم من انخراطها في التحالف. أعدت وزارة الخزانة الأمريكية في الصيف الماضي عدة تقارير تُظهر أن عدة صناديق تمويل هامة في قطر تقوم بتمويل تنظيم القاعدة وجبهة النصرة وحتى الدولة الإسلامية. لم تخف الأردن أنها لن تقبل أي شيء آخر غير "عدم التسامح إطلاقاً تجاه تمويل التطرف".

     إذاً، إن الأولوية بالنسبة لإدارة أوباما هي رص الصفوف داخل التحالف أثناء اجتماع القادة العسكريين للتحالف في قاعدة أندروز Andrews  الجوية يوم الثلاثاء 14 تشرين الأول، بالإضافة إلى إقناع حلفائها ببذل المزيد من الجهود. تؤكد وزارة الخارجية الأمريكية أن الولايات المتحدة لا تنوي نشر جنود على الأرض، وأن "الأطراف على الأرض يجب عليهم بذل الجهود". يتردد الكثير من القادة العسكريين الأمريكيين إزاء فكرة إقامة "منطقة عازلة" في شمال سورية كما تطالب تركيا، ولكن بإمكانهم مناقشة هذه الفرضية من أجل استخدام مثل هذه المنطقة لتدريب وتأهيل المتمردين السوريين المعتدلين. إنه شكل لتوسيع الحملة العسكرية ضد الدولة الإسلامية مع الحفاظ في الوقت نفسه على الضغط على بشار الأسد.

(أوباما يجمع التحالف في واشنطن بحثاً عن استراتيجية)

صحيفة الفيغارو 15 تشرين الأول 2014 بقلم مراسلها في نيويورك موران بيكار Maurin Picard

     هناك نبأ سار وحيد ربما سيُفرح وزراء دفاع التحالف ضد الدولة الإسلامية أثناء اجتماعهم في قاعدة أندروز الجوية الأمريكية يوم الثلاثاء 14 تشرين الأول. أشارت الوكالة الدولية للطاقة إلى أن انتاج النفط تحت سيطرة الجهاديين انخفض بشكل كبير خلال الشهر الماضي، وأصبح عشرين ألف برميل يومياً بدلاً من سبعين ألف برميل يومياً.
     من الناحية الرسمية، يهدف اجتماع وزراء هذا التحالف إلى "تحقيق التلاؤم بين وجهات النظر". ولكنه تحول من الناحية العملية إلى مواجهة بين أنصار الضربات الجوية ذات النتائج المحدودة وأنصار التدخل على الأرض فوراً من أجل إيقاف انتقال عدوى الهزائم العسكرية. تعارض تركيا بقوة إنقاذ المتمردين الأكراد الذين يدافعون عن مدينة قوباني، وهي تنتظر "اقتراحات ملموسة"، ووجدت في فرنسا حليفاً ثميناً لفرض فكرة المنطقة العازلة والمنزوعة السلاح على الحدود التركية ـ السورية. تعارض الولايات المتحدة ودول الخليج هذه الفكرة، ويدعون إلى "إستراتيجية عراقية 100 %".
     لم يتم توجيه الدعوة إلى أي ممثل عن الجيش السوري الحر للمشاركة في اجتماع أندروز بسبب عجزهم عن توحيد نفسهم عسكرياً. أشار جوش روغان Josh Rogin في الموقع الإلكتروني Daily Beast إلى أن هؤلاء المتمردين المعتدلين "غاضبون جداً".
     إن الرفض الأمريكي للانخراط مباشرة في المستنقع السوري ومهاجمة دمشق بشكل مباشر كما ترغب تركيا والمتمردون المعتدلون هو سلاح ذو حدين: الأول هو أنه يُجنّب الأمريكيين إرسال حملة عسكرية جديدة ومتهورة، ويصفها فريدريك لوجفال Fredrik Logevall، الأستاذ في جامعة كورنيل Cornell University، بأنها "فييتنام أوباما"؛ الثاني هو أنه يعزز الخلط غير المرغوب إطلاقاً بين واشنطن ودمشق بنظر الشعب السوري المسحوق تحت القنابل التي نادراً ما تكون  "ذكية".


الثلاثاء، ١٤ تشرين الأول ٢٠١٤

(عزلة متزايدة للرئيس التركي الذي يواصل تحديه للولايات المتحدة)

صحيفة الفيغارو 14 تشرين الأول 2014 بقلم مراسلها في استانبول ناري حاكيكات Nare Hakikat

     نفت أنقرة ما قالته المستشارة الأمريكية للأمن القومي سوزان رايس بأن تركيا سمحت لطائرات التحالف ضد الدولة الإسلامية باستخدام قواعدها العسكرية ولاسيما قاعدة أنسيرليك Incirlik، وأشار مكتب رئيس الوزراء التركي إلى أن المناقشات مستمرة. ولكنهما توصلا إلى اتفاق حول قيام القوات التركية والأمريكية بتدريب المجموعات المعارضة السورية.
     أشارت محطة CNN Türk إلى أن تركيا تهدف من خلال تدريب المعارضين السوريين إلى حماية حدودها أولاً وإقامة "منطقة أمنية" في شمال سورية. ستُكلّف هذه المجموعات المُدربة بالدفاع عن هذه المنطقة دون أن يعني ذلك بالضرورة شن الهجمات ضد الدولة الإسلامية. فيما يتعلق باستخدام القواعد العسكرية التركية مثل قاعدة أنسيرليك، تفضل أنقرة في الوقت الحالي البقاء على موقفها الأولي: أي السماح باستخدام قواعدها لأهداف إنسانية ولوجستية فقط. اعتبر الصحفي التركي عبد القادر سيلفي Abdülkadir Selvi المُقرّب من الحكومة التركية أن استخدام قاعدة أنسيرليك هو "ورقة هامة للتفاوض" من أجل إقناع التحالف بالعمل أولاً على إسقاط بشار الأسد.
     ما زال هاجس أنقرة هو نفسه: أي الحصول قبل كل شيء على سقوط نظام الأسد، ومنع إقامة كردستان سوري مستقل ذاتياً مهما كلف الأمر. إنه موقف تزداد صعوبة الحفاظ عليه أكثر فأكثر. إن الرفض التركي لمرور المساعدات العسكرية إلى مقاتلي حزب الاتحاد الديمقراطي في قوباني، والتصريحات التركية التي تضع المقاتلين الأكراد والجهاديين على قدم المساواة، أصبحت تهدد أيضاً عملية السلام الهشة التي تقودها تركيا مع حزب العمال الكردستاني. أعلن جميل بيك Cemil Bayik، أحد كبار مسؤولي حزب العمال الكردستاني، إلى المحطة الألمانية ARD  يوم السبت 11 تشرين الأول أن مقاتلي الحزب الذين انسحبوا من الأراضي التركية في إطار عملية السلام انتشروا في تركيا من جديد. إذا كانت المظاهرات الكردية العنيفة في تركيا خلال الأسبوع الماضي قد توقفت بعد نداء التهدئة الذي وجهه الزعيم الكردي المسجون عبد الله أوجلان، فإن سقوط قوباني يُهدد بإشعال شوارع تركيا مرة أخرى.
     يبدو أن رجب طيب أردوغان يحاول الخروج من هذا المأزق عبر القيام بإستراتيجية خطيرة: سيسمح بسقوط قوباني بأيدي الدولة الإسلامية، ثم سيطرح نفسه كـ "مُنقذ". سينتشر الجنود الأتراك في هذه الحالة رسمياً من أجل تطهير هذه المنطقة من الجهاديين وإقامة "المنطقة الأمنية" التي يريدها بشكل يؤدي إلى القضاء على حلم كردستان سورية.


(مدينة شهيدة وعدة رموز)

صحيفة الفيغارو 14 تشرين الأول 2014 بقلم إيزابيل لاسير Isabelle Lasserre

     إن السقوط المحتمل لقوباني خلال الساعات أو الأشهر القادمة يحمل بعداً رمزياً. بعد عشرين عاماً من المجزرة التي ارتكبها الصرب في سيبرينيتشا عام 1995، ينظر العالم عاجزاً مرة أخرى أمام سحق مدينة يقاوم فيها المقاتلون المعتدلون والشجعان أمام الجلادين. إن العجز عن إنقاذ قوباني يطرح الكثير من الأسئلة حول فعالية القصف الجوي لمكافحة الجهاديين، وقابلية استمرار التحالف ضد داعش لأن تركيا تقاتل الأكراد أكثر من أي شيء آخر.
     إن ميليشيات حزب الاتحاد الديموقراطي هي القوة الوحيدة الفعالة وغير الجهادية التي تقاتل على الأرض ضد الدولة الإسلامية، ولن تقتصر نتائج هزيمتها على كبح النزعة الاستقلالية للأكراد في المنطقة. إن توجيه ضربة جديدة للمعارضة المعتدلة سيخلق مواجهة مخيفة على الأرض بين الجهاديين السنة والنظام الشيعي (العلوي) لبشار الأسد. قالت الباحثة في معهد الدراسات والأبحاث الدولية CERI التابع لمعهد العلوم السياسية مريم بن رعد Myriam Benraad: "إن المواجهة بين هذه الطرفين المتطرفين هي أكثر خطورة نظراً لأن الإيرانيين الشيعة أصبحوا يقاتلون إلى جانب النظام السوري. إذاً، من الممكن أن يظهر في الجانب المقابل راديكالية سنية جديدة".
     ستصل نتائج هذه المأساة أيضاً إلى تركيا التي دعمت الجهاديين خلال الصيف وترفض تقديم المساعدة إلى الأكراد في قوباني، الأمر الذي سيؤثر على علاقاتها مع الولايات المتحدة وأوروبا على المدى المتوسط الأجل. بالإضافة إلى ذلك، ستكون تركيا مضطرة للتعايش مع متطرفي داعش المنتشرين على مئات الكيلومترات من الحدود التركية لأنها لم تدعم المقاومين الأكراد. قالت مريم بن رعد: "كما هو الحال بالنسبة للسعودية، تفاجأت تركيا في النهاية بتقدم الدولة الإسلامية في المنطقة. إن هذه المسألة هامة جداً بالنسبة لأنقرة لأن العديد من الجهاديين الأتراك الذين يقاتلون مع الدولة الإسلامية يرغبون بضم تركيا إلى الخلافة السنية".

     ربما يؤدي سقوط قوباني أيضاً إلى إعادة إشعال النزاع بين أنقرة وخمسة عشرة مليون كردي في تركيا. هدد الزعيم التاريخي لحزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان من سجنه بإنهاء عملية السلام، وربط بين مستقبل الأكراد في تركيا ومصير قوباني. كتبت كاترين ويلكينز Catherine Wilkens في تقرير لمؤسسة كارنيجي: "إذا استؤنف نزاع مفتوح، ستجد أنقرة نفسها أمام ثلاث تهديدات كامنة على أمنها هي: حزب العمال الكردستاني وبشار الأسد وداعش".

(التغلغل الخفي للدولة الإسلامية في فلسطين)

صحيفة الليبراسيون 14 تشرين الأول 2014 بقلم مراسلها في إسرائيل نسيم بيهار Nissim Behar
                                                                                         
     تبنت الدولة الإسلامية في منشور ورقي يوم الأربعاء 8 تشرين الأول عملية حرق المركز الثقافي الفرنسي في غزة، واعتبرته "إهانة للإسلام"، وأظهرت نفسها على الساحة السياسية ـ العسكرية الفلسطينية. ثم ظهر منشور آخر في غزة بتوقيع الدولة الإسلامية ينفي تورط جهاديي الدولة الإسلامية في الهجوم على المركز الثقافي الفرنسي، وجاء في المنشور: "نحن نحترم الحياة والثقافة كثيراً. نحن نستهدف اليهود فقط". على أي حال، لا أحد يستطيع الآن نفي وجود بعض الجهاديين الذين يتبنون الانتماء إلى الدولة الإسلامية في قطاع عزة. ما زال عددهم مجهولاً.
     في بداية الحرب الأهلية بين إسرائيل وحماس خلال الصيف الماضي، بدأت طائرات الدولة العبرية بتصفية سلطان الحربي الملقب بـ (خالد الجزراوي) و(أبو معد الحربي)، وهو أحد "المجاهدين" الذين قاتلوا في ليبيا واليمن وسورية ثم عاد إلى غزة لبناء أول جسر مع الدولة الإسلامية فيها. لقد مات هذا الرجل مع أربعة من حراسه بصاروخ إسرائيلي. ولكن نظراً لوصوله إلى غزة قبل عدة أسابيع، سنحت له الفرصة للبحث عن بعض المنشقين عن حماس، وتمكن من وصلهم بالحركة الجهادية المصرية في سيناء أنصار بيت المقدس التي تحظى بمساعدة تقنية من الدولة الإسلامية بدون أن تتحالف معها رسمياً.
     ظهرت بعض الميول مع الدولة الإسلامية في الضفة الغربية أيضاً. اعتقلت الأجهزة الأمنية للسلطة الفلسطينية حوالي أربعين ناشطاً منذ بداية العام. لقد قاتل أغلبهم في صفوف جبهة النصرة ـ الجناح السوري لتنظيم القاعدة، ثم انتقلوا للعمل مع الأكثر راديكالية. لقد تم اعتقالهم جميعاً خلال عودتهم من الجبهة للاستراحة عدة أيام مع عائلاتهم. تشير اعترافاتهم إلى وجود فلسطينيين آخرين يواصلون الحرب المقدسة في العراق وسورية إلى جانب الأوروبيين والأمريكيين وبعض العرب الإسرائيليين الذين ينشرون صور "إنجازاتهم" على الفيسبوك. على سبيل المثال، هناك Rahabiya Shehader الملقب بـ "جزار فلسطين"، إنه أحد سكان المدينة العربية ـ الإسرائيلية الناصرة، وهَجَرَ عائلته من أجل القتال في سورية، وأصبح أحد جزاري الدولة الإسلامية. فيما يتعلق بأحمد الحبشي، أحد سكان القرى الصغيرة في وسط إسرائيل، فقد مات قبل عدة أيام في العراق.

     أعرب جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) عن قلقه من هذه الظاهرة، وقدّر عدد هؤلاء المجاهدين بحوالي الثلاثين. إنه عدد قليل، ولكن مثالهم يبدو أنه يبعث على الطموح في بعض المدن والقرى الإسرائيلية. انضم  أحمد شربجي (23 عاماً)، أحد سكان مدينة أم الفحم بالقرب من مدينة جنين في الضفة الغربية، إلى الدولة الإسلامية في سورية بتاريخ 23 أيلول من أجل "قتال النظام المجرم لبشار الأسد"، واعتبرته المحكمة في حيفا بأنه "خطر على الدولة". بعد ستة أيام، تم اعتقال محمود محاميد (24 عاماً) من مدينة أم الفحم بسبب العثور على منشورات للدولة الإسلامية في منزله.

الاثنين، ١٣ تشرين الأول ٢٠١٤

(يوميات حرب في دمشق)

صحيفة اللوموند 12 ـ 13 تشرين الأول 2014 بقلم كريستوف عياد Christophe Ayad

     تنشر صحيفة اللوموند في هذا العدد وخلال هذا الأسبوع التقرير الذي أعدته المصورة الروسية أولغا كرافيتس Olga Kravets بعد أن أمضت حوالي الأسبوعين خلال شهر أيلول في دمشق والعديد من المناطق الحكومية الأخرى. إنه تقرير يغوص في الأمور اليومية العادية والسرية والمأساوية للحرب الأهلية السورية.
     اعتدنا في النهاية على هذه الحرب لدرجة نسيانها. ولكن نزاعاً آخراً طغى عليها في الشمال والشرق ضد "الدولة الإسلامية"، إنها مواجهة بين الطائرة المقاتلة والسيف. هذه المواجهة هي مواجهتنا: إنهم جهاديو"نا" الذين يقتلون رهائنـ "نا" انتقاماً من هجمات طائراتـ "نا" المقاتلة. خلال هذا الوقت، الحرب الأهلية مستمرة. أولغا كرافيتس هي مصورة روسية أمضت حوالي الأسبوعين في دمشق ومناطق حكومية أخرى لحساب وكالة سالت للتصوير Salt Images. لم تحصل صحيفة اللوموند على تأشيرة دخول إلى سورية منذ بداية التمرد في ربيع عام 2011، ولذلك اختارت الصحيفة نشر عمل الصحفية الروسية. في الحقيقة، يستمر القتال في دمشق يومياً على بعد عشرة كيلومترات من الجامع الأموي وأسواق المدينة القديمة.
     قالت أولغا كرافيتس: "الشيء الأول الذي يبعث على الصدمة في دمشق هو الضجيج". هدير مستمر. تُحلّق الطائرات المقاتلة عدة مرات يومياً من أجل قصف جوبر التي يقاوم فيها المتمردون تحت الأنقاض، ومات فيها الكثير منهم، ولكنهم يُجددون أنفسهم باستمرار. يبدأ عمل المدفعية الثقيلة في هذا الحي ليلاً، وذلك بعد أن كان إحدى ضواحي دمشق، ولكنه أصبح يشكل جزءاً لا يتجزأ من العاصمة حالياً. لا يمر يوم دون أن تتصاعد أعمدة الدخان السوداء الكثيفة في الأفق، ولكن لم يعد هناك أحد يهتم بذلك أو بالطائرات المروحية والمقاتلة التي تُقلع من المطار العسكري المجاور مخترقة سماء العاصمة. من المستحيل تجاهل الحرب، ولكن الجميع يتصرف كما لو أنها غير موجودة. تظهر الحرب أحياناً على الرصيف المقابل على شكل قذيفة هاون أو قذيفة صاروخية تسقط بشكل أعمى. أحياناً أخرى، تسقط القذيفة على إحدى السيارات أو المدارس أو الأشخاص عندما يكون الحظ في حالة إضراب. تؤكد أولغا كرافيتس قائلة: "يرفض الجميع الاعتراف بالواقع".
     لا يوجد منع للتجول في الليل، ولكن الخروج ليلاً أصبح نادراً وقصير المدة. قالت المصورة الروسية: "كانت حفلات الزواج تستمر حتى الفجر، وأصبحت تنتهي الساعة العاشرة ليلاً". كانت شرفات المقاهي في المدينة القديمة تفتح أبوابها حتى العام الماضي عندما شن النظام هجوماً كيميائياً في ضواحي دمشق في شهر آب، ولكن سكان دمشق يفضلون اليوم تناول طعام العشاء في القاعات المغلقة والداخلية لأنها أقل تعرضاً لقذائف المتمردين العشوائية. ما زالت عمليات الاستنزاف التي يشنها المتمردون مستمرة حتى داخل العاصمة، وذلك على الرغم من انتصارات النظام الذي أبعد المتمردين إلى ما وراء حمص خلال العام الماضي.
     يقوم ضباط الجيش بإدارة البلد ـ أو ما بقي منه ـ من الثكنات التي لا يمكن اختراقها والمحاطة بجدران عالية، وربما يساعدهم عدد كبير من المستشارين الإيرانيين والروس. يمكن أن يظهر الجيش فجأة في أية لحظة في حياة أي شخص: خلال إقامة أولغا، تم استدعاء المترجم الذي يرافقها إلى خدمة العلم على الرغم من الإكرامية التي دفعها لتجنب الالتحاق الجيش. ولكن فضّل الهرب إلى لبنان على الرغم من أنه علوي.
     لا أحد ينتقد النظام في دمشق، وهو أمر لا يدعو للاستغراب إطلاقاً. ولكن الأمر الذي يدعو للاستغراب أكثر كما تقول أولغا هو أنه "لا أحد يشعر بأنه مجبر على مديح النظام. لقد عَمِلتُ في الشيشان، وكان الناس يمدحون الرئيس قاديروف في النهاية". أما هنا، فإنه كما لو أن بشار الأسد يعيش في كوكب آخر على الرغم من حضوره على جميع جدران المدينة عبر الصور واللافتات.
     كانت المصورة الروسية مُجبرة على قبول "مرافقة" لها من وزارة الإعلام طوال فترة إقامتها. هذه المرافقة هي فتاة عاطلة عن العمل اسمها رنا (28 عاماً) ابنة أحد كبار الضباط السنة في حمص، كان من المفترض أن تقوم بتسهيل عمل أولغا، ولكنها رافقتها من أجل مراقبتها. لكن هذه الفتاة الشابة التي تدربت بسرعة، وتعمل في هذه المهنة منذ فترة وجيزة، بذلت كل ما بوسعها لمساعدة الصحفية ـ المصورة. إن أولغا ورنا توصلتا في النهاية إلى إقامة علاقة غامضة يمتزج فيها التواطؤ والشك.

     تقول أولغا غرافيتس: "يقول الناس أنهم اعتادوا على القذائف والشهداء، ولكنهم لم يعد يتحملون التضخم". إن ارتفاع الأسعار والتزوير والبضائع الإيرانية غزت المحلات. تحولت مكاتب السياحة إلى محلات لبيع ألبسة النساء الداخلية بسبب انعدام الزبائن، وغالباً بدون تغيير لافتة المكتب. التقت أولغا خلال إقامتها في شهر أيلول مع آخر الحكواتية المشهورين في دمشق رشيد الحلاق الذي يعمل في قهوة النوفرة منذ وقت طويل. ولكنه مات بعد ذلك بأزمة قلبية دون أن يترك أحد مكانه.

(سعد الحريري: "لبنان مخنوق تحت عبء اللاجئين السوريين")

صحيفة الفيغارو 13 تشرين الأول 2014 ـ مقابلة مع سعد الحريري الذي التقى مع الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند يوم الأربعاء 8 تشرين الأول 2014 ـ أجرى المقابلة رونو جيرار Renaud Girard

سؤال: بماذا تفكرون تجاه بروز الدولة الإسلامية في المشرق وبلاد الرافدين؟
سعد الحريري: إن ما يسمى بالدولة الإسلامية ليست دولة وليست إسلامية. إنها مجموعة إرهابية ترتكب أعمالاً وحشية وكريهة باسم ديننا. إن الأغلبية الساحقة للمسلمين معتدلة، ولكن ممثليها السياسيين يجب أن يحظوا بالمصداقية. على سبيل المثال، لم تحظ المعارضة السورية بدعم المجتمع الدولي عندما كانت ديموقراطية ومعتدلة بأغلبيتها، واقتصر الدعم على الكلام. إن المعتدلين في العالم العربي متوحدون ومصممون في مكافحتهم للإرهاب، ولكن يجب عليهم في الوقت نفسه مواجهة تدخل إيران في الشؤون الداخلية لدولهم. قامت العشائر السنية في غرب العراق بقتال تنظيم القاعدة بين عامي 2007 و2010، وتمكنت من طرده. ولكن التدخل الإيراني عبر حكومة المالكي حرمهم من حقوقهم. جاءت الدولة الإسلامية لكي تستفيد من هذا الحرمان. إن الشعب السوري مُجبر اليوم أمام خيار مستحيل بين الدولة الإسلامية وبشار الأسد.
سؤال: ما هو الحل في المشرق؟
سعد الحريري: إن الضربات العسكرية للتحالف ضرورية، ولكنها غير كافية. على المدى الطويل، لا بد من دعم وتعزيز قوة المعتدلين، أي أولئك الذين يرفضون التعصب الديني، ويدعون إلى فصل السياسة عن الدين في شؤون الدولة، ويحترمون المبادئ الديموقراطية وحقوق الإنسان. إن بلدي لبنان هو نموذج للتسامح والعيش المشترك في المنطقة بأسرها. ولكن هذا النموذج أصبح مهدداً اليوم بسبب تدهور الوضع المؤسساتي والفراغ على رأس الدولة. نحن البلد الوحيد، في القوس الممتد من المغرب إلى الهند، الذي يقول دستوره أن الرئيس يجب أن يكون مسيحياً. ولكننا نحاول انتخاب رئيس للجمهورية منذ شهر أيار. نحن نبذل كل ما بوسعنا لإنهاء هذا الفراغ.
سؤال: ألا نشهد تدهوراً مستمراً للوضع الأمني في لبنان؟
سعد الحريري: نعم، الوضع يتفاقم. أولاً، تدخل حزب الله في الحرب السورية اعتباراً من عام 2012. إن هذا التدخل من قبل حزب ـ ميليشيا لبنانية في أرض خارجية حصل بدون طلب رأي اللبنانيين أو الدولة اللبنانية.  إنهم يدّعون الذهاب إلى سورية لمنع المجموعات الإرهابية السورية من دخول لبنان. ولكن هذه المجموعات نفسها تتذرع بتدخل حزب الله في سورية من أجل نقل المعركة إلى لبنان! من جهة أخرى، نحن نواجه تدفق 1.3 مليون لاجئ سوري. أي كما لو أن فرنسا استقبلت عشرين مليون لاجئ خلال ثلاث سنوات. لا يستطيع أي بلد مواجهة مثل هذه النسبة! لهذا السبب، إن المساعدة الدولية ضرورية لامتصاص نتائج هذه التدفق ودعم الجيش اللبناني في مكافحة المجموعات المتطرفة. من جهة أخرى، وضع ملك السعودية عبد الله مبلغ مليار دولار تحت تصرف الجيش وقوات الأمن اللبنانية للاستجابة للاحتياجات العاجلة في مكافحة الإرهاب. أنا أتشرف بأن أكون الشخص المكلف بتوزيع هذه الهبة.
سؤال: هل يُضاف ذلك إلى انخراط السعودية في إنجاز شراء الأسلحة الفرنسية من أجل لبنان بمبلغ ثلاثة مليارات دولار؟
سعد الحريري: بالتأكيد، ولكنه اتفاق بين فرنسا والسعودية، وأنا لست جزء منه. أعتقد أن الاتفاق يتابع مجراه، وأن الأمور ستنتهي قريباً.
سؤال: أنتم مقربون جداً من العائلة الحاكمة السعودية كما هو الحال بالنسبة لوالدكم. ولكن أليس تصدير الوهابية من قبل السعودية منذ ثلاثين عاماً هو السبب الأساسي في الراديكالية الإسلامية؟

سعد الحريري: هذا الكلام يُناقض الواقع. انظروا إلى دعم الرياض إلى الجنرال السيسي في مصر أو إلى الجيش اللبناني في مكافحته للمجموعات الإرهابية. إن الملك عبد الله حالياً هو على رأس المكافحة الثقافية والسياسية ضد التطرف الذي يدّعي الإسلام، ولا يمكن أن يكون هناك اليوم تحالف دولي ضد الدولة الإسلامية بدون دعمه ومشاركته. هذا ما يجب النظر إليه. إن النواة الصلبة والأساسية للدولة الإسلامية جاءت من بعض السجناء السابقين من تنظيم القاعدة الذي تم الإفراج عنهم عمداً من سجون نوري المالكي في العراق وبشار الأسد في سورية. اعتقد الاثنان أن خلق فزاعة إرهابية سيجعلهما ضروريان بنظر القوى العظمى. ولكنهما خلقا وحشاً أصبح من غير الممكن السيطرة عليه.

السبت، ١١ تشرين الأول ٢٠١٤

(باريس ـ دمشق، الأسرار الصغيرة غير المعلنة)

مجلة اللوبوان الأسبوعية 9 تشرين الأول 2014 ـ مقتطفات من الكتاب الذي صدر يوم الخميس 9 تشرين  الأول بعنوان: "الطرق إلى دمشق" عن دار نشر روبير لافون ـ هذا الكتاب بقلم الصحفيين كريستيان شينو Christian Chesnot وجورج مالبرونو Georges Malbrunot. هذه المقتطفات حول الخلافات الفرنسية ـ الفرنسية المتعلقة بالملف السوري منذ عام 2011

     لم يتجرأ أي سفير فرنسا سابق على القيام بذلك: لقد قام بدعوة الرجل الأكثر فساداً في النظام رامي مخلوف، ابن خالة بشار الأسد، والذي تكرهه الأغلبية الساحقة للسوريين بسبب دوره المحوري في النظام القائم، لتناول الغداء في منزل السفير الفرنسي بدمشق. لم يتردد سفير فرنسا إريك شوفالييه في خريف عام 2009 في اتخاذ المبادرة بعد عدة أشهر فقط من وصوله إلى دمشق.
     يتذكر إريك شوفالييه حفلي غداء لوحده مع رامي مخلوف، وأرسل بعدهما تقريراً تم نشره ليس فقط في وزارة الخارجية الفرنسية بل أيضاً في قصر الإليزيه ووزارة الاقتصاد الفرنسية. أكد إريك شوفالييه قائلاً: "ليس لدي أي تعليق سلبي على الشخص. لم أتلق من أي شخص تعليمات تقول لي أن ذلك ليس أمراً جيداً، وأنه يجب التوقف عن ذلك". تحدث رامي مخلوف خلال حفلي الغداء باللغة الانكليزية على الرغم من أنه يستطيع التحدث باللغة الفرنسية. يشكل ذلك إلى حد ما تكريساً لهذا الشخص المنبوذ من الأوساط الدبلوماسية. سأل رامي مخلوف مضيفيه الفرنسيين بجرأة قائلاً: "بماذا تشعرون بحصولكم على الإذن بمقابلتي؟". يتذكر إريك شوفالييه قائلاً: "لم تتطرق النقاشات مع رامي مخلوف إلى الاقتصاد فقط، بل أيضاً إلى الرهانات الإقليمية. كتبت في تقاريري أن الرسالة من قبله كانت واضحة بما فيه الكفاية: سيكون من الصعب جداً إنجاز الصفقات في سورية بدون أن أستفيد منها شخصياً".
     في ربيع عام 2011، جرى اجتماع عاصف في مكتب إيرفيه لادسوس Hervé Ladsous، مدير مكتب آلان جوبيه، من أجل إعادة سفير فرنسا في سورية إلى جادة الصواب. من أجل القيام بذلك، أرسل قصر الإليزيه مستشار رئيس الجمهورية لشؤون الشرق الأوسط نيكولا غاليه Nicolas Galey. شارك في هذا الاجتماع أيضاً مدير إدارة شمال أفريقيا والشرق الأوسط باتريس باولي Patrice Paoli ومدير إدارة الآفاق المستقبلية جوزيف مايلا Joseph Maïla وبعض الدبلوماسيين المكلفين بالملف السوري، بالإضافة إلى إريك شوفالييه الذي جاء من دمشق للمشاركة في هذا الاجتماع. ربما أحس إريك شوفالييه بالخطر الداهم قبل بداية هذا الاجتماع، وقال إلى أحد زملائه: "أنت أيضاً جزء من الدبلوماسيين الذين يعتقدون بأن النظام لن يسقط. إن بشار قوي. من غير الممكن المضي في هذا الاتجاه. يجب عليك تهدئة الناس في الوزارة". ولكن نيكولا غاليه جاء بمهمة محددة جداً هي فرض التوجه القائل بان سقوط بشار الأسد حتمي، وأنه لن يتم التساهل مع أي احتجاج داخل الدبلوماسية الفرنسية. وصل مبعوث الإليزيه بابتسامة ساخرة، وترك إريك شوفالييه يقول مؤكداً: "أنا سفير على الأرض، وتجولت في كل مكان في سورية. لم أشعر بأن النظام متهالك". قاطعه نيكولا غاليه بنبرة عدائية جداً نقلاً عن المشاركين قائلاً: "توقف عن قول الحماقات. يجب التوقف عن التمسك بالوقائع، ويجب رؤية ما هو أبعد من أنفك".
     إيرفيه لادسوس هو دبلوماسي محنك ومُتزن، وكان أول المتفاجئين بعنف نيكولا غاليه الذي لم يحضر الاجتماع لتبادل التحليلات بل من أجل تحديد الهدف المطلوب بشكل حاسم ونهائي. أوقع إريك شوفالييه نفسه في فخ تحليله الذي يرتكز على جملة: "يجب تصديقي، أنا أعطيكم المعلومات الصحيحة لأنني رأيت ماذا حصل، وكنت هناك". ولكن نيكولا غاليه لم يتأثر إطلاقاً بهذا الكلام، وأكد حزمه قائلاً: "لا تهمنا معلوماتك. أين هي مصالح فرنسا؟ بالتأكيد، إنها لا تكمن في دعم دكتاتور!". لكن إريك شوفالييه رجل شجاع، وأكد وجهة نظره دون أن يفقد الثقة بنفسه قائلاً: "أنا معروف في دمشق بأنني الشخص الذي يلتقي غالباً مع المعارضين. أشعر أيضاً بإمكانيات قوة النظام وقدرته على المقاومة، بالإضافة إلى الدعم الخارجي المحتمل الذي يحظى به. في جميع الأحوال، إنها ليست فكرتي عن عمل السفير. أنتم تريدون أن أكتب بشكل مختلف، ولكنني أعتبر أن واجبي هو الاستمرار بكتابة ما أكتبه. بمعنى آخر، أن أروي ما يحصل!". رد عليه نيكولا غاليه قائلاً: "ولكنك لا تريد جر وزارة الخارجية وفرنسا في هذه المغامرة". رفض إريك شوفالييه هذا الكلام قائلاً: "أنتم تقولون أشياء غير صحيحة". اختتم نيكولا غاليه الحديث قائلاً: "نحن لا تهمنا معلوماتك. يجب أن يسقط بشار الأسد، وسيسقط". احتدت النبرة لدرجة أن إيرفيه لادسوس الهادئ جداً اضطر للصراخ مرتين من أجل وضع حد لهذا الصراع. كان  جميع المشاركين حول الطاولة ينظرون إلى السقف، ويبدو عليهم الانزعاج.
     قال أحد عناصر الإدارة العامة للأمن الخارجي DGSE منتقداً: "إن الإدارة العامة للأمن الداخلي DCRI لا تعرف أي شيء عن سورية". ما زالت الاستخبارات الخارجية تجد صعوبة في قبول الدور القيادي لمنافستها في العلاقة مع دمشق. ما زالت الأزمة السورية تؤجج النزاع الداخلي بين الاستخبارات الداخلية والخارجية، وتعايشهما الصعب في الطابق الثالث للسفارة الفرنسية. قال أحد العسكريين: "الأبواب مغلقة، ويتجنب الطرفان اللقاء في الممرات. ويحاول عناصر قيادة العمليات الخاصة COS القيام بدول الحكم فيما بينهما".
     غادر فريق الإدارة العامة للاستخبارات الخارجية (حوالي ستة عناصر) من سورية إلى الأردن، وتم تعزيزه بعد تكليف بعضهم بمهمة المساعدة العسكرية التي تقدمها فرنسا إلى الجيش السوري الحر في إطار الاجتماعات مع بقية الحلفاء الغربيين والعرب، هذه الاجتماعات التي كانت تُعقد في "غرفة الحرب" في فندق الفصول الأربعة في العاصمة الأردنية.
     كانت التحليلات متوافقة بين جهازي الاستخبارات الداخلية والخارجية في بداية الأزمة السورية في ربيع عام 2011، ولم يكن أي منهما يرى أن بشار سيسقط سريعاً، وهذا ما كتبه عناصرهما في دمشق. ولكن هناك اختلاف واضح بينهما من حيث الشكل والنبرة المستخدمة كما يتذكر دبلوماسي على اتصال مع الجهازين. قال هذا الدبلوماسي: "رأت الإدارة العامة للأمن الداخلي بسرعة أيدي السلفيين والجهاديين في هذا التمرد، وأظهرت حذرها حول طبيعة هذا التمرد. أما الإدارة العامة للأمن الخارجي فقد وافقت رأي السلطات في باريس وانتقدت بعنف نظام بشار الأسد".
     كانت الإدارة العامة للأمن الخارجي تعتقد عام 2009 أنها انتقمت أخيراً من الإدارة العامة للأمن الداخلي عندما حصلت بعض التغييرات في إدارة الأجهزة السورية، وعزل آصف شوكت ـ الذي كان الوسيط مع فرنسا ـ من رئاسة الاستخبارات العسكرية وحل محله علي مملوك الذي يدير الأمن السياسي. كانت الإدارة العامة للاستخبارات الخارجية تتعامل مع علي مملوك، واعتقدت أن فرصتها قد حانت. ولكن برنار سكارسيني Bernard Squarcini الذي جاء مع نيكولا ساركوزي استعاد هذه العلاقة لمصلحته.  لقد تجاوز رئيس الإدارة العامة للأمن الداخلي برنار سكارسيني أصول اللباقة تجاه خصومه في الإدارة العامة للأمن الخارجي التي اضطرت مرة أخرى إلى كبت غضبها حتى جاء شهر آذار 2011 عندما نزل السوريون إلى الشارع ضد بشار الأسد.
     تسبب تمسك موسكو بدعم بشار الاسد في أزمة صغيرة بين فرنسا وروسيا، وذلك عندما تحدث آلان جوبيه عن "وصمة لا تمحى" على سمعة روسيا. رداً على ذلك، رفض وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف التحدث مع نظيره الفرنسي على الهاتف خلال الأسابيع الأخيرة من رئاسة ساركوزي. قال كلود غيان Claude Guéant: "إن الطريقة التي تعامل بها آلان جوبيه مع روسيا في الأزمة السورية كانت خطأ خطيراً. لم يكن من الواجب تهميش روسيا بهذا الشكل، في حين أنه كان من الممكن استخدامها كثيراً. أنا مُقتنع أنه لو تم التخلي عن المسائل المتعلقة بالأنا والحظوة والزعامة في ذلك الوقت، وقلنا إلى الروس أنهم الأفضل لمعالجة هذا الوضع، فإنهم سيكونون سعيدين جداً بالانخراط إيجابياً. لقد كانوا الوحيدين القادرين على القيام بذلك".
     لم يتردد سفير فرنسا في بغداد بوريس بوالون Boris Boillon عن تجميل الواقع في برقيته المؤرخة بشهر أيلول عام 2010 بعنوان: (العراق، ديموقراطية تتقدم إلى الأمام). تحتل هذه البرقية مركزاً متقدماً بين الحماقات الدبلوماسية. احكموا بأنفسكم على ما ورد فيها: "خرج العراق اليوم من الورطة. يملك البلد القدرة على أن يصبح نموذجاً للتنوع الديموقراطي وقطباً للاستقرار الإقليمي. يتمتع العراق بميزات عديدة: ثالث احتياطي نفطي، وسكان متعلمون، ومصادر ديموقراطية حقيقية. إن آثار الحرب الأهلية والمأزق السياسي لا يمنع البلد من التقدم. تتعمد الصحافة الدولية نشر الأفكار الجاهزة التالية: هناك فراغ سياسي خطير يمكن أن يؤدي إلى تفاقم انعدام الأمن". انتقد بعض الدبلوماسيين في الاجتماعات الخاصة هذا "التراجع" في التحليل الفرنسي حول الشرق الأوسط، وذلك بعد أن كان يشكل إحدى العلامات المتميزة لوزارة الخارجية الفرنسية. إن هذه الدبلوماسية المتقلبة غالباً حيّرت شركاءنا الأوروبيين والعرب.
     قال فرانسوا هولاند في مؤتمر السفراء بتاريخ 27 آب 2013: "لا يمكن أن تبقى المجزرة الكيميائية في دمشق بدون جواب. لا يمكن أن يبقى المجتمع الدولي دون حراك تجاه استخدام الأسلحة الكيميائية. إن فرنسا مستعدة لمعاقبة أولئك الذين اتخذوا القرار المرعب باستخدام الغاز ضد الأبرياء". طلب فرانسوا هولاند نشر وثائق الإدارة العامة للأمن الخارجي وإدارة الاستخبارات العسكرية، وجمعهما في وثيقة واحدة، ونزع صفة السرية عنها، وذلك من أجل إقناع الرأي العام بصحة موقفه الحربي. قام جان كلود ماليه Jean-Claude Mallet، المستشار الخاص لوزير الدفاع الفرنسي جان إيف لودريان، بـ "تدعيم" الوثيقة المشتركة بين الإدارة العامة للأمن الخارجي وإدارة الاستخبارات الخارجية على الرغم من أنف جواسيس الإدارة العامة للأمن الخارجي وضباط إدارة الاستخبارات العسكرية الذين تركوا بعض نقاط الاستفهام أو طرحوا بعض الشكوك، لأنه لا يمكن التوصل إلى نتائج مؤكدة حول بعض الجوانب، ولاسيما حول استخدام الساران. تتحدث إحدى الفرضيات عن أن جيش الأسد قصف مخبراً سرياً للمتمردين بقذائف تقليدية، ولكن هذه الفرضية اختفت كليا من النص النهائي للوثيقة. مرة أخرى، كان يجب أن تتطابق نسخة أجهزة الاستخبارات والجيش مع الخط السياسي لقصر الإليزيه. لم يكن يجب إزعاج القصر. يجب أن يتطابق كل شيء مع موقف فرانسوا هولاند.


الجمعة، ١٠ تشرين الأول ٢٠١٤

(بشار الأسد يعاقب أحد أقاربه حافظ مخلوف)

صحيفة الفيغارو 10 تشرين الأول 2014 بقلم جورج مالبرونو Georges Malbrunot

     قام الرئيس السوري بشار الأسد بإقالة أحد أقاربه حافظ مخلوف من مناصبه بعد أن كان يشغل منصباً هاماً في جهاز الأمن السياسي. يعود تاريخ هذا الإبعاد الخفي إلى نهاية الصيف الماضي، والسبب هو بعض تصرفات العميد حافظ مخلوف الذي قام بزيادة عدد الحواجز في دمشق، وتمرد على المسؤول الأعلى عنه. لم يغادر حافظ مخلوف إلى الخارج كما تقول بعض الإشاعات. كان حافظ مخلوف جزءاً من أولئك  الذين طلبوا من الرئيس قمع المتظاهرين ضد النظام منذ  الأشهر الأولى للتمرد الذي يهز سورية منذ ربيع عام 2011.


(جان قهوجي: داعش تريد إشعال الحرب الأهلية)

صحيفة الفيغارو 10 تشرين الأول 2014 ـ مقابلة مع قائد الجيش اللبناني الجنرال جان قهوجي ـ أجرى المقابلة مراسلها الخاص في لبنان جورج مالبرونو Georges Malbrunot

سؤال: ما هو هدف الدولة الإسلامية في لبنان؟
جان قهوجي: اكتشفنا الدوافع الحقيقية لداعش عندما استجوبنا أحد قادتها أحمد جمعة بعد اعتقاله في عرسال في بداية شهر آب. لقد  اعترف بإعداد عملية تفجير ضد الجيش. كانت داعش تنوي نهب الأسلحة كما فعل الجهاديون في العراق من أجل مهاجمة القرى الشيعية والمسيحية القريبة من عرسال. ولكن إذا نظرنا إلى ما هو أبعد من ذلك، تريد داعش إشعال حرب  أهلية بين الشيعة والسنة في لبنان. هذا هو هدفها الأساسي، وهذا ما أكده لنا أحمد جمعة. من أجل تحقيق ذلك، تعتمد داعش على بعض الخلايا النائمة في طرابلس ومنطقة عكار، بالإضافة إلى دعم بعض شرائح السكان السنة. في لبنان، تريد الدولة الإسلامية أيضاً الحصول على منفذ إلى البحر لأنها لا تملك ذلك في العراق وسورية في الوقت الحالي. إن لبنان هو الوحيد الذي يمكن أن يمنحها مثل هذا المنفذ. من أجل تحقيق ذلك، يجب عليهم وصل جبال القلمون في سورية مع عرسال ثم مع منطقة عكار وأخيراً شمال لبنان. لحسن  الحظ، استطعنا إبعادهم إلى الجبال، ولكنني متأكد بأنهم لو نجحوا، فإن الحرب الأهلية كانت ستندلع.
سؤال: ما هي الأسلحة التي تحتاجونها؟
جان قهوجي: نحن بحاجة إلى طائرات مروحية مقاتلة ودعم جوي لقواتنا البرية. لقد نجحنا في تجهيز بعض طائراتنا المروحية من طراز Puma، التي استلمناها من فرنسا في الماضي، بصواريخ يبلغ وزنها أربعمائة كيلوغرام. ولكننا بحاجة إلى أسلحة أكثر تطوراً. نهاجم داعش من وقت لآخر، ولكن يجب علينا الانتباه إلى جنودنا السبعة والعشرين المعتقلين لديهم.
سؤال: ألا تخشون أن يتحالف اللاجئون مع داعش بالنظر إلى القوة التي تستخدمونها؟
جان قهوجي: نحن نميز بين اللاجئين والإرهابيين. للأسف، لدينا صور تُظهر أن بعض المتمردين لجؤوا إلى بعض المخيمات حول عرسال. ربما كان جنودنا متشددين مع البعض، ولكن عندما ترون التعذيب الذي عانى منه جنودنا، بإمكانكم أن تفهموا ردة فعلهم. على أي حال، فتح الجيش تحقيقاً حول بعض الحوادث.


(مهمة شاقة للطائرات الفرنسية في العراق)

صحيفة الفيغارو 10 تشرين الأول 2014 بقلم آلان بارليويه Alain Barluet

     تريد فرنسا أن تكون في المقدمة مع الولايات المتحدة لقتال الجهاديين، وهي متواجدة لمواجهة داعش بوسائل محدودة، وبالتالي فإن النتائج محدودة أيضاً. أرسلت فرنسا ثلاث طائرات رافال إضافية بتاريخ 5 تشرين الأول، وأصبح لديها تسع طائرات في قاعدة الظفرة العسكرية في أبو ظبي، وضاعفت مرتين وتيرة الدوريات الجوية. ولكن قيادة الأركان الفرنسية لم تعلن إلا عن ضربتين ضد المواقع اللوجستية لداعش خلال الأسابيع الثلاثة للعمليات العسكرية يومي 19 و25 تشرين الأول.
     يمكن تفسير هذا العدد الضئيل للعمليات الجوية بالقيود العملياتية ومنطق التحالف. قال مسؤول عسكري فرنسي رفيع المستوى: "إن شروط القصف صعبة جداً". إنها أربعة شروط: الشرط الأول هو التأكد من المعلومات المتعلقة بالأهداف، ويجب أن تكون الصور الملتقطة من قبل الطائرات متطابقة مع الصور الملتقطة من قبل الطائرات بدون طيار. فيما يتعلق بفرنسا، بدأ تحليق طائرات التجسس بتاريخ 15 أيلول. الشرط الثاني الأكثر صعوبة هو  تجنب الأضرار الجانبية، أي تجنب الضحايا المدنيين. قال المسؤول الفرنسي المذكور  أعلاه: "إن العدو ذكي، ويتكيف: تختلط داعش بسكان المدن، وتقيم مراكز قيادتها في المستشفيات والمدارس". الشرط الثالث هو الحفاظ على البنى التحتية العراقية، ويمكن فهم هذا المطلب من قبل السلطات العراقية. الشرط الرابع: عدم توجيه الضربات إذا لم تؤد إلى فسح المجال أمام إمكانيات العمل على الأرض بالنسبة للمقاتلين المدعومين من التحالف مثل الجيش العراقي والبشمرغة الكردية. لأنه كما قال مصدر مقرب من القيادة العسكرية العليا: "هدفنا هو وضع داعش تحت مرمى القوات المحلية. نحن في مرحلة "الاحتواء" وليس "القضاء" عليها. إن الانتقال إلى مرحلة الهجوم المضاد ستحتاج إلى أشهر. بالمحصلة، ليس هناك إلا احتمالات قليلة للقصف".
      يضم التحالف عشرة دول تقوم بالقصف، ويتراوح عدد الطائرات التي تتواجد في الأجواء العراقية بالوقت نفسه ما بين عشرين وثلاثين طائرة، وهو عدد ضئيل ولا يكفي لتغطية العراق. على المدى الطويل، يمكن أن تتمركز طائرات رافال الفرنسية في مكان أقرب إلى "مسرح العمليات" العراقي مثل الأردن والكويت أو حتى تركيا. من المنتظر تنظيم اجتماع هام لقادة أركان دول التحالف في واشنطن خلال الأسبوع القادم. سيتطرق الاجتماع إلى "النتيجة النهائية المرجوة" ـ أي أهداف الحرب ـ وخطط الحملة العسكرية. يدعو الجانب الفرنسي إلى وضع "إستراتيجية شاملة" تهدف إلى إقامة الحواجز بين معاقل الجهاديين الذين يعيثون فساداً في جنوب الصحراء الأفريقية والشرق الأوسط مروراً بالصحراء الإفريقية (الساحل).

     اعتبر مصدر عسكري مقرب من الملف أن "الاستراتيجية الأمريكية لم تتحدد حتى الآن". قال المدير السابق للمدرسة الحربية الفرنسية الجنرال فانسان ديسبورت: "حذار من تشتيت جهودنا. من الضروري أيضاً التفكير سريعاً بإستراتيجيتنا على المدى الطويل في الشرق الأوسط بشكل خاص". تؤكد المصادر في باريس بقولها: "نحن لن نكون في الطليعة بالعراق، وندرك أن الأمريكيين لا يستطيعوا العمل لوحدهم في هذا البلد على الصعيد السياسي".

(بشار، الرجل الذي يضحك بين الأنقاض)

مجلة اللوبوان الأسبوعية 9 تشرين الأول 2014 بقلم مارك نيكسون Marc Nexon

     عندما استقبل بشار الأسد المستشار العراقي المكلف بالأمن الوطني، قال له المبعوث العراقي: "إن الجهود الأمريكية ليست موجهة ضد نظامكم". كاد الدكتاتور السوري يطير فرحاً. كان منبوذاً من المجتمع الدولي، وها هو يستقبل الزوار، وأصبح مرة أخرى شخصاً لا يمكن الاستغناء عنه. لم يعد هناك أحد يتحدث عن رحيله في الوقت الذي يقصف فيه التحالف مواقع الدولة الإسلامية في سورية. ماذا يهم إذا كان طبيب العيون بشار هو مهندس الحرب الأهلية المدمرة (مئتا ألف قتيل). اعترف باراك أوباما شخصياً بحيرته عندما قال أمام كاميرات محطة CBS: "أعترف بوجود تناقض حول أرض التناقضات الخاضعة لظروف متناقضة".
     أعربت الصحف في دمشق عن  ابتهاجها، وكتبت صحيفة الوطن: "أصبحت القيادة العسكرية الأمريكية تقاتل في الخندق نفسه للضباط السوريين". اعترف الباحث في الشؤون الإسلامية ماتيو غيدير Mathieu Guidère قائلاً: "إنه وضع لا يمكن فهمه! لا يجب استبعاد أن يقوم عناصر المخابرات السورية الآن بتقديم المعلومات إلى الطائرات الأمريكية حول الأهداف التي يجب تدميرها". لا يتوقف التناقض عند هذا الحد، وحتى دول الخليج ترسل طائراتها المقاتلة لقصف الدولة الإسلامية. إن قمة المأساة هي عندما نعرف أن قطر وزعت أكثر من ثلاثة مليارات دولار لجميع أنواع الراديكاليين.
     فتحت الضربات الجوية للتحالف الطريق واسعاً أمام الجيش السوري المدعوم بثلاثة ألاف عنصر من حرس الثورة الإيراني وخمسة ألاف رجل من حزب الله اللبناني. على سبيل المثال: إن حلب محاصرة، وأصبحت على وشك السقوط بأيدي النظام. يتكرر السيناريو نفسه في إدلب التي يتراجع فيها الجهاديون تحت ضربات صواريخ توماهوك الأمريكية بشكل يمكن أن يستفيد منه الجنود النظاميون. يعيش سكان هذه المنطقة حقيقة غير مسبوقة: يقصف السوريون والأمريكيون على مسافة ثلاثين كيلومتراً فيما بينهما: تقوم الطائرات المروحية السورية بإلقاء براميل المتفجرات على المباني السكنية، ويستهدف الأمريكيون المواقع المفترضة للمجموعات الجهادية.
     نجحت خطة بشار الشيطانية بشكل رائع. إنه هو الذي ساهم في ولادة الأخطبوط داعش، عندما أفرج في بداية النزاع عن أكثر من ألف متطرف من سجونه. يضاف إلى ذلك أنه اشترى منهم النفط المهرب من المصافي النفطية التي وقعت تحت سيطرتهم. كان يجب انتظار الصيف الماضي حتى يقرر قصف مركز قيادتهم في الرقة.
     في الوقت نفسه، يحتضر الجيش السوري الحر الذي يُجسد التمرد المعتدل، ووقع بين مطرقة قوات النظام وسندان الدولة الإسلامية. لا يتوقف الأمر عن هذا الحد، من المفترض أن يقوم التحالف بمساعدة الجيش السوري الحر، ولكنه يُعقد مهمته بشكل مخيف. كيف؟ عبر استهداف جبهة النصرة، لاشك أنها منظمة مرتبطة بتنظيم القاعدة، ولكنها تكرس جهودها في الوقت الحالي إلى جانب بقية المتمردين من أجل سقوط بشار. أكد الباحث السياسي من أصل سوري سلام كواكبي قائلاً: "هناك خطر بتزايد راديكاليتهم ودفعهم إلى أحضان داعش". حذرت قيادة قوات التمرد في الجنوب قائلة: "إذا فقدنا جبهة النصرة، فإنها الهزيمة المؤكدة".
     إنه تشاؤم يمتزج بالكره، لأن الغرب لم يلتزم بوعوده تجاه القوات الديموقراطية السورية. أعرب العضو السابق في الجيش السوري الحر فهد المصري عن حزنه قائلاً: "لقد تخلوا عنا منذ وقت طويل. كنا بحاجة إلى الأسلحة فقط من تدمير الوسائط الجوية لبشار". فيما يتعلق بإعلان باراك أوباما في الشهر الماضي حول تأهيل خمسة ألاف رجل، قال فهد المصري: "إنه مجرد كلام، وشعارات مثالية. يريد الشعب حلاً سريعاً". ليس مؤكداً أن يحصلوا على السلاح. كما دخل طرف جديد في الرهان: إنها تركيا المستعدة للتدخل عسكرياً عبر إقامة منطقة عازلة في شمال سورية.
     بالانتظار، ينوي بشار الاستفادة من الوقت. إنه أمر سهل جداً، يكفي أن يقوم بالتلويح بشبح الجهاديين. ولكن هؤلاء الجهاديين يقاومون القنابل وينجحون في الذوبان داخل السكان. تنبأ ماتيو غيدير قائلاً: "عندما يخسرون جميع أسلحتهم الثقيلة، سيعودون إلى العمليات الانتحارية". وسيستمر بشار في إدارة الفوضى... لأن 60 % من الصناعات تدمرت، و 40 % من الأبنية تضررت، بالإضافة إلى تسعة ملايين نازح، ولا يمكن أن يأمل دكتاتور دمشق بشيء آخر. إنه يهيمن على ساحة من الأنقاض.