الصفحات

الخميس، ٢٨ أيار ٢٠١٥

(هل يمكن أن تحصل الدولة الإسلامية على قنبلة نووية؟)

الموقع الإلكتروني لصحيفة الفيغارو 26 أيار 2015 ـ مقابلة مع الباحث المتخصص بالإرهاب والجريمة المنظمة آلان رودييه Alain Rodier الذي كان ضابطاً سابقاً في أجهزة الاستخبارات الفرنسية ويعمل حالياً في المركز الفرنسي للأبحاث حول الاستخبارات ـ أجرى المقابلة ألكسندر دوفيكيو Alexandre Devicchio

 أعلنت الدولة الإسلامية في العدد الأخير لمجلة (دابق) أنها قادرة على الحصول على أسلحة نووية بحلول عام واحد.
سؤال: تدعي الدولة الإسلامية أنها قادرة على الحصول على سلاح نووي بسرعة كبيرة. هل يجب أخذ هذا التهديد على محمل الجد؟
آلان رودييه: لا. أعلن داعش أنه سيشتريها من الباكستان التي تملك السلاح النووي. هناك خشية دائمة من أن يقوم هذا البلد التي يتصف سلوكه أحياناً بأنه غير متوقع بتزويد بلد آخر بالسلاح النووي. لكن الأمر كان يتعلق بتزويد السلاح النووي إلى دولة أخرى، وكان التفكير يتجه دوماً نحو السعودية (هذه الفرضية غير مستبعدة إذا حصلت إيران على قوة نووية عملياتية). فيما يتعلق بإعطاء السلاح النووي إلى مجموعة إرهابية، ما زال ذلك مستبعداً لأن الضحية الأولى يمكن أن تكون السلطات الباكستانية نفسها. يبقى احتمال سرقة هذا السلاح من قبل حركة معادية للسلطة الحاكمة. يجب معرفة أن المنشآت النووية الباكستانية تحظى بحماية فائقة، ولاسيما أن الأسلحة الأسلحة المخزنة لم يتم تركيبها باستثناء بعض وحدات الإنذار التي لا يمكن اختراقها. ولكن هنا أيضاً، لا يمكن تفعيل هذه الأسلحة إلا بناء على أمر سياسي و(شيفرة) تأتي من أعلى المستويات.
سؤال: كيف يندرج هذا التصريح ضمن الاستراتيجية الإعلامية للدولة الإسلامية؟
آلان رودييه: ترتكز الدعاية المضللة للدولة الإسلامية على إثارة الحديث حولها بشكل دائم، وخلق مناخ القلق حتى لا نقول الرعب. إن "الغزو" المحتمل ضد أوروبا عبر المهاجرين غير الشرعيين انطلاقاً من الشواطئ الليبية يدخل أيضاً في إطار هذه الاستراتيجية. ولكن في هذه الحالة، من الأفضل بالنسبة لداعش أن ترسل الإرهابيين عبر وسائل النقل العادية وحتى في الدرجة الأولى نظراً لأن الأموال متوفرة. لا يعني ذلك أن المهاجرين لن يتم تجنيدهم لاحقاً في خلايا داعش السرية، ولكن عندما يصلون إلى الجهة المقصودة. إن التأكيد على أن الحركة ستحصل على سلاح نووي يُضفي عليها قيمة أكبر بالنسبة للمتعاطفين مع "القضية"، ويعتبرونها دليلاً على القوة وضربة ضد المجتمعات الغربية المكروهة.
سؤال: إذا كانت هناك منظمة إرهابية قادرة حقاً على الاستيلاء على سلاح نووي، فما هي النتائج المتوقعة؟ هل بإمكان هذه المنظمة استخدام السلاح النووي؟
آلان رودييه: إن استخدام السلاح النووي ليس أمراً سهلاً. أولاً، يجب امتلاك القدرة على تفجير القنبلة، وهو أمر يحتاج إلى الحصول على الشيفرات والقيام بعمليات تقنية معقدة. حتى لو افترضنا أن جميع هذه الأمور متوفرة، وهو برأيي أمر مستحيل بنسبة 99.99 % لأنه بحاجة إلى تواطؤ أكثر من جهة، فإنه يجب اطلاقها على الهدف المقصود. على الصعيد البالستيكي، عرض داعش صاروخ سكود في الرقة خلال شهر حزيران 2014. ربما استولى الجيش السوري الحر على هذا الصاروخ من إحدى القواعد العسكرية السورية التي استولى عليها في منطقة دير الزور خلال شهر أيلول 2013، ثم باعه إلى الدولة الإسلامية. لكن المراقبين يعتبرون أن هذا الصاروخ غير صالح للاستخدام. ربما تم الاستيلاء على صواريخ أخرى من النوع نفسه في العراق، ولكن تبقى حقيقة أن استخدام هذه الصواريخ أمر معقد بالنسبة لغير المختصين (يبدو أنه هناك بعض الضباط العسكريين السابقين الذين انضموا إلى داعش، ولديهم الخبرات التقنية. ولكن هذه الخبرة تضيع بسرعة في حال عدم التدريب المنتظم)، كما يجب أن "تتلاءم" الرؤوس النووية مع الصواريخ الحاملة لها. إذا كان الرأس النووي لا يتطابق مع هذا النوع من الصواريخ، فإن الأمر مستحيل. تبقى إمكانية نقل الرأس النووي سراً إلى الهدف المقصود (تحدثت العديد من الروايات الأدبية عن هذه الإمكانية) وتفجيره فيه. يجب معرفة أن الرقابة على هذا النوع من عمليات التهريب تضاعفت منذ انهيار الاتحاد السوفييتي. ينبعث من السلاح النووي إشعاعات من السهل كشفها نسبياً، الأمر الذي يُسهّل مراقبة الحدود. إن الحل الأكثر احتمالاً هو تحول السلاح النووي إلى "قنبلة قذرة"، أي أنه ليس هناك انفجار نووي، ولكن يمكن أن تنتشر مواد مشعة في محيط محدود نسبياً بسبب انفجار تقليدي. يمكن القيام بذلك أيضاً عبر المواد المشعة المدنية التي يمكن العثور عليها في المخابر والمستشفيات. تتألف العبوة المتفجرة من متفجرات تقليدية. تأخذ السلطات هذه الفرضية بعين الاعتبار، ولكنها لا تعتبرها تهديداً من الدرجة الأولى. أظهرت الوثائق التي تم العثور عليها في مخبأ بن لادن في أبوت أباد أن بن لادن لم يفكر إطلاقاً بمثل هذا النوع من العمليات بسبب عدم توفر الإمكانيات التقنية. لا يجب أن نعزو إلى الحركات الإرهابية قوة أكبر مما تملكه فعلاً، دون أن يعني ذلك التقليل منها.
سؤال: هل هذا السيناريو سيكون رديفاً لاضطرابات جيوسياسية هامة؟
آلان رودييه: إن انتشار أسلحة الدمار الشامل (النووية والبكتريولوجية والكيميائية والشعاعية) هو تهديد تأخذه السلطات بعين الاعتبار منذ سنوات. تبذل السلطات كل جهدها لتجنبه ولإدارة الوضع الناجم عن احتمال استخدام هذه الأسلحة من قبل الإرهابيين. إذا، لن يغير ذلك شيئاً مما هو موجود حالياً.                                                                                                                                                                                                     


الثلاثاء، ٢٦ أيار ٢٠١٥

(فرانسوا العربي)

صحيفة اللوموند 1 أيار 2015 بقلم كريستوف عياد Christophe Ayad

     إنها المرة الأولى التي يكون فيها رئيس الجمهورية الفرنسية ضيف الشرف في قمة استثنائية لمجلس التعاون الخليجي يومي 4 و5 أيار في الرياض، ولم يسبق أن خصص مجلس التعاون الخليجي مثل هذا الاستقبال لرئيس دولة صديقة. هل فرانسوا هولاند أمير عربي؟ من كان يتصور في بداية ولايته الرئاسية أن الرئيس "العادي" والاشتراكي سيتحول إلى رجل الثقة لدى المملكة السنية الأكثر محافظة. لا بد أن يأتي اليوم لتفسير هذا اللغز: هل تحول الرئيس حسب الظروف، أم كان يحمل معه سرّاً هذه الإرادة بالتأثير على قضايا العالم ولاسيما في العالم العربي؟
     فرانسوا هولاند هو أحد الرؤساء النادرين الذين حافظوا على توجههم بدون أي تردد ظاهر في هذا الشرق الأوسط الأكثر فأكثر تعقيداً والذي يشهد انقساماً سياسياً ـ دينياً بين السنة والشيعة. لقد اختار بوضوح معسكر الأنظمة العربية السنية التي تدعى "معتدلة" (أي المقربة من الدولة الغربية) وعلى رأسها السعودية. بدأ شهر العسل الفرنسي ـ السعودي في نهاية شهر آب 2013 عندما نشطت فرنسا من أجل القيام بعملية عسكرية ضد النظام السوري المتهم باستخدام الأسلحة الكيميائية ضد شعبه. انزعج السعوديون كثيراً من حليفهم الأمريكي بسبب تراجعه في اللحظة الأخيرة عن التدخل العسكري في سورية، وتوجيه ضربة حاسمة إلى الحليف العربي الرئيسي لإيران الشيعية. ساد الشعور بالمرارة نفسه في باريس التي ظنت أنها الفرصة المتاحة لتغيير المعطيات في سورية أو حتى تغيير النظام في هذه المحمية الفرنسية سابقاً، الأمر الذي كان سيُضعف إيران كثيراً. إن فرنسا والسعودية تعتبران، لأسباب مختلفة، أن إيران هي التهديد الرئيسي على الشرق الأوسط حالياً.
     لا يخلو الرهان الفرنسي على المعسكر السعودي ـ السني من الأفكار التجارية. يأمل فرانسوا هولاند ترجمة علاقاته المميزة مع السعودية إلى عقود تجارية كبيرة، ونجح ببيع أربع وعشرين طائرة رافال إلى مصر في البداية، ثم أربعة وعشرين طائرة أخرى إلى قطر يوم الخميس 30 نيسان. ولكن السوق السعودي مع مئات المليارات من احتياطي الدولار، والتزايد الكبير في عدد سكانه (ثماني وعشرين مليون نسمة عام 2015، منهم 47 % تقل أعمارهم عن 25 عاماً)، واحتياجاته الكبيرة في البنى التحتية والتأهيل، ومغامرته العسكرية الأخيرة في اليمن، تفسح المجال أمام احتمالات أكثر أهمية بالنسبة للشركات الفرنسية.
     لكن الرهان على السعودية لا يخلو من المخاطر: الغموض السياسي فيها مرتفع، ويدل على ذلك التغييرات الأخيرة التي أجراها الملك سلمان هذا الأسبوع في ترتيب وراثة السلطة؛ كما يمثل انهيار أسعار النفط عاملاً غامضاً أساسياً. أخيراً، هناك بعض السخرية تجاه السياسة التي تجعل المملكة السعودية شريكاً مميزاً في العالم العربي على الرغم من  أنها تمنع الأحزاب السياسية وترفض إعطاء المرأة حق قيادة السيارة. بالتأكيد، تكافح السعودية ضد تنظيم القاعدة والدولة الإسلامية، ولكن إيديولوجيتها الرسمية تبقى الوهابية التي تمثل النسخة الأكثر تشدداً في الإسلام السني. ما زالت عقوبة الإعدام بالسيف في الساحات العامة سائدة بكثرة، وتصل عقوبة التجديف إلى ألف جلدة كما حصل مع المدون الليبرالي رئيف البدوي. إن كل ذلك لا ينسجم كثيراً مع "عقلية شارلي".


الأربعاء، ٢٠ أيار ٢٠١٥

(فرنسا تقدم عرضاً جديداً إلى الإسرائيليين والفلسطينيين)

صحيفة الفيغارو 20 أيار 2015 ـ مراسلها في إسرائيل سيريل لوي Cyrille Louis

      يطمح وزير الخارجية الفرنسية إلى استئناف عملية السلام الإسرائيلية ـ الفلسطينية عبر جدول زمني ضيق، ويريد أن يطرح على مجلس الأمن قراراً للتصويت عليه بحلول شهر أيلول القادم. حصلت صحيفة الفيغارو على نسخة من مشروع هذا القرار الذي تم إرساله إلى دول الجامعة العربية. يقترح هذا المشروع مهلة أقصاها ثمانية عشرة شهراً من أجل التوصل إلى "حل عادل ودائم وشامل" للنزاع عبر المفاوضات.
     أشارت فرنسا إلى أنها ستعترف رسمياً بدولة فلسطين في حال عدم التوصل إلى حل خلال الفترة المحددة. قال مصدر متابع للأفكار الفرنسية: "تم فرض هذه النافذة الضيقة نسبياً بسبب التدهور المستمر للوضع على الأرض، وبسبب الرغبة في إدراج هذه المبادرة ضمن الفترة الأخيرة من رئاسة فرانسوا هولاند". استوحى الدبلوماسيون الفرنسيون مشروع القرار الذي أعدوه من المعايير التي يؤكد عليها دوماً وزراء الخارجية الأوروبيون، ويمثل توازناً دقيقاً بين مواقف الطرفين. يدعو النص إلى إقامة دولة فلسطينية "على أساس حدود 4 حزيران 1967 مع تبادل متكافئ للأراضي باتفاق الطرفين"، واضعاً المطالب الأمنية للدولة العبرية "في محور المفاوضات المستقبلية".
     من المفترض أن تحدد المفاوضات خطة "تضمن أمن إسرائيل وفلسطين عبر الرقابة الفعالة على الحدود بشكل يمنع بروز الإرهاب ودخول السلاح". يؤكد النص على أن هذه الإجراءات يجب أن "تحترم سيادة دولة فلسطين منزوعة السلاح، آخذة بعين الاعتبار انسحاباً على مراحل وكامل للجيش الإسرائيلي خلال فترة انتقالية مُتفق عليها". إذا، لن يكون هناك اتفاق مؤقت إضافي يؤجل انهاء الاحتلال حتى إشعار آخر.
     يُطالب النص بـ "حل عادل ومتوازن وواقعي لمشكلة اللاجئين" مؤكداً على أنه يجب أن يعتمد على "آلية للتعويض". فيما يتعلق بالقدس، التزم النص بصيغة غامضة حول ضرورة جعلها "عاصمة للدولتين". كما يدعو النص إلى تطبيق "المبدأ القائم على أساس دولتين لشعبين". تبدو العبارة الأخيرة قليلة الأهمية، ولكنها تشكل بداية تنازل لصالح الإسرائيليين الذين يطالبون منذ عدة سنوات الاعتراف بالطابع اليهودي لدولتهم. يرفض الفلسطينيون هذا المطلب نظراً لأن السكان العرب المسلمين والمسحيين يشكلون خمس سكان إسرائيل.
     تم إرسال هذا النص إلى لندن ومدريد بشكل غير رسمي، ويمكن أن يتعرض إلى بعض التعديلات، ولن يُطرح للتصويت قبل 30 حزيران. ترغب الإدارة الأمريكية تجنب التشويش على المفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني، ولكن فرنسا أشارت إلى أنها لن تنتظر إلى الأبد، وأنه يجب على القادة الإسرائيليين أن تأخذ هذه المبادرة على محمل الجد.


الاثنين، ١٨ أيار ٢٠١٥

(السلام البارد بين الغرب وروسيا؟)

صحيفة اللوموند 30 أيلول 2014 ـ حوار بين مدير التطوير الاستراتيجي في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية توما غومار Thomas Gomart والباحثة السياسية في المركز الوطني للدراسات العلمية CNRS ماري ميندراس Marie Mendras ـ أجرى الحوار غايدز ميناسيان Gaïdz Minassian

سؤال: هل تتحمل الدول الغربية جزءاً من مسؤولية الأزمة في أوكرانيا؟
توما غومار: بدون أي شك، كما تتحمل موسكو المسؤولية أيضاً. أولاً، تشعر الدول الغربية بالثقة بعد انتصارها على الاتحاد السوفييتي، وأنكرت وجود الفضاء ما بعد السوفييتي لصالح التقسيم الإقليمي. ولكن سقوط الإمبراطوريات يحتاج إلى عدة عقود. ثانياً، اتصفت سياسة الدول الأوروبية بالتناقض تجاه جيرانهم في الشرق: لقد شجعوا عملية الاندماج الإقليمي في العالم باستثناء الفضاء ما بعد السوفييتي. بالتأكيد، ازدادت حدة هذه النزعة مع انضمام بعض الدول التي تريد التخلص من النفوذ الروسي إلى الاتحاد الأوروبي والحلف الأطلسي. ثالثاً، لم تنتبه الدول الغربية بما فيه الكفاية إلى النظرة الروسية للعالم، ولاسيما علاقتها مع الشرق الأوسط والراديكالية السنية.
     بدأ الخلاف الأساسي في كوسوفو ثم العراق. إن ضم شبه جزيرة القرم والعمليات في شرق أوكرانيا تمثل النتائج المتأخرة للقصف الذي قام به الحلف الأطلسي ضد صربيا وإنشاء كوسوفو. عارضت باريس وبرلين وموسكو التدخل البريطاني ـ الأمريكي في العراق عام 2003. وبعد مضي عشرة سنوات، تدعم موسكو سورية بشار الأسد معتبرة أنها تواصل تحليلها الثابت حول الإسلام الراديكالي بخلاف واشنطن ولندن وباريس. تعتبر موسكو أن الدول الغربية تلعب بالنار وأنها تهدد الاستقرار. دفع ذلك بروسيا إلى ربط المسرح السوري بالأوكراني في تحليل الدور المشؤوم للولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا. تعتبر موسكو أن هذين المسرحين يدلان على تهديدين منفصلين هما: النزعة العسكرية الغربية والراديكالية السنية، ويجب الوقاية منهما في وقت واحد عن طريق إقامة منطقة عازلة على حدودها الغربية في أوكرانيا التي تحتل موقعاً مركزياً في الثقافة الاستراتيجية الروسية، وعبر إقامة خط دفاعي على الجبهة الجنوبية التي تمتد من اليونان إلى إيران مروراً بقبرص وسورية وإسرائيل.
ماري ميندراس: لماذا يتم التعامل حرفياً مع خطاب الكريملين الذي يخلط بين الأزمات؟ يجب مواجهة هذا السرد  الذي يقدمه فلاديمير بوتين، ويتهمنا فيه بـ "تدبير" الثورات العربية عام 2011 وبزعزعة استقرار ليبيا ومصر، وذلك في الوقت الذي يقوم فيه بتسليح ودعم نظام بشار الأسد في دمشق المسؤول عن قتل المدنيين بشكل أدى إلى الراديكالية الإسلامية. لا يجب السماح لبوتين أن يقول بأنه يعمل من أجل السلام! هناك انخراط روسي قوي ميدانياً في سورية وأوكرانيا، ويرسل أسلحة متطورة وضباط وفنيين روس. بالنسبة لنا نحن الأوروبيين، إذا كانت هناك صلة مشتركة بين موقف روسيا في سورية وتدخلها في أوكرانيا، فهي قدرة نظام فلاديمير بوتين على استخدام العنف المسلح بدون رقابة ديموقراطية وبدون نقاش برلماني.
سؤال: اجتمع الحلف الأطلسي يومي 5 و6 أيلول 2014 في مدينة نيوبورت البريطانية، هل ذهب الحلف الأطلسي بعيداً، أم أنه لم يفعل ما فيه الكفاية تجاه روسيا؟
ماري ميندراس: لم يكن الحلف الأطلسي واضحاً بما فيه الكفاية، على الرغم من أنه كان له الفضل في إدانة الاعتداء الروسي دون مواربة منذ شهر حزيران 2014. عندم أسقط صاروخ روسي أرض ـ جو بالخطأ طائرة ركاب ماليزية في أوكرانيا الشرقية بتاريخ 17 تموز، أظهر الحلف الأطلسي الأخطار القصوى للتدخل الروسي. آمل بأننا سنرى قريباً إعادة تقويم جدية لسياسات الحلف الأطلسي تجاه "الدول الواقعة بين حدين"، أي الدول الواقعة بيننا وبين روسيا مثل أوكرانيا ومولدافيا وجورجيا الذين وقعوا مؤخراً اتفاقيات الشراكة مع الاتحاد الأوروبي. يجب على الحلف الأطلسي والاتحاد الأوروبي تنسيق أعماله، نظراً لأن أوروبا لا تتمتع بسياسة عسكرية مشتركة. بالطبع، تعتمد الكثير من الأمور على الموقف الأمريكي.
توما غومار: تعتبر موسكو أن الحلف الأطلسي ما زال يمثل الخطر الرئيسي على حدودها الغربية. يجب على الحلف الأطلسي طمأنة الدول التي تشعر بأنها مهددة من روسيا والمحمية بموجب المادة الخامسة من ميثاق الحلف. أخذ الحلف الأطلسي علماً بعودة التوتر مع روسيا في قمة نيوبورت، ولكن دون أن يوهم كييف باحتمال تقديم الدعم العسكري لها. إن هذا النزاع سيُعيد توجهات الحلف الأطلسي نحو القيام بمهمته الأساسية المتمثلة بالدفاع عن الأراضي، وذلك بعد مرور عقدين من التدخلات خارج مناطقه، هذه التدخلات التي تصفها موسكو بالمتهورة. يبقى السؤال المتعلق بالدول الواقعة بين روسيا والغرب.
سؤال: ماذا يريد فلاديمير بوتين؟
ماري ميندراس: لا يرغب فلاديمير بوتين بعد مرور ستة أعوام على الحرب في جورجيا أن تصبح الدول الواقعة بين روسيا والغرب دولاً ذات سيادة ومزدهرة. إنه يبذل كل ما بوسعه لمنع هذه الدول من الانضمام إلى منظمة متعددة الأطراف إذا لم تكن روسيا عضواً فيها، ولاسيما الاتحاد الأوروبي والحلف الأطلسي. إنه يريد أن يكون زعيم القوى العظمى الثانية في مواجهة القوى العظمى الأمريكية، ولكنه أمر مستحيل. لا أعرف كيف يمكن لروسيا أن تتحول إلى قوة عظمى مثل الاتحاد السوفييتي في موازين القوى مع الولايات المتحدة، وذلك حتى لو استعادت روسيا السيطرة على بعض الأجزاء الصغيرة في أوكرانيا وجورجيا. هناك خيبة أمل عميقة وعقلية الانتقام التي تتأجج في روسيا منذ قيام الحلف الأطلسي بقصف صربيا عام 1999 و"الثورة البرتقالية" في أوكرانيا عام 2004. تعمل السياسة الروسية على منع الدول الغربية من جذب دول الاتحاد السوفييتي سابقاً إليها، لأن امتداد أوروبا إلى دولة مثل أوكرانيا يعني نشر الديموقراطية ودولة القانون. أنا مقتنعة بأن فلاديمير بوتين يعتبر بأن الخطر الأكبر هو نهوض بعض المجتمعات بالقرب من حدوده ورفضها إملاءات الأنظمة الاستبدادية والفاسدة. يخشى النظام الروسي أن يخسر هذه "الدولة العازلة" التي يعتقد بأنه يحميها من النفوذ الخارجي والعولمة.
توما غومار: تعتبر روسيا مثل بقية الأنظمة الاستبدادية أن العالم يشهد انحساراً لموجة الديموقراطية الشاملة بعد ثلاثة أعوام من "الربيع العربي". كما يعتبرون أن الأنظمة الأوروبية ربما تشهد أيضاً "لحظتها الاستبدادية". هذه هي قراءة المجموعة الحاكمة التي لا تهتم بالتحرر الفردي. في هذا السياق، يُعزز فلاديمير بوتين سلطته الشخصية. من أجل القيام بذلك، إنه يستخدم النزاع الأوكراني لتعزيز شعبيته، ويحشد المجتمع حول الأفكار القومية الراهنة في الوقت الذي يعاني فيه النموذج الاقتصادي الروسي من الركود. إنه يريد أن يجعل من المستحيل حصول أي تقارب بين الحلف الأطلسي وأوكرانيا، وأن يجعل روسيا قوة عسكرية تقليدية عظمى وتهيمن على منطقة نفوذها، وأن يبقى في الوقت نفسه قوة عظمى عالمية بفضل السلاح النووي، وأن يمتحن مدى الانسجام الغربي.
سؤال: هل نحن على مشارف حرب باردة جديدة بين الدول الغربية وروسيا؟
توما غومار: تبرز مواجهة إيديولوجية في قراءة العالم والقضايا الدولية. توصلت روسيا إلى انتاج مصل مضاد لمقاومة العقيدة الجيوسياسية الغربية. إن فلاديمير بوتين مُشبع بالتاريخ الروسي، واختار تجسيد نزع الصفة الغربية Désoccidentalisation عن العالم. يبدو أن النخبة الروسية مقتنعة بالطابع الحتمي للانحطاط الغربي، وتنظر بتعالي تجاه "الطابع الريفي" Provincialisme الغربي. من المفترض منطقياً أن يدفع ذلك بالكريملين إلى المراهنة على العلاقة الأطلسية عبر مقاربتين مُحتملتين. تعتقد المقاربة الأولى أن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة تتجهان معاً نحو انحطاط حتمي، وتريد المقاربة الثانية استباق عودة القوة العظمى الأمريكية على المدى الطويل. في الواقع، من المفترض أن يكون نمو الاقتصاد الأمريكي واعتماده الذاتي على الطاقة وفوائد الانسحاب الأمريكي من العالم تدشيناً لمرحلة جديدة بالنسبة لواشنطن خلال الفترة الممتدة بين عامي 2016 ـ 2018، وهي فترة حاسمة بالنسبة لفلاديمير بوتين. من الممكن أن يكون عام 2013 هو ذروة عودة القوة الروسية التي بدأت عام 1999.
ماري ميندراس: إذا كان المحللون الإستراتيجيون الروس يعتقدون بذلك، فإنهم مخطئون بشكل كامل تقريباً. ويجب أن نأخذ ذلك بعين الاعتبار. لديهم نظرتهم الخاصة للوقائع والتوجهات المستقبلية. نحن في مواجهة بعض الأشخاص في روسيا ـ إنهم قليلون جداً حول الرئيس ـ الذين لا يريدوا تغيير نظرتهم للأمور، وهم مقتنعون بنوايانا السيئة تجاههم عندما نفكر بمنطق مختلف عنهم. عندما ننظر إلى الاقتصاد الروسي خلال عشرة أو عشرين عاماً، فإن روسيا تراجعت على الخارطة العالمية. إذا كان هناك بلد مهدد بأن يصبح ريفياً Provincial، فإنه روسيا وليس أوروبا  التي تبقى المنطقة الأغنى في العالم. أخيراً، أين الصين من كل ذلك؟ إذا كان هناك بلد يجب على روسيا أن تقارن نفسها به، فإنه الصين!
سؤال: هل يجب الاكتفاء بحوار بين الدول العظمى، أم يجب إفهام روسيا بأن عصر مناطق النفوذ قد انتهى؟
توما غومار: نحن نتجه نحو عالم من العلاقات الهجينة. في أوروبا، تريد روسيا العودة إلى الانسجام الأوروبي بين كبرى العواصم الأوروبية بدلاً من الاتحاد الأوروبي. خارج أوروبا، تريد روسيا الظهور كقوة عظمى تقليدية وصاعدة. ولكن هناك مشكلة على صعيد المستوى الروسي: لا تمثل روسيا إلا خُمس الاقتصاد الصيني ونصف الاقتصاد الفرنسي ـ الألماني. في الوقت نفسه، استأنفت روسيا انفاقها العسكري على غرار الدول الآسيوية. يعني ذلك أنه يجب على الأوروبيين متابعة هذه التغيرات عن كثب، والتخلي عن فكرة انتقال روسيا إلى المعايير الأوروبية الطبيعية، والاستمرار في الوقت نفسه بجهودهم في الإصلاحات الاقتصادية.
ماري ميندراس: إن صورة الحرب الباردة مفيدة ومضللة. أولاً، إنها مفيدة لأنه ما زالت هناك في موسكو نظرة متخلفة ومعادية للولايات المتحدة حول الفترة الماضية. في المحصلة، شاهدت روسيا خلال السنوات العشرين الماضية كيف تطورت أوروبا بشكل مختلف عما كانت تتصوره موسكو. إن اندماج بلد مثل بولونيا في الاتحاد الأوروبي والحلف الأطلسي يمثل هزيمة بالنسبة لفلاديمير بوتين. ثانياً، إنها صورة مضللة لأنه لم تعد هناك مواجهة بين قطبين. أصبحت روسيا وحيدة استراتيجياً، ولم تعد تتزعم قطباً مثل حلف فارصوفيا، وحتى الحكام المستبدين في روسيا البيضاء وكازاخستان يشعرون بالقلق من الطموحات الروسية! تختبئ الصين وراء روسيا عندما يتعلق الأمر بمواجهة الدول الغربية في الأمم المتحدة، وتستخدم بذكاء المواقف الروسية العدائية. إنها الوسيلة التي تسمح للصين بتأجيل المواجهة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة. يضع الروس أنفسهم في موقف "الشريك الصغير"، ولا يتطرقوا بصراحة إلى الطموحات الصينية. لم تستعد أوروبا للنزاعات المحلية والساخنة، وتواجه تحدياً عاجلاً هو: هل سنستطيع مستقبلاً ضمان أمن القارة الأوروبية مع السماح بوجود نزاعات محدودة التوتر في الدول المحيطة بالاتحاد الأوروبي والحلف الأطلسي؟.


الاثنين، ١١ أيار ٢٠١٥

(وولتر راسل ميد: "بوتين يراهن على ضعف أوروبا")

صحيفة الفيغارو 11 شباط 2015 ـمقابلة مع وولتر راسل ميد Walter Russell Mead، أستاذ العلاقات الاستراتيجية في Bard College والكاتب في مجلة The American Interest ـ أجرت المقابلة مراسلتها في واشنطن لور ماندفيل Laure Mandeville

سؤال: أشرتم في كتاباتكم الأخيرة إلى العجز البنيوي للدول الغربية في فهم الدوافع التي تقف وراء سلوك فلاديمير بوتين.
وولتر راسل ميد: لدينا في الغرب مقاربة تقليدية جداً لطريقة عمل السياسة. نحن نؤمن بأن المال وبناء اقتصاد ناجح يمثلان الدافع الأساسي، وأن القيم الليبرالية المضمرة في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لا يمكن التراجع عنها. نحن نعيش في عالم دافوس، وهذا ما يجعل قراءة الأمور التي تعتمل داخل فلاديمير بوتين صعبة. ينظر الرئيس الروسي إلى العالم تقريباً كما كان يُنظر إليه قبل مئة عام بخصوص علاقات القوى التقليدية. يعتبر الرئيس الروسي أن ألمانيا، بالاتفاق مع الولايات المتحدة، في طور بناء نظام أوروبي سيمزج بين الأفكار الاقتصادية الألمانية المتعلقة بالرأسمالية الاجتماعية والصرامة في موازنة الدولة وثقافة القوانين التي تضع حدوداً لسلطة الدول عبر القانون من جهة، وبين أوروبا ما بعد القوميات وتحولها إلى وطن عالمي لجميع الجنسيات Cosmopolite من جهة أخرى. يواجه هذا المشروع بعض المصاعب منذ أزمة العملة الأوروبية، ويعتبر فلاديمير بوتين أن هذا المشروع هش باعتبار أن ألمانيا ليست قوة عسكرية عظمى. يعتقد زعيم الكريملين أن ألمانيا وحلفاءها لا يملكوا الإرادة السياسية والأموال والقوة العسكرية لمساعدة أوكرانيا وربطها بهذا العالم الأوروبي ما بعد القوميات. إنه يرى الغرب مُحطماً وذو توجه سياسي مشتت وأن ألمانيا أكثر ضعفاً مما تعتقد.
سؤال: أليس محقاً إلى حد ما؟
وولتر راسل ميد: هناك بعض العوامل التي تؤكد تحليله، ولكنه يقلل بلا شك من أهمية بعض جوانب هذا المشروع. تحظى فكرة أوروبا الواحدة والقائمة على القانون بشعبية كبيرة في جميع الدول الأوروبية، وكذلك الأمر بالنسبة لفكرة أن الدول الأوروبية يجب ألا تسمح لنفسها بالانفصال مرة أخرى بسبب بعض الرهانات الجيوسياسية. ربما يهمل بوتين هذا الحرص العميق. في الواقع، هناك توتر بين مختلف القوى. إن خيبة الأمل الاقتصادية في اليونان وإيطاليا، وإرادة هذين البلدين بإقامة علاقة خاصة مع روسيا، هما أمران حقيقيان. عندما ننظر إلى بلغاريا ورومانيا وفشل إصلاحاتهما الهيكلية والصعوبة التي يواجهانها مع الإدارة الرشيدة، يمكن فهم قلة الحماس الأوروبي تجاه أوكرانيا. ظهر أن توسيع الاتحاد الأوروبي والحلف الأطلسي أكثر تعقيداً بكثير مما كان متصوراً. يحاول بوتين الاستفادة من هذه الأمور المعقدة وهذه الخيبات.
سؤال: هل استعراض القوة الروسية الحالية يهدف إلى التخلص نهائياً من توسيع الحلف الأطلسي حتى كييف؟
وولتر راسل ميد: كان بوتين فعالاً جداً في عرقلة توسيع الحلف الأطلسي. قام بذلك عبر النزاعات المجمدة على غرار أوسيتيا الجنوبية في جورجيا. إن متابعة توسيع الحلف الأطلسي إلى هذا البلد كان سيعني الموافقة على ضم أرض واقعة تحت احتلال أجنبي. ينطبق الأمر نفسه على أوكرانيا. تنظر الكثير من الدول الأوروبية إلى الحلف الأطلسي كتحالف يسمح لهم بعدم اللجوء إلى الحرب. من الصعب تسويق فكرة أن يتحول الحلف الأطلسي إلى تحالف يسمح بالقتال بشكل أكثر فعالية. من الناحية المؤسساتية، يحتاج توسيع الحلف الأطلسي إلى الإجماع. سترفض بعض الدول مثل اليونان ذلك بلا شك. إذا، حصل بوتين على انتصار أكبر مما نتصوره.
سؤال: ما هو هدفه؟
وولتر راسل ميد: هدفه هو استعادة مكانة روسيا بصفتها إحدى الدول الكبرى أو حتى أكبر الدول الأوروبية، وذلك لكي لا يتم اتخاذ أي قرار هام بدون موافقتها. إنه لا يختلف عن بقية القياصرة الروس في هذا المعنى. يشبه وضعه أيضاً الوضع الذي واجهه لينين وستالين سابقاً. كانت أغلب الدول الأوروبية أكثر قوة من روسيا السوفييتية، ولكن أي منها لم يكن يهتم بجيران روسيا بشكل يعادل اهتمام ستالين بها. وهكذا تمكن ستالين من إعادة بناء امبراطورية على الرغم من أن البلد منهك. يتكرر الأمر نفسه اليوم تقريباً. نحن لسنا مهتمون كثيراً بمصير أوكرانيا بعكس بوتين. لهذا السبب، استطاع خداعنا.
سؤال: تقولون أن الولايات المتحدة ليست لديها "أدنى فكرة" عما تريد القيام به في أوروبا.
وولتر راسل ميد: منذ نهاية الحرب العالمية الأولى، لم يتوقف الأمريكيون عن المجيء إلى أوروبا، ولكن مع وجود إرادة بالانسحاب منها في الوقت نفسه! كانت الولايات المتحدة تعتقد عام 1990 بأنها قادرة على الرحيل، ولكنها اضطرت للعودة لإنهاء الحرب في البوسنة. لهذا السبب، لم تول الولايات المتحدة الاهتمام الاستراتيجي والسياسي الكافي بأوروبا التي تعيش أزمتها الأكثر خطورة منذ سنوات الخمسينيات، إنها أزمة تتضمن تداعيات مستقبلية هائلة بالنسبة للولايات المتحدة.
سؤال: هل تغير ذلك اليوم؟
وولتر راسل ميد: هناك وعي بأنه أمر جدي، ولكن ليس هناك توافق حول قيام الولايات المتحدة بـ "انعطاف" جديد نحو أوروبا. كان الإدارة الأمريكية تعتقد حتى عام 2012 بأنها انتهت من التهديد الإرهابي، وكان يُنظر إلى روسيا كبلد يتذمر ولكن هامشي. كان التحول سريعاً.
سؤال: هل ستقوم إدارة أوباما بإرسال الأسلحة إلى أوكرانيا؟
وولتر راسل ميد: هناك جدل كبير حول هذا الموضوع. إن السؤال هو معرفة ماذا سيفعل أوباما الذي ما زال متشككاً جداً حول ما يمكن أن يتسبب به إرسال الأسلحة. إذا أرسل الغرب بعض الأسلحة، وأدى ذلك إلى تغيير موازين القوى على الأرض، فإن بوتين سيختار التصعيد بلا شك. إنه مصمم على عدم التعرض للهزيمة في الدول المحيطة به. يجب على الغرب تحديد استراتيجية تجاه أوكرانيا قبل اتخاذ الإجراءات.
سؤال: إن رهان بوتين هو أن الغرب سيتراجع...
وولتر راسل ميد: لا يريد الرئيس أوباما حرباً مع روسيا، وكذلك الأمر بالنسبة للمستشارة الالمانية أنجيلا ميركل. إذا بدأتم تصعيداً في الوقت الذي يعرف فيه خصمكم بأنكم ستتراجعون في اللحظة الحرجة، فماذا تفعلون الآن؟ لهذا السبب، يحتاج الغرب إلى استراتيجية! لا يجب إرسال الأسلحة فقط لأننا نريد "القيام بشيء ما". يجب علينا أولاً الإجابة على بعض الأسئلة الجدية: هل نحن مستعدون للقيام بما يجب من أجل حماية أوكرانيا وضمها إلى أوروبا والغرب؟ هل نحن مستعدون لدفع انفاقها للتزود بالطاقة وتقديم الأموال لها لكي تحارب؟ هل نحن مستعدون لكي تشملها مظلتنا النووية؟ حان الوقت لكي نتخذ القرار.
سؤال: ولكن يجب علينا التفكير بعواقب عدم القيام بأي شيء...
وولتر راسل ميد: نعم! لأنه إذا لم نفعل شيئاً، سيستمر بوتين في التقدم والاستفادة من نقاط ضعفنا. سيكون من المهم رؤية كيف سيتصرف مع اليونان وقبرص في حال عدم توصل هذان البلدان إلى تسوية مع الاتحاد الأوروبي حول الأزمة الاقتصادية فيهما. هناك أزمة خطيرة جداً أمامنا، ولكن ذلك سيُجبرنا على إعادة تحديد معنى الغرب ودلالاته الجانبية.



الاثنين، ٤ أيار ٢٠١٥

(بكين تهز النظام المصرفي العالمي مع مصرفها الجديد)

صحيفة الفيغارو 18 نيسان 2015 بقلم سيباستيان فاليتي Sébastien Falletti

     يُخيم الظل الصيني المتزايد على "اجتماعات الربيع" لصندوق النقد الدولي والمصرف الدولي في واشنطن، بشكل يهز النظام المالي الدولي الذي أنشأته الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية. يتحدث الجميع عن انطلاقة المصرف الآسيوي للاستثمار في البنى التحتية، ويعتبره البعض صفعة لإدارة أوباما التي تعارض تأسيس هذا المصرف الجديد على الرغم من انضمام حلفائها إلى هذا المصرف واحدا تلو الآخر مثل بريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا الذين قرروا الانضمام إلى هذا المصرف كأعضاء مؤسسين، بالإضافة إلى استراليا وكوريا الجنوبية وروسيا، كما تفكر اليابان بالانضمام إليه.
      إنه نجاح غير مسبوق للدبلوماسية الاقتصادية الصينية التي تندرج في سياق البرنامج الاستراتيجي الكبير للرئيس الصيني تحت اسم: الطريق الجديد للحرير الذي يهدف إلى وضع الصين في محور آسيا الصاعدة. يتمثل الهدف المعلن لهذا المصرف بالاستجابة للاحتياجات الهائلة في البنى التحتية في المنطقة عبر تمويل الشبكات التي تلتقي في الصين وتوسيع النفوذ الجيوسياسي الصيني. تشمل هذه المشاريع إقامة الطرق والسكك الحديدية وشبكات الاتصالات بشكل يسمح بتصدير المنتجات الصينية وكسب ولاء حكومات المنطقة الواقعة بين فكي كماشة المواجهة الصينية ـ الأمريكية. قال سون ليجيان Sun Lijian، الأستاذ في جامعة فيدان Fudan: "تعيش هذه الدول المرحلة الأولى في عملية تصنيعها. يمكننا أن نقدم لهم وصفة نجاحنا المبني على أربعين عاماً من الانفتاح الاقتصادي والتنمية. حان الوقت لكي تنشر الصين نموذجها".
     سيكون المصرف الآسيوي للاستثمار في البنى التحتية الذراع المسلح لتنفيذ هذا الطموح إلى جانب الصندوق المالي لطريق الحرير الذي تبلغ موازنته أربعين مليار دولار، وذلك بالاضافة إلى مصرف البريكس BRICS (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا) في شنغهاي. أشار مكتب الدراسات الأمريكي IHS إلى أن حجم القوة المالية لهذه المصارف الثلاث يتجاوز مئة مليار دولار، واعتبر مركز الأبحاث شاتام هاوس Chatham House في لندن أن هذا المبلغ يمكن أن يتضاعف مرتين بسرعة.
     يهدف هذا المصرف أيضاً إلى مساعدة شركات البناء الصينية المهددة بتباطؤ الاقتصاد الصيني. على الصعيد المالي، سيكون المصرف الآسيوي للاستثمار في البنى التحتية وسيلة لتدويل العملة الصينية بصفته الأولوية الاستراتيجية للصين. إذا كان الدولار سيحافظ على دوره المركزي في هذا المصرف من أجل تخفيض كلفة الاعتمادات، فإن بكين يمكن تعمل على استخدام سلة من العملات تضم العملة الصينية.
     لكي تؤكد الصين نجاح هذا المصرف، يجب عليها تبديد قلق الدول الغربية تجاه هذا المصرف بخصوص شفافية عروض الأسعار أو المعايير البيئية والسياسية. إنه امتحان كبير بالنسبة للطموحات الصينية العالمية. دعت واشنطن حلفاءها إلى التأثير على المصرف من الداخل. تأمل الدول الغربية المشاركة بالحصول على مدخل إضافي إلى أسواق الدول الآسيوية الصاعدة ورؤوس الأموال الصينية.