الصفحات

الثلاثاء، ٧ تموز ٢٠١٥

(المملكة التي تغذي الجهاد العالمي)

صحيفة اللوموند بتاريخ 13 حزيران 2015  بقلم الباحث المتخصص بالمسائل الاستراتيجية الدولية بيير كونيسا Pierre Conesa

      في الواقع، الرياض هي إحدى العوامل الرئيسية في زعزعة استقرار الشرق الأوسط والداعم الأول للأصولية الإسلامية، وذلك على الرغم من الحملة الدعائية المضللة المدعومة بأموال النفط. من الممكن أن نضحك من رجال الدين السعوديين الذين يعتبرون أن الأرض مسطحة (مفتي السعودية عبد العزيز بن باز)، أو أنها لا تدور حول الشمس (الشيخ بندر الخيبري)، أو من جهود رابطة الإسلام العالمي للاعتراف بالنظرة القرآنية القائلة بخلق الأرض، ومن الممكن الاستغراب أن القضاة لا يأخذوا بعين الاعتبار شهادة غير المسلمين. إن قائمة الحماقات السعودية طويلة مثل قائمة الممنوعات المتعلقة بالنساء. لكن الضحك سيكون أقل حول الحكم على رئيف البدوي بالسجن لمدة عشر سنوات، وربما لن يتسن له إنهاءها لأنه سيموت بالتأكيد قبل نهاية تنفيذ حكم الألف جلدة.
     إن السلفية التي تواجهها فرنسا هي ثمرة تصدير الوهابية السعودية التي لم تقم شبكتنا الدبلوماسية بتحليل نفوذها إلا نادراً. أصبحت الدبلوماسية الدينية منذ عدة عقود أكثر نشاطاُ من الدبلوماسية العلمانية والتسامح، وقام الحليف والزبون السعودي بدور هام فيها. يتراوح الإنفاق السعودي من أجل "القضية الدينية" في الخارج ما بين ملياري وثلاثة مليارات جنيه استرليني سنوياً منذ عام 1975، أي ما يعادل ضعفي أو ثلاثة أضعاف موازنة الدعاية السوفييتية المضللة. تستقبل الجامعات الدينية السعودية آلاف الطلاب المسلمين سنوياً، وتصدر رجال الدين والكتب ووسائل الإعلام والمنح الدراسية والمدارس والمراكز الإسلامية. تم تمويل بناء أكثر من ألف وخمسمائة جامع خلال خمسين عاماً في أوروبا وأفريقيا وآسيا وروسيا.
     قامت المنظمة الأمريكية غير الحكومية Freedom House بدراسة كتب التعليم الوهابية في المساجد، ونقلت بعض النصوص الموجودة فيها مثل: "لا يجب على المسلمين الاكتفاء بالوقوف في وجه الكفار، بل أيضاً كرههم وقتالهم"، أو "إن الأنظمة الديموقراطية بالتعاون مع الشيعة مسؤولة عن جميع الحروب". كما لاحظ تقرير بريطاني صدر عام 2014 عن Office for Standards in Education Children's and Skills وجود الانحرافات نفسها في بريطانيا. هل من المعقول أن تقوم السعودية عام 2014 بإصدار قانون جديد لمكافحة الإرهاب يعتبر الملحدين والمتظاهرين السلميين كـ "إرهابيين". إن عقوبة الكفر والتجديف تصل إلى الإعدام.
     هناك بعض التساؤلات التي تبعث على المزيد من القلق. لماذا لم تستقبل السعودية أي لاجئ من الحروب في سورية والعراق، بل على العكس، بنت جداراً طوله ثمانمائة كيلومتر لمنع دخول اللاجئين غير الشرعيين إلى أراضيها؟ إنها تدفع الأموال، ولكنها ترفض استقبال اللاجئين في المخيمات! تطرد الرياض اللاجئين مراراً وبشكل عنيف كما هو الحال بالنسبة للصوماليين.
     ماذا عن النزعة الجهادية؟ طغت هذه النسخة الإسلامية الجديدة لمكافحة الإمبريالية على النزعات التحررية في العالم الثالث خلال الثمانينيات والتسعينيات. شارك ما بين خمسة عشرة ألف وخمسة وعشرين ألف سعودي في الحرب ضد الاتحاد السوفييتي في أفغانستان ما بين عامي 1982 و1989، وقام الأمير تركي بتمويل 75 % من المساعدات المقدمة إلى المقاتلين ضد الاتحاد السوفييتي، وفرض على الباكستان أثناء حكم الجنرال ضياء الحق بناء المدارس الإسلامية الحنبلية (السلفية) التي خرجت منها حركة الطالبان.
     كانت هناك حوالي أربعين مجموعة إرهابية تتدرب في مخيمات منظمة التحرير الفلسطينية خلال الثمانينيات. هناك اليوم حوالي مئة جنسية في سورية، ومن بينهم أكثر من ألفين وثلاثمائة سعودي. طورت الشبكات الجهادية في سورية تقنيات التجنيد داخل المجموعات التي تؤمن بالقيامة ومجيء المهدي. إذا كانت السعودية ترسل القليل من الطائرات لمكافحة داعش (ما يعادل القوات الدانماركية والهولندية معاً، أو نصف عدد القوات الفرنسية)، فإنها ترسل الضعف ضد التمرد الحوثي في اليمن، لأن العدو الحقيقي للوهابية هو الشيعة. بالمقابل، من الواضح للعيان وجود تعاطف داخلي في السعودية تجاه السلفية الجهادية، ولن ينظر الداخل السعودي بعين الرضى إلى عمل عسكري عدواني جداً ضد الدولة الإسلامية، بل وربما سيهدد استقرار السعودية.
     هل تكفي الثروة السعودية المذهلة لكي تجعل منها حليفاً؟ إذا كان الجواب بالإيجاب، ضد من؟ هل ستصوت فرنسا بالموافقة على طلب الترشيح السعودي في لجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة؟



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق