صحيفة الفيغارو
27/12/2012 بقلم الباحثة نور
بنكوريش Nora Benkorich، الباحثة المساعدة في قسم التاريخ المعاصر للعالم العربي في
الكوليج دو فرانس
يأخذ
الوضع في سورية منحى مأساوياً بعد مرور أكثر من 21 شهراً على بداية التمرد الشعبي
ضد نظام بشار الأسد. لم يستسلم مرتزقة العائلة الحاكمة أمام حركة الاحتجاج
المستمرة والمتصاعدة، وقاموا بتسريع وتيرة العقوبات الجماعية ضد المدنيين العزّل.
هناك مدينتان تُظهران بشكل واضح هذه الإجراءات العقابية هما: داريا (200.000 نسمة
تقريباً) ومعرة النعمان (120.000 نسمة تقريباً). تتعرض هاتان المدينتان منذ عدة
أسابيع لهجمات يومية من قبل جنود النظام عبر الهجمات البرّية المدعومة بالدبابات
والمدفعية وراجمات القذائف ومدافع الهاون والغارات الجوية ـ الميغ والطائرات
المروحية ـ التي تقصف جميع الأحياء بدون
تمييز وحتى المدنيين. كانت منظمة هيومان رايتش ووتش قد أشارت إلى استخدام القنابل
العنقودية، وتشير حالياً إلى استخدام القنابل الحارقة الممنوع استخدامها في
المناطق المأهولة من قبل أكثر من مئة دولة.
بلغت
الحصيلة المؤقتة لهذه الهجمات المستمرة 300 قتيل في داريا خلال شهر واحد، و600
قتيل في معرة النعمان خلال شهرين، أغلبهم من المدنيين، بالإضافة إلى آلاف الجرحى.
كما اضطر أغلب السكان إلى اللجوء للمدن والقرى المحيطة. هذا هو الوضع في داريا
بالنسبة للناشط (أسامة)، فقد اضطرت عائلته المكونة من 11 شخصاً إلى مغادرة المدينة
في بداية شهر تشرين الثاني والإقامة لدى شقيقته في دمشق، هرباً من القصف المكثف.
قال (أسامة) عبر SKYPE: "إنها شقة صغيرة تتكون من غرفتين، ولكننا محظوظون
جداً". لم تتوفر مثل هذه الفرصة لأغلب العائلات المُهجرة التي لجأت إلى
الحقول الواقعة غرب المدينة وإلى القرى المجاورة مثل صحنايا وكفرسوسة وخان الشيح
وزاكية. لقد ذهبت هذه العائلات المحاصرة إلى الأماكن المتاحة أمامها، فلجأت بعضها
إلى المزارع والجوامع والمدارس، ولم يكن بوسعها الحصول على المازوت والكهرباء
للتدفئة. بسبب نقص الأماكن المتاحة، وجدت بعض العائلات نفسها في الشارع أو في
الحدائق العامة خلال فصل الشتاء الذي تنخفض درجة الحرارة فيه ليلاً إلى الصفر.
يُضاف إلى هذه الظروف، نقص الخبز والارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية
الضرورية، ومن ضمنها حليب الرضّع.
إلى
متى ستستطيع هذه العائلات الصمود؟ قام جنود النظام مؤخراً بقصف بعض أماكن لجوء
العائلات مثل جامع صحنايا الذي لجأ إليه العديد من اللاجئين. كما شن حملة على خان الشيح قبل عدة أيام من أجل
اعتقال جميع رجال العائلات اللاجئين في المزارع ـ حوالي مئة رجل ـ . حاول بعضهم
الذهاب إلى دمشق، ولكن حواجز التفتيش المنتشرة على مداخل المدينة، تمنع وصول
المُهجرين في الداخل.
إن الوضع
في معرة النعمان ليس أفضل حالاً، فقد تحولت هذه المدينة إلى ساحة معركة. كما حصل
لسكان داريا، اضطر سكان معرة النعمان إلى اللجوء للقرى المجاورة في جبل الزاوية.
أشار الناشط محمد يحيى الذي تم الاتصال به عبر SKYPE، إلى أن أغلب السكان يعيشون في
ظروف صحية وإنسانية سيئة، وأن الذين حالفهم الحظ بالعثور على ملجأ، يعيشون بدون
كهرباء ولا تدفئة ولا ماء. يحاول الآخرون البقاء على قيد الحياة بدون ملجأ وتحت
الثلوج حالياً. لقد تم إحصاء العديد من حالات الوفاة بسبب البرد والمجاعة.
كيف
يحاول الناشطون في هذه المدن تنظيم أنفسهم لمساعدة السكان المُهجرين؟ يتنقل
المُهجرون دوماً بين مختلف القرى التي تُزودهم بما يحتاجونه للبقاء على قيد الحياة
(أغطية وماء وخبز)، ولكن هناك نقص كبير في الإمكانيات. يصطدم تنقلهم في داريا
دوماً بحواجز قوات أمن النظام التي تمنعهم من التنقل في أفضل الأحوال، أو ترسلهم
إلى السجن في أسوأ الأحوال. من أجل التحايل على هذه العقبة، تنكّر بعضهم بلباس
الهلال الأحمر، الأمر الذي يسمح لهم بعبور الحواجز دون تدقيق هوياتهم. يجب الإشارة
هنا إلى أن الهلال الأحمر السوري لا يستطيع التدخل بدون موافقة النظام السوري، ولا
يُسمح له بالتعامل مع "الأطراف الثورية".
إن
معرة النعمان وداريا ليستا مثالين عديمي الأهمية. لقد أظهر الناشطون ووجهاء هاتين
المدينتين قدرتهم على تأسيس "مجالس ثورية محلية" ـ وانتخابها بشكل
ديموقراطي في معرة النعمان ـ ، وأصبحت هذه المجالس تقوم بتسيير الأمور الإدارية
بدلاً عن الدولة، وتزويد سكانها بالخدمات العامة الأساسية مثل الأمن والقضاء بفضل
إنشاء محاكم ثورية وشرطة محلية، وتوفير
المساعدة الطبية والإنسانية العاجلة. هل أخطأت هذه المدن عندما أظهرت للنظام أنها
تقوم بتسيير أمورها بنجاح أثناء غيابه؟
على
الصعيد العسكري، تمثل هاتين المدينتين رهاناً إستراتيجياً. تقع معرة النعمان بالقرب من القاعدة العسكرية
في وادي الضيف التي يُحاصرها الجيش السوري الحر منذ شهرين. لقد قام النظام بالهجوم
على المعرّة كإجراء عقابي. فيما يتعلق بداريا، فهي تقع بالقرب من مطار المزة
العسكري وقواته التي يُرابط جزء منها في شمال غرب المدينة. ولكن الناشط عبد الكريم
الكافي (اسم مستعار) أشار إلى سبب هذه التوغلات هو القذائف التي استهدفت القصر
الجمهوري انطلاقاً من المزارع الواقعة غرب المدينة. رداً على ذلك، اختار النظام
معاقبة المدنيين بشكل جماعي وبعنف غير مقبول. إن المعارك ضد الجيش السوري الحر، لا
يمكنها أن تبرر بأي شكل من الأشكال تحويل المدنيين العُزّل إلى رهائن. لقد ظهر هذا
الموقف الحاقد عبر استخدام القنابل العنقودية التي تقتل دون تمييز، واضطهاد
اللاجئين خارج حدود مدينتهم، إنه انتهاك
صارخ لاتفاقيات جنيف التي تنص على أنه يجب التمييز بوضوح بين المدنيين والمقاتلين.
إن
داريا ومعرة النعمان ليستا إلا مثالاً من بين أمثلة أخرى على سياسة الأرض المحروقة
التي يتبناها النظام السوري. منذ خريف عام 2012، لم تعد حمص "المدينة
الشهيدة" الأولى، حالة معزولة. هناك العديد من المدن التي تواجه المصير نفسه
ولاسيما دير الزور والقصير وكرناز (بالقرب من حماة) وببيلا. لقد حان الوقت لكي
يتحرك المجتمع الدولي، وإلا سيزداد رقم 43000 قتيل بشكل كبير في الأيام القادمة.
اللهم كن عونا لاهل سوريا بعد ان خذلهم كل شعوب العالم الذي يدعي الحرية و الديموقراطية .
ردحذف