صحيفة اللوموند 16 ـ 17 آب 2015 بقلم مراسلها
الخاص في كازاخستان بينوا فيتكين Benoït Vitkine
تريد
الصين توسيع نفوذها في كازاخستان وبقية دول آسيا الوسطى عبر الاستثمارات الضخمة في
مشاريع البنية التحتية التي ستسمح لها بالتحكم في صادراتها إلى أوروبا بشكل أفضل.
إنه رهان جيوسياسي أساسي بالنسبة لبكين.
ستصبح
كازاخستان مركزاً حيوياً هاماً للعولمة خلال السنوات القادمة، وذلك بعد أن كانت
خلال سنوات عديدة مكاناً تتواجه فيه امبراطوريتان هما: الاتحاد السوفييتي وجمهورية
الصين الشعبية. بدأ بناء المستودعات في منطقة قورغاس Khorgos الواقعة على الحدود بين الصين
وكازاخستان. توجد ستة مسارات للسكك الحديدية: ثلاثة مسارات حسب المعايير الصينية،
لكي تستخدمها القطارات القادمة من شمال ـ غرب الصين حتى مدينة قورغاس؛ ثم تقوم
بإفراغ حمولتها في القطارات الأخرى الواقفة على المسارات الثلاثة الأخرى للسكك
الحديدية المبنية حسب المعايير السوفييتية القديمة، لكي تتابع طريقها باتجاه
أوروبا. من المفترض أن يبدأ تشغيل السكك الحديدية الأولى خلال هذا العام عبر روسيا
أولاً، ثم عبر محاور أخرى لاحقاً هي: المحور الغربي باتجاه بحر قزوين، والمحور
الجنوبي باتجاه تركمانستان وإيران وتركيا.
في
الوقت الحالي، يوجد خط حديدي واحد يربط الصين بأوروبا، وهو يمر على بعد عدة
كيلومترات شمال قورغاس قبل أن يغير اتجاهه نحو روسيا، لكي يصل في النهاية إلى
مدينة دويسبورغ Duisbourg الألمانية. تستغرق رحلة هذا الخط الحديدي أربعة عشرة يوماً، مقابل
حوالي الشهرين بالنسبة للطريق البحري. ما زالت كلفة الشحن بالقطارات أكبر بضعفين،
ولكن سرعة التسليم أصبحت معياراً هاماً بالنسبة لبعض البضائع ولاسيما الالكترونية
منها. ستصبح السكك الحديدية مربحة عندما يبدأ الأوروبيون باستخدام القطارات
العائدة لإرسال بضائعهم إلى المستهلكين الصينيين. بدأ أيضاً تعبيد الطرقات في كل
مكان على امتداد آلاف الكيلومترات، وتعمل الجرافات الصينية حالياً في الطريق
المؤدي إلى عاصمة كازاخستان الاقتصادية ألماتي Almaty. إنها بداية الطريق السريع البري
المستقبلي بين غرب الصين وأوروبا الغربية.
يُطلق على جميع هذه المشاريع اسم "طريق
الحرير الجديد"، وهو تعبير قامت الصين بتحديثه في إشارة إلى شبكة الطرق
البرية التجارية التي كانت تربط الصين بالشرق الأوسط وأوروبا خلال قرون عديدة.
كانت منطقة قورغاس تمثل مرحلة هامة منذ وقت طويل، وستصبح قريباً مركزاً أساسياً في
التجارة العالمية. يذهب المشروع الصيني إلى ما هو أبعد من كازاخستان، قال
الدبلوماسي الصيني Wu Jianmin أحد المسؤولين عن تشجيع الطموحات
الصينية: "العالم بحاجة إلى النمو في آسيا. توجد ثلاثة مراكز عالمية يجب
ربطها مع بعضها البعض هي: أوروبا التي تمثل بؤرة الأزمة المالية والمستهلك الأكبر
للانتاج الصيني، والشرق الأوسط وشمال أفريقيا باعتبارهما بؤرة النزاعات وانتاج
الطاقة، وآسيا الشرقية التي تمثل بؤرة النمو العالمي". يهدف هذا المشروع
أيضاً إلى نشر الاستقرار لدى الدول المجاورة للصين.
يشمل
"طريق الحرير الجديد" مساراً بحرياً وآخر برياً. بدأت الصين
بتوسيع شبكتها باتجاه المحيط الهادي ومنغوليا وجنوب آسيا... أعلن الرئيس الصيني شي
جينغ بينغ في منتصف شهر نيسان عن خطة استثمارية في الباكستان قدرها 46 مليار دولار
من أجل المساهمة في تطوير البلد وضمان طريق آمن باتجاه مرفأ غوادر Gwadar الذي
يمثل المدخل الصيني في المحيط الهندي. من المفترض أن يكون المصرف الآسيوي
للاستثمار في البنى التحتية أحد المساهمين الأساسيين في هذا المشروع. تم تدشين هذا
المصرف في شهر تشرين الأول 2014، وتبلغ موازنته مئة مليار دولار. قال الباحث
والدبلوماسي الفرنسي ميشيل فوشيه Michel Foucher الذي كان من أوائل الذين درسوا
المشاريع الصينية بخصوص البنى التحتية: "ينظر الصينيون بشكل شمولي كما هو
الحال بالنسبة للولايات المتحدة، ولكنهم ينظرون إلى السنوات الخمسين القادمة. لم ينته
الاعداد لمفهوم (طريق الحرير) بشكل كامل، ولكنه يتجاوز مسألة النقل، وينوي إقامة
ممر استثماري يبدأ من الصين لكي يسمح لها بدخول الدول المعنية".
تحتل
كازاخستان المكانة الأولى في هذا المشروع الصيني نظراً لموقعها الجغرافي أولاً،
والثروات الطبيعية الهائلة التي تملكها مثل النفط والغاز واليورانيوم وبعض المعادن
الأخرى ثانياً. يساهم هذا المشروع أيضاً في تطوير واستقرار منطقة Xinjiang الصينية
التي تسكنها أقلية الويغور التركية المسلمة، هذه الأقلية المتذمرة التي تثير قلق
بكين. قال ميشيل فوشيه: "ما دامت المسألة الأفغانية لم تجد حلاً، فإن
كازاخستان هو البلد الوحيد الذي تعتمد عليه الصين في المنطقة. إن بقية دول آسيا
الوسطى في طريق مسدود". تمثل كازاخستان أيضاً مثالاً "للرهان
الإقليمي الأكبر". إذا كان المشروع الصيني مبني على بعض التقلبات
الجيواستراتيجية الغامضة، ولاسيما فيما يتعلق بإيران أو بصراع النفوذ الحالي مع
الولايات المتحدة في المحيط الهادي، فإن كازاخستان أصبحت من الآن فصاعداً ساحة
للمواجهة مع روسيا باعتبارها القوة الإقليمية العظمى الأخرى.
على
الرغم من التقارب الأخير بين روسيا والصين، لا تنظر موسكو بعين الرضى إلى المشاريع
الصينية في البنى التحتية التي تتجنب أراضيها وربما تؤدي إلى تهميشها. كما لا تشعر
موسكو بالارتياح لفكرة ترسيخ الوجود الصيني في منطقة تعتبرها تابعة لمنطقة النفوذ
الروسي. نظم المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية في شهر كانون الأول 2014 مؤتمر World Policy Conference في سيؤول، وجرى فيه حوار بين المندوبين الصيني والروسي يكشف عن
طبيعة الرهانات المستقبلية: عندما تحدث المندوب الصيني عن "طريق الحرير
الجديد"، رد المندوب الروسي قائلاً: "ليست لدينا إلا فكرة غامضة
جداً حول الدور الذي يفترض أن تلعبه روسيا في هذا المشروع. هل سنبقى على جانب
الطريق، وننظر إلى القطارات المارة؟ نحن بإمكاننا أن نكون أحد الراكبين في القطار،
وربما سائق هذا القطار...". تبدو هذه الفرضية طموحة. بالتأكيد، تتمتع
موسكو بالعديد من الميزات في المنطقة مثل استخدام اللغة الروسية. إن العلاقات
قديمة، وتكرست مرة أخرى عبر دخول الاتحاد الاقتصادي الأوراسي حيز التنفيذ في الأول
من شهر كانون الثاني. لكن هذه المنظمة ما زالت قوقعة فارغة، والتواجد الروسي يتآكل
يوماً بعد يوم بسبب التوسع الصيني.
تمثل
الطاقة إحدى المجالات الرئيسية لهذه المنافسة الروسية ـ الصينية. قال رئيس أهم
المصارف الاستثمارية الكازاخستانية Visor Capital عيدان كاريبزهانوف Aïdan Karibzhanov: "انتصر الصينيون في مجال النفط، وما زال الروس يسيطرون
على الغاز". لكن الصين على وشك تدارك تأخرها في مجال الغاز مع افتتاح خط
أنابيب الغاز بين تركمانستان وكازاخستان والصين عام 2009، وهناك خط أنابيب ينقل
النفط بين كازاخستان والصين، بالإضافة إلى مشروع بناء خط أنابيب لنقل النفط لكي
يمر في منطقة قورغاس. تميل المنافسة بين روسيا والصين إلى مصلحة الصين بشكل واضح،
قال الخبير الكازاخستاني قسطنطين سيروجكين Kostantin
Syroïejkine الذي يقدم
استشاراته إلى الصين وكازاخستان: "لا يملك الروس الوسائل لمنافسة
الصينيين، ولكن ذلك يبعث على المزيد من القلق. كيف ستكون ردة فعل الروس؟". يخشى القادة
الكازاخستانيين من نظرة موسكو لما تعتبره منطقة نفوذها، نظراً للاعتداء الروسي على
أوكرانيا.
بدأ
الوجود الصيني يثير المخاوف في دول المنطقة ولاسيما في كازاخستان، وهناك خوف قديم
في هذا البلد من الصين. قال قسطنطين سيروجكين: "يدعي الصينيون أنهم
اهتمامهم ينحصر في المجال الاقتصادي فقط، ولكن الأمر عندما يتعلق بمشاريع البنى
التحتية لوسائل النقل، فإنه يتعلق أيضاً بالناحية الجيوسياسية. يبعث ذلك على خوف
بعض السكان وجزء من النخبة الكازاخستانية التي تخشى فقدان السيادة". لهذا
السبب، بدأت الصين بتطوير استراتيجية للنفوذ ولـ "القوة الناعمة"،
وافتتحت أربعة مراكز كونفوشوسية في كازاخستان، ومنحت أكثر من عشرة آلاف منحة
دراسية إلى الشباب الكازاخستانيين من أجل الدراسة في الجامعات الصينية. كما تأسس
حولي عشرين معهداً في الصين للدراسات المتخصصة بآسيا الوسطى.
تعلمت كازاخستان منذ وقت طويل كيفية البحث عن
دعم خارجي آخر للتخلص من فكي الكماشة الروسية ـ الصينية. ما زال الاتحاد الأوروبي
الشريك التجاري الأول لكازاخستان التي ما زالت تحافظ على علاقات جيدة مع أوروبا
والولايات المتحدة. كما تريد كازاخستان أن تفرض رهانها الخاص داخل المشاريع
الصينية، وألا تكون مجرد بلد ترانزيت. تستثمر كازاخستان أموالها من أجل الحصول على
الحد الأقصى من العوائد المالية الناجمة عن الترانزيت، وتحاول الاندماج داخل الطرق
التجارية المستقبلية، وذلك بعكس قيزغيزيستان التي بدأت فيها مشاريع بناء البنى
التحتية ولكن برؤوس أموال وعمال صينيين.