الصفحات

الجمعة، ٢١ آب ٢٠١٥

(الملف النووي الإيراني: ماذا يريد نتنياهو؟)

صحيفة الفيغارو 8 آب 2015 ـ بقلم الباحث في المركز الوطني للأبحاث العلمية CNRS ران هاليفي Ran Halévi

     بدأت تتدهور العلاقات بين الحكومة الإسرائيلية والبيت الأبيض بعد الاتفاق حول الملف النووي الإيراني. كانت هذه العلاقات سيئة منذ انتخاب باراك أوباما، وتحولت إلى مواجهة لا سابق لها. تبذل الحكومة الإسرائيلية كل ما بوسعها لإفشال الرئيس الأمريكي. يبدو أن نتنياهو ما زال متردداً بين شن هجوم إعلامي مدوي في الولايات المتحدة أو حملة إعلانية أكثر حذراً ولكن بالعدائية نفسها لدى أعضاء مجلس النواب ومجلس الشيوخ الذين سيصوتون قريباً على اتفاق فيينا.
     في الحالتين، ستكون الأضرار هي نفسها. لا يتعلق الأمر فقط بالعلاقات بين الحكومتين. تتحدث بعض البرقيات المُقلقة التي وصلت إلى القدس عن الحيرة العميقة لدى الطائفة اليهودية الأمريكية التي وقعت بين ارتباطها بالدولة العبرية وولاء أغلبيتها العظمى إلى الرئيس الأمريكي. لا شك أن الطائفة اليهودية في الولايات المتحدة معرضة لخطر التمزق بشكل أكبر بسبب الحرب السياسية لنتنياهو الذي لا يتردد في التوجه بالحديث مباشرة إليها عبر كلماته المفاجئة وغير الموفقة.
     ما زال نتنياهو جازماً بقوله أن هذا الاتفاق سيء، ويعطي الإيرانيين شيك على بياض للحصول على القنبلة بعد عشر سنوات، ويضع تحت تصرفها الأموال المحجوزة حتى الآن، هذه الأموال التي ستستخدمها طهران من أجل تعزيز قدرتها على إلحاق الضرر في المنطقة. كما يعتبر أنه كان يجب على الدول الغربية تعزيز العقوبات لإخضاع الإيرانيين، وأنه إذا رفض الكونغرس الأمريكي هذا الاتفاق، فإنه سيرغم الإيرانيين على تقديم المزيد من التنازلات.
     رفض المسؤولون الأمريكيون هذه الحجج، ويقولون أن خيار "أفضل الاتفاقات" غير موجود. لقد تنازلت إيران حول بعض المطالب الإسرائيلية الأكثر أهمية. من الوهم الاعتقاد بأن رفض الكونغرس لهذا الاتفاق سيجعله في موقع أفضل، ولن يؤدي ذلك إلا إلى إبعاد الطرفين عن بعضهما البعض لفترة طويلة وعزل الولايات المتحدة على الساحة الدولية وعودة النظام الإيراني إلى السباق نحو السلاح النووي الذي سيحصل عليه خلال عدة أشهر.
     بالتأكيد، يحمل اتفاق فيينا بعض المخاطر الأكيدة ابتداءاً من تحول إيران إلى قوة نووية على المدى الطويل وانتهاءاً بالنقاط الغامضة حول فعالية عمليات التفتيش. من الممكن انتقاد أوباما لأنه انخرط في المفاوضات معطياً الانطباع بأن فشل المفاوضات لم يكن ممكناً، الأمر الذي عزز المواقف الإيرانية. لكن هذه التسوية تبقى اختراقاً هاماً على صعيد المراقبة على الأسلحة، ولها الفضل بأنها موجودة ولاسيما أنه ليس هناك خيار آخر.
     لا يريد نتنياهو سماع ذلك، كما أن الأمر الذي يزيد من خطورة الخلاف مع واشنطن هو الطابع غير المفهوم للأهداف التي يريدها. كان نتنياهو يكرر خلال سنوات عديدة أن حصول إيران على القنبلة النووية سيشكل خطراً قاتلاً على إسرائيل، وأن القضاء على هذا التهديد يمثل الأولوية القصوى. أصبح نتنياهو يطالب اليوم بأن يتضمن الاتفاق اعترافاً إيرانياً بالدولة العبرية، ووقف الدعم الإيراني للإرهاب، وهي أمور مستحبة ولكن لا علاقة لها ببقاء إسرائيل التي تملك جيشاً قوياً. يجب التساؤل فيما إذا نتنياهو يريد حقاً التوصل إلى اتفاق، وذلك في الوقت الذي لا يعترف فيه بأي مخرج آخر غير تفكيك القدرات النووية الإيرانية، وهو أمر بعيد الاحتمال.
     هل يريد نتنياهو إجهاض اتفاق فيينا بمساعدة أصدقائه في الكونغرس، وإعطاء دفعة جديدة للخيار العسكري بسبب الوضع الكارثي الذي سينجم عن إجهاضه؟ من المعروف أن الهجوم العسكري لن يؤدي إلا إلى تأخير البرنامج النووي عدة سنوات، بينما تسمح التسوية الحالية بتأخيره عشر سنوات على الأقل. في الحقيقة، ليس هناك أي شيء واضح في موقف نتنياهو. لكن سلوكه يدفع للحيرة: إن فكرة قيام زعيم دولة حليفة بحملة لدى النواب الأمريكيين والرأي العام الأمريكي ضد الحكومة الأمريكية سيزعج أكثر المخلصين للدولة العبرية في الولايات المتحدة سواء كانوا يهوداً أم لا. أدان اوباما مؤخراً مثل هذا التدخل في الشؤون الداخلية بشكل عنيف وغير معتاد.
     تمثل القضية الإيرانية رهاناً هائلاً بالنسبة لأوباما ونتنياهو معاً: إذا انتصر أوباما في الكونغرس، فإن نتنياهو سيخسر القليل من المصداقية التي ما زال يحظى بها؛ ولكن إذا صوت الكونغرس ضد الرئيس الأمريكي، فإن العالم بأسره سيخسر ابتداءاً من دولة إسرائيل.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق