صحيفة الفيغارو 18 تموز 2015 بقلم رئيس الوزراء
الفرنسي السابق دومينيك دوفيلبان
كان الاتفاق
مع إيران ضرورياً، وهو يُظهر إلتزام المجتمع الدولي في مكافحة انتشار السلاح
النووي وتوفير الضمانات والجدول الزمني. قلت دوماً منذ
عام 2003 أن الأمم المتحدة والوكالة الدولية للطاقة الذرية ونظام التفتيش
والمراقبة هم مفاتيح أي اتفاق جدي. لنكن واضحين، إن الاتفاق مع إيران لن يصنع
السلام في الشرق الأوسط ما دام المناخ الإقليمي متدهوراً. هذا الاتفاق هو نقطة
الانطلاق وليس نقطة الوصول. إن الوقوف في منتصف الطريق سيفتح دوامة الأخطار
والخيبات وعدم الاستقرار.
وصلت جميع الدول إلى طريق مسدود، وفي
مقدمتهم الدول غير العربية. فيما يتعلق بإيران، هناك الخطر بأن يتشدد موقفها على
الصعيدين الداخلي والخارجي لكي تتجنب مزايدات الليبراليين والمحافظين في سياق
الخلافة المفتوحة للمرشد الأعلى والتدخلات الإيرانية المتعددة في سورية والعراق
واليمن ولبنان. فيما يتعلق بإسرائيل، ستتردد بين مواصلة الخط الحالي المعادي
لإيران بشكل يحولها إلى حليف للسعودية بحكم الأمر الواقع، وبين توجيه سلاحها
وخطابها ضد الدولة الإسلامية التي تقترب من حدودها أكثر فأكثر بشكل يحسن من صورتها
لدى الغرب ولكن سيؤجج الحقد لدى الشعوب السنية.
تواجه تركيا تهديداً وجودياً. تقف أنقرة في
طليعة الدول المعادية لنظام الأسد، وتخشى من ظهور كردستان الكبير على أبوابها. إن
الرأي العام التركي منقسم. أصبحت تركيا مركز انطلاق الجهاديين القادمين من أوروبا
والقوفاز وآسيا الوسطى. إما أن تواصل تركيا سياستها العثمانية الجديدة في مواكبة
الشعوب السنية في راديكاليتهم، أو أن تضطلع بدور نقطة التوازن بين أوروبا وآسيا
الوسطى والشرق الأوسط.
تتجه هذه التقلبات نحو حرب كبيرة في الشرق
الأوسط تتواجه فيه الراديكالية العربية السنية وتحالف واسع من القوى غير العربية،
الشيعية أو غير المسلمة، وحتى الغربية. إن أول الضحايا سيكونون الأنظمة التي
ستحاول التوصل إلى تسوية. يتجه الرأي العام في السعودية نحو الراديكالية لصالح
فرضيات الدولة الإسلامية بشكل يهدد شرعية العائلة المالكة، ويوقظ المزايدات
المعادية للشيعة داخل النظام سواء في التدخل في اليمن أو في مواجهة الأقلية
الشيعية في شرق السعودية. يعود سبب الاستقرار في مصر إلى القمع المتزايد يومياً
بشكل سيؤدي حتماً إلى الإفراط وفقدان الشعبية. بدأت بعض دول الخليج بالانخراط في
المهرجانات العالمية الكبرى مثل معرض دبي عام 2020 وكأس العالم في قطر عام 2022 في
سياق أمني متدهور جداً.
الدرس الآخر لهذا الاتفاق مع إيران هو أن
حذر الدول العظمى وانخراطهم من أجل الحوار والتوازن هو وحده القادر على إعطاء
النتائج. على الصعيد الدبلوماسي، إن الاتفاق النهائي أقل أهمية من المساعي
المبذولة. إذاً، من الضروري مواصلة التفاوض لكي يشمل الأمن الإقليمي. يجب أن تنفتح
مجموعة الست اليوم على القوى الإقليمية مثل تركيا والسعودية ومصر وإيران من أجل
الوصول إلى هيكل إقليمي للأمن في الشرق الأوسط.
يعني العمل الدبلوماسي تجنب انقطاع الخيط والمزج
بين مستويات الحوار. يجب فتح ثلاثة مسارات بشكل مباشر: الأول هو سياسي وأمني،
والثاني هو اقتصادي واجتماعي للاستجابة إلى احتياجات النمو والمشاريع العابرة
للأوطان عبر بعض وسائل التمويل المشتركة، والثالث يجب أن يكون ثقافياً مع تشجيع
الحوار بين الطوائف وتشجيع التنوع في المنطقة. إن أسوأ الأمور هو ألا يكون هناك
شيء يُقال.
بالنسبة لفرنسا اليوم، يعني ذلك أن تقوم
بدورها المتوازن وبالحوار. لنتجنب أي شكل من التحالفات في منطقة ستكون تدخلاتنا
فيها مثقلة دوماً بالكثير من التفسيرات. لنتجنب تكرار العمليات العسكرية التي لا
يمكن التحكم بنتائجها. على الرغم من الخطر الحقيقي على الأرض الفرنسية، يجب علينا
تجنب التحالف المقدس ضد التطرف السني الذي سيكون مبنياً على الأفكار السابقة
لأنظمة المنطقة وسيغذي الطموحات
الإرهابية.
انتهت الخطوة الأولى، وبدأ زمن المبادرات
الجديدة من أجل السلام.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق