الصفحات

الجمعة، ١٨ أيلول ٢٠١٥

(الرياض تهدم "اليمن السعيد")

صحيفة الليبراسيون 11 أيلول 2015 بقلم جان بيير بيران Jean-Pierre Perrin

     لا شك أن المتمردين الحوثيين هم مجانين هائجين ومتعصبين، ولا شك أن حلفائهم في رجال الحرس الجمهوري للرئيس المخلوع علي عبد الله صالح ليسوا أفضل منهم. إن ذلك ليس سبباً يسمح للسعودية وشركائها العرب بتجويع السكان في المناطق المتمردة عبر حجز السفن التي تحمل المؤن (يستورد اليمن 90 % من غذائه)، ولا بقصف هذا البلد البائس دون تمييز بين المدنيين والمتمردين. إن التحالف العربي لا يغتال فقط حاضر ومستقبل هذا البلد، بل يغتال ماضيه أيضاً. الدليل على ذلك هو أن الطائرات السعودية F16 استهدفت أيضاً المواقع الأثرية بشكل واسع. تعرض واحد وثلاثون موقعاً أثرياً للقصف خلال شهر حزيران، بالإضافة إلى المواقع الموجودة في منطقتي صعدة وحجة اللتين لا يُعرف عنهما شيئاً، وربما دمرتهما القنابل بشكل كامل.
     إن التدمير الأكثر فداحة هو تدمير متحف الذمار الذي يضم قطع أثرية يعود تاريخها إلى ثلاثة آلاف وخمسمائة عام قبل الميلاد. قالت عالمة الآثار الأمريكية ـ اللبنانية لمياء الخالدي التي تعمل في المركز الوطني الفرنسي للأبحاث العلمية: "تم تدمير هذا المتحف بشكل كامل عبر القصف الجوي. تم تدمير كل شيء خلال عدة دقائق، ولاسيما العمل الذي لا يُعوّض للحرفيين القدامى والكتبة الناسخين بالإضافة إلى جهود الباحثين الأجانب الذين أمضوا عدة سنوات من حياتهم في دراسة هذا الإرث والحفاظ عليه. حوّلت الطائرات السعودية هذا المتحف والقطع الأثرية التي يحويها (12500 قطعة أثرية) إلى أنقاض". أشار مدير المنظمة اليمنية للآثار والمتاحف مهند السياني إلى أن خمسة وعشرين موقعاً وصرحاً أثرياً تهدم أو تضرر منذ بداية النزاع في شهر آذار 2015.
     تتمثل الكارثة الأخرى في تدمير سد مأرب المشهور في المدينة الأسطورية للملكة سبأ، هذا السد الذي بُني في الألف الأولى قبل الميلاد، وبقي يعمل حتى القرن السادس. قالت لمياء الخالدي: "تعرّض السد للقصف بتاريخ 31 أيار، وتضرر بشكل خطير. لم يكن هناك أي سبب لقصف هذا الصرح التاريخي. إنه ليس هدفاً عسكرياً، ويقع في منطقة صحراوية على ضفة صحراء رملة السبعتين، ولا يتمتع بأية أهمية استراتيجية... إن تدنيس هذه المواقع والصروح الأثرية، وتدمير البنى التحتية للمدن الأثرية اليمنية، يُعبّر عن الإرادة الممنهجة والمقصودة بتدمير الإرث اليمني العالمي".
     إن ما يجري مع المواقع الأثرية اليمنية يشبه ما تقوم به الدولة الإسلامية في المواقع الأثرية بتدمر ونينوى. تحاول السعودية ببساطة إزالة الماضي الشهير لليمن السعيد قديماً. كما لو كانت إهانة أن يكون مهد الإنسانية على حدودها، كما لو كانت عقدة دونية ثقافية بالنسبة لبلد الوحي القرآني، هذا البلد الذي أزال أنقاضه التاريخية ومعابده وكنائسه والكنائس اليهودية لعصور ما قبل الإسلام.
     بالتأكيد، إن الولايات المتحدة هي الوحيدة القادرة على كبح مثل هذه الكارثة الثقافية. لكن يجب أيضاً على فرنسا، الصديقة الكبيرة للقادة السعوديين, أن تهتم بهذا الموضوع، وتحثهم على الاعتدال. للأسف، إن قادتنا مهتمون ببيع طائرات الرافال، وتوقفوا عن القراءة. لو قرأوا، كانوا سيتذكرون أن جزءاً من خيالنا الأدبي موجود في اليمن. كتب الكثير من الأدباء الفرنسيين صفحات رائعة عن هذا البلد، مثل: رامبو وجوزيف كيسيل وأندريه مالرو ورومان غاري وميشيل ديون وبول نيزان وهنري دونفريد.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق