صحيفة اللوموند
8/12/2012 بقلم الفيلسوف جان باتيست جانجين فيلمر Jean-Baptiste
Jeangène Vilmer
أصبح
من الضروري إعادة تقويم الخيارات المتاحة مع تفاقم النزاع السوري. لم يبق إلا خيار
تسليح المتمردين من أجل تسريع نهاية النزاع، وذلك في ظل غياب الحل السياسي وخطورة
القيام بتدخل عسكري مباشر وعدم وجود هذا الاحتمال الأخير. هناك عدة اعتراضات
يطرحها أولئك الذين يفضلون عدم التحرك والتعبير عن سخطهم في الوقت الذي يموت فيه
ألف سوري أسبوعياً.
أولاً، ألا يتم تزويدهم بالسلاح حالياً؟ إن
الاستخدام المتقطع للأسلحة المضادة للطائرات من قبل المتمردين، يُغذّي تصورات
البعض بوجود مؤامرة "غربية". في الحقيقة، إن صواريخ أرض ـ جو الموجودة
هي من صنع روسي (SA7 وSA16 وربما بعض صواريخ SA24)، وتم الاستيلاء عليها من القواعد العسكرية السورية. لم تأت هذه
الصواريخ من الدول الغربية ولا من دول الخليج ولا حتى من ليبيا.
ثانياً، ألا يؤدي إرسال السلاح إلى زيادة عدد
الضحايا؟ هذا هو الاعتراض الأخلاقي الرئيسي، وهو يعتمد على المنطق الرقمي: إن الأسلحة تقتل المدنيين في
أغلب الأحيان، وبالتالي، فإن إرسال الأسلحة سيُضاعف عدد القتلى. إن مشكلة هذه
الحسابات هي الافتراض بأن عدم إرسال
السلاح سيُقلل من عدد الضحايا، ولكن هذا الافتراض غير صحيح إلا في حالة السلم. في
حالة الحرب، من الممكن أن يؤدي عدم إرسال السلاح لأحد الأطرف إلى وقوع المزيد من
القتلى. وهذا هو الحال عندما نعتقد بأن إرسال السلاح للمتمردين سيُغير موازين
القوى ويضع حداً للنزاع.
ما
زالت دمشق قادرة على الصمود فترة طويلة مع استمرار دعم روسيا وإيران وحزب الله،
ويمكنها الاعتماد على وحدات النخبة على الرغم من الانشقاقات. يعني ذلك إطالة
احتضار هذا البلد باعتبار أن نهاية النظام حتمية. وذلك مع العلم أن هذا النظام
المتهالك قد قطع شوطاً بعيداً في جرائمه، وأنه لم يعد لديه ما يخسره. إذاً، من
الممكن انتظار عدة أشهر أخرى من المعارك العنيفة.
إن
عدم إرسال الأسلحة إلى المتمردين سيؤدي بشكل غير مباشر إلى وقوع المزيد الضحايا:
ليس فقط بسبب إطالة فترة النزاع، بل أيضاً من خلال زيادة فرص التدخل العسكري
المباشر. في الحقيقة، كلما طال النزاع، كلما ازداد خطر قيام الأسد باستخدام
الأسلحة الكيميائية كحل أخير. وسيؤدي ذلك إلى إثارة ردة فعل دولية أكثر تدميراً.
ثالثاً،
ألا يُمثل إرسال الأسلحة "الثقيلة" إلى المتمردين خطراً أكبر على
المدنيين؟ لا، لأنها أسلحة تُميّز بين الأهداف بالمقارنة مع الأسلحة
"الخفيفة". إن إرسال شاحنات من بنادق الكلاشينكوف ستقتل الكثير من
الأطفال بالمقارنة مع الصواريخ المضادة للطائرات والدبابات التي سيتم استخدامها ضد
الأهداف العسكرية. بشكل عام، لا يوجد مدنيون داخل دبابات وطائرات الجيش السوري.
بالمقابل، إن ما نخشاه هو استيلاء المجموعات الإرهابية على هذه الصواريخ
واستخدامها ضد المدنيين.
رابعاً، ألا يعني إرسال الأسلحة تسليح
الإرهابيين؟ نتذكر ما حصل في أفغانستان (قامت وكالة الاستخبارات الأمريكية CIA بتسليم
المجاهدين 600 صاروخ ستينغر، ثم اختفت هذه الصواريخ). يتلهف الإرهابيون للحصول على
الأسلحة المضادة للطائرات، والخطر الأساسي هو أن يستخدم الإرهابيون هذه الأسلحة ضد
الطائرات المدنية كما حصل في كينيا عام 2002. إنه خطر حقيقي، ولكن هناك مبالغة
كبيرة حوله من قبل الذين يبررون حالة الجمود ويضعون على قدم المساواة
"المتمردين" وتنظيم القاعدة بشكل ينسجم مع ما يقوله النظام. لقد أثارت
وسائل الإعلام الغربية ضجة كبيرة حول شريط الفيديو الذي ظهر فيه رجال يُدعون
انتماءهم إلى عدة مجموعات اسلامية ورفضوا فيه "مؤامرة الإئتلاف الوطني"
وعبروا عن إرادتهم بـ "إقامة دولة إسلامية". ولكن هذه المجموعات نفت
ذلك، وكان شريط الفيديو مزوراً.
في
الحقيقة، يبدو أنه من الممكن تسليح
الإئتلاف الوطني السوري وأن تكون هذه المساعدة مشروطة بأن يضمن هذا
الإئتلاف الرقابة على هذه الأسلحة أو حتى الإشراف عليها من قبل قواتنا الخاصة. من
الضروري القيام ذلك بسرعة لأنه إذا لم نقم
الآن بتسليح الفصائل المعتدلة، فإن دول الخليج ستقوم بتسليح الميليشيات المقربة من السلفيين.
خامساً، هل لدينا الحق بتسليح المتمردين؟ يذكرون
دوماً الحظر الأوروبي المفروض منذ شهر أيار 2011 لمنع السلطات السورية من استخدام
هذه الأسلحة ضد شعبها. المشكلة هي أن هذا الحظر يمنع الشعب من الدفاع عن نفسه ضد
النظام الذي يحصل على الأسلحة من روسيا. لقد أدرك السفراء الأوروبيون هذه المشكلة،
وقاموا بتجديد الحظر لمدة ثلاثة أشهر بدلاً من عام كامل. وبالتالي، سيكون إرسال
السلاح شرعياً اعتباراً من بداية شهر آذار 2013. ولكن يمكننا القيام بذلك قبل هذا
التاريخ من خلال الاستعانة بإحدى فقرات هذا الحظر التي تنص على رفع الحظر
"عندما تكون الأسلحة والمساعدات المقدمة من الدول الأعضاء موجهة حصراً
للحماية ولغايات إنسانية".
سادساً،
ألن نكون مسؤولين عن جرائم حرب يتم ارتكابها بأسلحتنا؟ لا، لأنه يجب
ارتكابها تحت أوامرنا. يجب أن تكون درجة السيطرة على الأسلحة مرتفعة من أجل
الاعتراف بمسؤولية دولة أخرى، فقد توصلت
محكمة العدل الدولية عام 1986 إلى أن السيطرة التي كانت تمارسها الولايات المتحدة
على صفقات السلاح في نيكاراغوا، لم تكن كافية من أجل تحميل الولايات المتحدة
مسؤولية انتهاكات القانون الدولي والإنساني المرتكبة بهذه الأسلحة.
إن
تسليح المتمردين السوريين ليس حلاً مثالياً، ولكنه أقل الشرور. قال الفيلسوف ريمون
آرون: "إن الصراع ليس بين الخير والشر، بل بين ما هو مُفضّل وما هو
مكروه". إن المكروه هو عدم القيام بشيء أو التظاهر بالاعتقاد بوجود حل سياسي.
لأنه كلما طالت الحرب، كلما ازدادت راديكالية المعارضة وكلما ازدادت صعوبة إدارة
مرحلة ما بعد الأسد. أما الأمر المُفضّل في هذا السياق ذو الخيارات المحدودة، فهو
تسليح المتمردين ودعمهم بقواتنا الخاصة والقيام بحرب بالوكالة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق