صحيفة اللوموند
11/12/2012 بقلم بنجامان بارت Benjamin Barthe
اتفق بعض الطلاب السابقين في الثانوية الفرنسية
ـ العربية في دمشق خلال الفترة الممتدة بين عامي 1930 و1960 على الالتقاء في دمشق،
من أجل استعادة ذكريات الدراسة القديمة في مقاهي دمشق القديمة. ولكنهم تخلوا عن
هذه الفكرة بسبب الإحباط الذي استولى عليهم بعد رؤية صور بلدهم المهدم، وانقسامهم
بين مؤيد للثورة وخائف منها. لقد قاموا قبل عشر سنوات بتشكيل نادي يضم السوريين
الفرانكوفونيين الذين تميزوا بنجاحهم في الخارج، وتكونت صداقات سعيدة بينهم. ولكن
كل شيء انهار، وأصبحوا يتخاصمون عبر الرسائل الإلكترونية حول مكان الإسلاميين في
التمرد ودور دول الخليج أو إمكانية التدخل العسكري الخارجي. إنه خلاف يرمز إلى
التمزقات التي تسبب بها التمرد ضد بشار الأسد في جميع أنحاء العالم العربي.
يسكن
الكثير من هؤلاء الطلاب القدامى في باريس مثل فاروق مردم بيك (69 عاماً)، أحد رموز
المثقين العرب الباريسيين والعقل المفكر سابقاً في معهد العالم العربي ويعمل
حالياً في دار Actes Sud للنشر. قال فاروق مردم بيك وهو أحد المدافعين بشدة عن الثورة:
"أرفض قراءة الرسائل الإلكترونية التي يرسلها زملائي في الدراسة، هناك الكثير
من الرسائل التي تعطي الشرعية لنظام الأسد تحت غطاء محاربة الامبريالية. أقوم
بشطبها فوراً، وأفضّل المحافظة على ذكريات الطفولة دون تغيير".
هناك
أيضاً سامي شاتيلا (68 عاماً)، وهو مهندس سابق يسكن في مدينة Neuilly sur seine. لقد ذهب سامي شاتيلا للعمل في القطاع النفطي الفرنسي بعد حصوله
على شهادة البكالوريا فوراً. قال سامي شاتيلا: "لسنا غاضبين من بعضنا البعض،
إنه مجرد عدم الرغبة بالضحك".
هناك أيضاً رجل الأعمال عبود إسرب (61 عاماً) من
اللاذقية، الذي قال: "دمشق هي العاصمة القديمة للامبراطورية العربية ـ
الإسلامية، وهي المدينة التي انطلق منها صلاح الدين لتحرير القدس، وتحتل مكانة
متميزة في المخيلة العربية. لهذا السبب، أثارت الأزمة السورية هذا القدر من
العواطف".
هناك
أيضاً المهندس المعماري والخبير في التراث سمير عبد اللاك (68 عاماً)، ابن أول
رئيس للآثار السورية. ينظر سمير عبد اللاك مرعوباً إلى تدمير ما كرّس له والده
حياته من أجله، وقال متنهداً: "إن كل ما تم بناؤه بالتضحيات منذ الاستقلال،
في طريقه إلى التبخر".
تم
افتتاح الثانوية الفرنسية ـ العربية عام 1925 أثناء الانتداب الفرنسي على سورية من
قبل البعثة العلمانية، وهي جمعية ماسونية كانت ترفض أن تقوم الجميعات الدينية
لوحدها بتعليم اللغة الفرنسية فيما وراء البحار. في عام 1946، تنازلت فرنسا عن هذه
الثانوية، وبقيت البعثة العلمانية تديرها حتى الستينيات، عندما قام حزب البعث
بتأميم جميع المدارس الأجنبية، وأصبح اسمها مدرسة الحرية، ثم أصبح اسمها مدرسة
باسل الأسد بعد وفاته في حادث سيارة عام 1994.
احتفظ
فاروق وسامي وسمير بذكريات مُشرقة عن أيام دراستهم في المرحلة الثانوية
خلال السنوات الأولى من الاستقلال، ولاسيما تلك المجموعة المختلطة التي لا تنفصل ـ
لأن الثانوية كانت تستقبل المسيحيين والسنة والعلويين واليهود والأكراد وحتى بعض
الأجانب ـ ، وكانت علاقتهم خالية من أية حواجز طائفية. قال سمير عبد اللاك بلهجة
حالمة: "لم يكن أحد يسأل عن دين الآخر. لا يمكن تصور ذلك الآن، ولكننا كنا
جسماً واحداً".
قال
سامي شاتيلا مبتسماً: "كنا ننظم حفلات مفاجئة، وكانت الفتيات تمارسن الرياضة
بالشورت، ولم يكن أحد يقول شيئاً". كان ذلك في سورية قبل حزب البعث وقبل أن
تفرض عائلة الأسد سيطرتها.
كانت
الثورة التي بدأت عام 2011 سبباً في نهاية الذكريات الجميلة بين هؤلاء الأصدقاء.
كلما غرقت سورية في الفوضى، كلما ازدادت الخلافات بين أصدقاء الأمس، كما هو الحال
بالنسبة للرأي العام العربي الذي لم يُجمع على رأي واحد بعكس الرأي العام الغربي.
لم يعلن أياً منهم أنه مؤيد لبشار الأسد، ولكن الكثيرين يشعرون بالقلق من الاتجاه
الذي أخذه التمرد.
يُدافع سامي شاتيلا بشكل مطلق عن مبدأ
العلمانية التي تربى عليه، وعبّر عن سخطه تجاه الدعم الذي تقدمه قطر والسعودية إلى
المعارضة، وقال: "ليس هناك أي درس يمكن أن أتلقاه عن الديموقراطية من طاغية
وهابي". بصفته مسيحياً، إنه يشعر بالحذر من الإخوان المسلمين، ويخشى من
"عرقنة" الأزمة السورية وتحولها إلى حرب طائفية ستدفع طائفته ثمنها. كما
قال: "بدلاً من قطع الجسور مع دمشق، كان يجب على فرنسا أن تعمل على إقامة
الحوار بين المعارضة الداخلية والحكومة، مع احتمال بقاء بشار الأسد في السلطة
لفترة انتقالية حتى تنظيم انتخابات حرة تحت إشراف الأمم المتحدة".
يشعر سمير عبد اللاك بحذر أكبر، بصفته متذوق
للجمال والفن، ويبتعد عن أي نوع من التحزّب، ويدعو إلى نوع من الحيادية، وقال:
"عندما يكون الوضع كارثياً إلى هذه الدرجة، من العبث البحث عن الأخطاء
والإيجابيات لدى هذا الطرف أو ذلك. من الضروري إطفاء الحريق بشكل عاجل".
يعتبر فاروق مردم بيك وعبود إسرب أن تقصير
المعارضة مهما كان حقيقياً، فلا يجب وضعه على قدم المساواة مع مناورات النظام.
وقال فاروق مردم بيك متأسفاً: "إن الكثير من الطلاب السابقين في المدرسة، لم
يكونوا مهتمين بالسياسة، ولكنهم ينشرون بدون وعي الدعاية الإعلامية للسلطة التي
تُقدم نفسها بذكاء على أنها تُدافع عن الأقليات وتحمي العلمانية".
هل
هناك خطر إسلامي؟ قال عبود إسرب: "لا أشعر بالقلق من ذلك. لقد تعرّفت على أحد
الجهاديين خلال الثمانينيات، وأقنعته بعد ستة أشهر بالتحول إلى الاعتدال. لقد تزوج
إمرأة كاثوليكية فرنسية، ويقوم اليوم بإدارة مكتب لهندسة العمارة في باريس. عند
مواجهة الحقائق، حتى المتطرفون يتغيرون".
يسمع
عبود إسرب في أغلب الأحيان من أصدقائه في اللاذقية النظرية القائلة بوجود مؤامرة
خارجية، وتعزو هذه النظرية سبب الأزمة السورية إلى رغبة دول الخليج والقوى الغربية
بالقضاء على المحور الشيعي الذي يمتد من رجال الدين في إيران إلى حزب الله، مروراً
ببغداد ودمشق. قال عبود إسرب: "هناك جانب من الحقيقة في هذه النظرية، ولكن هل
سبق أن تساءلنا فيما إذا كان الشعب السوري يفكر بأهدافه الخاصة؟ فيما إذا كان يريد
القضاء على النظام الدكتاتوري ووسائله ورموزه؟".
الحرية، المساواة، العلمانية، الوضوح ... لقد
ترعرع الطلاب القدامى في الثانوية الفرنسية ـ العربية على عبادة هذه العقيدة
الجمهورية. ولكنهم يتمزقون اليوم وباسم هذه القيم نفسها. إن الماضي الذي جمعهم لم
يستطع مقاومة ضجيج الأحداث الراهنة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق