صحيفة اللوموند
17/12/2012 بقلم مراسلتها في لبنان سيسيل هينيون Cécile
Hénnion
توقفت المعارك في طرابلس منذ 10 كانون الأول،
ولكن الرجال ما زالوا متربصين سواء في حي جبل محسن أو حي باب التبانة. لا شك بأن
المعارك ستُستأنف بعد أن أدت إلى مقتل عشرين شخصاً خلال عشرين يوماً.
يعتبر سكان حي باب التبانة أن حي جبل محسن هو
عبارة عن امتداد للنظام السوري الذي يكرهونه منذ احتلاله للبنان ولاسيما منذ 1986
عندما قام الجيش السوري بقتل ما بين 300 و800 شاب سني (لا توجد أرقام مؤكدة) في حي
باب التبانة. بالمقابل، يعتبر سكان حي جبل محسن أن الحي المقابل لهم كمعقل
للإسلاميين السنيين المتعصبين، وأنه خارج سيطرة الدولة، وأن سكانه مستعدون لقتلهم
باسم الجهاد. هناك الكثير من المبالغات والقليل من الحقيقة بالإضافة إلى الحذر
المتبادل الذي اشتدت حدته بسبب الثورة السورية.
إن ذلك لا يُفسّر عنف المعارك الأخيرة واستخدام
بنادق الكلاشينكوف وراجمات الصواريخ ومدافع الهاون. يعود سبب هذه المأساة إلى
مأساة أخرى لا يمكن أن تكون إلا أمراً "ثانوياً" في الحرب التي تُمزّق
سورية، ولكنها تبقى مأساة مخيفة. عرِف اللبنانيون بتاريخ 29 تشرين الثاني أن جيش
بشار الأسد قتل حوالي عشرين مقاتلاً في مدينة تلكلخ، وأن جميعهم من حي باب
التبانة. بقيت طرابلس هادئة مساء ذلك اليوم والأيام الذي تلته. لقد ظهرت الحيرة
على عائلات الضحايا، لأنها كانت تجهل أن أطفالها ذهبوا يقاتلون هناك. أشارت وسائل
الإعلام المحلية نقلاً عن مصادر مجهولة إلى أن أحد عناصر مجموعة فتح الإسلام
المرتبطة بتنظيم القاعدة، قام بتجنيد هؤلاء الشباب بعد أن هرب مؤخراً من السجن.
هناك
رجلان كانا يعلمان بمشروع شقيقهما حسن سرور (22 عاماً) الذي قُتِل أيضاً في تلكلخ.
أشار الرجلان إلى أن حسن اتّبع دورة إغاثة برفقة مالك حاج ديب (19 عاماً) وقالا:
"كان الشابان يجمعان الأدوية للانضمام إلى أحد المستشفيات الميدانية. وقد
غادر شباب آخرون للقتال بسبب نوبة غضب. عندما بدأت الثورة السورية ورأينا أن
النظام واجهها بالمجازر، تذكرنا ما حصل لنا عام 1986 عندما تم قتل الشباب واغتصاب
النساء وتدمير الجوامع. لهذا السبب قمنا بدعم الشعب السوري. إن جميع سكان طرابلس
لديهم أقرباء في سورية، إنها قضية عائلية أكثر منها جهادية".
إذا
كانت طرابلس قد بقيت هادئة، فإن الأحياء بدأت معاركها على الفيسبوك. بعد خمسة أيام
من الإعلان عن موت حسن والآخرين، ظهر شريط فيديو بعنوان: (جيش الأسد في جبل محسن).
هذا العنوان لا يبرهن على شيء، ولكنه كان السبب في اندلاع العنف. أظهر الفيلم بعض
الجثث ومنها جثة حسن، ثم هجم بعض الرجال باللباس المدني على هذه الجثث ضاحكين
وقالوا: "أهلاً ابن الشرموطة! الله أكبر؟ ابن الـ ...". وقال أحد عناصر
الميلشيا إلى زميله: "أعطني سكيناً، سوف أقطع أذنيه".
شاهد
سكان حي باب التبانة هذا الفيلم، وقال رجل يقول عن نفسه أنه الزعيم العسكري للحي: "عندها حملنا
السلاح. لقد كنت في حالة تدفعني إلى قتل أحد سكان جبل محسن لو استطعت الإمساك
بأحدهم. أي وحش يستطيع التمثيل بجثة؟". بعد عدة أيام، عادت ثلاثة جثث مُقطّعة
وبدون الأذنين، وكانت إحدى الجثث مُقطّعة إلى عدة أجزاء. تم دفن هذه الجثث، وتوقفت
المعارك في اليوم التالي.
ستُستأنف المعارك في طرابلس، ليس بسبب الحقد
الضغين والتاريخي، بل لأنه لم تتم استعادة الجثث الإثني عشر الباقية. تم التوصل
إلى سلام هش عندما عرفت العائلات أن بعض الشباب ما زالوا أحياء في السجن.
ـ دعت بعض
الجوامع إلى التهدئة، وحاول الشيخ مازن محمد إقناع المصلّين بأن الجثث لن تعود،
وقال: "إن وجودهم هناك سيُطهّر أرض سورية. نأمل بإعادة الجثث دفعة واحدة،
وإلا يُخشى من نشوب معارك بعدد الجثث".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق