صحيفة اللوموند 28/11/2012 بقلم سباستيان
رينو Sébastien
Regnault، الأستاذ في جامعة دوفين Dauphine في باريس وقام
بإعداد أطروحة عن الصناعة الإيرانية
يؤكد
الغرب أن العقوبات على إيران قد نجحت لأن قيمة العملة الإيرانية انخفضت بشكل غير
مسبوق، ولأن الصادرات النفطية الإيرانية هبطت بشكل مذهل، ولأن معدل التضخم ارتفع
جداً. وهكذا يبدو أن مصير الجمهورية الإسلامية أصبح معروفاً، وسوف تقوم بتعليق
نشاطاتها في تخصيب اليورانيوم، وسيسقط النظام فيها تحت تأثير "الربيع
الفارسي". ولكن كل ذلك غير مؤكد.
إن
العقوبات ضد إيران مستمرة منذ ثلاثين عاماً، ونتائجها معروفة: لقد أعطت الشرعية
إلى خطاب النظام المعادي للغرب، وعززت احتكار تجار البازار الأساسيين الذين يدعمون
رجال الدين، وحدّت من نمو طبقة رجال الأعمال المعارضة للإيديولوجية الإسلامية،
وجعلت السكان أكثر اعتماداً على الدولة التي تُسيطر على 80 % من الاقتصاد، وشجعت
سيطرة الجيش على قطاعات كاملة من الصناعة. لقد أدت العقوبات الجديدة إلى مضاعفة
هذه النتائج.
فيما يتعلق بالتضخم الإيراني الذي يبدو أن العالم
اكتشفه هذا العام، فلا علاقة له بالعقوبات. إنه تضخم مزمن منذ أكثر من خمس سنوات،
ويرتبط بقرارات الرئيس محمد أحمدي نجاد بزيادة المساعدات المقدمة للطبقات الشعبية
أربعة أضعاف وإلغاء جزء من إعانات البنزين.
قامت
طهران منذ أكثر من عشر سنوات بإعادة جزء كبير من أموالها في الخارج، وتتمتع طهران
بفائض تجاري كبير بفضل ارتفاع النفط الخام، كما يملك المصرف المركزي الإيراني
احتياطياً هائلاً من العملات الأجنبية. إذاً، لن تواجه إيران أية صعوبة في توفير
الدولارات التي تحتاجها لاستيراد المواد الأولية الضرورية (الغذاء) والمواد
الوسيطة، وتحمي نفسها في الوقت نفسه من أي تضخم مُفرط.
قامت
إيران بمنع تصدير حوالي خمسين مادة أولية ضرورية مثل (القمح والطحين والسكر واللحم
الأحمر والألمنيوم والفولاذ ...)، واتبعت إدارة صارمة للاقتصاد من أجل السماح
باستقرار أسعار المواد الاستهلاكية العادية، بشكل يسمح بتحقيق مصالح الطبقات
الشعبية.
بالمقابل، أصبحت إيران بعد فرض العقوبات توفر
دولارات أقل للسوق الموازي الذي تستفيد منه الطبقة الوسطى والعليا لشراء المواد
الكمالية التي يمكن أن يستغني عنها الاقتصاد. أدى ذلك إلى هبوط سعر الريال الإيراني
هذا العام، ولكن الحكومة استطاعت الحد منه جزئياً من خلال منع استيراد المنتجات
الغربية أو المنافسة للصناعات المحلية. سمحت هذه الإجراءات بتوفير 12 مليار دولار
في هذا القطاع الذي ما زال يعاني تضخماً كبيراً على الرغم من ذلك. وهكذا أصبحت
الطبقة الوسطى في المدن والطبقة العليا أول ضحايا هذه العقوبات على الرغم من أنها
هي التي نزلت إلى الشارع عام 2009 بعد انتخاب الرئيس أحمدي نجاد.
يعاني النظام الصحي الإيراني من صعوبات كبيرة،
فقد أصبح مجبراً على التعامل مع السوق الموازي لتأمين احتياجاته، وتضاعفت كلفة بعض
الخدمات الطبية خمسة أضعاف. بالإضافة إلى ذلك، هناك نقص في بعض الأدوية الغربية.
ولكن الصناعة الإيرانية التي كانت معتمدة على الغرب، تتجه أكثر فأكثر نحو الصناعة
الآسيوية التي توفر الوسائل البديلة لها.
تملك
إيران العديد من الوسائل من أجل التحايل على العقوبات. يمكنها أولاً الاعتماد على
جشع بعض التجار الذين يحصلون على هامش ربح مريح من أجل إقامة شبكات مالية معقدة
ومتغيرة انطلاقاً من الدول التي تشتري النفط الإيراني، تضم هذه الشبكات مصارف
وشركات وهمية صينية وماليزية وروسية وسويسرية وعراقية وإماراتية ولبنانية من أجل
تمويل الحجوم الهائلة للمستوردات الإيرانية.
يمكن
أن تعتمد إيران أيضاً على اقتصاد المقايضة، الذي يعود تاريخه فيها إلى آلاف
السنين، من أجل المبادلات التجارية مع العالم الخارجي. وهكذا يتحول البترودولار
الإيراني إلى بترودولارات صينية أو هندية أو يابانية أو كورية جنوبية أو إلى سبائك
ذهبية، ويمكن مقايضتها في الهند والصين وكوريا الجنوبية واليابان وتركيا وأوكرانيا
مقابل الرز والبنزين والفحم والألمنيوم والفولاذ والغرافيت وقطع غيار السيارات
والمعدات الإلكترونية أومقابل بعض الخدمات والاستثمارات المباشرة. وتنتظر إيران
حالياً استلام 13 سفينة شحن ضخمة من الصين.
تستفيد إيران أيضاً من التحولات الجارية في
الشرق الأوسط ومعدلات النمو الكبيرة التي تحققها بعض الدول فيه. منذ بداية
العقوبات في شهر كانون الثاني 2012،
تضاعفت المبادلات التجارية مع تركيا بالمقارنة مع عام 2011، كما تضاعف حجم
المبادلات التجارية مع العراق الذي يعاني من توقف تجارته مع سورية، كما تم التوقيع
على اتفاقية مع أفغانستان والهند تسمح لأفغانستان بالحصول على منفذ بحري بفضل
ميناء شاباهار الإيراني، وتم إنشاء شبكة مقايضة للأسمدة والمواد النفطية مع
الباكستان من أجل الحصول على القمح وتنظيم عمليات تهريب البنزين والمواد النفطية
على حدودها، وأخيراً استيراد كل ما ينقصها عبر الإمارات العربية المتحدة.
إن
السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو التالي: كيف يمكننا تصور أنه بإمكاننا خنق اقتصاد
بلد تبلغ مساحته ثلاثة أضعاف مساحة فرنسا (1.635.000 كم مربع)، ويحقق معدلات نمو
عالية منذ أكثر من عشر سنوات، ويقع على مسافة واحدة من الغرب والشرق، ولديه أكبر
عدد من الدول المجاورة في العالم بعد روسيا؟
من
العبث تصور أنه بالإمكان قطع الموارد النفطية الإيرانية. أولاً، لقد تم تعويض
النقص الحاصل في أرباح بيع النفط جزئياً عن طريق ارتفاع اسعار النفط بنسبة تصل حتى
30 % في السنوات الأخيرة، وذلك على الرغم من تراجع معدلات نمو الاقتصاد العالمي.
إن المظاهر الخارجية خادعة: إذا كانت العقوبات الدولية قد حققت نتائج أعلى مما هو
متوقع منها في الأشهر الستة الأخيرة ـ أي انخفاض الصادرات النفطية الإيرانية بنسبة
50 % ـ ، فإن سبب ذلك يعود بشكل أساسي إلى قيام الهند واليابان وكوريا الجنوبية
بتخفيض وارداتها بنسبة 30 إلى 40 % بسبب استحالة التأمين على سفن الشحن منذ بداية
عام 2012 بعد منع شركات التأمين الأوروبية من القيام بذلك.
قامت
الهند واليابان مؤخراً بالتصويت على قوانين تسمح لهما بالتأمين على السفن، وتقوم
إيران بالتأمين على السفن المتجهة إلى كوريا الجنوبية. لقد بدأت هذه الدول الثلاث
حالياً باستئناف صادراتها بنسبة تسمح تقريباً لإيران باستعادة حجم صادراتها، قبل
العقوبات المذكورة أعلاه، بحلول شهر كانون الثاني 2013، وذلك حتى لو احترمت هذه
الدول معدل تخفيض وارداتها من إيران البالغ 18 % كل ستة أشهر بناء على طلب
الولايات المتحدة.
إذاً، يجب التفكير بالبديل ولنكن واقعيين. تعيش
الباكستان حالة انقلاب مستمرة منذ إنشائها، وتعيش أفغانستان الفوضى التي نعرفها،
وهناك حرب أهلية في العراق وسورية، وأصبح لبنان هشاً أكثر من أي وقت مضى، كما أن
النزاع الفلسطيني ـ الإسرائيلي لا ينتهي أبداً. إذا أخذنا بعين الاعتبار هذه
المعايير، لا نرى كيف يمكن لأي بلد أن يقصف إيران ويخلق منطقة مزعزعة سياسياً تمتد
من فلسطين إلى الصين، وبالتالي المخاطرة بصدمة نفطية قد تؤدي إلى مضاعفة أثار
الأزمة على الصعيد العالمي من خلال وصول سعر برميل النفط إلى 150 أو حتى 200
دولار.
إن
فشل العقوبات على إيران، يعلن عن استئناف قريب للمفاوضات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق