صحيفة
الفيغارو 6/12/2012 بقلم مراسلها في حلب أدريان جولمز Adrien Jaulmes
يمكن
التمييز بسهولة في حلب بين المقاتلين الجهاديين والمقاتلين الثوار من خلال لباسهم.
يرتدي الجهاديون الكوفية وبنطالاً عريضاً يصل إلى تحت الركبة بقليل ويتميزون بلحيتهم
وشاربهم المحلوق، أما الثوار فيرتدون بنطال جينز ويستعملون الجيلاتين لتثبيت
شعرهم.
ينعزل الجهاديون عن بقية المقاتلين ويتجنبون
الأجانب. يظهر بشكل واضح حصولهم على المال، لأن أسلحتهم جديدة وأفضل من أسلحة بقية
المتمردين، كما أنهم أكثر تقيّداً بالنظام من المتمردين. بالإضافة إلى ذلك، إن
هؤلاء الجهاديين أو السلفيين لا يقاتلون فقط لإسقاط نظام بشار الأسد، فهم يعتبرون
سورية ساحة قتال لمعركة أكبر بكثير، وأنهم سيُحققون فيها أحلامهم الضبابية بإعادة
نظام الخلافة وإقامة دولة إسلامية في الشرق الأوسط بأكمله.
قال
محمود منغاني، إسلامي رايكالي انخرط في معارك مدينته حلب وعضو في مجموعة راديكالية
إسلامية صغيرة اسمها (طليعة التوحيد): "تشكلت المجموعات المحلية للثورة من
أجل حماية نفسها، ولكن أفكارها ما زالت محدودة. أما نحن، فنخوض الحرب على النظام،
ونعمل في الوقت نفسه من أجل مشروع أوسع هو تغيير مجتمعنا. لقد تعلمنا الدرس من
الأخطاء السابقة التي ارتكبها الطالبان في أفغانستان أو التي ارتكبها تنظيم
القاعدة في العراق. نحن نحاول بناء شيء جديد في سورية إنشاء الله."
تتطابق مسيرة حياة محمود منغاني مع تاريخ
الإسلام الراديكالي منذ بداية الثمانينيات. إنه ابن أحد الناشطين الإسلاميين في
حلب الذين اغتالهم نظام حافظ الأسد أثناء التمرد بين عامي 1976 و1982. ترعرع في
ألمانيا وفي الخليج الفارسي. قال محمود منغاني: "لقد تربيت على ذكرى والدي
ومبادئه: أي رفض الإهانة وعدم نسيان المقاومة". تقرّب محمود المنغاني من حركة
حماس الفلسطينية في التسعينيات، ثم تقرّب من تنظيم القاعدة، ولكنه انفصل عن منظمة
أسامة بن لادن بعد الغزو الأمريكي للعراق
عام 2003 بسبب أعمال الترهيب التي ارتكبها أبو مصعب الزرقاوي الذي قتل من المسلمين
أكثر مما قتل من غير المسلمين، قال المنغاني: "لقد أصبحوا عديمي الإنسانية،
ويقتلون الأبرياء. أنا أعتبر نفسي على خط عبد الله عزام" في إشارة إلى الناشط
الفلسطيني الذي كان معلماً لأسامة بن لادن وتم اغتياله في الباكستان خلال
الثمانينيات.
تُلخّص حياة المنغاني تجربة الإسلاميين في
سورية: فقد كانوا وسائل تارة، وضحايا تارة أخرى. لقد أقام عدة سنوات في السجون
السورية التي تركت آثارها على يده اليسرى. ثم عَمِل في صفوف المجموعة الإسلامية
الفلسطينية فتح الإسلام التي استغلها النظام السوري لتقسيم منظمة التحرير
الفلسطينية ولزعزعة استقرار لبنان فيما بعد وإرسال الجهاديين إلى العراق لمحاربة
الأمريكيين، ثم انقلبت هذه المجموعة اليوم ضد نظام دمشق. تم الإفراج عنه في بداية
التمرد في إطار إحدى إجراءات المصالحة المتأخرة للنظام، ولكنه انضم بسرعة إلى
الثورة التي تسمح له بالتوفيق بين نظرته الدينية للعالم والقضية الوطنية. قال
المنغاني: "أصبح لدينا أخيراً قضية لكي نقاتل من أجلها. لن يأتي الانتصار من
الخارج، كما يعتقد الكثير من قادة المتمردين، بل من أنفسنا: وهذا ما سيسمح لنا
ببناء دولة إسلامية متطورة في سورية".
إن
وجود هؤلاء الإسلاميين في صفوف الثورة السورية يُثير الكثير من المخاوف والتخيّلات
الخادعة. لقد أدان نظام بشار الأسد هذا التمرد منذ البداية، واعتبره مؤامرة جهادية
مرتبطة بتنظيم القاعدة، الأمر الذي سمح له بتخويف الأقليات المسيحية والعلوية
وابتزاز الدول الغربية وتبرير جميع وسائل القمع، كما وصف المتظاهرين الذين أصبحوا
متمردين بـ "الإرهابيين". إن الجهاديين هم السبب الأساسي لقلق الدول
الغربية التي تتردد في تقديم دعمها للتمرد خوفاً من تحوّل سورية إلى الإسلامي
الراديكالي أو خوفاً من وصول الأسلحة إلى أيدي المجموعات الإرهابية.
أدى
هذا التردد الغربي إلى تشجيع ظاهرة الجهاديين التي يدّعي الغرب مكافحتها. أدت
وحشية القمع للنظام السوري إلى تعزيز الراديكالية الدينية للمتمردين وتشجيع
المقاربة الجهادية. إن جمود الدول الغربية أفسح المجال أمام قطر والسعودية لتشجيع
زبائنها الإسلاميين.
إن
موقف بقية المجموعات في حلب تجاه هؤلاء الجهاديين الذين ركبوا قطار الثورة، يتراوح
بين اللامبالاة والانزعاج. قال عبد الله ياسين، أحد المقاتلين المتمردين في حلب
الذي أصبح مُنسّقاً إعلامياً لدى الجيش السوري الحر: "إن الغربيين مهووسون
بالجهاديين. على الرغم من ذلك، إنهم لا يُمثلون عدداً كبيراً من المقاتلين، ويبلغ
عددهم عدة مئات أو حتى عدة آلاف كحد أقصى في حلب. يتمتع بعضهم بالخبرة، فقد قاتلوا
في العراق أو في أماكن أخرى، ولكن لا يمثلوا بأي حال من الأحوال أغلبية الثورة.
ولكنهم هم الذين يتلقون الحجم الأكبر من المساعدات الخارجية".
بدأت
الثورة السورية بمظاهرات مستوحاة من الربيع العربي، واستمرت كثورة للفلاحين، ثم
أصبحت هذه الثورة حرباً أهلية. تتألف الأغلبية الساحقة للمعارضة من المسلمين السنة
وأغلبيتهم من الفلاحين المحافظين، ويكفي ذلك لإعطاء هذه الثورة السياسية بُعداً
طائفياً هاماً. استفاد الجهاديون في العالم من هذه الثغرة، بشكل يشبه قليلاً
البولشفيك في الثورة الروسية. إن الجهاديين أقل عدداً من بقية التيارات الثورية،
ولكنهم منظمون بشكل أفضل من الأخرين الذين يقاتلون تحت أمرة الكثير من القادة
المحليين ويتنازعون فيما بينهم لأسباب غامضة. تستفيد إيديولوجية الجهاديين من قوة النظريات
التي تُفسّر نفسها بنفسها، ويعطيهم التمويل الخارجي تفوقاً مادياً هاماً: ولا حاجة
لأكثر من ذلك لكي يتدفق المتطوعون بأعداد كبيرة.
إذا
ألقينا نظرة من الخارج، هناك غموض كامل في العلاقة بين مكونات الثورة السورية. ولم
يساهم الكفاح المسلح في توضيح أي شيء. يصرخ جميع الثوار: "الله أكبر"،
وينتحلون ألقاب رنانة مأخوذة من القرآن، ويستخدمون الأيقونات والصور الجهادية.
كتبوا على أعلامهم الشهادة الإسلامية، ويلبسون الكوفية ويُصلّون كثيراً. ولكن
أهداف الثوار ما زالت وطنية وسياسية على خلاف أحلام الجهاديين الشمولية.
إن
أغلب مقاتلي الجيش السوري الحر في حلب ينتمون إلى تحالف محلي يُدعى "لواء
التوحيد" الذي تم إنشاؤه في صيف عام 2012 استعداداً للهجوم المفاجىء على
المدينة. يضم هذا التحالف حوالي 170 مجموعة، ويبلغ عدد أعضائه 10.000 مقاتل، ويتصف
خطابهم بأنه متدين علناً. تعني كلمة التوحيد: الوحدة والإله الواحد في الوقت نفسه.
ولكن البرنامج السياسي للواء التوحيد يتلخص بنقطة واحدة هي: إسقاط نظام الأسد.
تظهر التمزقات الداخلية فيه بسرعة: عندما رفضت بعض المجموعات المقاتلة في حلب
بنهاية شهر تشرين الثاني الاعتراف بالإئتلاف الوطني السوري الذي تم تشكيله في
الدوحة، ودعت إلى إقامة دولة إسلامية في سورية، قام لواء التوحيد بالرد سريعاً
ونفى ذلك.
لقد
ظهر القادة الرئيسيون في لواء التوحيد، ومنهم عبد القادر الصالح الذي يقوم بتنظيم
العمليات في حلب، في شريط فيديو أكدوا فيه دعمهم للإئتلاف الوطني السوري، ودعوا
إلى إقامة "دولة مدنية في سورية يكون الإسلام المصدر الأساسي للقانون فيها "
وتحترم "جميع الأقليات السورية". قال محمود المنغاني: "نحن
متفاهمون مع لواء التوحيد، ولكن أفكارهم محدودة قليلاً. نحن على اتصال أيضاً مع
جبهة النصرة: إنهم أناس صادقون، ولكن يجب عليهم الانفتاح قليلاً".
جبهة
النصرة هي أكبر مجموعة إسلامية في سورية، واسمها هو اختصار لـ: "جبهة مساعدة
شعب المجاهدين في المشرق في ساحات معركة الجهاد"، ومن الصعب قوله في جملة
قصيرة. ظهرت هذه المجموعة في بداية عام 2012 عبر شريط فيديو أعلنت فيه عن تأسيسها
بهدف الجهاد في "بلاد الشام"، وهي الصيغة التي يستخدمها الإسلاميون
لتسمية سورية. إنها مجموعة سرّية ونخبوية وتتواجد في عدة قطاعات داخل سورية، وتنشر
عدة مئات من المقاتلين في حلب. نادراً ما تتدخل جبهة النصرة في معارك الشوارع، بل
تقوم باغتيال شخصيات النظام وتقوم بعمليات انتحارية وبتفجير السيارات المفخخة التي
تدل على مستوى تقني وتنظيم أعلى بكثير من مثيله لدى المجموعات المتمردة.
هناك مجموعات أخرى أقل حجماً تُضاف إلى هذه
المجموعات الجهادية مثل صقور الشام في جبل الزاوية، وكتائب أحرار الشام. إن
العلاقة بين هذه المنظمات وبين شبكة تنظيم القاعدة غامضة قليلاً ومن الصعب
تحديدها. ولكن هناك أمر مؤكد: يتواجد الجهاديون الأجانب على أرض مألوفة لهم، وفي
بلد قام النظام فيه خلال فترة طويلة بدعم الإسلاميين واستغلالهم من أجل زعزعة
استقرار جيرانه، ثم انقلبوا عليه لاحقاً.
قال
عبد الله ياسين: "إذا لم تقم الدول الغربية باختيار مساعدة المجموعات التي
تُمثل الشعب السوري، وتركت قطر ترسل عملاءها، فإنها ستجد نفسها مع الإسلاميين،
ونحن أيضاً. لم يفت الأوان، ولكن يجب التحرك بسرعة إذا أردنا منع ذلك".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق