صحيفة الليبراسيون
4/12/2012 بقلم مراسلتها في إدلب هالة قضماني
بعد
ساعة من تحليق طائرة الميغ التي ألقت ستة براميل من المتفجرات على قرية كفرنبل،
خرجت إمراة من وسط الأنقاض التي ينبعث منه الدخان وهي تصرخ بكلام غير مفهوم وتلوح
بذراعيها وتضرب على رأسها. كانت هذه المرأة من بين حوالي خمسة عشرة شخصاً من سكان
القرية الذين نزلوا ليكتشفوا الأضرار. هل تبحث هذه المرأة عن شخص أو شيء ما، وهي
تتقدم داخل الأنقاض في ساحة القرية التي يتجمع بها المتظاهرون؟ كان هناك رجلان
يحاولان منعها، وهي تنظر إلى السماء وترفع ذراعيها ـ باتجاه الطائرة أو الله أو
بشار الأسد؟ ـ قائلة: "الله يقصف عمره! الله يهدّه! الله يجمد الدم في عروقه!
الله يحرقه مع إخوته! إنشاء الله يبكي على أطفاله!".
يتعرض شمال سورية وقراه "المحررة" إلى
قصف يومي من طائرات النظام. إن جميع النساء في منطقة إدلب مثل هذه المرأة الحزينة
في كفرنبل، كما لو أنهم يريدون تصفية حساب شخصي مع الرئيس بشار الأسد. إن
"الطائرة المروحية التي تُحلّق فوق المنزل فقط لإخافتنا" و"الأطفال
المحرومون من المدرسة منذ عشرة أيام" أو نقص جرّات الغاز، هي من صنع المجرم
نفسه.
ـ قالت (سمر)
وهي تخرج لنشر الغسيل على شرفة منزلها في
قرية بِنش: "إنه صباح جميل اليوم، الله يحرقك يا بشار"، لقد تعرضت هذه
القرية للقصف قبل يوم. تتنافس النساء فيما بينهن على اختراع لعناتهم ضد الرئيس
عندما يتحدثن عن بؤسهن اليومي. استعادت
هؤلاء النسوة أعمالهن المنزلية وفق العادات القديمة، فهن يغسلن الثياب بالأيدي
بسبب انقطاع التيار الكهربائي أغلب الأحيان، ويطبخن على نار الحطب لأن سعر الغاز
في ارتفاع مستمر في حال توفره.
يتخلى السكان شيئاً فشيئاً عن الطبخات الساخنة
وتلك التي تحتاج إلى تحضير طويل، وأصبحوا يفضلون الزيتون والزيت والزعتر المتوفرين
بكثرة في المنطقة بالإضافة إلى جبن الماعز الذي تتم تربيته في المنطقة من جديد مثل
الدجاج للحصول على البيض. إن المشكلة الكبرى ما زالت رغيف الخبز الضروري لمثل هذا
النوع من الطعام. في أغلب الأحيان، هناك نقص في الخبز لأنه يجب احضار الطحين من
تركيا ولأن المخابز تعرضت للقصف.
إن
الصعوبات المادية لا تُقارن تجاه الخوف. إن حياة الأطفال هي الأولوية بالنسبة
للأمهات اللواتي لديهن حتى 12 طفلاً
ويُنجبن الأطفال حتى الآن تحت القنابل. قالت (هناء ـ 31 عاماً) وهي حامل
بطفلها الرابع: "لم أعد أتحمل القلق الناجم عن خطر إصابة أطفالي بأي جرح مهما
كان بسيطاً". لقد مضى عدة أسابيع وهي تطلب من زوجها المحامي أن يضعها في مكان
يحميها من الغارات الجوية التي تزداد على مدينة سراقب (30.000 نسمة)، وقالت:
"لقد فهم زوجي الإنذار بعد القصف الذي أودى بحياة 12 شخصاً، سوف يبيع السيارة
لكي نستطيع الذهاب إلى تركيا".
تمارس أمهات الأطفال ضغوطاً كبيرة وناجحة على
أزواجهن، وتُذكرهم بواجبهم في حمايتهن داخل مجتمع تقليدي أبوي. لقد ترسخت
"الثورة" كما يُطلق عليها السكان في هذه المناطق الريفية النائية
بسورية، وتأقلمت النساء مع الحرب التي يقوم بها الرجال وانخرطت بها. عندما يحمل
الأبناء والإخوة والأزواج السلاح، كما هو الحال في أغلب العائلات، لا تستطيع
النساء إلا دعمهم وتشجيعهم في المعركة العادلة بالتأكيد. إنهن خائفات عليهم،
وصلواتهن تحيط بهم عندما يغادرون إلى الجبهة، ثم ينتظرن عودتهم، كما يحاولن توفير
كل الراحة الممكنة للمحاربين في فترة راحتهم.
كانت
(أم محمود)، أم لأحد عشر طفلاً وجدّة لاثني عشر آخرين، مبتسمة ومرتاحة على الرغم
من قصف القنابل الذي تعرضت له القرية في المساء، وقامت بإعداد الشاي لولديها عندما
عادا من حلب مع بقية المقاتلين في وحدتهما، ثم طلبت من أختها تقديم الفاكهة لهم. لقد
انسحبت جميع البنات في العائلة إلى غرفة أخرى لكي يبقى الرجال في غرفة الضيوف الرئيسية،
وذلك كما تقضي التقاليد عندما يدخل "رجال غرباء" إلى المنزل. إن القاعدة
هنا هي فصل النساء عن الرجال كما هو الحال غالباً في المجتمعات الإسلامية
التقليدية.
تتعلق جميع الأحاديث بين النساء بالحرب التي
غيّرت حياتهن رأساً على عقب. يتحدثن عن مصائب القرية وعن الجيران الذين تهدمت
بيوتهم وعن أولئك الذين نجوا بأعجوبة من قذيفة سقطت بالقرب منهم وعن أولئك الذين
فقدوا طفلاً. ولكن النساء يشعرن بالقلق من المستقبل أكثر من الرجال، القلق على
ظروف حياتهم الاقتصادية و القلق من الحاجة ومن ارتفاع الأسعار والقلق على تعليم
الأطفال.
تعمل
(سمر) مُعلّمة، وما زالت الحكومة تدفع راتبها. إنها تحرص دوماً على تعليم ثلاثة من
أطفالها السبعة الأكبر سناً على الكتابة والحساب لمدة ساعة أو ساعتين يومياً. قالت
سمر بحزن: "إن المأساة الأكبر ستكون أن نجد أنفسنا مع جيل لا يعرف القراءة
والكتابة!"، وأضافت أن اثنين من أطفالها اللذين تمنعهما من الانضمام إلى
المجموعات المسلحة، اضطرا إلى قطع دراستهما الجامعية في إدلب.
من
النادر أن نجد إمرأة تُشكك بعدالة الحرب التي تُدمر كل شيء. تستقبل العجوز (أم
فؤاد) في سراقب إحدى العائلات التي تم تدمير منزلها منذ عدة أيام، لقد تجرأت (أم
فؤاد) على التساؤل بصوت عالي قائلة: "لقد أوصلنا بشار إلى الوضع الذي كان
يريده. البلد في حالة دمار، والقتلى والجرحى في كل مكان، والناس يرحلون لأنه لم
يعد لديهم شيء يعيشون عليه. إنه قوي جداً! هل كان يجب الدخول في هذه المعمعة؟ هل
يجب الاستمرار؟ الله لا يسامحك يا بشار!".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق