صحيفة الليبراسيون
19/12/2012 بقلم الباحث منير قرم Mounir Corm
جرت مقارنة النزاع في سورية مع النزاع في
الشيشان وليبيا وحتى في رواندا، ولكن ننسى مثالاً أكثر قرباً من السوريين جغرافياً
وثقافياً وسياسياً، هذا المثال هو الحرب الأهلية اللبنانية التي أدت إلى مقتل
حوالي 200.000 شخص وتهجير 600.000 آخرين بالإضافة إلى اختفاء 17000 شخصاً. بالتأكيد،
كان تفتت الدولة اللبنانية حرباً بين الميليشيات (دون نسيان الغزو والقصف
الإسرائيلي) أكثر منه حرباً بين النظام والمعارضة. ولكن المثال اللبناني يُذكر
بنقطة هامة هي أن مختلف الأطراف المتخاصمة كانت مدعومة خارجياً وتحصل على مساعدات
مالية وعسكرية خارجية.
كانت
أسباب الحرب اللبنانية متعددة وتتعلق ببعضها البعض في أغلب الأحيان. إن أحد
أبعادها الأساسية هو أنها كانت "حرب الآخرين". لقد ساهم استيراد
النزاعات الجيوسياسية الإقليمية بشكل حاسم في زيادة حدة الحرب وإطالتها. لم يؤد
تدويل النزاع الداخلي إلى حل سريع، بل أدى إلى تعقيد الرهانات، وجعل التوصل إلى
الحلول السياسية غير العسكرية أكثر صعوبة.
أدى العنف الأعمى للنظام الحاكم في سورية إلى
إعطاء الشرعية للتفكير بأنه يجب مساعدة أولئك الذين يحاولون مقاومته. ولكن إذا كان
النظام ما زال في السلطة حتى الآن، فإن سبب ذلك ربما يعود إلى التدويل السريع
للنزاع، ووقعت المعارضة السورية في معركة ليست معركتها بل معركة المحاور
الإقليمية. إن تحالف النظام مع إيران وروسيا، ومحافظته على الخط المسمى بـ
"جبهة الرفض" تجاه إسرائيل، ودعمه لحزب الله، هي مواضيع لا علاقة لها
بالديموقراطية. كما أن تدخل الولايات المتحدة وأوروبا ودول الخليج يندرج للأسف في
سياق الحرب الباردة بين "المعتدلين" وأنصار "جبهة الرفض" حول
المسألة المركزية في المنطقة وهي: العلاقة مع دولة إسرائيل والولايات المتحدة.
إذا استمر ارتباط المعارضة السورية بهذا
المحور أو ذاك، فلن يكون هناك أي حل سياسي، لأن روسيا وإيران لن تسمحان لسورية
"بتغيير معسكرها" الجيوستراتيجي بشكل يُهدد بفقدان نفوذهما في المنطقة
بشكل نهائي. من الواضح أن هذه الدول لن تسمح بأن تكون سورية أفغانستان جديدة، كما
حصل في حرب عام 1979 التي كان ثمنها باهظاً جداً بالنسبة للاتحاد السوفييتي.
ضمن
هذا المنظور، ما العمل من أجل الوصول إلى الهدف المنشود، أي إنقاذ المدنيين
السوريين من الفوضى والعنف؟ يعتقد البعض أن تسليح المعارضة سيؤدي إلى تحقيق انتصار
عسكري سريع على النظام. إنه اعتقاد وهمي مثل الاعتقاد بانتصار النظام، ولن يؤدي
إلا إلى استمرار النزاع وتفاقمه بسبب انقسام المعارضة بين عدة ميليشيات.
إن
الوسيلة الوحيدة لمساعدة السوريين في التخلص من هذا النظام هي "إعادة الطابع
الوطني" للمسألة السورية وفصلها عن الوضع الجيوسياسي الإقليمي. هذه هي
الوسيلة التي اقترحها كوفي عنان بذكاء وشجاعة. يعود سبب فشله جزئياً إلى النية
السيئة للنظام (عدم احترام الهدنة)، بالإضافة إلى الإرادة الواضحة لدى بعض الدول
(ولاسيما دول الخليج) بعدم التوصل إلى حل سياسي وطني، لأن هدفهم الأول ليس الديموقراطية
بل "تغيير" موقف سورية في حرب المحاور الإقليمية.
يجب
على الأوروبيين أن يحددوا أولياتهم اليوم: إذا كان المقصود هو توجيه ضربة قاصمة
إلى المحور الإيراني ـ الروسي في المنطقة، فإن تسليح المعارضة ودعمها هو الحل
الأفضل، لأنه كلما استمرت الحرب في سورية، كلما ازداد ضعف هذا المحور. إذا كان
المقصود هو السماح للشعب السوري بأن يعيش بسلام في ظل دولة ديموقراطية يسودها القانون،
عندها يجب دعم جميع المبادرات السياسية الوطنية من خلال التأكيد بوضوح على الفصل
بين السياسة الداخلية والسياسة الإقليمية (مما يسمح بوقف الدعم الروسي والإيراني
للنظام).
إن
مهمة المبعوث الخاص للأمم المتحدة هي مثال جيد: إنها تهدف إلى إعادة شروط الحوار
الوطني في سورية، باعتبارها الوسيلة الوحيدة القادرة على إعادة الأمن تدريجياً
وتنظيم انتخابات حرة لاحقاً. من الأفضل المطالبة بـ "السلام من أجل
سورية!" بدلاً من المطالبة بـ "السلاح من أجل سورية".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق