صحيفة اللوموند 13 نيسان 2015 بقلم
سيلفي كوفمان Sylvie
Kauffmann
تجمع الولايات المتحدة حولها بعض الدول التي تجد
مصالحها في الاحتماء تحت الجناح الأمريكي. استطاع البعض منها تنظيم نفسه في تجمعات
فرعية ويشكلون وزناً مضاداً في بعض الأحيان كما هو الحال بالنسبة للاتحاد
الأوروبي. إن المناخ السائد في ساحة هذه الدول العظمى جيد على الأغلب، وتحصل بعض
التجاذبات فيها أحياناً، ولكنها لا تستمر لفترة طويلة أبداً. تُرحب هذه الدول
العظمى ببعض الدول الأخرى أحياناً، ولكن بشرط أن تتمتع بالمستوى اللائق وأن تحترم
القواعد. جاءت دولتان للاعتراض على هذه القواعد، ويسود الرعب في ساحة الدول
العظمى.
هذا
ما يجري حالياً تحت أنظارنا. تعمل روسيا والصين، كل بطريقته الخاصة، على تحدي
النظام الدولي للانتقال من موقع القوة الصاعدة، أو الصاعدة من جديد بالنسبة لهاتين
الدولتين، إلى موقع القوة القائمة. إنهما تقومان بذلك بطريقتين مختلفتين، ولكنهما
تعارضان معاً "أحادية القطب". يشعر النادي الغربي بالحيرة، ويجد
صعوبة كبيرة في إدارة هذا التحدي المزدوج إلى درجة أن مسؤولاً ألمانياً رفيع
المستوى أطلق على روسيا اسم "تحدي الخاسر" وعلى الصين اسم "تحدي
الرابح".
إن
التحدي الروسي هو نتيجة خمسة عشرة عاماً من حكم فلاديمير بوتين بشكل أساسي على بلد
خسر الحرب الباردة، وخسر الفكرة السياسية القائمة على نضوج "العالم
الروسي". يعمل فلاديمير بوتين منذ انتخابه رئيساً للمرة الثالثة عام 2012
على تنفيذ استراتيجية إعادة القوة الروسية إلى فضاء لا يتوافق مع الفضاء الذي
أعطاه إياه نظام ما بعد الحرب الباردة وتحرير دول أوروبا الوسطى عام 1989 وتوحيد
ألمانيا وانهيار الاتحاد السوفييتي في شهر كانون الأول 1991.
تعتبر الدول الغربية أن هذا النظام الجديد أصبح
بمثابة المقبول من قبل الجميع، وذلك بعد مرور عقدين على انهيار الاتحاد السوفييتي.
لكن فلاديمير بوتين صرخ قائلاً: "توقفوا، لم أعد أريد الاستمرار"،
وعارض انضمام بلد إضافي هو أوكرانيا إلى المعسكر الغربي. يعتبر بوتين أن أوكرانيا
تشكل جزءاً من "العالم الروسي". يُلخص الباحث المتخصص بروسيا في
معهد كارنيجي في موسكو ديمتري ترينين Dmitri Trenin الوضع قائلاً: "في عام
2014، قطعت روسيا العلاقة مع نظام ما بعد الحرب الباردة". تُهدد روسيا
بقيادة فلاديمير بوتين الدعامة الأوروبية للنظام الدولي، وتلجأ إلى القوة عبر
تغيير الحدود وفرض وحدة أوراسية على بعض الدول المجاورة مثل روسيا البيضاء
وكازاخستان اللتين توافقان طوعاً على المكاسب الاقتصادية ولكنهما تعرقلان البعد
السياسي بقوة.
تتعامل الصين مع الوضع بشكل مختلف. تتمثل
استراتيجيتها أيضاً بتأكيد قوتها، ولكنها تفكر بشكل جيواقتصادي في الوقت الذي تفكر
فيه روسيا بشكل جيوسياسي. في البداية، لم يكن يبدو أن الاستراتيجية الصينية تهدد
النظام الدولي، بل على العكس، أعطت جميع المؤشرات على أنها تريد الانضمام إليه.
ولكن إذا أرادت الصين الانضمام إليه، فلكي تطالب بجميع الاعتبارات والامتيازات
التي تتلاءم مع مرتبتها التي ترتفع باستمرار على الصعيد الاقتصادي: إنه منطق لا
يمكن تفاديه. كلما ازداد غنى الدولة، لكما ازدادت قوتها، وكلما أرادت الاعتراف بها
بهذه الصفة.
لا
يدّعي الرئيس الصيني زي جينبينغ Xi Jinping بوجود "عالم صيني"
بل بـ "حلم صيني"، إنها نسخة ناعمة لامبراطورية الوسط التي كانت
تمارس نوعاً من الجذب الطبيعي داخل الفضاء الكونفوشوسي وفي آسيا بشكل عام. تكمن
المشكلة في أن الصين تهدد الزعامة الاقتصادية الأمريكية بعكس روسيا التي لا يمكن
مقارنة وزنها الاقتصادي بالوزن الاقتصادي الأمريكي أو الأوروبي. كما أن شعار "الحلم
الصيني" يترافق مع إدارة خفية وبناء قوة عسكرية عظمى وارتفاع حرارة
المواجهات في بحر الصين بشكل يُرعب بقية الدول الآسيوية. هناك حذر في ساحة الدول
العظمى من وصول هذا القادم الجديد بجيوبه المليئة، إنه يأتي مبتسماً ولكن يُخفي
رهانه.
ماذا
تفعل الصين؟ سئمت الصين من الرفض المستمر لإعطائها مفاتيح النادي، وقررت الاعتراض
على عمله، بل وحتى افتتاح نادي آخر. لا يقتصر التهديد الصيني على عالم ما بعد
الحرب الباردة، بل يشمل أيضاً النظام الاقتصادي الذي بدأ بعد الحرب العالمية الثانية
بموجب اتفاقيات بروتون وودز عام 1944، والذي تُهيمن عليه الدول الغربية بشكل كبير.
باعتبار أنه لا أحد يريد إعطاء الصين مكاناً يتلاءم مع وزنها في المؤسسات المالية
الدولية مثل المصرف الدولي وصندوق النقد الدولي أو المصرف الآسيوي للتنمية، قامت
الصين بافتتاح مؤسساتها الخاصة بها، وانفتحت على بقية الدول. هذا هو ما قامت به
الصين مؤخراً مع تأسيس المصرف الآسيوي للاستثمار في البنى التحتية Banque asiatique d'investissement pour les infrastructures، وتريد إكماله بمصرف البريك BRIC (البرازيل،
روسيا، الهند، الصين).
ردّ
النادي الغربي بشكل مختلف على هذا التحدي المزدوج الذي يطرحه نظامان يشتركان في
أنهما استبداديان. ما زال النادي الغربي موحداً تجاه التحدي الروسي: تلتزم هذه
الدول بموقف واحد في اللحظة الحاسمة على الرغم من وجود بعض الاختلافات المعلنة.
بالمقابل، تواجه الدول الغربية التحدي الصيني بشكل مشتت. أسرع حلفاء الولايات
المتحدة واحداً بعد الآخر إلى الانضمام إلى المصرف الآسيوي للاستثمار في البنى
التحتية الذي أسسته الصين، وذلك بخلاف الرأي الأمريكي وعلى الرغم من التحفظ على
إدارة المصرف المستقبلي. انضم الأوروبيون بشكل متفرق إليه، ثم انضمت استراليا ثم
اليابان وتايوان، نظراً لأن الجميع مهتم بالامكانيات الاقتصادية للتنمية الآسيوية.
بقيت الولايات المتحدة بمفردها تجتر فشلها الكبير. إنها ضربة بارعة بالنسبة للصين،
واكتشاف مؤلم بالنسبة للدول الغربية التي لم يعد لديها استراتيجية تجاه "الحلم
الصيني" ولا تجاه "العالم الروسي".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق