صحيفة الفيغارو 11 شباط 2015 ـمقابلة مع وولتر راسل ميد Walter Russell Mead،
أستاذ العلاقات الاستراتيجية في Bard College والكاتب في مجلة The American Interest
ـ أجرت المقابلة مراسلتها في واشنطن لور ماندفيل Laure Mandeville
سؤال: أشرتم في
كتاباتكم الأخيرة إلى العجز البنيوي للدول الغربية في فهم الدوافع التي تقف وراء
سلوك فلاديمير بوتين.
وولتر راسل ميد:
لدينا في الغرب مقاربة تقليدية جداً لطريقة عمل السياسة. نحن نؤمن بأن المال وبناء
اقتصاد ناجح يمثلان الدافع الأساسي، وأن القيم الليبرالية المضمرة في الاتحاد
الأوروبي والولايات المتحدة لا يمكن التراجع عنها. نحن نعيش في عالم دافوس، وهذا
ما يجعل قراءة الأمور التي تعتمل داخل فلاديمير بوتين صعبة. ينظر الرئيس الروسي
إلى العالم تقريباً كما كان يُنظر إليه قبل مئة عام بخصوص علاقات القوى التقليدية.
يعتبر الرئيس الروسي أن ألمانيا، بالاتفاق مع الولايات المتحدة، في طور بناء نظام
أوروبي سيمزج بين الأفكار الاقتصادية الألمانية المتعلقة بالرأسمالية الاجتماعية
والصرامة في موازنة الدولة وثقافة القوانين التي تضع حدوداً لسلطة الدول عبر القانون
من جهة، وبين أوروبا ما بعد القوميات وتحولها إلى وطن عالمي لجميع الجنسيات Cosmopolite من جهة أخرى. يواجه هذا المشروع بعض المصاعب منذ أزمة العملة
الأوروبية، ويعتبر فلاديمير بوتين أن هذا المشروع هش باعتبار أن ألمانيا ليست قوة
عسكرية عظمى. يعتقد زعيم الكريملين أن ألمانيا وحلفاءها لا يملكوا الإرادة
السياسية والأموال والقوة العسكرية لمساعدة أوكرانيا وربطها بهذا العالم الأوروبي
ما بعد القوميات. إنه يرى الغرب مُحطماً وذو توجه سياسي مشتت وأن ألمانيا أكثر
ضعفاً مما تعتقد.
سؤال: أليس محقاً
إلى حد ما؟
وولتر راسل ميد:
هناك بعض العوامل التي تؤكد تحليله، ولكنه يقلل بلا شك من أهمية بعض جوانب هذا
المشروع. تحظى فكرة أوروبا الواحدة والقائمة على القانون بشعبية كبيرة في جميع
الدول الأوروبية، وكذلك الأمر بالنسبة لفكرة أن الدول الأوروبية يجب ألا تسمح
لنفسها بالانفصال مرة أخرى بسبب بعض الرهانات الجيوسياسية. ربما يهمل بوتين هذا
الحرص العميق. في الواقع، هناك توتر بين مختلف القوى. إن خيبة الأمل الاقتصادية في
اليونان وإيطاليا، وإرادة هذين البلدين بإقامة علاقة خاصة مع روسيا، هما أمران
حقيقيان. عندما ننظر إلى بلغاريا ورومانيا وفشل إصلاحاتهما الهيكلية والصعوبة التي
يواجهانها مع الإدارة الرشيدة، يمكن فهم قلة الحماس الأوروبي تجاه أوكرانيا. ظهر أن
توسيع الاتحاد الأوروبي والحلف الأطلسي أكثر تعقيداً بكثير مما كان متصوراً. يحاول
بوتين الاستفادة من هذه الأمور المعقدة وهذه الخيبات.
سؤال: هل استعراض
القوة الروسية الحالية يهدف إلى التخلص نهائياً من توسيع الحلف الأطلسي حتى كييف؟
وولتر راسل ميد:
كان بوتين فعالاً جداً في عرقلة توسيع الحلف الأطلسي. قام بذلك عبر النزاعات
المجمدة على غرار أوسيتيا الجنوبية في جورجيا. إن متابعة توسيع الحلف الأطلسي إلى
هذا البلد كان سيعني الموافقة على ضم أرض واقعة تحت احتلال أجنبي. ينطبق الأمر
نفسه على أوكرانيا. تنظر الكثير من الدول الأوروبية إلى الحلف الأطلسي كتحالف يسمح
لهم بعدم اللجوء إلى الحرب. من الصعب تسويق فكرة أن يتحول الحلف الأطلسي إلى تحالف
يسمح بالقتال بشكل أكثر فعالية. من الناحية المؤسساتية، يحتاج توسيع الحلف الأطلسي
إلى الإجماع. سترفض بعض الدول مثل اليونان ذلك بلا شك. إذا، حصل بوتين على انتصار
أكبر مما نتصوره.
سؤال: ما هو هدفه؟
وولتر راسل ميد:
هدفه هو استعادة مكانة روسيا بصفتها إحدى الدول الكبرى أو حتى أكبر الدول
الأوروبية، وذلك لكي لا يتم اتخاذ أي قرار هام بدون موافقتها. إنه لا يختلف عن
بقية القياصرة الروس في هذا المعنى. يشبه وضعه أيضاً الوضع الذي واجهه لينين
وستالين سابقاً. كانت أغلب الدول الأوروبية أكثر قوة من روسيا السوفييتية، ولكن أي
منها لم يكن يهتم بجيران روسيا بشكل يعادل اهتمام ستالين بها. وهكذا تمكن ستالين
من إعادة بناء امبراطورية على الرغم من أن البلد منهك. يتكرر الأمر نفسه اليوم
تقريباً. نحن لسنا مهتمون كثيراً بمصير أوكرانيا بعكس بوتين. لهذا السبب، استطاع
خداعنا.
سؤال: تقولون أن
الولايات المتحدة ليست لديها "أدنى فكرة" عما تريد القيام به في
أوروبا.
وولتر راسل ميد:
منذ نهاية الحرب العالمية الأولى، لم يتوقف الأمريكيون عن المجيء إلى أوروبا، ولكن
مع وجود إرادة بالانسحاب منها في الوقت نفسه! كانت الولايات المتحدة تعتقد عام
1990 بأنها قادرة على الرحيل، ولكنها اضطرت للعودة لإنهاء الحرب في البوسنة. لهذا
السبب، لم تول الولايات المتحدة الاهتمام الاستراتيجي والسياسي الكافي بأوروبا
التي تعيش أزمتها الأكثر خطورة منذ سنوات الخمسينيات، إنها أزمة تتضمن تداعيات
مستقبلية هائلة بالنسبة للولايات المتحدة.
سؤال: هل تغير ذلك
اليوم؟
وولتر راسل ميد:
هناك وعي بأنه أمر جدي، ولكن ليس هناك توافق حول قيام الولايات المتحدة بـ "انعطاف"
جديد نحو أوروبا. كان الإدارة الأمريكية تعتقد حتى عام 2012 بأنها انتهت من
التهديد الإرهابي، وكان يُنظر إلى روسيا كبلد يتذمر ولكن هامشي. كان التحول
سريعاً.
سؤال: هل ستقوم
إدارة أوباما بإرسال الأسلحة إلى أوكرانيا؟
وولتر راسل ميد:
هناك جدل كبير حول هذا الموضوع. إن السؤال هو معرفة ماذا سيفعل أوباما الذي ما زال
متشككاً جداً حول ما يمكن أن يتسبب به إرسال الأسلحة. إذا أرسل الغرب بعض الأسلحة،
وأدى ذلك إلى تغيير موازين القوى على الأرض، فإن بوتين سيختار التصعيد بلا شك. إنه
مصمم على عدم التعرض للهزيمة في الدول المحيطة به. يجب على الغرب تحديد استراتيجية
تجاه أوكرانيا قبل اتخاذ الإجراءات.
سؤال: إن رهان
بوتين هو أن الغرب سيتراجع...
وولتر راسل ميد:
لا يريد الرئيس أوباما حرباً مع روسيا، وكذلك الأمر بالنسبة للمستشارة الالمانية
أنجيلا ميركل. إذا بدأتم تصعيداً في الوقت الذي يعرف فيه خصمكم بأنكم ستتراجعون في
اللحظة الحرجة، فماذا تفعلون الآن؟ لهذا السبب، يحتاج الغرب إلى استراتيجية! لا
يجب إرسال الأسلحة فقط لأننا نريد "القيام بشيء ما". يجب علينا
أولاً الإجابة على بعض الأسئلة الجدية: هل نحن مستعدون للقيام بما يجب من أجل
حماية أوكرانيا وضمها إلى أوروبا والغرب؟ هل نحن مستعدون لدفع انفاقها للتزود
بالطاقة وتقديم الأموال لها لكي تحارب؟ هل نحن مستعدون لكي تشملها مظلتنا النووية؟
حان الوقت لكي نتخذ القرار.
سؤال: ولكن يجب
علينا التفكير بعواقب عدم القيام بأي شيء...
وولتر راسل ميد:
نعم! لأنه إذا لم نفعل شيئاً، سيستمر بوتين في التقدم والاستفادة من نقاط ضعفنا.
سيكون من المهم رؤية كيف سيتصرف مع اليونان وقبرص في حال عدم توصل هذان البلدان
إلى تسوية مع الاتحاد الأوروبي حول الأزمة الاقتصادية فيهما. هناك أزمة خطيرة جداً
أمامنا، ولكن ذلك سيُجبرنا على إعادة تحديد معنى الغرب ودلالاته الجانبية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق