الصفحات

الثلاثاء، ٢٩ نيسان ٢٠١٤

(كيف ينتشر تنظيم القاعدة من أفغانستان إلى سورية)

صحيفة الفيغارو 12 نيسان 2014 بقلم جورج مالبرونو Georges Malbrunot

     مرّ مقتل أبو خالد السوري في عملية انتحارية بحلب قبل شهر ونصف دون أن يلفت الانتباه تقريباً. إنه أحد رفاق أسامة بن لادن في أفغانستان، والمبعوث الخاص في سورية لزعيم تنظيم القاعدة المركزي أيمن الظواهري. تشتبه الولايات المتحدة بأنه تم إرساله في ربيع عام 2011 للمشاركة في بداية التمرد ضد بشار الأسد والاستفادة لاحقاً من البؤر التي سيتم تحريرها في شمال سورية من أجل الإعداد لعمليات ضد الدول الغربية. أعربت نيويورك تايمز عن قلقها مؤخراً عندما أشارت إلى أن هذا الجندي المحنك في الحرب المقدسة يُشكل جزءاً من حوالي إثني عشر قيادي في تنظيم القاعدة وصلوا إلى سورية بأمر من الظواهري. ولكن أبو خالد السوري يتميز عن الآخرين بأنه سوري وبإمكانه الاعتماد على قاعدة محلية من أجل تحويل جبهة المشرق إلى مركز أمامي للحرب المقدسة ضد الغرب.
     لم يكن أبو خالد السوري (54 عاماً) منتمياً إلى جبهة النصرة التي تُمثل المنظمة الإرهابية في سورية ولا إلى المنظمة الجهادية الأخرى الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام على الرغم من علاقته الوثيقة مع تنظيم القاعدة. ثم أصبح أحد القادة الأساسيين لكتيبة أحرار الشام السلفية التي انضمت إلى التحالف الأهم بين المتمردين الإسلاميين أي الجبهة الإسلامية التي أزاحت المتمردين المعتدلين المدعومين من الدول الغربية أي الجيش السوري الحر. قال الباحث المختص بالحركات الجهادية رومان كاييه Romain Caillet: "كان أبو خالد السوري يستخدم أحرار الشام كغطاء، ولم يكن يريد أن يجد نفسه على القائمة السوداء مثل بقية الذين انضموا إلى جبهة النصرة". تضم كتيبته وحدة من الجهاديين الأجانب والفرنسيين، ولكن ميثاق كتيبته لا يرفض الأمم المتحدة أو الأنظمة العربية بعكس تنظيم القاعدة.
     يمكن قراءة هذا الغموض المدروس بدقة من خلال مسيرته. يُشكل أبو خالد السوري جزءاً من أولئك السوريين الذين تبنوا الجهاد بعد اضطرارهم لمغادرة سورية قبل ثلاثين عاماً، وكان حينها رجلاً شاباً ينشط في "طليعة الإخوان المسلمين" هذه المنظمة الإسلامية السرية التي سحقها نظام حافظ الأسد بعد التفجيرات التي ارتكبها "أصحاب اللحى" في جميع أنحاء سورية. قال المعارض العلماني هيثم المناع الذي أصبح العدو اللدود للإسلاميين على الأنترنت: "توزّع سوريو تنظيم القاعدة عند عودتهم بين الدولة الإسلامية وجبهة النصرة والجبهة الإسلامية". انتشر التفكير الجهادي عبرهم على شكل دوائر ذات مركز واحد. هناك المتشددون في الدولة الإسلامية التي يقودها العراقيون، ثم هناك جبهة النصرة ذات الطابع  الأكثر سورية والكتائب التي تدور في فلكها داخل الجبهة الإسلامية بزعامة عيسى الشيخ وزهران علوش وعيسى عبود الذين خرجوا من السجون من السورية في بداية التمرد. إنهم ثلاثة سلفيين غير مرتبطين بتنظيم القاعدة، ويحاول عرابوهم السعوديون والأتراك والقطريون "تسويقهم" لدى الدول الغربية باعتبارهم البديل الوحيد الذي يتمتع بالمصداقية بدلاً عن الجيش السوري الحر المهزوم. إن أسماء منظماتهم مختلفة، وتختلف أساليب عملهم في بعض الأحيان، ولكن إيديولوجيتهم واحدة لا تتغير. والدليل على ذلك هو أن ميثاق الجبهة الإسلامية يرفض الديموقراطية ويدعو إلى التطبيق الصارم للشريعة الإسلامية.
     يتمتع سوريو تنظيم القاعدة بميزة أخرى بالإضافة إلى نقل المعرفة والخبرة الإرهابية وقدراتهم الثمينة في التبشير الجهادي داخل المجتمع الذي عاش أربعين عاماً من العلمانية تحت قيادة حزب البعث. أكد هيثم المناع قائلاً: "لقد استخدموا الشبكات الموجودة في لندن وقرطبة وتلك الموجودة في أفغانستان لجذب أصدقائهم الجهاديين القدماء وتجنيد جهاديين آخرين". واعترف معارض سوري آخر في باريس أن "دور الفرنسيين القدماء في أفغانستان كان يتمثل بمعارضة النداءات التي يطلقها المعارضون السوريون المعتدلون من فرنسا من أجل دعوة الشباب للقتال مع الجيش السوري الحر". النتيجة: انضمت الأغلبية الساحقة للجهاديين الفرنسيين إلى الدولة الإسلامية أو إلى جبهة النصرة. ولم يكن بمحض الصدفة أن يذهب بعض المسؤولين في أجهزة الاستخبارات الإسبانية إلى دمشق للاجتماع مع رئيس الأجهزة السورية اللواء علي مملوك، وذلك بعد ذهاب فريق من الجواسيس الفرنسيين. ما زالت خلية قرطبة ناشطة على الأرض.
     أكد الباحث المتخصص فرناندو ريناريس Fernando Reinares قائلاً: "تم تجنيد حوالي عشرين شاباً جهادياً عن طريق عناصر خبيرة تتمتع باتصالات دولية واسعة داخل الشبكة الإسبانية ـ المغربية". كان مهند الملا دباس، إسباني من أصل سوري، في محور هذه الشبكات، وقد غادر اسبانيا مع ولديه عام 2012 من أجل القتال مع جبهة النصرة. إن سجل هذا الرجل حافل: ارتبط في البداية مع خلية تنظيم القاعدة في اسبانيا في منتصف سنوات التسعينيات، ثم تورط في الاعداد لعملية التفجير في مدريد عام 2004 (194 قتيل)، ثم تم الإفراج عنه. قام الدباس بتنظيم نقل الجهاديين عبر البحر انطلاقاً من مدينة سبتة Ceuta الإسبانية، بالإضافة إلى تحويل الأموال انطلاقاً من بريطانيا، ثم أنشأ معسكرات للتدريب في سورية. تشير المكالمات الهاتفية التي تنصتت عليها الاستخبارات الاسبانية إلى أن بعض المرشحين للحرب المقدسة بإمكانهم ارتكاب عمليات تفجير انتحارية في اسبانيا في حال عدم تمكنهم من الذهاب إلى سورية. هذا ما تخشاه أيضاً الاستخبارات الفرنسية التي اكتشفت تسعمائة غرام من المواد المتفجرة البدائية TATP بالقرب من مدينة كان Cannes الفرنسية في منتصف شهر شباط لدى أحد الشباب العائدين من الجهاد السوري، واسمه إبراهيم ب (Ibrahim B).
     عاد قياديان سوريان آخران في تنظيم القاعدة إلى سورية منذ عام 2011 هما: أبو مصعب السوري وأبو بصير الطرطوسي. قام الخبير العسكري أبو مصعب السوري بدفع زملائه القدماء لدى الطالبان للذهاب والقتال في بلده الأم، وذلك بعد  أن أقسم الولاء لهم خلال سنوات التسعينيات. غادر أبو مصعب السوري أفغانستان بعد تفجيرات 11 أيلول 2001، ولجأ إلى إسبانيا ثم إلى لندن، وأنشأ عدة خلايا نائمة في أوروبا. يقول البعض أن نظام دمشق اعتقله، ويقول البعض الآخر أنه شاهده يتنقل بين تركيا والباكستان. بالمقابل، ليس هناك أي شك حول مصير أبو بصير الطرطوسي الذي أصبح صانع إيديولوجية أحرار الشام بعد عودته من لندن في شهر نيسان 2011. قال الباحث رومان كاييه Romain Caillet عنه: "إنه الأقل راديكالية بين السوريين القدماء في تنظيم القاعدة، ولم يعد ينتمي إلى أي تيار جهادي". إن ابتعاده عن بقية التيارات الجهادية وعن تنظيم القاعدة سمح له بإقامة علاقة مباشرة مع المانحين في دول الخليج الذين لا علاقة لهم أيضاً مع تنظيم القاعدة مثل بعض السلفيين الكويتيين حجاج العجمي ووليد الطبطبائي اللذين لعبا دوراً هاماً في تهميش المعتدلين في الجيش السوري الحر. قال هيثم المناع متأسفاً: "يغتنم الجميع الخلافات بين قطر والسعودية من أجل الحصول على الأموال. إنهم يقومون بالابتزاز والخطف. أنا أسميهم بالبورجوازية الجهادية"، ولكنه لم يربط بينها وبين "جهادية الشبكات" حتى طلب الأمريكيون منه الاجتماع معهم في شهر آب الماضي، وأضاف هيثم المناع قائلاً: "قال الأمريكيون لي أن سلفيي أحرار الشام ليسوا مثل تنظيم القاعدة". ولكن الأمور ساءت منذ ذلك الوقت، وقام الأمريكيون بتغيير مقاربتهم. يواجه متمردو الجبهة الإسلامية جهاديي الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام في شمال وشرق سورية، وأدت أعمال العنف بين الإسلاميين إلى مقتل أكثر من ثلاثة ألاف شخص خلال ثلاثة أشهر، الأمر الذي أثار قلق الممولين الأتراك للأقل راديكالية بين الإسلاميين. تابع هيثم المناع قائلاً: "عندما أدرك رئيس الاستخبارات التركية هاكان فيدان في نهاية عام 2013 أن الجهاديين كانوا يتقاتلون بين بعضهم البعض، طلب من الثلاثي علوش وعبود والشيخ اللجوء إلى تركيا، وإلا سوف يموتون". بالنسبة لأبو خالد السوري، لقد فضّل البقاء في حلب لأن الظواهري كلفه بمصالحة الجهاديين فيها. هل اغتالته الأجهزة السرية السعودية لأنه أصبح عبئاً عليها كما تدعي العديد من المواقع الجهادية؟
     يقاتل سوريو تنظيم القاعدة وينشرون دينهم بانتظار رحيل الأسد. عندما سيترك عدوهم قصره، سينضم بعضهم إلى العملية السياسية. سيذهب الأكثر راديكالية بينهم للاختباء في الجبال كما حصل مع زملائهم التونسيين في أنصار الشريعة الذين يلجؤون للعنف ويهددون الاستقرار في تونس ما بعد بن علي. فيما يتعلق بالسلفيين، سيُكثفون ممارساتهم القديمة. قال أحد المعارضين: "قبل دخولهم السجن في نهاية سنوات عام 2000، كان علوش وزملائه يذهبون إلى المطاعم ويدفعون الأموال لمالكيها لكي لا يبيعوا الكحول". هناك أمر مؤكد هو أن هذه المحاولة في توطين الجهاد والاتصالات مع الإخوان المسلمين والسلفيين ستكون خبراً ساراً للظواهري في مخبأه بين أفغانستان والباكستان. حذر الباحث في مدرسة الدراسات العليا في العلوم الاجتماعية Ecole des hautes études en sciences sociales دومينيك توما Dominique Thomas قائلاً: "بإمكان تنظيم القاعدة التوغل داخل المجتمع السوري عبر هؤلاء الناس مثل أبو خالد السوري أو الطرطوسي. استخلص الظواهري دروس الربيع العربي، ولم يعد يدعو إلى إقصاء الإخوان المسلمين". باختصار، استفاد الجميع من هذا الوضع باستثناء الأغلبية الساحقة للمعتدلين السوريين.





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق