الصفحات

الخميس، ٣ نيسان ٢٠١٤

(عودة المستبدين)

صحيفة الفيغارو 3 نيسان 2014 بقلم بيير روسلان Pierre Rousselin

     لم يختف المستبدون أبداً عن وجه الأرض، بل وتفوقوا على أقرانهم. تهب الرياح كما يريد المستبدون في كل مكان تقريباً. جعل فلاديمير بوتين العالم يدفع الثمن غالياً في شبه جزيرة القرم، وبشار الأسد على وشك تصفية شعبه من أجل البقاء في السلطة، وأظهرت الانتخابات البلدية في تركيا أن رجب طيب أردوغان ازدادت شعبيته منذ احتقاره لجميع خصومه، وستصوّت مصر قريباً على انتخاب مُنقذها الماريشال عبد الفتاح السيسي، وما زالت كوريا الشمالية تحتل المرتبة الأولى مع التصرفات الحربية لكيم جونغ أون.
     إذا نظرنا بإمعان، لا يوجد اليوم الكثير من الدكتاتوريين بالمقارنة مع الماضي القريب، بل انخفض عددهم. ولكن النزعة نحو اتساع الحريات في العالم انقلبت بشكل مفاجىء. إن المصاعب التي تواجهها أنظمتنا الديموقراطية تتحمل جزءاً من المسؤولية: المآزق السياسية في أوروبا والولايات المتحدة، وشلل حكوماتنا تجاه تحديات العولمة، والنقاش حول الأزمة التي يواجهها نموذجنا الاقتصادي منذ الأزمة المالية عام 2008. يجب التفكير بكل ذلك لدينا ولدى جميع أولئك الذين استلهموا تجاربهم من نجاحات العالم الغربي من أجل منافسته لاحقاً.
     إن جميع المستبدين محقون بالتصرف كما يريدون. يريد بوتين أن يمنح روسيا النفوذ الذي كان الاتحاد السوفييتي يتمتع به سابقاً، واستفاد الأسد من الجمود الدولي لكي يُقدم نفسه كحصن ضد الجهادية، وأصبح السيسي ملاذاً ضد إسلاموية الإخوان المسلمين كما كان عليه الحال مع مبارك. كما أظهر الانحراف الاستبدادي لأردوغان إلى أية درجة كانت الإصلاحات السياسية سطحية في تركيا على الرغم من الإشادة الأوروبية بها.
     إن الأمر الأكثر مدعاة للقلق ليس في هذا التدهور الذي يدعو للأسف، بل في العجز الذي أثاره لدى المدافعين عن الديموقراطية. أصيبت الدول الغربية بالعمى لأنها تعتقد بالتفوق الأخلاقي لنظامها، وتتصور أن الحرية ستنتصر عبر قوة النموذج لوحدها، أي تلك "القوة الناعمة" التي يستخف بها بوتين والأسد والآخرون، ولا يعيرونها الاهتمام. عندما تطرح مشكلة نفسها، فإن الجواب هو نفسه دوماً. لا يسمع هؤلاء القادة إلا لغة القوة، وهم رجال الماضي. ستنتصر الحداثة لأن العولمة هي عامل لنقل الديموقراطية، وهذا هو اتجاه التاريخ. قالت أنجيلا ميركل أن بوتين "يعيش في عالم آخر" بعد المكالمات الهاتفية المملة مع زعيم الكريملين أثناء الأزمة في شبه جزيرة القرم. للأسف، إنه عالم يتعايش مع عالمنا، وليس مستعداً للزوال.
     إن نهاية الحرب الباردة وتفتت الكتلة السوفييتية لم تكن تعني "نهاية التاريخ" كما تنبأ فرانسيس فوكوياما. لقد انتصرت القيم الديموقراطية بالتأكيد، ولكنها لم تتمكن من إقناع بقية العالم بتبني السلوك نفسه. ما زالت الصين شيوعية، وهي المثال الأفضل لهذه الانتهازية. تستفيد الدول الصاعدة من الميزات الاقتصادية للعولمة، ولكنها أكثر تحفظاً بكثير فيما يتعلق بالالتزام السياسي مع الغرب. إن التبعية الاقتصادية المتبادلة والمذهلة في عصرنا ستكون عاملاً لنقل السلام والديموقراطية إلى العالم. هل نحن متأكدون من ذلك إلى هذه الدرجة؟ ألم تندلع الحرب العالمية الأولى قبل مئة عام بعد مرحلة من اتساع المبادلات التجارية بشكل غير مسبوق؟

     إن اللجوء إلى القوة تجاه الأنظمة المتسلطة يُعتبر أنه نوع من المغالطة التاريخية، الأمر الذي سيؤدي إلى تشجيعهم حتماً. يبقى سلاح العقوبات المحتملة التي ساهمت في جلب إيران إلى طاولة المفاوضات حول الملف النووي، ولكن لا شيء يقول بأنها ستقود الجمهورية الإسلامية نحو تغيير سلوكها. إن واشنطن غاضبة من الضباط العسكريين في مصر الذين يفكرون بشراء السلاح من بوتين، وذلك في الوقت الذي تنظر فيه تركيا باتجاه الصين. فيما يتعلق بروسيا، إنها في مأمن من أي إجراء قد يؤدي إلى معاقبة أوروبا قبل أن تتأثر به روسيا فعلاً. إن التبعية المتبادلة هي سلاح ذو حدين بالتأكيد. إذا أرادت الأنظمة الديموقراطية الدفاع عن عالم تسوده قواعد التعايش، ويحترمها أولئك الذين لا يجدون فيه مصلحتهم الآنية، يجب عليها أن تتعلم مرة أخرى كيف تواجه المستبدين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق