الصفحات

الأربعاء، ٣٠ نيسان ٢٠١٤

(دمشق تستعيد السيطرة على الحدود اللبنانية)

صحيفة اللوموند 30 نيسان 2014 بقلم سيسيل هينيون Cécile Hennion ولوران فانديرستوكت Laurent Van der Stockt

     أعلن النظام السوري يوم الخميس 24 نيسان عن انتصار وشيك في مدينة  الزبداني بعد أسبوع من القصف، وتحدث عن "استسلام وشيك" لهذه المدينة التي تمثل آخر مدينة ما زالت بأيدي المتمردين على الحدود اللبنانية. قام التلفزيون الرسمي السوري والإيراني بتصوير بعض "المقاتلين التائبين" وهم يُسلمون أسلحتهم مقابل الوعد بـ "عفو". في اليوم التالي، استؤنف القصف مع استمرار المعارك العنيفة في آخر مراكز السيطرة على المدينة بين الكتائب المتمردة للجبهة الإسلامية وجبهة النصرة وبين القوات النظامية المدعومة من رجال حزب الله. قال أحد ناشطي المعارضة تيم القلموني أمام كاميرات تلفزيون الجزيرة يوم السبت 26 نيسان: "كان المقاتلون مجبرين على قبول الهدنة. انقطعت جميع خطوط تموينهم، ولم يعد هناك ممرات إغاثة لإخلاء المدنيين". كانت الزبداني أول مدينة تقع تحت سيطرة الثورة بتاريخ 18 كانون الثاني 2012، ثم استعادتها القوات النظامية لفترة قصيرة، وتأمل المعارضة أن سقوط هذه المدينة سيكون مؤقتأً هذه المرة أيضاً.
     لا شك أن هذه الأخبار الإعلامية تصب في مصلحة بشار الأسد الذي أعلن رسمياً يوم الاثنين 28 نيسان عن ترشحه للانتخابات الرئاسية، وذلك بعد ستة أشهر من الهجوم العسكري على جبل القلمون، وبإمكانه الادعاء بأنه أغلق الحدود اللبنانية، وقطع نظرياً التمرد عن قواعده الخلفية، وأمّن أوتستراد الشمال باتجاه حمص والساحل حتى المنطقة العلوية. كما أعلنت الحكومة عن فتح هذا الطريق مساء يوم السبت 26 نيسان. إذا نظرنا إلى ما هو أبعد من خطابات الانتصار في دمشق، فإن الحقيقة على الأرض تختلف قليلاً عن ذلك. لقد فضّل جزء من المقاتلين التراجع نحو جبال القلمون الوعرة أو نحو المناطق الصحراوية في الجانب الآخر من الأوتستراد. إن هذه المنطقة واسعة جداً، وتضاريسها وعرة، ويصعب على النظام السيطرة عليها إلا في حال نشره لقوات عسكرية كبيرة فيها بشكل دائم، ولكن المعارضة تعتبر أنه لم يعد يملك القوات اللازمة لذلك حالياً.
     لا يستفيد المتمردون في دمشق وضواحيها منذ بداية التمرد من ممر سهل إلى بلد خارجي، وذلك بعكس المتمردين في شمال سورية الذين يستفيدون من استمرارية أرضية حتى الحدود التركية. يوجد في جبال القلمون ثلاثة مطارات عسكرية وأحد عشرة قاعدة عسكرية ـ تابعة للوحدات المدرعة والمدفعية وصواريخ سكود تحت قيادة الفرقة الثالثة لجيش الأسد ـ تفصل المتمردين عن لبنان. لم يحظ المتمردون إطلاقاً بممر مباشر لتزويدهم بالسلاح والذخيرة والمؤن أو حتى بممر لإخلاء الجرحى نحو لبنان. يستطيع مقاتلو الغوطة التحايل على هذه العقبات فقط أو المرور بينها.
     يُحلل حمزة بسهولة تقدم قوات دمشق في جبل القلمون، إنه من المقربين لأحد قادة الجيش الحكومي، وانضم إلى الثورة في حمص منذ منتصف نيسان عام 2011. عاد حمزة إلى مدينته في الرحيبة شمال دمشق في شهر حزيران 2011 حاملاً آلة تصوير، إنه يصور ويقاتل مع كتيبة متواضعة داخل الجبهة الإسلامية هي جيش الإسلام. تحدث حمزة في البداية عن أولئك الذين ماتوا أولاً مثل ابن عمه أبو خليل الذي مات بسبب التهاب في ساقه التي بقيت بدون معالجة، أو أبو غضب الذي مات تحت القصف الحكومي لمدينة زملكا في شرق دمشق. يقول حمزة أن مواقع المتمردين في دمشق وضواحيها لم تتحرك منذ عام، وأن المقاتلين محاصرون بشكل كامل تقريباً، و"أنهم يأكلون ما لا يمكن أكله: الجذور والأشجار...". أشار حمزة إلى أن "جيش بشار كان يلجأ إلى أسلوب الرعب نفسه في الاستيلاء على قارة ثم المتابعة نحو الجنوب بمحاذاة الحدود اللبنانية للاستيلاء على النبك ويبرود ورنكوس والزبداني، وذلك عبر القصف بالصواريخ  أولاً ثم ببراميل المتفجرات ثم بالمدفعية. ثم يجري التخطيط للمعارك والقيام بها مع حزب الله وبعض المرتزقة العراقيين الشيعة وبقية الأجانب". كانت بعض المدن تتمتع بسلام نسبي بفضل المصالحات غير الرسمية مع القوى المحلية للنظام، مثل عدم مهاجمة القوافل خلال عبورها على أوتستراد حمص من أجل تجنب قصف هذه المدن. أضاف حمزة قائلاً: "خففت هذه الاتفاقات المحلية من إجراءات الرقابة وانتباه القوات الحكومية على الطرق في القلمون، وسمحت لمتمردينا بالتنقل سراً للوصول إلى لبنان، ولاسيما المرور باتجاه مدينة عرسال على الجانب الآخر من الحدود".
     اعتبرت الشابة السورية ريما التي جاءت من دمشق إلى لبنان للانضمام إلى التمرد في يبرود لاحقاً، أن المعركة في هذه المدينة تلطخت بـ "الخيانات داخل صفوف الجيش السوري الحر". فشلت محاولات المتمردين في رشوة حزب الله. ربما توغل مقاتلو حزب الله في المدينة متنكرين بلباس الجيش السوري الحر قبل سقوط المدينة. كان المتمردون بحاجة إلى أسلحة ثقيلة، وانسحبوا من يبرود بعد شهر من المعارك تحت القصف المكثف. أكدت ريما قائلة: "إن المقاومة لفترة أطول، كانت ستُكلف المزيد من الضحايا البشرية. توجه جزء من المقاتلين باتجاه مدينة عرسال اللبنانية، وأقام بقية المقاتلين مثل رجال كتيبة الغرباء في يبرود في بعض المخيمات للاختباء في الجبال". لم ينجح التعاون بين مختلف المجموعات المتمردة بشكل دائم في المعركة للسيطرة على القلمون. إن اختلاف أهداف بعض الدول التي تدعمهم مثل قطر والسعودية، ظهرت آثاره على الأرض. قالت ريما: "يقال أن المجموعات التي تتلقى المساعدات السعودية، حصلت عليها بعد المعركة". أشار المقاتلون المقربون منها إلى أن حلفاء نظام بشار الأسد ربما خسروا 420 رجلاً بالإضافة إلى تدمير حوالي عشرين دبابة.  يعترف المتمردون السوريون من جهتهم بأنهم خسروا حوالي خمسين رجلاً.
     أشار حمزة الموجود في مدينة الرحيبة التي ما زال المتمردون يسيطرون عليها، إلى أنه لو قام رجال كتيبته بالذهاب لدعم يبرود، فإن القوات الحكومية كانت ستهاجم مدينتهم أثناء غيابهم، وقال: "لذلك قمنا بتحويل الأنظار عبر القيام بعمليات ضد بعض الوحدات ومستودعات الأسلحة في المنطقة. سمح ذلك لنا بإشغال قوات العدو التي لم تعد قادرة على الذهاب إلى يبرود. يتوافق ذلك مع تكتيكنا القائم على عدم مواجهة الجيش على أبواب مدينتنا لكي لا يؤدي ذلك إلى قصف المدينة. اعتدنا على الجبال والصحراء، وسنقوم بعمليات خارج المدينة. أخذنا جميع صواريخنا المضادة للدبابات من طراز Konkurs ـ هذه الصواريخ الفعالة التي ما زالت تنقص المتمردون السوريون ـ ودباباتنا العشرة وذخيرتنا من الجيش السوري". ثم اعترف حمزة قائلاً: "إن محاولة حزب الله والحكومة لعزلنا فعالة، ولكن جزئياً فقط. ما زالت أمامنا إمكانية الوصول إلى تركيا أو الأردن عبر الشرق. فيما يتعلق بالوصول إلى تركيا، إن وجود عناصر الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام يجعل الطريق معقداً. إذا صادفناهم، فإنها مواجهة مباشرة. ولكننا نتمكن في النهاية من العثور على ممرات. فيما يتعلق بالوصول إلى الأردن، هناك دائماً طرق الصحراء".
     على الصعيد العسكري، ما زالت نتيجة العمليات التي قامت بها القوات الحكومية في القلمون منذ شهر تشرين الثاني 2013 قابلة للنقاش، ولكن الانتصار لا يمكن إنكاره على صعيد الدعاية الإعلامية. يسمح له ذلك بالإعلان عن استعادة منطقة استراتيجية هامة لبقاء النظام، كما يمنحه الفرصة للظهور أمام الكاميرات بتاريخ 15 نيسان داخل أنقاض مدينة معلولا الصغيرة ذات الأغلبية المسيحية. إن يوم أحد الفصح هو أفضل خيار من أجل الظهور كحامي للأقليات الدينية في البلد. خلال هذا الوقت، تتابع المعارضة المسلحة عملياتها. قال حمزة: "نحن ثلاثة آلاف رجل تقريباً، وبإمكاننا الاتفاق وشن معارك محددة مع كتائب جبهة النصرة أو مع مقاتلي الجيش السوري الحر الذي حصلوا على التدريب والأسلحة من الخارج مثل صواريخ Red Arrows المتطورة المضادة للدبابات، ولكن عددهم في ساحة المعركة لا يبلغ إلا عشرة رجال عندما يكون عددنا أربعين". اختتم هذا الرجل الشاب حديثه قائلاً: "لم ينتصر بشار. لقد دمر المنازل، وهرب المدنيون من المجزرة. إن تدمير مدن القلمون ليس مشكلة بالنسبة لنا. لم تتم إبادة التمرد الذي قرر الخروج وتغيير مكانه. ذهبت المجموعات إلى الجبال أو إلى الصحراء. لا تُسيطر قوات بشار إلا على الأنقاض".






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق