صحيفة
اللوموند 24 تموز 2014 بقلم الباحثة في العلوم السياسية في مركز دراسات Noria Research ليلى سورا Leila Seurat
تؤكد
عملية "الجرف الصامد" التي بدأتها السلطات الإسرائيلية منذ
أسبوعين الإستراتيجية التي تبنتها إسرائيل بعد انسحابها بشكل أحادي من غزة عام
2005: أي الالتفاف على مسألة إقامة الدولة الفلسطينية عن طريق تشجيع بناء كيان
مستقل ذاتياً في قطاع غزة. إن ردة فعل حكومة بنيامين نتنياهو على مشروع المصالحة
الأخير بين فتح وحماس هي دليل واضح على ذلك. لقد تسبب تشكيل حكومة فلسطينية جديدة
في بداية شهر حزيران بغضب الإسرائيليين على الرغم من أنها لا تضم أي وزير من حماس،
ووصل هذا الغضب إلى أوجه مع اعتراف الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بهذه
الحكومة.
تعرضت عملية المصالحة الفلسطينية لصعوبات مفاجئة
بسبب العديد من الإجراءات الإسرائيلية مثل: عدم السماح للوزراء المقيمين في غزة
بالذهاب إلى رام الله لأداء القسم، ورفض السماح لقوات الأمن التابعة للرئاسة
الفلسطينية بالانتشار على الحدود بين غزة ومصر، ورفض السماح لمحمود عباس بتحويل
رواتب موظفي الدولة في قطاع غزة إذا لم يكونوا تابعين لفتح.
يجب
قراءة عملية "الجرف الصامد" أيضاً كرد على جميع المحاولات
الأخيرة للتقارب بين الفلسطينيين، وهو رد يُكرّس الانقسام الجغرافي والسياسي
لفلسطين. أدت تغيرات "الربيع العربي" وعودة الضباط في مصر إلى
إضعاف حماس التي استدارت نحو خصمها الوطني
فتح، وقدمت لها العديد من التنازلات. تخلى رئيس وزراء حماس اسماعيل هنية عن منصبه،
ولكنه أكد أن "رحيل حماس عن الحكومة لم يكن رمزاً للرحيل عن السلطة"،
أي كما فعل راشد الغنوشي في تونس قبله بعدة أشهر. لم تعد حماس قادرة على نقل
الأموال الضرورية لدفع رواتب موظفي الدولة في حكومتها بعد قيام الماريشال السيسي
بتدمير جميع أنفاق التهريب التي تربط قطاع غزة مع مصر تقريباً.
إذاً، يمكن تفسير إرادة حماس بالمصالحة بأنها
السبيل الأخير للخروج من المأزق أكثر من كونها دليلاُ على التزامها الوطني. يصطدم
هذا التقارب الإجباري لحماس مع رام الله بالسياسة الإسرائيلية التي تكمن مصلحتها
في استمرار الحركة الإسلامية بإدارة قطاع غزة لوحدها. لكي تتمكن الدولة العبرية من
تحقيق هذا الهدف، يجب عليها بالضرورة السماح للمقاومة الإسلامية بالاستفادة من بعض
الميزات التي لا تقتصر على تسهيل نقل وتحويل الأموال لاستمرار عمل الحكومة في غزة،
بل وتشمل أيضا السماح لحماس وبقية فصائل المقاومة الفلسطينية بالتمتع بنوع من
الحكم الذاتي.
إن
اقتراح وقف إطلاق النار بنقاطه العشرة الذي تقدمت به حماس والجهاد الإسلامي بتاريخ
16 تموز إلى السلطات المصرية يساهم في هذا الطموح المتمثل ببناء سلطة إدارية في
غزة بشكل منفصل عن الضفة الغربية. تتعلق هذه الطلبات برفع الحصار والإفراج عن
المعتقلين والحصول على منطقة صيد أكثر
اتساعاً، وهناك العديد من النقاط في هذا الاقتراح التي تدل على وجود إرادة بإقامة كيان سياسي في
قطاع غزة وإدارته بشكل ذاتي ولاسيما النقاط المتعلقة بالسيطرة على نقاط العبور
بشكل جماعي مع قطر وتركيا، وذلك على الرغم من أن قطاع غزة يجب أن يبقى تحت الهيمنة
الإسرائيلية.
في
مثل هذا الوضع، تتوافق الإستراتيجية الإسرائيلية جزئياً مع إستراتيجية حماس، الأمر
الذي يدفع للتذكير بسنوات السبعينيات عندما سمح الإسرائيليون بنمو الجمعيات
الخيرية والدينية تحت إدارة الإخوان المسلمين لمكافحة نفوذ منظمة التحرير
الفلسطينية التي كانت تُعتبر كمنظمة إرهابية في ذلك الوقت. كما يدفع هذا الوضع
للتذكير بالمحاولات الإسرائيلية لتفويض الأردن بإدارة الضفة الغربية وتفويض مصر
بإدارة غزة. يبدو أن إسرائيل مصممة على إعادة ارتكاب أخطاء الماضي عن طريق الإبقاء
على رأس الحركة الإسلامية بدون إغراقه تحت الماء، وفي الوقت نفسه عدم إعطائه صفة
الطرف المُحاور الحقيقي.
هل
حماس موافقة فعلاً على هذه الإستراتيجية؟ لا يبدو أن حركة المقاومة الإسلامية
قادرة على مواجهة المشروع الإسرائيلي على الرغم من إدعاءاتها الوطنية، ولاسيما أنه
بإمكانها الاستفادة منه. يبدو أن السؤال أصبح من الآن فصاعداً حول صفة هذا الكيان
السياسي المستقبلي: إذا كانت آفاق الحصول على سيادة حقيقية تبدو مهددة، فإنها
تدعونا إلى إعادة التفكير بمفهوم الدولة في هذا السياق الإقليمي الذي يطرح صعوبات
كبيرة على هذا النموذج المثالي لمفهوم
الدولة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق