الصفحات

الخميس، ٣ تموز ٢٠١٤

(نحو نهاية التدخلات العسكرية الغربية؟)

صحيفة الفيغارو 2 تموز 2014 بقلم إيزابيل لاسير Isabelle Lasserre

     هل سيكون القرن الواحد والعشرين نهاية للتدخلات العسكرية الغربية؟ انتهى غزو العراق وأفغانستان بفشل ذريع. بدأت العملية العسكرية الفرنسية (Sangaris) تتفاقم بخطورة في جمهورية أفريقيا الوسطى، ولم تنجح العملية العسكرية الفرنسية (Serval) التي اعتبرت كنموذج عسكري في القضاء على الخطر الجهادي في مالي. فيما يتعلق بنجاح التدخل العسكري الفرنسي ـ البريطاني في ليبيا، إنه يتعرض للتشكيك حالياً بسبب تشكل "الثقب الأسود" في جنوب ليبيا وقيام الإسلاميين بإعادة تشكيل قواتهم فيه. تبدو الحصيلة متواضعة جداً باستثناء ساحل العاجل وكوسوفو التي كانت تأمل بالانضمام إلى القارة الأوروبية وتتصف بأنها صغيرة الحجم بشكل يسمح بنجاح العمل العسكري. قال أحد الدبلوماسيين الفرنسيين بمناسبة انعقاد المؤتمر الخامس للحوار الاستراتيجي الفرنسي ـ الإسرائيلي في مدينة Césarée الإسرائيلية: "نلاحظ محدودية وسائلنا العسكرية التي لم تعد تنجح في إسقاط الأنظمة وإيقاف الحروب وضمان استقرار الدول أثناء الأزمات".
     إن العولمة وتطور التكنولوجيات التي أصبحت في متناول جهات غير حكومية وكلفة التدخلات العسكرية تساهم في إضعاف قدرة القوى العظمى التقليدية على العمل. تزعزع استقرار الأوروبيين بسبب الأزمة المالية، الأمر الذي دفعهم إلى تخفيض موازناتهم العسكرية، وحتى الولايات المتحدة اضطرت إلى تخفيضها. قال أحد الضباط: "لكي تكون التدخلات العسكرية فعالة، يجب نشر قوات كبيرة لمدة طويلة. إن قواتنا لم تعد تملك الإمكانيات للقيام بذلك". إن الزمن السياسي، أي زمن الحكومات التي تطالب بنتائج سياسية فورية للعمليات العسكرية، لا يتوافق مع زمن العمليات العسكرية.
     قال أحد الدبلوماسيين الإسرائيليين: "لم تعد المجتمعات تريد إرسال الرجال للموت في المعركة بعد أن اعتادت على عوائد السلام". في عام 1914، كان يموت ألف رجل يومياً في معارك الحرب العالمية الأولى. في عام 2012، كان مقتل أربعة جنود فرنسيين في أفغانستان كافياً لإعادة النظر في الوجود الفرنسي في أفغانستان. تتمسك الأنظمة الديموقراطية بحقوق الإنسان، ولا تتحمل كثيراً الأضرار الجانبية. قال الجنرال الفرنسي فانسان ديسبورت Vincent Desportes: "كانت قوة الغرب مبنية منذ وقت طويل على قدرتها في إلحاق الدمار والموت، ولكن هذه الميزة أصبحت نظرية اليوم: لم يعد الدمار يُعتبر مشروعاً من أجل فرض مشروع سياسي. ما زال الغرب قادراً على الانتصار في المعارك بفضل التكنولوجيا، ولكنه لم يعد قادراً على الانتصار في الحروب". بالمقابل، لا يلتزم العدو الإسلامي بالعلاقة الفلسفية نفسها مع الموت، ويعتبرها شرفاً في أغلب الأحيان.
     يتعلق هذا التراجع أيضاً بالولايات المتحدة التي لم تعد تتمتع بالإرادة نفسها لضمان الاستقرار العالمي بعد العراق وأفغانستان. قال أحد المشاركين في المؤتمر الحوار الاستراتيجي الفرنسي ـ الإسرائيلي: "لم تعد الولايات المتحدة ضماناً للأمن العالمي، وضعفت قدرتها على فرض سياسة خارجية في مناطق الأزمات". إن تراجع القوة العظمى الأكبر الذي يعود سببه جزئياً إلى الاستخدام المفرط للقوة من قبل جورج بوش الابن، أدى إلى زعزعة حلفاء الولايات المتحدة، وشجع القوى الصاعدة والجهات غير الحكومية على شغل هذا الفراغ. تعتبر باريس أن تراجع باراك أوباما الذي تخلى عن قصف النظام السوري على الرغم من تجاوز "خطه الأحمر" حول الأسلحة الكيميائية، عزز نظام بشار الأسد، وشجع فلاديمير بوتين على ضم شبه جزيرة القرم، وشجع إيران على التمسك بمواقفها حول برنامجها النووي. تساءل أحد الدبلوماسيين الإسرائيليين قائلاً: "هل السياسة الخارجية لباراك أوباما المبنية على رفض استخدام القوة ستؤدي إلى المزيد من الحروب بدلاً من السلام؟".

     قال أحد المحللين الاستراتيجيين الفرنسيين: "إن المعايير والدول التي تفرض المعايير بدأت تضعف، ولكن الدول التي تعارضها تُعزز قوتها. بدأ النظام العالمي بالانهيار، إن القواعد والمبادىء الناظمة له مثل احترام السيادة أو منع استخدام الأسلحة الكيميائية تحطمت أو تآكلت. من الممكن إدارة الأزمات كل على حدة، ولكن من الصعب جداً مواجهة جميع الأزمات في الوقت نفسه". إن الأداة العسكرية الغربية عاجزة عن تسوية العديد من الأزمات في الوقت نفسه مثل الخطر الإرهابي في الصحراء الإفريقية (الساحل)، والخطر الجهادي في سورية والعراق، والبرنامج النووي الإيراني، والاعتداء الروسي على أوكرانيا، وتزايد عدد الدول الفاشلة في الشرق الأوسط وأفريقيا، ولاسيما أن هذه الأزمات تأخذ شكل المفاجآت الاستراتيجية في أغلب الأحيان. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق