صحيفة الفيغارو 9 تموز 2014 ـ مقابلة
مع السفير الإسرائيلي السابق في فرنسا إيلي بارنافي Eli Banrnavi الذي يعمل حالياً مديراً للمتحف الأوروبي في بروكسل ـ أجرى
المقابلة جورج مالبرونو Georges Malbrunot
سؤال:
اختفت العراق وسورية بصفتهما دولتين. أليست إسرائيل هي المنتصر الأكبر في التحولات
الجارية بالشرق الأوسط منذ عشر سنوات؟
إيلي
بارنافي: هذه هي المفارقة الفعلية. اختفت الجبهة الشرقية، وأصبح
الوضع الاستراتيجي لإسرائيل أفضل من أي وقت سابق. منطقياً، إنه الوقت المناسب
للاستفادة من هذه الميزة في علاقاتنا مع جيراننا. نحن بحاجة إلى قيادة مختلفة، نحن
بحاجة إلى بن غوريون، وليس لدينا إلا نتنياهو. لقد وصلت إلى العمل السياسي في وقت
كان يقال لنا فيه دوماً أن إسرائيل ستركض إلى لقاء أي جار لها في حال قيامه بخطوة
تجاهها. ما زالت مبادرة الملك السعودي عبد الله التي وافقت عليها الجامعة العربية
بدون جواب منذ عام 2002. تريد إسرائيل السلام، ولكن قادتها لا ينووا دفع الثمن.
بانتظار ذلك، نحن ندفع جميعاً ثمن الاحتلال الذي ينخر حافزنا الأخلاقي ويُثقل
مستقبلنا.
سؤال: هل
يجب على إسرائيل مساعدة أكراد العراق للحصول على استقلالهم؟
إيلي
بارنافي: نعم. لم يعد العراق الموحد الذي نعرفه موجوداً: إن
محاولة إحيائه هي أمنية وَرِعة. يُشكل الأكراد كيان قادر على الاستمرار، إنها
النتيجة الإيجابية الوحيدة لعشر سنوات من الحرب. يجب علينا مساعدتهم، وهذا ما
نفعله. هل يجب أن نقول ذلك بصوت عال؟ بالتأكيد، الجواب هو بالنفي. نحن حلفاء
مزعجون بالنسبة للمسلمين.
سؤال:
ما هي المصلحة الاستراتيجية لإسرائيل تجاه سورية؟
إيلي
بارنافي: تقلّب موقفنا منذ بداية التمرد ضد بشار الأسد. تغير
موقفنا من التفضيل الخفي للوضع القائم ـ باعتبار أن الحدود مع سورية بقيت هادئة
خلال حكم الأسد الأب والابن ـ إلى نوع من الحيادية المعادية نظراً للأعمال الوحشية
التي ارتكبها النظام ولاعتقادنا بأن أيامه كانت معدودة. ثم أضفى تقدم الإسلاموية
الجهادية بعض الجاذبية على النظام المستبد في دمشق وعصابته من القتلة. إن احتمال
ظهور كيان جهادي على حدودنا الشمالية لا يدفع للسرور إطلاقاً. باختصار، تكتفي
إسرائيل بالمراقبة، وتحاول البقاء خارج الوضع السوري الخطير، مع التدخل أحياناً في
كل مرة تتعرض فيها حدودنا للاستفزاز، وتعالج المتمردين والمدنيين الجرحى في
مستشفياتها. لا أرى ماذا يمكن أن تفعل إسرائيل أكثر من ذلك.
سؤال:
أعلن رئيس الموساد تامير باردو Tamir Pardo
مؤخراً أن التهديد الأساسي للدولة العبرية يأتي من الفلسطينيين وعدم القدرة على
تسوية النزاع معهم أكثر من التهديد الإيراني. هل توافقون على هذا التحليل؟
إيلي
بارنافي: بالتأكيد. يؤكد قادة المؤسسة الأمنية منذ بعض الوقت أن
إيران ليست خطراً وجودياً على إسرائيل، وأن الفلسطينيين أو بالأحرى عدم قدرتنا على
حل المشكلة الفلسطينية هو الذي يشكل التهديد الأساسي على أمننا. تكمن المشكلة في
أن رجال السياسة لا يصغون إليهم، ويستمرون في تأجيج خطاب الخوف من البرنامج النووي
الإيراني. بالتأكيد، يجب حل هذه المشكلة بأقصى درجة من الحزم. إن تحول إيران إلى
قوة نووية ليس خياراً، ولكننا لا نستطيع اعتبار التهديد النووي الإيراني كمحور
وحيد لسياستنا الخارجية إلى الأبد. على أي حال، إن قدرتنا على التأثير في هذا
الملف محدودة، ما دام احتمال الضربات العسكرية بشكل أحادي الجانب لم يعد مطروحاً.
هذا ما قاله القادة السابقون للموساد أيضاً. الأمر الجديد هو أن تامير باردو يؤكد
ذلك خلال عمله كرئيس للموساد. إن تامير باردو ليس رجلاً إيديولوجياً، بل رجلاً
واقعياً.
سؤال:
هل يجب على بنيامين نتنياهو تشديد العملية العسكرية ضد حماس بعد اغتيال
الإسرائيليين الثلاثة في الخليل؟
إيلي
بارنافي: لا. تصرّف القاتلون بشكل شخصي أو تحت تأثير بعض الزعماء
المحليين على الرغم من أنهم ينتمون إلى صفوف حماس. تمثل سلسلة الهجمات الجوية ضد
قطاع غزة رداً على منطق آخر هو: إيقاف إطلاق القذائف الصاروخية المستمر من هذه
الأراضي. ربما لا تتمنى حماس تصعيد الوضع، ولكنها تلعب بالنار عبر امتحان حدود
الصبر الإسرائيلي. كما أن المنظمة الإسلامية ضعيفة جداً وتعاني من إفلاس مالي. قام
بنيامين نتنياهو برد عسكري تدريجي لكي لا ينجر إلى عملية برية. نعرف كيف ندخل إلى
غزة، ولكن لا نعرف إطلاقاً متى نستطيع الخروج منها. يتعرض بنيامين نتنياهو إلى
ضغوط كبيرة من اليمين المتطرف داخل حكومته ومن نفاذ الصبر المتزايد داخل الرأي
العام. سنعرف سريعاً فيما إذا كانت وساطة أجهزة الاستخبارات المصرية التي تحافظ
على نفوذها داخل حماس ستنجح في تهدئة الوضع. ولكن إذا أدت إحدى القذائف إلى سقوط
ضحايا، فسوف تؤدي إلى الحرب.
سؤال:
إذا نظرنا إلى ما هو أبعد من غضب الفلسطينيين بعد موت الشاب الفلسطيني (15 عاماً)
الذي قُتِل انتقاماً لاغتيال الإسرائيليين الثلاثة في الخليل، يتظاهر العرب
الإسرائيليون بعنف حالياً، وهذا أمر جديد. هل يجب الخشية من تمردهم؟
إيلي
بارنافي: لا. هناك مظاهرات عنيفة بالتأكيد، وما زال التوتر
شديداً. كما جرى في بداية الانتفاضة الثانية في شهر تشرين الأول 2000، وقع حدث في
الأراضي المحتلة فأدى إلى إشعال الرأي العام العربي الإسرائيلي ولاسيما الشباب
تعبيراً عن تضامنهم مع إخوتهم في الضفة الغربية وتعبيراً عن الحقد المتراكم ضد
دولة يعيشون فيها كمواطنين من الدرجة الثانية. ولكن الشرطة تحلت بضبط النفس هذه
المرة ولم ترتكب أخطاء مؤسفة بعكس ما جرى في ذلك الوقت. لهذا السبب يُفترض أن يهدأ
غضب العرب الإسرائيليين حتى المرة القادمة...
سؤال:
هل يمكن تجنب الحل القائم على دولة واحدة بعد تفاقم أعمال العنف الحالية التي تأتي
بعد عدة أسابيع من فشل مهمة جون كيري لاستئناف عملية السلام؟
إيلي
بارنافي: تصرف جون كيري بشكل سيء طوال جولاته المكوكية المحزنة
خلال الأشهر الثماني الماضية. إن فرصته الوحيدة للنجاح كانت تتمثل بطرح خطة
أمريكية على الطاولة والضغط على الطرفين للقبول بها. إن السلام سيكون مفروضاً من
الخارج، أو لن يكون هناك سلام. لم يفعل ذلك لأسباب تتعلق ببطىء السياسة الداخلية
الأمريكية والملل الكبير داخل قوة عظمى أنهكتها حربين بدون هدف، وتتنازعها الرغبة
بدخول مرحلة جديدة من العزلة. نحن بحاجة إلى نوع من أوباما جمهوري بشكل يمزج بين
صعوبة الوضع والإرادة بالعمل وحرية المناورة. في عام 1991، اقترب الثنائي جورج بوش
الأب وجيمس بيكر من هذا الوضع المثالي. إن التهديد بتعليق الضمانات المصرفية
الأمريكية الضرورية لدمج يهود الاتحاد السوفييتي كان كافياً لكي يحضر إسحاق شامير مؤتمر مدريد.
اليوم، يكفي أن تقول واشنطن أنها لن تستخدم حق النقض بشكل دائم في مجلس الأمن. من
جهة أخرى، صدّقوني أن الإسرائيليين مستعدون لقبول وضع معقول ـ جميع استطلاعات
الرأي تُثبت ذلك ـ ، ولن يسامحوا قادتهم أبداً في حال فصلهم عن حليفهم الوحيد.
يعني ذلك أن الحل القائم على دولة واحدة هو أسطورة خرافية. لن تخرج مثل هذه الدولة
إلى حيز الوجود أبداً، والإسرائيليون لا يريدونها. لأنه في حال كون هذه الدولة
ديموقراطية، فإنها لن تكون يهودية؛ وإذا لم تكن ديموقراطية، فسوف تؤدي إلى نظام
فصل عنصري وحرب أهلية. وفي الحالتين: ستكون نهاية إسرائيل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق