الصفحات

الخميس، ١١ كانون الأول ٢٠١٤

(التحالف يبحث عن إستراتيجية مشتركة ضد الدولة الإسلامية)

صحيفة اللوموند 9 كانون الأول 2014 بقلم كريستوف عياد Christophe Ayad وناتالي غيبير Nathalie Guibert ومراسلتها في استانبول ماري جيغو Marie Jégo ومراسلها في بروكسل جان بيير ستروبانتس Jean-Pierre Stroobants

     أعلن البنتاغون الأمريكي يوم الجمعة 5 كانون الأول عن إنشاء قيادة عسكرية جديدة CJTF مكلفة بإنجاز عملية Inherent Resolve في العراق وسورية ضد الدولة الإسلامية. أشارت العديد من التسريبات في وسائل الإعلام الأمريكية إلى أن سبب استقالة وزير الدفاع تشاك هاغل هو الخلاف حول الاستراتيجية الواجب اتباعها في سورية. كان وزير الدفاع السابق يدعو إلى انخراط أوضح في سورية بعكس رأي مستشاري باراك أوباما الذين يؤيدون خيار "العراق أولاً"، ومنهم مدير مكتب البيت الأبيض دينيس ماكدونوغ Denis McDonough. هل سيكفي تعيين وزيرة الدفاع الجديدة أشتون كارتر Ashton Carter، وإنشاء قيادة عسكرية جديدة لجبهتي الحرب ضد الدولة الإسلامية بقيادة الجنرال جيمس تيري James Terry، لكي تصبح الاستراتيجية الحالية منسجمة؟ لا يتصف التحالف الدولي بالانسجام، وهذا ما ظهر خلال الاجتماع الأخير للحلف الأطلسي الأسبوع الماضي في بروكسل، وأعقبه اجتماع بين الدول الأعضاء في التحالف الدولي. من المفترض ألا يكون هناك اجتماع آخر قبل عدة أشهر، الأمر الذي يؤكد أنه لا أحد يتوقع التوصل إلى حل سريع.
     من الناحية الظاهرية، حققت الحرب ضد الدولة الإسلامية بعض النجاحات. تراجعت هذه الحركة في شمال ـ شرق العراق تحت الضغط الإيراني، وسمحت الضربات الغربية وضغط البشمرغة الكردية باستعادة سد الموصل في شهر آب، واستولى الجيش العراقي مؤخراً على مصفاة بيجي النفطية، كما شنت قوات بغداد هجوماً على مدينة الرمدي في منطقة الأنبار التي تمثل أحد أهم معاقل الدولة الإسلامية. ما زال من السابق لأوانه الحديث عن استعادة السيطرة على العراق على الرغم من هذه النجاحات. ما زال الجيش العراقي غير مستعد: كشف تقويم لوضع الجيش العراقي عن وجود خمسين ألف وظيفة وهمية على الأقل داخله لكي يغتني الضباط الكبار فيه. كما لم يتم التوصل إلى الطريقة التي سيتم من خلاها دمج السنة في القوات المسلحة: هل ستأخذ شكل "حرس وطني" سني أم وحدات سنية مندمجة في الجيش؟ لم يتم حسم هذه المسألة، ولكن لا بد من التعاون مع إيران في مثل هذه المسألة الهامة، ولاسيما منذ تدخل قائد قوة القدس قاسم سليماني في الحرب ضد الدولة الإسلامية بشكل مباشر (ولاسيما عبر إعطاء الأوامر بالقصف الجوي).
     ما زال التعايش الأمريكي ـ الإيراني في العراق يجري بشكل جيد حتى الآن، ولكن دون جود تنسيق رسمي. إن احتمال حصول مثل هذا التنسيق سيُثير غضب القوى السنية التي أرادت واشنطن حشدها في التحالف ضد الدعاية المضللة "السنية" للدولة الإسلامية. انجرّ باراك أوباما شيئاً فشيئاً إلى منطق الأرض العراقية على الرغم من إرادته بعدم إرسال قوات إلى الأرض، وأرسل ثلاثة ألاف رجل إلى العراق لتدريب الجيش العراقي بالإضافة إلى الإشراف عليه ميدانياً وربما من أجل توجيه الضربات الجوية بفضل المعلومات الميدانية. في الحقيقة، استُنفذت لائحة الأهداف الثابتة التي لا تتضمن أخطار جانبية كبيرة، وأصبحت الضربات نادرة أكثر فأكثر وصعبة. يجب القيام بطلعات جوية طويلة ومُتعبة من أجل العثور على "ضربات مناسبة". قال مصدر في سلاح الطيران الفرنسي: "يُخصص وقت طويل لدراسة الأضرار الجانبية المحتملة. ليست هناك استراتيجية حقيقية بسبب النقاشات الأمريكية الداخلية. في الوقت الحالي، إنها استراتيجية الاحتواء Containment. هذا أمر جيد لأن ذلك يعطي هامشاً أكبر للقوات العراقية، ولكن ماذا سنفعل بعد ذلك؟".
     تنتشر الحرب ضد الدولة الإسلامية على جبهتين، وتتعارض المواقف كلياً بين واشنطن وحلفاءها حول هاتين الجبهتين. يجب الأخذ بعين الاعتبار أن التحالف يتغير حسب الظروف: لا يتدخل الحلفاء الغربيون (فرنسا وبريطانيا) إلا في العراق، بينما الدول العربية (السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين) لا تتواجد إلا في الأجواء السورية. هناك نقطة واحدة مشتركة بينهم هي: عدم التدخل على الأرض. إن الجانب السوري من المشكلة هو الأكثر تعقيداً. تعتبر واشنطن أن العراق هو ساحة المعركة الرئيسية؛ بينما يعتبر الأوروبيون ودول الخليج أن سورية لا يجب أن تكون في المرتبة الثانية. الولايات المتحدة لديها أسبابها وهي: معرفتها بهذا البلد الذي احتلته ثماني سنوات، ونقاط اتصالها فيه، وإرادتها بالتعويض عن الحصيلة الكارثية ولاسيما في مجال تدريب الجيش العراقي، وأخيراً القناعة المُبررة بأن "النواة الصلبة" للدولة الإسلامية هي عراقية، كما هو الحال بالنسبة لزعيمها أبو بكر البغدادي ومعاقله القوية في العراق مثل الموصل. تعتبر فرنسا وبعض الدول الأوروبية مثل إسبانيا أنه لا يمكن تحقيق أي انتصار ضد الدولة الإسلامية بدون "معالجة" الجبهة السورية. تنسحب الدولة الإسلامية إلى سورية في كل مرة تتعرض فيها للضغوط في العراق، كما أن آلاف الجهاديين ينضمون إليها في سورية، وأخيراً، إن إمكانية التجنيد المحلية هي الأكبر في سورية.
     لا يمكن للدولة السورية التي يُجسدها بشار الأسد أن تكون شريكاً مثل حكومة بغداد برئاسة الشيعي حيدر عبادي. لم تتوان دمشق منذ بداية ضربات التحالف عن زيادة عدد الغارات الجوية الدامية ضد المواقع الواقعة تحت سيطرة الدولة الإسلامية، الأمر الذي أثار غضب السنة بشكل أكبر، وأصبحوا مقتنعين بوجود تواطؤ بين دمشق وواشنطن وطهران. تشترط تركيا إيقاف هذه المجزرة مقابل تعاونها الكامل مع التحالف. لا تريد أنقرة فتح قاعدتها أنسيرليك Incirlik أمام الطائرات الأمريكية ما دامت واشنطن لم تتعهد بإقامة منطقة عازلة على الحدود لاستقبال اللاجئين السوريين (1.5 مليون لاجئ في تركيا) وإقامة منطقة حظر جوي لحمايتهم. إن القيام بذلك يعني إعلان الحرب على بشار الأسد. كما ترفض فرنسا الانخراط في سورية ما دام التحالف لم يتخذ الاجراءات لحماية المدنيين ولاسيما في حلب.
     تتظاهر واشنطن بأنها تفكر، وترسل مسؤولين رفيعي المستوى إلى أنقرة، ولكن لم يتغير شيء في الجوهر. إن تنفيذ المطالب التركية يعني الدخول في نزاع مع حلفاء نظام الأسد: أي إيران الضرورية على الجبهة العراقية، وروسيا التي تتزايد معها نقاط النزاع. قالت سوزان رايس مستشارة الأمن القومي لباراك أوباما بتاريخ 3 كانون الأول: "في هذه المرحلة، لن نذهب باتجاه إقامة منطقة حظر جوي أو أمني. إن مثل هذه المنطقة سابقة لأوانها، وتتطلب الكثير من الإمكانيات، الأمر الذي سيجعلنا نبتعد عن المهمة التي حددناها بأنفسنا". ولكن الحرب ضد الجهاديين في سورية محكوم عليها بالفشل بدون غطاء جوي وبدون تدخل على الأرض. إن فرنسا وتركيا تدعوان إلى تعزيز قوة المعارضة المعتدلة السورية بشكل كبير. أعلنت واشنطن عن تدريب خمسة ألاف مقاتل متمرد سوري خلال عام، ولكن يبدو أنها غير مُقتنعة بذلك. يعتبر الخبراء أن البرنامج بطيء جداً وغير كاف، ولم يبدأ حتى الآن على الرغم من الطابع العاجل.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق