الصفحات

الثلاثاء، ٩ كانون الأول ٢٠١٤

(سهيل الحسن، النمر الكبير الآخر لنظام دمشق)

صحيفة الليبراسيون 8 كانون الأول 2014 بقلم هالة قضماني

     كان العقيد سهيل الحسن أحد الرجلين اللذين يركبان الدراجة النارية التي شقت طريقها في صحراء حقل الشاعر الغازي في محافظة حمص، مُعلناً بذلك انتصاره الأخير في فيلم الفيديو غير الواضح الذي بثه القسم الإعلامي في "جيش النمر" في منتصف شهر تشرين الثاني. كان هذا القائد العسكري قد استعاد لتوه من قوات الدولة الإسلامية السيطرة على هذا الحقل الغازي الهام للطاقة والكهرباء في المناطق التابعة للنظام السوري وحتى في دمشق.
     العقيد سهيل الحسن هو رجل استعادة الأراضي التي خسرها جيش بشار الأسد، وما زال يواصل نسج أسطورته. إنه هو الذي غيّر مجرى معركة حلب في الربيع الماضي عندما خرق الحصار الذي كانت تفرضه الكتائب المتمردة على القوات النظامية في حلب منذ أكثر من عام، وذلك بعد سيطرته على المنطقة الصناعية والسجن المركزي، الأمر الذي فتح الطريق أمام وصول التموين، وفرض حزاماً أمنياً حول المدينة. ثم قاد رجاله بعد فترة قصيرة نحو محافظة حماة، وتمكن من السيطرة على مدينة مورك الإستراتيجية. ثم طُلِبَ منه الذهاب إلى الجنوب في محافظة درعا لإنقاذ قوات الأسد التي تواجه وضعاً صعباً فيها. وكان قد بَرَعَ سابقاً في "تحرير" بعض المناطق حول اللاذقية وإدلب.
     ولِدَ سهيل الحسن (44 عاماً) في قرية علوية في جبلة، ويُلقب بـ "النمر"، ويظهر باعتباره منقذاً لجيش الأسد. ولكن هل يبقى "الجندي الأول" للدكتاتور السوري، كما تعتقد الأوساط المؤيدة للنظام، أم أنه سيصبح منافساً خطيراً للرئيس كما تتوقع وسائل إعلام المعارضة؟ قال أحد المعارضين: "لم يسبق إطلاقاً في تاريخ النظام السماح ببروز مثل هذه الشخصية العلوية الفعالة والشعبية. إنه الأمل الوحيد لطائفته". ظهرت صفحة على الفيسبوك بعنوان: (سهيل الحسن، بطل الزمان) للإشادة بإنجازاته، وما زالت هالته تكبر بين رجاله وتثير خوف أعدائه على الأرض.
     لا يترك هذا القائد العسكري ساحة المعركة أبداً، وحتى لكي يرى عائلته. لقد أقسم على ألا يرى ابنه الوحيد (5 سنوات) إلا بعد "الانتصار الكامل"، ويشير الجميع إلى هذا القَسَم باعتباره علامة على ولائه للقضية البعثية. إنه رشيق ومنتصب القامة، حليق الذقن، شارب قصير، يرتدي قبعة عسكرية وسترة مرفوعة الأكمام على طريقة خريجي الأكاديمية العسكرية عام 1991، وكان من أوائل دفعة خريجي سلاح الجو، الأمر الذي يُذكّر بشباب حافظ الأسد.
     يظهر سهيل الحسن في ساحة المعركة دائماً عبر صور المحطات الرسمية أو المؤيدة للنظام، ممسكاً بالتوكي ـ ووكي على أذنه وهو ينظر إلى خارطة العمليات، ويرد على نظرات رجاله. يعانق أحد الجنود الجرحى بعد أن حرره من سجن حلب، وينظر بابتسامة إلى مديح أحد الجنود باللغة الفصحى أمام الكاميرا. إنه يسمح للكاميرا بمتابعة حركاته واشاراته الميدانية، ولكنه يتهرب من المقابلات أو التصريحات أمام وسائل الإعلام. عندما يتكلم، فمن أجل تذكير قواته بواجب "المعركة من أجل إنقاذ الوطن الذي يتعرض إلى هجوم كوني من الإرهابيين والقوى العظمى في العالم". إن المقالات المخصصة للتمجيد به تؤكد على فعاليته العسكرية. ورد في أحد هذه المقالات: "إنه لم يخسر أية معركة. يستدعي بشار نمره عندما يتعلق الأمر بمهاجمة المناطق التي يسيطر عليها الإرهابيون، لأنه ينجح في استعادة الأراضي بسرعة مذهلة بفضل تكتيكه واحكام قبضته بشكل جيد على المواقع التي يسيطر عليها".
     يعتبر مؤيدو سهيل الحسن أن أكثر ما يُميّزه عن بقية القادة العسكريين هو استقامته والانضباط الذي نجح بفرضه على قواته. لا مكان للفساد عنده، هذا الفساد المنتشر لدى جنود وعناصر ميليشيات النظام. ولا مكان أيضاً لـ "التعفيش"، هذه الكلمة التي ظهرت خلال الحرب وتعني عمليات النهب التي يقوم بها شبيحة النظام على المنازل والقرى عندما يستعيدون السيطرة عليها. أشار بعض الشهود إلى أن سهيل الحسن قام  بإعدام الذين يرتكبون مثل هذه الأعمال فوراً.
     إنه رجل صارم، ولا يسعى إلى التخفيف من خسائره من أجل تكبيد أعدائه الحد الأقصى من الخسائر. إن المعارك التي يشنها دامية، ويسقط فيها عدد كبير من الضحايا في الجانبين. إنه يطلب من أعدائه عبر مكبر الصوت أن يستسلموا قبل الهجوم على موقعهم، وهذا ما فعله مع رجال جبهة النصرة بالقرب من الحدود اللبنانية. ثم يقصف بشكل مكثف المنطقة التي يريد استعادة السيطرة عليها مستعيناً بالطائرات في إطار استراتيجية الأرض المحروقة. عندما يستعيد السيطرة على منطقة ما، لا يبقى فيها إلا رجاله. إن تعليقات المعجبين بالعقيد تتباهى أيضاً "بهيمنته الكاملة وإدارته المركزية لرجال الجيش النظامي ولعناصر الميليشيات المحلية أو القوات الأجنبية الشيعية". من جهة أخرى، يتدافع المقاتلون للتطوع في خدمة جيش النمر الذي يُسميه البعض "كتيبة النصر المتنقلة". يُقدّر عدد عناصره بثمانين ألف رجل يحصلون على راتب وتدريب جيدين. يعتبر بعض المحللين أنه رقم لا يُصدق بالنسبة لقوات النخبة، ويشيرون إلى أن هذا الرقم يشمل جميع قوات النظام.
     لا شك أن شعبية سهيل الحسن بين العلويين وأفلام الفيديو التي تغني "الله يحمي نمرنا!" تبعث على قلق الرئيس المنزوي في قصره بدمشق، والذي يواجه غضباً متزايداً داخل طائفته التي سئمت من التضحية بأطفالها منذ أربع سنوات. أشار أحد مراسلي صحيفة القدس (لندن) في اللاذقية إلى أن أحد جنود النمر أسرّ له قائلاً: "إن جميع رجاله متأكدون بأنه سيكون الرئيس القادم للبلد بعد أن يقضي على بشار. لأنه لا يستمد قوته من بشار، بل يستمدها من الإيرانيين الذين يدعمونه ويثقون به بشكل كامل".
     في الوقت الذي يتطرق فيه الدبلوماسيون من جديد إلى فكرة العملية الانتقالية في سورية، يُنظر إلى قيام نظام دمشق باعتقال المعارض لؤي حسين باعتباره إرادة من بشار الأسد بإبعاد خصومه العلويين أولاً للحيلولة دون ظهور أي بديل. راهنت إحدى محطات التلفزيون السورية المعارضة بقولها: "من الممكن أيضاً أن يقتل النمر". إن سهيل الحسن هو الأكثر شعبية بين العلويين بفضل انتصاراته العسكرية، ويعتبره الروس والإيرانيون بمثابة البديل المثالي. بالانتظار، يواصل النمر الإعلان عن إخلاصه المطلق للدكتاتور.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق