صحيفة الليبراسيون 3 أيلول 2014
بقلم فابريس بالانش Fabrice
Balanche،
الباحث الجغرافي ومدير مجموعة الأبحاث والدراسات حول البحر المتوسط والشرق الأوسط
في مركز بيت الشرق والمتوسط Maison de l’Orient et de la Méditerranée
تغيرت الاستراتيجية الجهادية مع الدولة
الإسلامية، ولم يعد الهدف تشكيل شبكة على الصعيد الدولي، بل الارتكاز على بقعة
جغرافية. لقد ساعد موت بن لادن وتفكك تنظيم القاعدة على ظهور هذه الاستراتيجية
الجديدة. عندما استوطنت الدولة الإسلامية في سورية، كانت تملك قواعد خلفية قوية في
المناطق السنية في العراق مثل الموصل والأنبار التي يأتي منها المقاتلون والموارد
المالية، لأنها تمكنت من فرض نظام ضريبي موازي لضرائب الدولة العراقية.
أصبحت الرقة عاصمة الدولة الإسلامية في سورية
ومركز انطلاقها للتوسع في شمال سورية. تعاني الرقة من تأخر كبير في التنمية (تشمل
الأمية ثلث سكانها، ومعدل خصوبة المرأة فيها ثمانية أطفال، ويعمل أكثر من نصف
سكانها في الزراعة)، وهي الأكثر فقراً في الدولة السورية. هذه هي البيئة الملائمة
تماماً للدولة الإسلامية التي قامت أولاً بإبعاد قادة النظام البعثي والمعارضين
العلمانيين لكي تتمكن من فرض نظام سلفي "حقيقي" على السكان. إن
إقامة المحاكم الإسلامية وتوزيع الطعام هو أهم أسلحة الدولة الإسلامية لإغراء
السكان، والهدف هو إعادة العدل والأمن إلى الطبقات الشعبية التي أهملتها
الليبرالية الاقتصادية لنظام بشار الأسد، وعانت من الخصومات بين المجموعات
المتمردة. تم إفراغ مخازن الحبوب من أجل تزويد المخابز التي يجب عليها توفير الخبز
بسعر رخيص. المياه هي هبة من الله، وأصبحت مجانية للمزارعين في المناطق المروية.
تقوم
الدولة الإسلامية أيضاً بتوزيع جزء من الأموال التي تصلها من الممالك النفطية في
الخليج ـ سواء من قبل الرجال الأغنياء المعجبين بها أو من قبل الدول نفسها ـ عندما
تكون مصالحها الاستراتيجية متطابقة مع الذين يستفيدون من توزيع الأموال. ولكنها لا
تكتفي بالمصادر المالية الخارجية لأنها تجعلها تابعة جداً، وتفرض الرسوم على مرور
البضائع والتجارة، وتستملك ممتلكات السكان المطرودين. لقد سيطرت الدولة الإسلامية
على الآبار النفطية في وادي الفرات منذ فصل الربيع، الأمر الذي وفّر لها مورداً جديداً
يتراوح بين مليون ومليوني دولار يومياً. إن النفط الخام أو نصف المكرر يُغذي
عمليات التهريب باتجاه العراق وتركيا أو حتى باتجاه المناطق الواقعة تحت سيطرة
دمشق. كما يُباع النفط إلى السكان المحليين الذين ليس لديهم إلا هذا النفط من أجل
التنقل والمولدات الكهربائية.
إن
الهدف الأولي للدولة الإسلامية ليس اسقاط نظام الأسد بل توحيد بقية المجموعات
المتمردة تحت رايتها. لهذا السبب، امتنعت في المرحلة الأولى عن الدخول في نزاع مع
الجيش السوري. ولكن عندما تمت تصفية آخر المتمردين في وادي الفرات أو تحالفوا معها،
بدأت الدولة الإسلامية بمهاجمة القواعد العسكرية في دير الزور والرقة، واستولت على
المطار العسكري في الطبقة. تواصل الدولة الإسلامية تقدمها باتجاه شمال ـ غرب سورية
ضد المتمردين والمليشيات الكردية لحزب الاتحاد الديموقراطي ـ الفرع السوري لحزب
العمال الكردستاني.
تمثل
الحرب ضد الأكراد عاملاً قوياً في توحيد العرب السنة الذين يستفيدون من الدولة
الإسلامية بشكل مباشر سواء في العراق أو سورية. إن إقامة المناطق والحكومات
الكردية المستقلة ذاتياً يُشكل تغييرا غير مقبول للسلطة بالنسبة للعرب الذين
اعتادوا على السيطرة على الأكراد. تستفيد الدولة الإسلامية، كما كان عليه الحال
بالنسبة للأنظمة البعثية، من الشعور المعادي للأكراد لكي تشن استراتيجية واضحة
للتطهير العرقي ضد الأكراد. لا يهم إذا كان الأكراد هم أيضاً من السنة، ما دام
البغدادي يعتبر إسلامهم غير صادق.
فيما
يتعلق بالشيعة، يجب تصفيتهم لأن الدولة الإسلامية تعتبرهم ملحدين. لم يتحمّل السنة
العراقيون وصول الشيعة إلى السلطة بعد سقوط صدام حسين. كما تحتج الأغلبية السنية
في سورية على الهيمنة العلوية منذ الثورة البعثية عام 1963. من حيث المبدأ، يُعتبر
المسيحيون كـ "أهل الكتاب"، ويجب التسامح معهم بصفتهم من "الذميين"
عبر دفع "الجزية". ولكن في الواقع، إن الهدف هو تصفية جميع
الطوائف التي يمكن استخدامها كنقطة ارتكاز لغزو خارجي: لاشك أن الدولة الإسلامية
تعتبر اليزيديين في جبل سنجار كملحدين، ولكن هذه المنطقة الجبلية العراقية تشكل
مكاناً استراتيجياً يهدد الموصل، وتضمن الاستمرارية الجغرافية بين كردستان العراق
وكردستان سورية. إن مدينة عين العرب الكردية (قوباني) تعيق تقدم الدولة الإسلامية
باتجاه حلب، وبالتالي من الضروري القضاء عليها قبل أن تتابع طريقها بالاتجاه
الجنوب ـ الغربي. لا شك أن مدينة السلمية التي يسكنها الاسماعيليون والعلويون ستكون
الهدف القادم، ولكن ليس بسبب "إلحاد" سكانها بقدر موقعها
الاستراتيجي على الطريق الواصل بين حلب وحمص. يريد البغدادي أن يبسط سيطرته على
أرض لا تحوي عناصر غير عربية وغير سنية بشكل يضمن أمنه: إنه لا يهتم بمدينة بغداد
ذات الأغلبية الشيعية، بعكس مدينة حلب باعتبارها هدفا أكثر سهولة.
أصبحت الدولة الإسلامية سواء في العراق أو سورية
تتشكل من المقاتلين المحليين من الآن فصاعداً، ولاسيما أولئك الذين تم تجنيدهم من
الطبقات الشعبية والشباب الذين يحلمون بتغيير موازين القوى التقليدية لصالح
العشائر. ولكن الدولة الإسلامية لا تُهمل الهياكل التقليدية للحكم عبر دعوة رؤساء
العشائر إلى تزويج بناتهم لـ "أمراء" الدولة الإسلامية، وإرسال
أبنائهم للقتال في صفوفها. هذا بالإضافة إلى جميع الزبائن الذين يتدفقون باتجاهها،
الأمر الذي يُهدد بتعقيد الاستراتيجية المضادة للتمرد التي ترتكز على العشائر
السنية، كما فعل الجنرال بيتراوس عام 2006.
إن
ضربات التحالف لا تزعج الدولة الإسلامية، بل على العكس. يتحرك مقاتلوها بسرعة،
وانتشروا في أوساط السكان. إن "الأضرار الجانبية" الحتمية ،التي
تتسبب بها الضربات الجوية على السكان المدنيين، ستحمل دعماً جديداً للدولة
الإسلامية. تتدفق الأموال الخارجية إلى الدولة الإسلامية بعد أن أصبحت العدو الأول
للولايات المتحدة، وأصبحت بقية المجموعات الإسلامية مُجبرة على إعلان تضامنها معها
مثل جبهة النصرة. ستظهر عدم فعالية الضربات الجوية بسرعة في حال عدم وجود دعم
أرضي، وربما تعطي نتائج معاكسة. إن المتمردين "المعتدلين" في
سورية غير قادرين على مواجهة ديناميكية الدولة الإسلامية، ولن يتجاوز الأكراد
العراقيون حدود كردستان.
من
أجل القضاء على الدولة الإسلامية، يجب أن يرتكز التحالف على حكومتي دمشق وبغداد
المتحالفتين مع إيران، الأمر الذي يتناقض بشكل كامل مع المصالح الجغراسياسية
التركية والقطرية والسعودية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق