صحيفة الليبراسيون
26 نيسان 2014 ـ أجرى المقابلة كاترين كالفيه Catherine Calvet وتوما هوفنانغ Thomas Hofnung
يبدو أن نظامنا الدولي مريض من أوكرانيا إلى سورية مروراً بمالي. يعتبر الباحث السياسي بيرتراند بادي الذي أصدر مؤخراً كتاباُ عنوانه: (زمن المُهانين ـ أمراض العلاقات الدولية) أن الدبلوماسية قائمة على مبادىء القرن التاسع عشر وتنظمها قواعد القوة والهيمنة، وأن هذه الدبلوماسية أصبحت عديمة التأثير في ظل العولمة والاعتماد المتبادل. إن هذه الدبلوماسية المبنية على الإهانة تؤدي إلى توليد الخيبات وإثارة النزاعات.
يبدو أن نظامنا الدولي مريض من أوكرانيا إلى سورية مروراً بمالي. يعتبر الباحث السياسي بيرتراند بادي الذي أصدر مؤخراً كتاباُ عنوانه: (زمن المُهانين ـ أمراض العلاقات الدولية) أن الدبلوماسية قائمة على مبادىء القرن التاسع عشر وتنظمها قواعد القوة والهيمنة، وأن هذه الدبلوماسية أصبحت عديمة التأثير في ظل العولمة والاعتماد المتبادل. إن هذه الدبلوماسية المبنية على الإهانة تؤدي إلى توليد الخيبات وإثارة النزاعات.
سؤال:
لم يحصل التدخل في سورية، ولكن الوضع ما زال يتفاقم...
بيرتراند
بادي: يجب الاعتراف بالعجز أحياناً. القضية السورية هي نقطة
التقاء عادية للمنطق الدكتاتوري مع رهان جيوسياسي يراهن على تفاقم النزاع على
الصعيد الوطني والإقليمي والدولي. يعرف بشار الأسد أن رهانه على ورقة التدخلات
الخارجية، سيجعله في حصانة كاملة تقريباً. إذا أردنا عدم القضاء على هذا الشعب،
يجب السماح بفرص المفاوضات. هناك استبعاد متزايد للأطراف، لا نتفاوض مع الأسد، ولا
مع حماس، ولامع إيران، ولا مع روسيا. نحن
أمام مفاوضات كوب الشاي: أي البقاء بين بعضنا البعض! يجب علينا أيضاً القبول بأن
الخير لا ينتصر دوماً في النهاية، وذلك بعكس الفكرة الغربية السائدة.
سؤال:
ما هو تعريفكم لدبلوماسية الإهانة؟
بيرتراند
بادي: إنه ليس مفهوماً نفسياً، ترسخ مفهوم الإهانة في اللغة
والممارسة الدبلوماسية منذ وقت طويل. تم تبرير الإهانات ضمنياً عبر فكرة الفوقية.
يعود تاريخ الدبلوماسية التي نمارسها إلى مؤتمر فيينا (1814 ـ 1815): إنها مجموعة
أرستوقراطية أوروبية صغيرة تقرر مصير العالم. إن قمة الثمانية هي مثال على ذلك. إن
دبلوماسية التواطؤ (Connivece) تقود إلى الإقصاء وإلى جميع المآزق الحالية. كان الاعتداء
عسكرياً في الماضي، ويكفي اليوم إقصاء الآخر بدلاً من مهاجمته.
سؤال:
هل هذه الإهانة موضع التطبيق في النزاع الأوكراني؟
بيرتراند
بادي: بالتأكيد، تعتبر روسيا نفسها كبلد كبير مُهان عبر
التاريخ. ولكنه نزاع بين المُهانين أيضاً. تشعر أوكرانيا منذ وقت طويل بالهيمنة
الروسية، وتولد لديها الانطباع بأنها رهينة لهذا التنافس الخفي بين أوروبا الغربية
وروسيا. أدى ذلك إلى تعبير اجتماعي ـ المظاهرات المشهورة في ساحة ميدان ـ عن
انقسام قومي. تتصف الإهانة الروسية بطابع جيوسياسي أكبر. شاهدت روسيا كيف تم فرض
السلام البارد عليها وإقصاءها خلال تفكك الاتحاد السوفييتي (1989 ـ 1991)،
بالإضافة إلى توسيع الحلف الأطلسي والاتحاد الأوروبي. وهكذا ارتفعت شعبية بوتين
دخل روسيا بشكل كبير جداً بعد ضم شبه جزيرة القرم. عاشت روسيا ذلك باعتباره
انتقاماً من التاريخ.
سؤال:
ولكن روسيا ما زالت عضواً دائماً في مجلس الأمن بالأمم المتحدة...
بيرتراند
بادي: يسمح لها ذلك بممارسة سياسة العرقلة أكثر من سياسة البناء.
تميل روسيا نحو اعتبار أن تمسك المعسكر الغربي المستمر بـ "واجب
الحماية" هو ذريعة تسمح له بالتدخل في أية منطقة في العالم حتى لو كانت
على حدوده مثل البلقان أو في سورية. لم تكن كلمة موسكو مسموعة على الصعيد الدولي
حتى بداية الأزمة في سورية. إن بوتين يعطي الروس وهم استئناف التقدم.
سؤال:
ألم تسنح أية فرصة للخروج من هذه الدبلوماسية؟
بيرتراند
بادي: كان يجب دفن ثنائية القطب في بداية سنوات التسعينيات،
وإفساح المجال أمام عالم جديد. صرح غورباتشوف في قمة مالطا عام 1989 أن الاتحاد
السوفييتي لم يعد مهتماً بالمنافسة مع الغرب. ولكن كلينتون لم يحدد قواعد جديدة،
وانزلقنا ببطىء نحو "ما بعد
ثنائية القطب". كان تعيين مادلين أولبرايت وزيرة للخارجية الأمريكية
تعبيراً واضحاً في ذلك الوقت: إنها تجسد أوروبا الشرقية سابقاً والحرب الباردة.
واستمر الوضع مع القواعد نفسها تقريباً. أدى ذلك إلى استخدام الولايات المتحدة
لهذه الثقة بشكل سيء، وظهر ذلك عبر تيار المحافظين الجدد. احتاجت قمة السبعة إلى
أكثر من تسع سنوات حتى تتحول إلى قمة الثمانية، وتحدث البعض لفترة طويلة عن قمة
7+1، وكان يجب على الروس البقاء في غرفة الانتظار.
سؤال:
ألم تكن العلاقات الدولية تاريخاً للحروب والهيمنة دوماً؟
بيرتراند
بادي: دخلنا في عالم يسوده الاعتماد المتبادل. لم تعد
المنافسة الصارمة بين الدول العظمى ممكنة، كما أصبح مفهوم القوة العظمى لاغياً. إن
أمني يتعلق أولاً بانعدام أمن الآخر، وهذا هو الاعتماد المتبادل. ولم يعد هذا
الأمن سياسياً ـ عسكرياً فقط. أصبحت الرهانات الاجتماعية الدولية أكثر أهمية. إن
الجوع في العالم يقتل ما يعادل تفجيرات 11 أيلول كل ثلاث ساعات.
سؤال:
كيف كانت ردة فعل الدول الصاعدة؟ ألا تمثل دول البريكس (البرازيل، روسيا، الهند،
الصين، جنوب أفريقيا) شكلاً جديداً من القوة العظمى؟
بيرتراند
بادي: استخدم غولدمان ساكس Goldman Sachs هذا التعبير في البداية من أجل
الحديث عن الاقتصاديات الصاعدة في العالم. استحوذ بوتين على هذا التعبير، وقام
بتسييسه عبر تنظيم القمة الأولى لهذه الدول في مدينة Ekaterinbourg الروسية عام 2009. أصبحت هذه
القمة سنوية لاحقاً. تكمن هنا موهبة وانتهازية بوتين، كما لو أنه قام بمأسسة قيمة
إحدى الشركات في البورصة. إن قوة البريكس ألغت القوة المرتبطة بالاستمرارية
الأرضية: نحن موجودون على أربع قارات في الوقت نفسه. لم تعد الحدود تملك معنى
الحماية نفسه. إن الذين فهموا ذلك هم الذين سيربحون غداً. من يقوم بتصدير العدد
الأكبر من الطلاب؟ إنها الصين. يملك هؤلاء الشباب عند عودتهم معرفة مزدوجة. بينما
نحن نحبس أنفسنا داخل حدودنا، ونبقى جاهلين بالعالم.
سؤال:
ولكن بوتين ما زال يعتقد بالاستمرارية الأرضية، نظراً لأن أحد طموحاته هو بناء
منطقة أوروبية ـ آسيوية (Eurasie)...
بيرتراند
بادي: إنها مفارقة تاريخية زائلة. لا يكتفي التاريخ بتكرار
نفسه: تستدير روسيا نحو الشرق في كل مرة تقطع علاقاتها مع الغرب. إن العمل البارع
الذي قام به بوتين، ولم ينجح به أي ممن سبقه، ربما يكون بناء محور موسكو ـ بكين.
يحافظ بوتين على وهم البنيان الإمبريالي. إنه يملك قاعدة خلفية في حال التوتر مع
الغرب. بقيت الصين صامتة تجاه الضم المشين لشبه جزيرة القرم على الرغم من أنه لا
يمكنها البقاء غير مبالية تجاه مسألة المساس بالحدود، وأعربت عن أنه لا يجب
الاعتماد عليها من أجل عزل روسيا.
سؤال:
هل هناك حالات إهانة في أوروبا؟
بيرتراند بادي:
إن معاملة اليونان كانت مثالاً جيداً. تشمئز أوروبا من التضامن معها. إنه مثال آخر
عن الاعتماد المتبادل الذي تمت إساءة فهمه. إنه خطأ إستراتيحي لأن بقاء الجميع
يعتمد على قدرة بقاء الأكثر ضعفاً. يرتبط مستقبل أوروبا باليونان المنهارة أكثر من
ارتباطه بالمستشارة الألمانية. وبشكل عام، لم يعد السلام في العالم يرتبط بالقارة
الأوروبية بل يرتبط بالمنطقة الممتدة بين أفغانستان واليمن، أي بـ "الضعفاء".
سؤال:
هل يمكن تطبيق هذه القراءة على الوضع الفرنسي؟
بيرتراند
بادي: الوضع العام هو نفسه: هناك سياسة منحرفة أو احتجاجية
عبر إقصاء بعض الأطراف وأجزاء كبيرة من المجتمع، سواء كان ذلك على شكل شعبوية
اليمين المتطرف مثل حزب الجبهة الوطنية والحركات "خارج النظام
السياسي" مثل حركة "القبعات الحمر"، أو عبر ارتفاع
الامتناع عن التصويت. إن هذه الفجوة بين السياسة والمجتمع وهذه الثقة المُفرطة
والحمقاء لدى الطبقة السياسية تخلق أيضاً شعوراً بالإهانة لدى الشعب. هناك الكثير
من هذه الجزيئات الصغيرة التي تهاجم الرهان الديموقراطي دون التمكن من ملاحظتها
وفهمها.
سؤال:
هل يقود التدخل الفرنسي في مالي نحو سياسة مغلوطة؟
بيرتراند
بادي: ينتمي التدخل الفرنسي في أفريقيا إلى النظام القديم. من
صفق له؟ إنهم الدكتاتوريون الأفارقة السعداء بشعورهم بضمان الدعم الذي قد
يحتاجونه، بالإضافة إلى الدول الغربية التي شعرت بالارتياح لعدم وجود الحاجة
لقيامها بأي شيء. يستطيع الأمريكيون أخيراً تكليف دول أخرى بمعالجة المناطق التي
يعتبرونها ثانوية. بالتأكيد، أحس بعض السكان بالارتياح عندما تخلصوا من اضطهاد غير
محتمل أو من تهديد. ولكن المسألة التي تطرح نفسها لها ثلاثة أبعاد: من يجب أن
يتدخل وكيف ولماذا؟ الأمر المغلوط هو طرح هذا التدخل باعتباره قادراً على حل
المشاكل. في هذا الغموض الأبدي للعلاقة بين فرنسا وأفريقيا، قمنا حتى الآن بخمسين
تدخلاً عسكرياً في أفريقيا منذ استقلالها. ما هي النتائج التي توصلنا إليها؟
تتراكب خارطة النزاعات مع خارطة الإهانات. إنها المناطق نفسها التي تتراكم فيها
مشاكل الهوية والدول المفلسة أو غير الموجودة. إن استخدام القوة في هذا السياق
المنهار يجب أن يتضمن تعاوناً مع الشعوب، ويجب القيام به بالترافق مع المعالجات
الاجتماعية، لأن بعض الحركات مثل تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي يستغل هذه
الثغرة للدخول من خلالها.
سؤال:
تريد فرنسا أيضاً إيقاف التهديد الإرهابي في مالي...
بيرتراند
بادي: من يمكنه الاعتقاد بذلك؟ كيف يمكن الاعتقاد بأن دخول
مدينة كيدال سيمنع القنابل المحتملة في الميترو الباريسي؟ وإذا كان المقصود توجيه
ضربة إلى عش النحل، فما هي الفائدة الأمنية في فرنسا؟ لن يؤدي ذلك إلا إلى تشجيع
عدوانية "تجار العنف". إن المقصود ليس مواجهة التهديد الإرهابي،
بل حماية نظام المحسوبيات المتهالك. لا يحقق هذا النظام مصلحة المواطن الفرنسي.
عندما يصبح استخدام القوة سبباً للحرمان، أي مصادراً من قبل قوة عظمى، فإنه يؤدي
إلى شعور بالاحتلال. لا شك أن الشعب المالي يشعر بأن مصيره يُقرر في الخارج حتى لو
كانت أسباب التدخل تبدو صحيحة. كما هو الحال بالنسبة للانتخابات في مالي التي أعلن
عنها فرانسوا هولاند من قصر الإليزيه.
سؤال:
إذاً، ما هو الحل؟
بيرتراند
بادي: يقول اليسار واليمين أنه تقع على فرنسا مسؤولية "خاصة"،
لأنها القوة الاستعمارية السابقة، ويقع عليها واجب التدخل... إذاً، هل يجب على
البرتغال التدخل في أنغولا أو حتى في البرازيل؟ وهل يجب على بريطانيا التدخل في
كينيا، وهل يجب على روسيا التدخل في .... أوكرانيا؟ لماذا تتمتع فرنسا بحق خاص في
مالي؟ إن السؤال "مَن " يتم باسم مسؤولية الحماية، وهو عاهة
نظامنا الدولي. لا تملك الأمم المتحدة جيشاً. إن جميع العمليات المسماة بـ "متعددة
الأطراف" ليست إلا تدخلاً لقوة أو عدة قوى عظمى تعمل كذراع دولية لنظام
متعدد الأطراف غير موجود. وهذا هو السبب في الفشل المتكرر لمثل هذا النوع من
المغامرات المتهورة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق