الصفحات

الخميس، ٨ أيار ٢٠١٤

(أوروبا تحشد إمكانياتها ضد الجهاديين)

صحيفة الفيغارو 8 أيار 2014 بقلم جورج مالبرونو Georges Malbruont

     شارك الرهائن الفرنسيون الأربع السابقون في سورية خلال الأسبوع الماضي بعملية للتعرف الصوتي في مقر الإدارة العامة للاستخبارات الداخلية DCRI بمدينة لوفالوا بيريه Levallois-Perret بالقرب من باريس. قام خبراء مكافحة الإرهاب بإسماعهم أصوات الجهاديين الفرنسيين الذين تم التنصت عليهم على أمل التعرف على نبرة صوت أحد أو بعض سجانيهم في سورية، نظراً لأنه كان هناك بعض الفرنسيين للمرة الأولى في تاريخ عمليات الخطف إلى جانب الإرهابيين الذين كانوا يعتقلون الرهائن الفرنسيين. إنه آخر شكل للكارثة الناجمة عن الفخ الجهادي الذي تواجهه فرنسا وبعض الدول الغربية بعد ثلاث سنوات من بداية الثورة لإسقاط بشار الأسد.
     تجتمع تسعة دول أوروبية معنية بـ "المقاتلين الأجانب في سورية" في بروكسل يوم الخميس 8 أيار مع ممثلين عن الولايات المتحدة وتركيا والمغرب وتونس. أصبحت سورية مغناطيساً للمرشحين إلى الحرب المقدسة أكثر من أي بلد آخر في الماضي. تبعث الأرقام على القلق: هناك ثلاثمائة فرنسي يقاتلون في شمال سورية، بالإضافة إلى مئتي بلجيكي وحوالي مئة هولندي وما بين ثلاثمائة وأربعمائة بريطاني وعشرات الألمان وما بين خمسين ومئة أمريكي... بالمحصلة، هناك أكثر من خمسة عشر ألف أجنبي جاؤوا من حوالي سبعين بلداً. جاءت الأغلبية الساحقة منهم للقتال مع المجموعات الإسلامية الأكثر راديكالية مثل جبهة النصرة، الفرع المحلي لتنظيم القاعدة، والدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام التي ارتكبت أفظع الأعمال الوحشية وكانت تعتقل الرهائن الفرنسيين.
     سيتطرق اجتماع بروكسل إلى عودة هذا العدد الكبير من الجهاديين الأوروبيين، واعترفت وزيرة الداخلية البلجيكية جويل ميلكيه Joëlle Milquet قائلة: "إنه  أحد الأسباب الرئيسية لقلقنا". لقد عاد مئة وثلاثون فرنسياً وحوالي خمسون بلجيكياً حتى الآن، وربما يصل عدد الأوروبيين العائدين من الجهاد إلى حوالي الألف تقريباً. يكمن الخطر في أن ينتقل الأكثر تعصباً منهم إلى الفعل داخل فرنسا وبلجيكا واسبانيا، ويؤخذ هذا الخطر على محمل الجد بشكل كبير. ولكن مراقبتهم تحتاج إلى إمكانيات بشرية ومادية تتجاوز قدرة أجهزة الشرطة في الدول المعنية. أشارت وزارة الداخلية الفرنسية إلى ثلث الجهاديين الفرنسيين في سورية هم من الذين اعتنقوا الإسلام. إن هذا الجزء الهام من الشباب الذين اعتنقوا الإسلام قبل القيام بالحرب المقدسة هو أحد الظواهر الجديدة في مكافحة الإرهاب.
     إذا نظرنا إلى ما هو أبعد من التعزيز المرغوب للتعاون بين أجهزة الاستخبارات الغربية، اعتبرت وزيرة الداخلية البلجيكية جويل ميلكيه أن "وجود قاعدة لتنظيم القاعدة على أبواب أوروبا هو المشكلة الجديدة الأخرى" التي يطرحها النزاع في سورية. أصبح الجميع يعترف الآن أنه في حال سقوط بشار الأسد، فإن الحركة الجهادية ستستفيد من الفوضى من أجل ترسيخ وجودها في منطقة لا يسودها القانون تمتد من شمال ـ شرق سورية إلى غرب العراق، أي على مرمى حجر من أوروبا.
     ينوي الأوروبيون تعزيز تعاونهم مع تركيا لمواجهة هذا التهديد باعتبارها الممر الرئيسي للجهاديين، وهذا هو السبب في وجود مندوب تركي في اجتماع بروكسل يوم الخميس 8 أيار. أعرب المندوب المستقيل للأمم المتحدة في دمشق مختار لماني عن غضبه قائلاً: "لا يهبط هؤلاء الجهاديون بالمظلة في سورية. كان بإمكان تركيا كبح وصولهم باعتبارها حليفنا داخل الحلف الأطلسي". أشارت وزير الداخلية البلجيكية إلى أن "هذه المسائل معقدة". لخص أحد الخبراء الفرنسيين هذا الوضع قائلاً: "يقول الأتراك لنا: ابذلوا المزيد من الجهود لمنعهم من الوصول إلينا. ونحن نقول لهم: ابذلوا المزيد لمنعهم من عبور الحدود مع سورية". أضافت وزيرة الداخلية البلجيكية قائلة: "نحن لا نسعى اليوم إلى إلقاء اللوم على الأتراك، لأنهم أدركوا حجم المشكلة، ولا يريدون أن تُصبح تركيا القاعدة الأساسية للجهاد".
     لكن الأوربيين سيطالبون أنقرة ببذل المزيد من الجهود لمعرفة الجهاديين الذين يعبرون الحدود، وليس بالضرورة اعتقالهم. يرد الأتراك على ذلك بالقول أنهم لا يستطيعوا مراقبة جميع نقاط العبور غير الشرعية بين تركيا وسورية. تطالب أنقرة بالحصول على قوائم اسمية ومعلومات تفصيلية حول المشتبه بهم القادمين من أوروبا، وذلك قبل أن تتبنى سياسة حازمة لا تسامح فيها. في الحقيقة، تخشى تركيا أن ترتد نتائج سياستها عليها، فقد حذر أحد المسؤولين الأتراك قائلاً: "إذا قمنا باعتقال أعداد كبيرة من الجهاديين، فإنهم سينتقمون عبر زرع القنابل في تركيا". بدأت أجهزة الاستخبارات التركية باعتقال بعض الجهاديين بعد عودتهم من سورية، إنه تكتيك يُذكّر بالرهان المزدوج للأجهزة السورية بعد حرب العراق عام 2003 عندما كانت دمشق تغض النظر عن دخولهم إلى العراق واعتقال بعضهم الآخر بعد عودتهم، وذلك لكي تُظهر للأمريكيين أن النظام السوري كان يكافح الإرهاب.
     تظهر الحيرة المتزايدة بسبب الظاهرة الجهادية عبر قيام العديد من الأجهزة الأوروبية منذ عام بإرسال بعض الوفود، ولكن بشكل متفرق، للاجتماع بالأجهزة السورية على الرغم من تجميد العلاقات السياسية مع دمشق. كما لو أنه لا يمكن الاستغناء عن سورية في المعركة ضد الجهاديين. ولكن وزارة الداخلية الفرنسية حذرت قائلة: "لن يتم التطرق إلى هذا الموضوع في بروكسل".


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق