صحيفة الليبراسيون
13 تشرين الثاني 2013 بقلم بعض أعضاء معهد الأبحاث
والدراسات المتوسطية والشرق أوسطية (IREMMO)
ومجلة "الملتقى المتوسطي" (Confluences Méditerranée)
ما
زال المجتمع الدولي معلقاً بتاريخ مؤتمر جنيف في الوقت الذي تهدد فيه مأساة
إنسانية كبيرة السكان السوريين. تصل الصور والأصداء نفسها إلى الخارج ـ نادراً ـ
من مخيم اليرموك والمعضمية والغوطة والمدينة القديمة في حمص: إنها صور أجساد
النساء والأطفال النحيلة التي تُذكّر بالمجاعات الأفريقية خلال الثمانينيات أو حتى بالأجساد الخارجة من
الغيتو في الحرب العالمية الثانية. هل صرخ المجتمع الدولي بوجه الفضيحة؟ هل طالب
بردة فعل؟ لا، إنه صمت ثقيل. هل هذه المجاعات المتكررة هي نتيجة انعدام تنظيم
الدورات الاقتصادية أو نتيجة الحرب الأهلية؟ لا. إنها تتعلق بمجموعة من الإجراءات
القمعية التي يستخدمها النظام منذ وقت طويل، إنها شكل آخر من وسائله القمعية.
إنها
آلية فعالة وبسيطة: محاصرة مداخل ومخارج الحي المستهدف عبر نشر الجنود على المحاور
التي تسمح بالدخول إليه، وإقامة خطوط اختراق إلى مراكز المدن انطلاقاً من مفترقات الطرق،
وإقامة حواجز الرقابة أو منع الدخول.
أطبقت هذه الشبكة بالتأكيد على المقاتلين سواء لدى الجيش السوري الحر أو بقية
المجموعات المسلحة، ولكنها أطبقت أيضاً على جميع السكان. وقعت في هذا الفخ 800
عائلة في المدينة القديمة بحمص، أي حوالي خمسة ألاف مدني باعتبار أن كل عائلة تضم
ستة أشخاص وسطياً. تنتظر هذه العائلات نهايتها تحت أنظار جيش الاحتلال. هناك أوضاع
مشابهة في أماكن أخرى. يتفاقم الوضع في مخيم اليرموك الذي انطلقت منه معركة دمشق
منذ تاريخ 14 تموز عندما أغلقت قوات النظام المنافذ على الأرض. قبل الثورة، كان يسكن
في مخيم اليرموك نصف مليون نسمة. تعرض مخيم اليرموك إلى قصف مستمر منذ شهر تشرين
الأول 2012، الأمر الذي أدى إلى إفراغ جزء من سكانه، ولكن بقي فيه حوالي خمسين ألف
نسمة. إن مخيم اليرموك هو رمز الحضور الفلسطيني في سورية، وأصبح رمزاً لشكل جديد
من القمع على نطاق واسع: إنهاك السكان بالمجاعة. سيقوم الزعماء الدينيون ورجال الدين والشيوخ بدعوة السكان
قريباً إلى أكل الكلاب أو أي نوع آخر من اللحوم التي تم الاعتراف بها أنها لحم
حلال لمواجهة الكارثة الغذائية المحدقة.
إن
هذه الحالات ـ التي تسمح بالتفكير بحقيقة ربما تكون أكثر اتساعاً بكثير على الأرض
ـ تقود إلى ملاحظتين. لماذا يقوم الجيش بتنظيم مثل هذه المجاعات؟ ولماذا يتحمل
السكان خطر البقاء في هذا الحي على الرغم من تضييق الخناق شيئاً فشيئاً؟ إن
الإجابة على السؤال الثاني توفر العناصر للإجابة على السؤال الأول. يوجد اليوم على
الطرقات ما بين ثلث ونصف الشعب السوري. أصبحت المدن أهدافاً للنظام منذ شهر شباط
2012 (وبداية معركة حمص). هناك سببان يقفان وراء هذا الخيار: الأول هو أن القمع ـ
الفردي عبر التعذيب، والجماعي عبر القصف ـ أصبح عقاباً ضد شريحة كاملة من السكان
التي أيدت المظاهرات في أحيائها المؤيدة للمعارضة بشكل أو آخر. إن الفكرة ليست
القضاء على المعارضة بل فرض الخوف والخضوع. ثانياً، أصبح العمل الإنساني سلاح
تدمير شامل بالنسبة لنظام دمشق مع النجاحات المحققة في خريف عام 2012. هناك عاملان
يفسران إستراتيجية النظام: أولاً، إصدار قانون في شهر تموز 2012 يؤكد أن أية
مساعدة ـ تقديم الخبز والأغطية أو السكن ـ يمكن اعتبارها شبيهة بالإرهاب. كما أصبح
سكان الأحياء المستهدفة "أعداءاً داخليين"، وكل "عدو
داخلي" يجب قتله في حرب "شاملة" (كلمة 26 حزيران 2012)،
إن أي شخص يساعد "عدواً داخلياً" يصبح "عدواً
داخلياً" أيضاً.
وهكذا أصبح طريق الهجرة والرحيل عبر مغادرة
السكن والحي أكثر تعقيداً. بالإضافة إلى ذلك، إذا كان الرحيل مؤمناً، فماذا عن
العودة؟ بالنسبة للفلسطينيين الذين وصل عدد كبير منهم إلى سورية عام 1948 وسكنوا
في مخيم اليرموك، هل يجب عليهم الحديث عن الرحيل مرة أخرى وعن غموض العودة؟ وإلى
أين سيتجهون في هذا السياق من الشك والضياع؟ إذا كان العامل الإنساني قد أصبح أحد
الرهانات، فإن السبب أيضاً هو التكتيك الذي يتبعه النظام: إن أي تقدم هام للجيش
الحر يتبعه موجات من اللاجئين بسبب القصف الشامل والممنهج للأحياء السكنية. إن
تدفق السكان الذين يجب عليهم مساعدة مقاتلي الثورة يكبح تقدمهم. إن مخيم اليرموك
وحي المعضمية ودوما وداريا كانت حقولاً لتجربة مثل هذه السياسة مع رحيل مئات آلاف
السكان. إذاً، إذا بقيت بعض العائلات، فإنه هناك سببان على الأقل لتفسير بقائها: مقاومة
النظام البربري الذي يتمنى إفراغ المدن من سكانها لكي يحكمها، واستحالة الرحيل
أمام القمع الرهيب.
كيف
تندمج المجاعة في هذه الإستراتيجية؟ كانت الأسلحة الكيميائية مرئية جداً، والجوع
أكثر سرية وقسوة. كان يجب على النظام أن يجد الوسيلة الراديكالية للقضاء على أية
معارضة أمام استحالة استعادة بعض الأحياء أو السيطرة عليها ـ تضامن السكان منذ وقت
طويل مع الكفاح ضد النظام الذي لا يعدهم إلا بالخوف ـ . تتصف المجاعة بأنها تطال
الجميع. تكشف هذه الوسيلة أيضاً عن بعض مفاهيم السلطة الأسدية. إن النظام مستعد
لاستخدام جميع وسائل الرعب من أجل البقاء والمقاومة. لجأ النظام الستاليني سابقاً
إلى المجاعة على نطاق واسع للقضاء على بوادر العصيان في أوكرانيا الخاضعة لأوامره.
تتمثل هذه الأساليب بالسيطرة على تدفق السكان وحصارهم ومنع وصول الطعام إليهم من
أجل سحق الشعب. ماذا يمثل عشرات آلاف
القتلى بالمقارنة مع انتصار عسكري على جبهات العاصمة. يرتسم وجه سورية التي يدافع
عنها نظام الأسد: إن أي اعتراض يدفع بأي عائلة أو حي أو مدينة أو بلد إلى الفوضى
والقصف أو إلى دوامة المجاعة. بالتأكيد، من المشروع الترحيب بحرمان النظام الدموي
من أسلحته الكيميائية، ولكن هل يمكن تبرير هذا الشعور بالرضى أمام استمرار مثل هذه
الممارسات؟ كم يبلغ عدد الهياكل العظمية للأطفال والنساء والرجال الذين يجب علينا
إحصاءهم قبل الأخذ بعين الاعتبار هذا الأمر البديهي: يكمن سبب المشكلة السورية في
الحفاظ على نظام مستعد للقيام بأي شيء من أجل بقائه على قيد الحياة.
أسماء الموقعين على المقال:
سيباستيان أبيس Sébastien Abis ـ محلل سياسي
ـ كاتب وصحفي
Paul Balta بول بلطا
فرانسوا
بورغات François Burgat ـ باحث في المركز الوطني للدراسات العلمية (CNRS)
ـ عضوة شرف في مجلس الشيوخ
Monique Cerisier-Ben Guiga مونيك سيريزييه ـ بن غيغا
جان
بول شانيولو Jean-Paul Chagnollaud مدير في (Iremmo)
ـ أستاذ التاريخ في جامعة بيرزيتRoger Heacock روجيه هيكوك
يرنار هوركاد Bernard Hourcade
ـ مدير أبحاث في المركز الوطني للدراسات العلمية
ـ أستاذ متقاعد في القانونGéraud de La Pradelle جيرو دولا براديل
ـ مؤرخ ورئيس شرف لجمعية التضامن الفرنسية ـ الفلسطينية Bernard Ravenel برنار
رافانيل
ـ مؤرخ وصحفي
Dominique Vidal دومنيك فيدال
ـ مديرة في مجال الجمعيات
Sylviane de Wangen سيلفيان دو وانجين
ـ مديرة أبحاث في المركز الوطني للدراسات
العلمية Catherine
Wihtol De Wenden كاترين ويتول دو ويندن
ـ باحثة في مجال
الجغرافياKarine
Bennafla كارين بينافلا
ـ أستاذ باحث
Pierre Blanc بيير بلان
ـ باحثة اقتصادية
Estelle Brack إستيل براك
ـ باحث في الشرق الأوسطMarc Gognon مارك غونيون
ـ مديرة دراسات في مدرسة الدراسات العليا للعلوم الاجتماعية Nilüfer Göle نيلوفر غول
ـ أستاذ العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية Ghassan el-Ezzi غسان
العزي
ـ أستاذ جامعي
Jean-Pierre Faugère جان بيير فوجير
ـ باحث سياسيSalam Kawakibi سلام كواكبي
ـ صحفية ومستشارة
Agnès Levallois أنييس لوفالوا
ـ أستاذ جامعي
Ziad Majed زياد ماجد
ـ مديرة مركز المبادرة العربية للإصلاحBassma Kodmani بسمة قضماني
ـ باحث (إسبانيا)Iván Martínإيفان
مارتن
ـ أستاذة محاضرة في جامعة رين الثانيةLeïla Vignal ليلى فينال
ـ باحث في العلوم الاجتماعيةNadji Safir ناجي سفير
ـ جامعة باريس الثانية ـ بانتيون أساس
Manon-Nour Tannous مانون نور طنوس
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق