الصفحات

الثلاثاء، ٢٦ تشرين الثاني ٢٠١٣

(العودة الإستراتيجية الكبيرة لروسيا)

صحيفة الفيغارو 26 تشرين الثاني 2013 بقلم رونو جيرار Renaud Girard

     يمثل اتفاق جنيف الذي توصل إليه وزراء خارجية مجموعة الست وإيران يوم الأحد 24 تشرين الثاني أحد أهم النجاحات الدبلوماسية الدولية منذ اتفاق دايتون الذي أنهى الحرب في البوسنة عام 1995. إن الأمر المثير للدهشة هو أن اسم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف كان الأكثر تداولاً في نشرات الأخبار التي أعلنت نبأ هذا الاتفاق. تحدث وزير الخارجية الروسي عن "اتفاق رابح لجميع الأطراف". يعتبر جميع المراقبين أن روسيا  فرضت نفسها كأحد المحاور الأساسية في هذه المفاوضات الهامة لأنها تحظى باحترام الأمريكيين، ويحذو الصينيون حذوها بكل شيء، ويصغي لها الإيرانيون، ويتودد إليها البريطانيون والفرنسيون. إن الفرق شاسع جداً بالمقارنة مع الوضع الذي كان سائداً أثناء اتفاق دايتون عندما كانت وجهة النظر الروسية لا تمثل شيئاً.
     لا يمكن الآن تصور سيناريو الحرب التي شنها الحلف الأطلسي على صربيا بدون موافقة الأمم المتحدة، وتهميش النفوذ الروسي على الأرض آنذاك، لأن القيصر فلاديمير بوتين لن يقبل ذلك. لا أحد يستطيع الإدعاء اليوم بممارسة الضغوط على زعيم الكريملين الذي يعرف كيف يستفيد بشكل ممتاز من الأوراق الرابحة التي يملكها: أي موارد الطاقة الهائلة وسلطة داخلية مطلقة وجيش يملك السلاح النووي.
     سيتذكر التاريخ أن عام 2013 كان عام العودة الإستراتيجية لروسيا. تحظى روسيا بالزعامة في المشرق أكثر من فرنسا أو بريطانيا أو السعودية التي قامت بدور كبير جداً في حل المسألة اللبنانية عام 1989. فيما يتعلق بالملف السوري، أصبحت موسكو في مرتبة واشنطن إلى درجة أن البعض يتحدث عن "اتفاق دايتون بين طرفين" عند الحديث عن الصعوبات التي يواجهها انعقاد مؤتمر جنيف 2 الذي يُفترض به تشكيل حكومة انتقالية في سورية، وتم تحديد موعد انعقاده بتاريخ 22 كانون الثاني 2014. كان دور هذان القطبان واضحاً جداً في الاتفاق الذي تم التوصل إليه بتاريخ 14 أيلول 2013 حول نزع السلاح الكيميائي للنظام البعثي، عندما كان جون كيري وسيرغي لافروف يتفاوضان في جنيف دون أن يكلفا نفسهما عناء التفكير بدعوة أي طرف آخر إلى طاولة المفاوضات، ولا حتى فرنسا التي تعرف جيداً "الشرق المعقد".

     فيما يتعلق ببقية أنحاء الشرق الأوسط، عرفت روسيا كيف تتقرب بذكاء من جميع الدول التي تكره الإخوان المسلمين مثلها. أصبحت علاقات روسيا مع مصر شبيهة تقريباً بعلاقاتها أثناء حكم عبد الناصر، كما تتفاهم روسيا مع إيران والسعودية وإسرائيل في الوقت نفسه، وهو أمر ليس سهلاً. لم تعرب روسيا، بعكس الدول الغربية، عن إعجابها بـ "الإسلام المعتدل" لرئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان الذي يُنظر إليه اليوم بأنه ليس معتدلاً إلى هذه الدرجة. كانت روسيا أول دولة تعبّر عن تحفظاتها تجاه "العثمانية الجديدة" لوزير الخارجية التركي النشيط أحمد داود أوغلو.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق