افتتاحية صحيفة اللوموند 29 تشرين الثاني 2013
بقلم ناتالي نوغايرد Natalie
Nougayrède
ما
هو القاسم المشترك بين الأحداث التالية التي جرت على الصعيد الدولي مؤخراً: مواصلة
نزع السلاح الكيميائي السوري، الاتفاق الهادف إلى الإشراف على البرنامج النووي
الإيراني، إرسال قاذفتين أمريكيتين B-52 لمواجهة الصين، تردد أوكرانيا بين
الشرق والغرب على خلفية الضغط الروسي و اللامبالاة الأمريكية؟ ترسم هذه الأحداث
ملامح السياسة الخارجية الأمريكية التي دخلت في مرحلة جديدة هي: نهاية عقد الحروب
في الشرق الأوسط و"إعادة التوازن" باتجاه آسيا. ومن الناحية
التكتيكية، إنها أيضاً استخدام لـ "الورقة" الروسية لتحييد بعض
الملفات الحارقة بسبب عدم حلّها بشكل كامل. أخيراً، إنها تراجع أوروبا إلى المرتبة
الثانية سواء بصفتها طرف أساسي أو كمسرح بحاجة للاستقرار والتوسيع من الناحية
الإستراتيجية.
فيما
يتعلق بالشرق الأوسط، من المدهش تزامن المفاوضات السرية بين إيران والولايات
المتحدة حول الملف النووي مع قرار باراك أوباما بالتخلي عن الضربة العسكرية ضد
المواقع السورية في شهر أيلول بعد قيام نظام الأسد باستخدام الأسلحة الكيميائية
بشكل واسع. كشفت الصحافة الأمريكية مؤخراً عن افتتاح قناة اتصال سرية بين البيت
الأبيض وبعض مبعوثي المرشد الأعلى منذ عدة أشهر. إن هذه المعلومات تسلط الضوء على
تغيير موقف الرئيس الأمريكي في الملف السوري. كان يبدو أن باراك أوباما مستعد
لإطلاق صواريخ توماهوك، وأقنع فرنسا بتصميمه على توجيه الضربة. لا شك أنه هناك بعض
الاعتبارات السياسية الداخلية التي فرضت التغيير المفاجىء في موقف أوباما، ولكن
السبب الآخر هو مراعاة الدبلوماسية السرية مع إيران. هل يمكن أن نتصور لحظة واحدة
بأن الضربات الجوية ضد سورية لن تؤدي إلى إغلاق القناة المفتوحة سراً مع طهران؟
لقد
جازف باراك أوباما بإضعاف مصداقيته عندما قام بتغيير موقفه بشكل مفاجىء حول سورية،
ثم جاءت دبلوماسية فلاديمير بوتين لنجدة الرئيس الأمريكي عبر خيار نزع السلاح
الكيميائي السوري تفاوضياً. وهكذا تعزز موقف نظام الأسد. سؤال: ماذا كان يعرف
الروس عن الحوار السري بين واشنطن وطهران؟ بغض النظر عن الجواب، فإن هذه الحلقة
أكدت العلاقة الوثيقة بين الملف السوري والملف النووي الإيراني. إن إحدى أولويات
باراك أوباما هي الحفاظ على التعاون الروسي في العملية الدبلوماسية الصعبة حول
الملف النووي الإيراني. فيما يتعلق بقتل المدنيين السوريين، يبدو أن الولايات
المتحدة لا تستطيع حل جميع المشاكل، وظهر بشكل واضح أن سورية هي مشكلة ثانوية
بالمقارنة مع إيران.
يراهن باراك أوباما على الأمل بتحقيق اختراق
تاريخي مع إيران، وإعادة خلط الأوراق في الشرق الأوسط. وذلك كما فعل ريتشارد
نيكسون عندما تقارب ماوتسي تونغ وخلط المعطيات الدولية. إن هذا الرهان يسمح
للولايات المتحدة بتركيز جهودها حالياً على الرهانات الأساسية في آسيا والمحيط
الهادي. الأمر المثير للسخرية هو أن الصين امتحنت التصميم الأمريكي في الدفاع عن
حلفائه في آسيا (اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان) في اليوم نفسه الذي كانت فيه
جميع الجهود مكرسة للمفاوضات مع إيران في جنيف. كان الجواب الأمريكي واضحاً بقوته
عندما أرسلت واشنطن قاذفتين B-52 إلى "المنطقة الدفاعية الجوية" التي تسعى الصين
إلى الإدعاء بملكيتها بدون حق في مواجهة اليابان. إنها مجرد بداية للمواجهة بين الولايات
المتحدة والصين.
إن
روسيا هي شريك فرضته الظروف على الولايات المتحدة حول الملف الكيميائي السوري
والملف الإيراني. تنوي روسيا الاستفادة من أوراقها الرابحة بأفضل شكل ممكن. لقد
وافق الرئيس الأمريكي منذ عام 2009 على بعض المطالب الروسية بخصوص الدرع الصاروخي
في أوروبا، وألمح إلى فلاديمير بوتين في بداية عام 2012 إلى أنه مستعد "لإظهار
المزيد من الليونة". لم تعد واشنطن قلقة من مطامع النفوذ الروسي في
أوروبا الوسطى، وتركت الاتحاد الأوروبي يتفاوض مع جاره الكبير في الشرق دون التدخل
في الملف الأوكراني. إنه منعطف كبير بالمقارنة مع سياسة جورج بوش الابن وبيل
كلينتون اللذين كانا مصممين على توسيع الهياكل الأوروـ أطلسية في القارة
الأوروبية.
كسب
الرئيس الأمريكي بعض الوقت في هذه الملفات الشرق أوسطية، وقام بـ "تجميدها"
من الناحية الفعلية. يكمن التناقض في أنه لم يكن بالإمكان القيام بأي شيء بدون
التهديد باستخدام القوة تجاه سورية، أو بدون سلسلة العقوبات الاقتصادية غير
المسبوقة تجاه إيران. كانت المساهمة الأوروبية (البريطانيين والفرنسيين بشكل خاص)
هامة في هذين الملفين، ولكن لم يعد هناك الكثيرون في واشنطن للإشارة إلى ذلك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق