صحيفة الفيغارو 22 تشرين الأول 2013 بقلم مراسلها الخاص في مخيم الزعتري جورج مالبرونو Georges Malbruont
سيُغادر (غسان ـ 40 عاماً) مخيم الزعتري بعد عدة
أيام لكي يعبر الحدود سراً، ويدخل مدينته نوى الواقعة على مسافة ثلاثين كيلومتراً.
قال (غسان) الذي كان عاملاً سابقاً في مجال البناء، وحمل السلاح ضد نظام بشار
الأسد قبل عامين: "سأحمل الأدوية إلى الجرحى". إنه عضو في كتيبة
شهداء اليرموك الناشطة في جنوب سورية التي يسيطر التمرد على جزء كبير من هذه
المنطقة، ويذهب (غسان) بشكل منتظم لمساعدة جرحى الثورة. كان يقف هذا اليوم إلى
جانب (عمران ـ 20 عاماً) الذي يستلقي على فرشة من القش داخل مقطورة في المخيم. كان
هذا الرجل تحت الصدمة بعد أن فقد ساقيه بسبب انفجار لغم زرعه الجيش النظامي تحت
سيارته، ولم يكن يقول إلا "الحمد
الله!". قال (غسان): "بدأنا بمعالجته في مكان الحادث، ثم
نقلناها إلى المخيم"، وأكد أنه دفع 300 دينار إلى عناصر الشرطة الأردنية
لنقله، وأضاف متأسفاً: "لم يسمح الأردنيون لأفراد عائلته بمرافقته".
مخيم الزعتري هو أكبر مخيم للاجئين
خارج سورية مع حوالي مئة ألف لاجىء بعد خمسة عشر شهراً من افتتاحه. أصبح هذا
المخيم مدينة تترافق فيها المآسي الشخصية مع أعمال التهريب المربحة لزعماء
المافيا. قال كيليان توبياس Kilian Tobias، أحد المسؤولين في المفوضية العليا للاجئين: "عندما وصلت
لإدارة هذا المخيم، كان 93 % من السكان يأتون من درعا الواقعة على مسافة أربعين
كيلومتراً. ولكن درعا تعيش دوماً بفضل التهريب في الشاحنات بين تركيا وسورية
والأردن". تابع زعماء التهريب عملهم في مخيم الزعتري، وكان ذلك أكثر
سهولة مع شركائهم الأردنيين الذين ينتمون في أغلب الأحيان إلى القبيلة نفسها.
يُحافظ (أبو خليل) على علاقات مع سبع عائلات أردنية في مدينة المفرق المجاورة،
ويقوم ببيع أماكن المحلات داخل المخيم بما يعادل 2500 يورو.
حافظ اللاجئون في مخيم الزعتري على حس التجارة
أو حتى على السرقة. يوجد في المخيم إنارة عامة، قال كيليان توبياس غاضباً: "قام
التجار بوصل كابلاتهم بالإنارة العامة". بفضل ذلك، تستفيد 70 % من الخيام
والمقطورات في الزعتري من الكهرباء، الأمر الذي أدى إلى تحميل المفوضية العليا
للاجئين أعباء مالية أكبر. وهكذا ظهر كارتل احتكاري للكهرباء حول (أبو عادل) و(أبو
يرموك) اللذان يشرفان على حوالي 350 عامل كهرباء. هناك أيضاً كارتل احتكاري لإعادة
بيع حوالي 25.000 خيمة مخصصة لإيواء اللاجئين. تُشير تقديرات المفوضية العليا
للاجئين إلى أن حوالي ثمانية ملايين دينار يتم تداولها شهرياً في مخيم الزعتري.
قال أحد العسكريين في المستشفى الفرنسي: "تفاجأنا قليلاً عندما شاهدنا أحد
الأطفال يحمل آخر موديل من IPad".
تقوم هذه المافيات بتمويل المتمردين، وسيطرت
شيئاً فشيئاً على المخيم الذي يرفض الأمن الأردني دخوله منذ وقت طويل. نجا أحد
الضباط الأردنيين من القتل على أيدي اللاجئين في فصل الربيع الماضي، وأدى قيام
إحدى المنظمات غير الحكومية بتوزيع معجون الأسنان إلى جرح سبعة من عناصر المنظمة الإنسانية.
اضطرت السلطات الأردنية أخيراً إلى إرسال جواسيسها إلى مخيم الزعتري، كما تمت دعوة
الزعماء التقليديين لتقديم المساعدة واستعادة السيطرة على المخيم من زعماء
المافيا.
بدأ الأمريكيون والبريطانيون بتدريب بعض
الأردنيين والسوريين للحفاظ على الأمن. يتراجع الكره تجاه الغرب "العاجز
عن إسقاط الأسد" شيئاً فشيئاً، لكي يحل مكانه المزيد من التفهم
والواقعية. قال أحد العاملين في المجال الإنساني: "لقد توقفوا عن التفكير
بأنهم سيُسقطون بشار قريباً. ويعرفون بأنهم باقون هنا لفترة من الوقت".
كما قال كيليان توبياس: "كان الشباب يعلنون في الميكروفونات حتى شهر رمضان
عن وصول بعض الأسلحة، وأنهم بحاجة إلى متطوعين للقتال. ولكن هذه النداءات لم تعد
موجودة الآن".
كما هو الحال بالنسبة لأغلب المخيمات في العالم،
سيبقى مخيم الزعتري فترة طويلة. سيحصل جميع اللاجئين بحلول نهاية العام على هوية
شخصية حديثة (Biométrique)، وسيتم افتتاح محلات بيع كبيرة (Supermarché) في الصحراء. قال كيليان توبياس: "المساعدة
التقليدية ليست فعالة جداً هنا. إن السوريين في طريقهم نحو إضفاء طابعهم على
المخيم. يجب علينا أن ندفعهم نحو الشعور بالمسؤولية، وأن نتكيف معهم عبر خصخصة
نشاطاتنا".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق