الصفحات

الأربعاء، ٢ تشرين الأول ٢٠١٣

(من أجل فيدرالية في سورية)

صحيفة الليبراسيون 2 تشرين الأول 2013 بقلم برنار دوران Bernard Dorin

     إن الحرب الأهلية في سورية ليست كبقية الحروب الأهلية. إن صفتها الأساسية هي أنها ذات طابع ديني، وبعكس المنطق، تقوم الأقلية الدينية العلوية باضطهاد الأغلبية السنية في البلد منذ وصول البعث السوري ووالد الرئيس الحالي العلوي حافظ الأسد إلى السلطة. من أجل الحفاظ على السلطة العلوية، لم يتصرف ابنه بشار بشكل مختلف تجاه التمرد السني الجديد منذ سنتين ونصف. يجب على أي حل سياسي أن يأخذ بعين الاعتبار هذا الطابع الخاص.
     تتضمن هذه الحرب الأهلية السورية بعض أوجه التشابه مع الحرب الأهلية العراقية. أدى تطبيق  القاعدة الديموقراطية بعد سقوط صدام حسين إلى وصول الرئيس الشيعي نوري المالكي، الأمر الذي تسبب بردة فعل عنيفة من قبل العرب السنة على شكل عمليات تفجير دامية. بالمقابل، هناك نتيجتان إيجابيتان للتدخل العسكري الأمريكي والبريطاني في العراق: الأولى هي تصفية صدام حسين بصفته أحد أسوأ الحكام الدكتاتوريين في عصرنا، والثانية هي إقامة منطقة حكم ذاتي للأكراد في العراق تشمل مناطق أربيل والسليمانية وداهوك. تشهد هذه المنطقة الكردية سلاماً مدنياً وإزدهاراً اقتصادياً بقيادة الرئيس مسعود بارزاني.
     يُشير هذا المثال بوضوح إلى ما يجب القيام به في سورية من أجل إنعاش الاقتصاد المنهار وإعادة السلام الذي يشكل المهمة الأكثر أهمية ويعتمد كل شيء عليها. إذاً، ما العمل؟ يجب ملاحظة أن التدخلات الفرنسية و/ أو الأمريكية بشكلها الحالي لم يكن لها أي هدف محدد باستثناء "عقاب" ـ الذي لم يتم تحديده أيضاً ـ رئيس الدولة السورية. من المؤكد أن "الضربات الجراحية" لوحدها التي يفكر بها الرئيسان الأمريكي والفرنسي لن يكون لها أي تأثير على استمرار النزاع. إذاً، يجب العثور على حل بديل لا يمكن أن يكون إلا عن طريق الضغط الدولي ـ بالمرور عبر مجلس الأمن إن أمكن ـ على الطرفين من أجل فرض وقف إطلاق النار أولاً، ثم البدء بالمفاوضات من أجل الوصول إلى انفتاح ديموقراطي.
     لا شك أنها عملية صعبة جداً وغير مؤكدة. ولكن إذا نجحت، من الملائم بناءها مع الإبقاء في أذهاننا على الوضع في العراق وتجربة الانتداب الفرنسي على سورية بين الحربين العالميتين. كانت السلطات الفرنسية بين عامي 1922 و1939مدركة للوضع الديني المعقد في سورية، وقامت بتقسيم الأراضي الواقعة تحت الانتداب إلى ثلاث دول مختلفة هي: الجمهورية "السورية" في الوسط والشمال مع دمشق وحلب، والجمهورية العلوية حول الجزء الساحلي، والدولة الدرزية في الجنوب.
     أخذ هذا النظام بعين الاعتبار الواقع الديني في سورية، ونجح حتى عشية الحرب العالمية الثانية عندما قررت فرنسا في ذلك الوقت توحيد البلد تحت ضغط الوطنيين السوريين السنة، مع النتائج التي نلاحظها اليوم. إن الحل المنطقي الوحيد والمتوقع للنزاع السوري على المدى الطويل أيضاً، هو تحويل سورية الحالية إلى دولة فيدرالية أو كونفيدرالية تعطي الحكم الذاتي إلى الأقليات الدينية العلوية والدرزية بالإضافة إلى الأقلية العرقية الكردية (التي لم يكن منصوص عليها خلال فترة الانتداب). إذاً، ستكون سورية الجديدة تركيبة من دولة فيدرالية (أو كونفيدرالية) تألف من أربعة كيانات هي: جمهورية (أو الدولة أو المنطقة ذات الحكم الذاتي) سورية الوسطى، والعلوية والدرزية والكردية.
     إن هذا التقسيم سيُرضي الأقليتان الدينيتان المعارضتان، وسيُرضي أيضاً الأقلية العرقية الكردية التي لم تكن دكتاتورية حافظ الأسد تعتبرهم كمواطنين سورييين، وهي تمثل حوالي 15 % من  سكان سورية. إذا نجح هذا التقسيم، سيكون بالإمكان الاستفادة من التجربة السورية كنموذج لحل العديد من النزاعات الموجودة في الشرق الأوسط (في تركيا ولبنان وإيران والعراق بشكل خاص). فيما يتعلق بهضبة الجولان التي لم تعترف أية دولة بضم إسرائيل لها، يجب إعادتها إلى سورية الجديدة، ولكن مع إجراءات عسكرية تحمي الأراضي الإسرائيلية.

     بالتأكيد، تبدو هذه النظرة طوباوية بالنظر للأحداث المأساوية الحالية. ولكن هناك ضرورة مطلقة للتحرك من أجل إيقاف الرعب في النزاع السوري الداخلي وقيام نظام بشار الأسد باستخدام السلاح الكيميائي. قال الشخص الذي نجح في صعود قمة إيفرست بعد وصوله للقمة: "لا يمكن إدراك أن الوصول إلى القمة كان ممكناً إلا عندما نصل إلى قمة الجبل".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق