صحيفة الفيغارو 10 تشرين الأول 2013 بقلم
بيير روسلان Pierre
Rousselin
هل
ستكون القضية السورية والتقارب المعلن بين الولايات المتحدة وإيران علامة على
تراجع الدبلوماسية الفرنسية بعد تراجع الاقتصاد الفرنسي؟ إن الأمرين مرتبطان. أخذت
العلاقات الاقتصادية طابعاً متميزاً في العولمة، ولن تتمكن فرنسا من الحفاظ على "مكانتها"
في العالم إلا عن طريق إيقاف تراجع تنافسيتها الاقتصادية. أعطت فرنسا نفسها دوماً
دوراً أكبر من وزنها الحقيقي. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن يكون تكون هناك عقيدة
محددة بشكل جيد. ولكن مثل هذه العقيدة لم تعد موجودة الآن.
كانت
الأمور تسير بشكل جيد خلال الحرب الباردة، وكانت نظرة الجنرال ديغول واضحة جداً
للمصالح الفرنسية، وبالتالي حدد هدفاً يتمثل بالقيام بدور الحكم بين المعسكرين.
تفاجأ فرانسوا ميتران بإنهيار الاتحاد السوفييتي وتوحيد ألمانيا وانفجار
يوغسلافيا، وذلك كما هو الحال عندما فاجأتنا حركات التمرد العربية. تتصرف فرنسا
دوماً كقوة للحفاظ على الوضع القائم بسبب المصاعب الكبيرة في التأقلم مع تغير كان
حتمياً.
كانت
فرنسا في مقدمة الذين تبنوا مواقف حازمة في القضية الإيرانية وفي الملف السوري،
بسبب مخاطر انتشار أسلحة الدمار الشامل في حال امتلاك إيران للسلاح النووي، ولكن
أيضاً لأسباب لا تتعلق كثيراً بمصالحنا الوطنية. أراد البعض إزالة الانطباع السلبي
لدى الأمريكيين بعد معارضتنا للحرب في العراق. جرّنا هذا التفكير إلى أفغانستان في
حرب لا يمكن الانتصار بها، والتي قمنا بها بدون أن نتمكن من السيطرة على مجرياتها
وبدون أن نتساءل عن مصلحتنا فيها، باستثناء أن نكون إلى جانب حلفائنا.
إذا
كان اللقاء بين فرانسوا هولاند وحسن روحاني في نيويورك يمثل منعطفاً في معالجة
المسألة الإيرانية، فإن النظرة إلى سورية ما زال يحكمها العامل الأخلاقي أكثر من
الدبلوماسية الواقعية. إن المبدأ الذي يُعتمد عليه هو مبدأ "مسؤولية
حماية" السكان المدنيين، هذا المفهوم الذي اعتمدته الأمم المتحدة عام
2005 لتجنب مآسي جديدة كما حصل في رواندا. تم تطبيق هذا الحق في التدخل الإنساني
في ليبيا بتفويض من الأمم المتحدة. ولكنه اصطدم فيما يتعلق بسورية بالفيتو الروسي
والصيني، وتعتبر موسكو وبكين بحق أن هذا الحق تم استخدامه في ليبيا لتبرير تغيير
النظام.
تريد
الدبلوماسية الفرنسية منذ بداية حركات التمرد العربية التعويض عن الدعم الذي قدمته
إلى الأنظمة المتسلطة في المنطقة خلال فترة طويلة. بالتأكيد، يجب دعم نشر
الديموقراطية. ولكن دون أن يفرض تأنيب الضمير مواعظ "حقوق الإنسان"
التي تغلبت على جميع الاعتبارات الأخرى. إن فرانسوا هولاند هو الوحيد الذي يريد
حقاً "معاقبة" بشار الأسد بعد المجزرة الكيميائية بتاريخ 21 آب،
ولكنه اضطر إلى التراجع عندما استبعد الاتفاق الروسي ـ الأمريكي أي "عقاب"
وقام بأمر معاكس تماماً أي: ترقية الزعيم السوري إلى مستوى الشريك المعترف به في
عملية إزالة ترسانته الكيميائية.
هناك
حدود لـ "مسؤولية الحماية". إنها عنصر في شرعية الأمم المتحدة،
ولكن لا يمكنها الحلول مكانها. إن اللجوء إلى القوة ليس مشروعاً إلا إذا تطابق مع
القانون الدولي، وإلا سيتعرض نظام الأمم المتحدة بأكمله للمساءلة، هذا النظام الذي
تتمسك به فرنسا بسبب مقعدها كعضو دائم. يريد لوران فابيوس الخروج من هذا التناقض
عن طريق اقتراحه في مجلس الأمن بالتخلي عن حق الفيتو في حالة "الجرائم
الواسعة النطاق". ليست هناك فرصة لقبول فكرته، وسيكون من الأفضل العودة
إلى أسس عقيدة التدخل الفرنسية. إن ذلك سيُجنبنا الضياع والظهور بمظهر الشرطي الذي
لا يحظى بالمصداقية على المسرح الدولي.
في الوقت الذي تخلت فيه واشنطن عن النزعة
التدخلية لجورج بوش الابن، وتسعى إلى التخلص من الشرق الأوسط، تتمسك فرنسا بنزعة
متطرفة تجاوزها الزمن. إن العودة إلى الدبلوماسية الروسية في الملف السوري، وآفاق
المفاوضات الجوهرية مع إيران، يجب أن تكون فرصة لفرنسا من أجل مراجعة مواقفها تحت
طائلة خطر تهميشها. إن القيام بدور المحامي عن حقوق الإنسان هو جزء أساسي من العمل
الفرنسي. ولكن هذا الأمر الضروري لا يجب أن يدفعنا إلى دعم أية معارضة للأنظمة
الدكتاتورية. تفرض الواقعية أن نشر قيمنا لا يجب أن يكون بديلاً عن الدفاع عن
مصالحنا الوطنية التي يبدو فجأة أننا نجد صعوبة كبيرة في تحديدها في الشرق الأوسط.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق