الصفحات

الجمعة، ٢٠ كانون الأول ٢٠١٣

(تعذيبهم شبيه بتعذيب النظام)

 صحيفة الليبراسيون 19 كانون الأول2013 بقلم هالة قضماني

     انتهت فترة اللعب بالثلج في الرقة بعد  الموجة التي غطت الشرق الأوسط بالثلج، وحملت معها فترة راحة غير متوقعة لهذه المدينة التي تعرضت خلال الأيام الثلاث السابقة للموجة الثلجية إلى قصف دامي أدى إلى مقتل حوالي أربعين شخصاً. لم يكن بإمكان طائرات النظام التحليق، ولم يكن بالإمكان إطلاق الصواريخ البالستيكية ضد السكان. تراجع التوتر الذي كان متصاعداً بين المجموعات المسلحة المتنافسة للسيطرة على المدينة. كما أصبح متطرفو الجبهة الإسلامية في العراق وبلاد الشام التابعة لتنظيم القاعدة الذين يمارسون أعمال الترهيب ضد الناشطين، أقل ظهوراً.
     لم تنته الرقة من دفع ثمن "تحريرها" ووقوعها تحت سيطرة التمرد في شهر آذار. ما زالت قوات النظام تعاقب سكان المدينة بعد أن انسحبت من أول عاصمة لإحدى المحافظات بسبب نقص الإمكانيات أو عدم الرغبة بالسيطرة عليها. تستهدف الغارات شبه اليومية المنازل والمدارس والأسواق مؤدية إلى سقوط الضحايا المدنيين في كل مرة. قال أحد الناشطين في الرقة على الفيسبوك: "إذا أردتم النوم بطمأنينة، احملوا فراشكم وناموا أمام مقر المحافظة"، وذلك في إشارة إلى أن بناء المحافظة لم يتعرض إطلاقاً لقصف الطائرات عن الرغم من تواجد رجال الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام فيه، ويطلق السوريون عليهم اختصاراً اسم: "داعش". يؤكد أغلب السكان المؤيدين للثورة أن هذه المجموعة التي انشقت عن جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة تتمتع بالحصانة. إن مصلحة النظام هي تشجيع المتطرفين من أجل الإساءة لسمعة التمرد بنظر السوريين وبقية العالم. اتضح أن هذه الإستراتيجية حققت النجاح.
      تتطرق جميع الأحاديث في الرقة إلى المقارنة بين ممارسات قوات الأمن التابعة لبشار الأسد وأعمال الترهيب الحالية التي يقوم بها رجال داعش الملثمين. تُذكّر إستراتجية المتطرفين في داعش بممارسات النظام فيما يتعلق بتصفية جميع المعارضين والشهود في المناطق التي يسيطرون عليها. أدى اختطاف العديد من الصحفيين الأجانب والأب اليسوعي باولو دالوغليو إلى ردع أي صحفي من الذهاب إلى سورية منذ عدة أشهر. كما يتعرض الصحفيون ـ المواطنون السوريون للملاحقة أيضاً. قامت المجموعة المتطرفة باعتقال عشرات الشباب في الرقة في مكان سري، ولم تحصل عائلاتهم على أية معلومات عنهم.
     لجأت المقاومة المعروفة في الرقة سعاد نوفل (44  عاماً) إلى تركيا منذ الشهر الماضي. قامت داعش بخطف شقيق هذه المعلمة التي كانت تذهب يومياً إلى مبنى المحافظة للاعتصام مساءا لوحدها. لم تتحمل "دولة الشر" للرجال الملثمين، حسب تسمية سعاد نوفل، رسائل التحدي التي تطالب بالإفراج عن جميع المعتقلين ومن ضمنهم الأب باولو. تعرضت سعاد نوفل للاعتقال والإهانة عدة مرات، ثم للتهديد بما هو أسوأ حتى تخلت في النهاية عن معركتها.
     إن المقاومة السلبية هو الوحيدة التي ما زال يمارسها أغلب سكان الرقة تجاه المتطرفين. أكدت أم نبيل قائلة: "إنهم يتجنبون الاقتراب منا، ولن ينجحوا بتغييرنا إطلاقاً". لم ينجح الجهاديون، بعكس بقية المناطق الواقعة تحت سيطرتهم، بفرض إغلاق المحلات في ساعات الصلاة، ولا في منع بيع الدخان في الرقة. إن خدمات التعليم والصحة والنقل والكهرباء في المدينة تتحسن أكثر فأكثر بفضل المجلس المحلي ومجموعات المتطوعين المدنيين الذين يقومون بتنظيف الحدائق العامة في أوقات الهدوء ورفع الأنقاض بعد الغارات الجوية أو إزالة الثلوج عن الطرقات. كما أطلقوا مؤخراً نداء لجمع التبرعات لشراء المدافىء وجمع الألبسة للاجئين القادمين من إحدى القرى التي تعرضت للقصف. قال أحد الناشطين في هذه المجموعات: "ما دمنا لا نحتج عليهم، ولا نقدم مطالب ديموقراطية، ولا نتدخل في السياسة، فإنهم يتركوننا وشأننا. تماماً كما كان عليه الحال مع النظام...".





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق