الصفحات

الجمعة، ٢٠ كانون الأول ٢٠١٣

(رعب وترقب لدى مسيحيي سورية)

صحيفة اللوموند 19 كانون الأول 2013 بقلم مراسلتها في لبنان لور ستيفان Laure Stephan

     ذهبت ليلى المسيحية الأورثوذكسية إلى ضواحي دمشق في بداية التمرد عام 2011 للقاء المتظاهرين والسكان وتقديم مساعدتها، وشاركت في إحدى التجمعات المضادة للنظام. انخرطت ليلى بعد ذلك بالعمل لمساعدة اللاجئين السوريين الذين يعيشون في ظروف مأساوية أكثر فأكثر، وما زالت مفعمة بشعور التمرد. قالت ليلى: "أستطيع فهم المسيحيين الخائفين والحذرين، ولكن لا أفهم أولئك الذين انضموا إلى حزب المجرم بشار الأسد. من أغرق سورية بالاضطهاد والفساد؟ من بدأ بإطلاق النار؟ لا يمكن إعادة كتابة التاريخ! يقول الكثير من المسيحيين: لا للنظام ولا للتمرد. ولكن رفض الاثنين معاً يعني  الفراغ".
     تعرف ليلى جيداً أن قلق المسيحيين الذين بقي معظمهم حيادياً يزداد مع اتساع النزاع المسلح وصعود المجموعات المتطرفة ابتداءاً بالدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام التي يطلق عليها هنا اختصاراً اسم: داعش. أكدت ليلى قائلة: "المستقبل مظلم. تشعر الطائفة بأن دورها قد حان، وأنها وسيلة، وأنها مهددة من قبل الجهاديين والنظام. يتساءل الكثيرون عن مصدر إطلاق القذائف على المناطق المسيحية في دمشق"، كما يتساءلون عن الصعود المدهش لـ "داعش" التي تعمل ضمن تنظيم القاعدة.
     قام المتطرفون في الرقة بتحويل إحدى الكنائس إلى قاعدة لوجستية، وقاموا بتفكيك الصليب الموجود في المبنى الديني، وعلقوا مكانه العلم الأسود للإسلاميين. إذا كان هذا الاعتداء على الأماكن المقدسة هو من عمل الجهاديين، فإن هذه المبادرة تخدم النظرية التي يلوح بها  النظام منذ عدة سنوات، ويعتبر نفسه مدافعاً عن الأقليات. هل المسيحيون محميون مع بشار الأسد؟ إنهم يتمتعون بالتأكيد بحرية العبادة، ولكنهم كانوا محرومين من تمثيل سياسي فعلي، ويعيشون تحت قانون الصمت مثل بقية السوريين. هناك جذور عميقة لترقب المسيحيين الناجم عن الغموض: إنه الانزعاج الناجم عن "إعادة أسلمة" المجتمع السوري بتشجيع من النظام، إنه شبح العراق المقسم، وشبح لبنان الطائفي.
     قال أحد المسيحيين المقيمين في دمشق: "تلاعب بنا النظام خلال أربعين عاماً. لقد تحول ما كنا نتخيله إلى واقع: أي صعود المتطرفين وانهيار البلد". بقي هذا المسيحي حيادياً على الرغم من أنه يكره النظام كما هو الحال بالنسبة لجزء من رجال الدين المسيحيين برأيه. ولكن ما زال هناك بعض المسيحيين الذين يدافعون عن السلطة إلى جانب الأغلبية الصامتة أو أولئك الذين يدعمون التمرد. قالت سلوى اللاجئة القادمة من حلب: "نعرف من هو بشار. هل أساء معاملة المسيحيين؟ إن وجود زعيم أخر هو المجهول. هل تجدون المتمردين لطفاء، أصحاب اللحى المسلحين الذين ينتشرون في البلد؟ لا يمكن إقناعي بأن المسيحيين سيكون لهم مكان معهم"، إنها تشعر بالحنين إلى ما "قبل"، وتعارض المتمردين بقوة.
     كم هو عدد الذين هربوا من حلب مثل سلوى بعد اندلاع الحرب فيها صيف عام 2012؟ يعتبر الأب اليسوعي نورس سمور من مدينة حلب أنهم أكثر من النصف، واعتبر أن نزوحاً مشابهاً حصل في حمص، وأن 70 % من مسيحيي الجزيرة غادروها مع تقدم المجموعات المتطرفة فيها.  لم يغادر جميع المسيحيين سورية، واستقر بعضهم في المناطق التي تعتبر أكثر أماناً مثل دمشق ووادي النصارى. بدأ بعض رجال الدين المسيحيين منذ عام 2011، وكذلك بعض الذين جعلوا نفسهم ممثلين عن الطائفة مثل الراهبة أنييس ماري دولاكروا ـ وهي لبنانية ـ ، بالذهاب إلى العواصم الغربية للتحذير من مصير المسيحيين.
     أظهر ممثل الفاتيكان في دمشق المونسينيور ماريو زيناري Mario Zenari موقفاً مختلفاً جداً، وأعرب عن أسفه من الخطابات "المتهورة" لبعض الزعماء الدينيين لصالح النظام، وأكد أنه لم يتم استهداف المسيحيين بشكل خاص خلال السنتين الأولى والثانية من التمرد قائلاً: "هناك بعض الموتى، لأن الجميع يعاني من الحرب". ولكن ممثل الفاتيكان في دمشق يشعر بالقلق اليوم جراء تصاعد قوة المجموعات المتطرفة "للأجانب" ابتداءاً بالدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام، واعتبر أن المعطيات تغيرت، وقال: "هناك تهديدات واعتداءات على الأماكن المقدسة وأماكن العبادة المسيحية منذ فصل الربيع. لقد قُتل بعض المسيحيين مؤخراً في السادات التي اشتبك فيها الراديكاليون والجيش للسيطرة على مستودعات للأسلحة".
     لا يريد الأب نورس سمور الاسترسال حول ادعاءات المسيحيين. بالنسبة له، إن الأمر العاجل هو مساعدة العديد من النازحين في دمشق من جميع الطوائف بمساعدة زملائه في القسم اليسوعي للاجئين و"إنقاذ ما يمكن إنقاذه من سورية التي تشمل الجميع". إن ذلك يمر عبر النشاطات المخصصة للأطفال. تحدث الأب اليسوعي عن تغيير مستمر لجبهات هذه الحرب، ويخشى من أن "الكثير من المسيحيين الذين غادروا إلى الخارج لن يعودوا في حال استمرار الحرب". هذه هي إحدى بواعث القلق الأساسية للكنائس السورية. يريد المونسينيور زيناري رؤية بصيص من الأمل في المجزرة السورية مع هذا "التضامن وهذا الانخراط الإنساني الذي يظهر بشكل يتجاوز إطار الطوائف". إنه يريد الأمل بأن المؤتمر الدولي جنيف 2 سيفتح مخرجاً للأزمة باعتباره الجهد الأخير. ولكن انعقاد هذه المفاوضات المرتقبة في 22 كانون الثاني ما زال غير مؤكد.
     يتساءل المسيحيون في بيروت أيضاً عن نتائج المأساة السورية. أدان رجال الدين المسيحيين اختطاف الراهبات من أحد الأديرة الأورثوذوكسية في معلولا من قبل جبهة النصرة. انعقدت العديد من المؤتمرات لتحليل مصير الطائفة المسيحية في المشرق. لم نرى فيها الكثير من العلمانيين المنخرطين، ولكن رأينا خليطاً من الشخصيات السياسية والدينية. تأسف أحد العلمانيين قائلاً: "لا ينجم عن هذه المؤتمرات إلا إعادة إطلاق التحذيرات"، واعتبر أن خطاب الخوف تجاه التطورات السورية انتصر داخل المسيحيين في لبنان في المعسكرين السياسيين (المؤيد والمعارض لبشار الأسد)، وأضاف متأسفاً: "الخوف هو أمر جوهري لدى مسيحيي الشرق. حان الوقت للتساؤل حول موقفنا الانطوائي". إن هذا اللبناني من أصل عراقي مُقتنع بأنه "لو حقق التمرد في سورية نجاحات جوهرية وسريعة، فإن المسيحيين كانوا سينضمون إليه. إن التمرد متهم أيضاً: لم يعرف كيف يرسل الضمانات إلى الأقليات. ومن هو المسيحي الذي سيثق بالجهاديين؟".


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق