صحيفة الفيغارو 6 تشرين الثاني
2014 بقلم بيير روسلان Pierre Rousselin
ستحتفل ألمانيا بالذكرى الخامسة والعشرين لسقوط
جدار برميل بعد عدة أيام (9 تشرين الثاني)، لن تكون هذه الاحتفالات باذخة على
الرغم من الأهمية التاريخية لهذا الحدث بالنسبة للقارة الأوروبية. ستكون هذه
الاحتفالات أكثر تواضعاً بكثير من احتفالات الذكرى العشرين، لأن برلين تريد تجنب
الانطباع السائد حول هيمنتها على القارة الأوروبية.
نجحت
ألمانيا بامتياز خلال الخمسة والعشرين عاماً الماضية في توحيد نفسها، وتأقلمت مع
العولمة بشكل ضمن لها مكاناً متميزاً في سلسلة الانتاج العالمي، وتقودها اليوم
إحدى الرئيسات النادرات في أوروبا اللواتي يتمتعن بشعبية يُحسدن عليها. ليس من
الضروري الاسهاب حول الوضع السياسي المتردي في فرنسا وبريطانيا وإسبانيا لكي ندرك
أن برلين أصبحت الدعامة الأخيرة للاستقرار الأوروبي.
بدأت
المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ولايتها الثالثة ضمن أفضل الظروف في الوقت الذي
يتغير فيه قادة المؤسسات الأوروبية. إنها تسيطر بشكل كامل على التحالف الحكومي
الداخلي مع الحزب الاجتماعي الديموقراطي، وهذا التحالف يلائمها بشكل أكبر من
التحالف السابق مع حزب الخضر، كما أن حرية المناورة التي تتمتع بها أنجيلا ميركل
لا يحظى بها أي من شركائها في العواصم الأوروبية. تملك أنجيلا ميركل أفضل العلاقات
مع المؤسسات الأوروبية لكي تدير أوروبا وتسيطر على عواقب أزمة اليورو التي تمثل
القلق الأساسي بالنسبة لها.
إن
وصول الرئيس السابق للحكومة البولونية دونالد تاسك Donald Tusk
إلى رئاسة المجلس الأوروبي بدلاً من البلجيكي هيرمان فان رومبوي Herman Van Rompuy يمكن اعتباره كعلامة على النفوذ المتزايد
للمستشارة الألمانية على السياسة الأوروبية. لا يتمتع دونالد تاسك بأية خبرة على
الصعيد الأوروبي بعكس سلفه، وهو يتكلم اللغة الألمانية، ولكنه لا يتكلم اللغتين
الفرنسية والإنكليزية. تشكل بولونيا الحليف الأساسي لألمانيا في أوروبا الموسعة.
هل سيتمكن دونالد تاسك من إيجاد التوازن في المجلس الأوروبي الذي لا يوجد فيه أي
منافس لألمانيا؟
فيما
يتعلق بالرئيس الجديد للمفوضية الأوروبية جان كلود جونكر Jean-Claude
Juncker، إذا ظهر أن أنجيلا ميركل ترددت في تأكيد
تسميته، فإنه لكي لا تعط الانطباع بالتنازل أمام البرلمان الأوروبي. يجب ألا ننسى
أن المستشارة الألمانية هي التي أعادته إلى الواجهة، وفضلته على الفرنسي ميشيل
بيرنيه، عندما اختاره الحزب الشعبي الأوروبي PPE
لكي يترأس قائمته الانتخابية في الانتخابات الأوروبية الأخيرة.
أصبحت سلطة السيدة ميركل مؤكدة في أوروبا، ولا
يخلو هذا التفوق من بعض النتائج السلبية. عندما تباهى دافيد كاميرون بدعمها من أجل
مواجهة مزايدات الأحزاب البريطانية المشككة بأوروبا، اضطرت المستشارة الألمانية
إلى تهدئته كما لو أنها تفعل ذلك باسم جميع دول الاتحاد الأوروبي أو حتى باسم
المؤسسات الأوروبية نفسها. قالت أنجيلا ميركل إلى دافيد كاميرون عندما اقترح تقييد
هجرة الأوروبيين غير المؤهلين أن حرية التنقل داخل الاتحاد الأوروبي هي إحدى "أسس"
المعاهدات الأوروبية.
فيما
يتعلق بالملف الأوكراني الصعب، إن أنجيلا ميركل هي التي تحدد المسار. يعتمد باراك
أوباما على المستشارة الألمانية التي أضفت على الدبلوماسية الألمانية تشدداً
جديداً تجاه موسكو منذ ضم شبه جزيرة القرم. يعتبر المحلل الألماني الخبير بالشأن
الروسي ألكسندر راهر Alexandre Rahr أن المعادلة
الأوروبية ليست غريبة عن هذا التحول الكبير: إن الأولوية المطلقة لأنجيلا ميركل هي
الحفاظ على انسجام دول الاتحاد الأوربي، الأمر الذي قادها إلى مراعاة الشكوك
التقليدية لبولونيا ودول البلطيق تجاه موسكو، وإلى مقاومة الضغوط الداخلية لرجال
الأعمال الألمان الناشطين في روسيا.
تمثل
أنجيلا ميركل وجه أوروبا في الخارج، وستبقى ممثلة لها خلال السنوات الأربعة
القادمة أكثر من أي زعيم أو ممثل للمؤسسات الأوروبية في بروكسل. بدأت بعض المخاوف
من بروز "أوروبا ألمانية" بعد خمسة وعشرين عاماً من سقوط جدار
برلين، ولا تخلو هذه المخاوف من الصحة. يبقى على عاتق المستشارة الألمانية أن
تضطلع لوحدها تقريباً بمسؤولية كبيرة جداً في ظل غياب الدور الفرنسي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق