صحيفة اللوموند 12 تشرين
الثاني 2014 بقلم مراسلها الخاص في مدينة غازي عنتاب التركية بنجامان بارت Benjamin Barthe
تقع
غازي عنتاب على بعد مئة كيلو متر من حلب ومئتي كيلو متر من الرقة، ولكن هاتين
المدينتين تبدوان كأنهما تقعان في قارة أخرى بالنسبة للحكومة المتمردة السورية
المقيمة في غازي عنتاب. بدأ فريق رئيس الوزراء أحمد طعمة عمله قبل عام واحد،
ويواجه صعوبة في إثبات وجوده داخل الأراضي المأخوذة من القوات النظامية. كما أن
هذه الحكومة غير متواجدة في المركزين الحدوديين اللذين يسيطر عليهما المتمردون في
باب الهوى وباب السلامة. اعترف محمد سرميني، مستشار رئيس الحكومة، غاضباً بقوله: "أعددنا
خطة لنشر رجال الجمارك، ولكن قادة المجموعات المسلحة يعارضون أي تطبيق لها. إن
أولئك الذين يُفترض بهم أن يكونوا شركاءنا يتصرفون كأسياد حرب في أغلب
الأحيان".
تواجه هذه الحكومة قصفاً مستمراً من قبل نظام
بشار الأسد، وتواجه عداء المجموعات المسلحة ولاسيما جهاديي الدولة الإسلامية الذين
يسيطرون على جزء متزايد من الأراضي المسماة بـ "المحررة". يضاف
إلى ذلك موازنتها المحدودة والنقص الصارخ في الخبرة والخلافات العابرة مع الائتلاف
الوطني السوري الذي يمثل الواجهة السياسية للمعارضة المقيمة في استانبول. قال أحد
المستشارين الغربيين: "في أفضل الأحوال، عندما تملك هذه الحكومة نقطة
اتصال على الأرض، فإنها تتصرف كمنظمة كبيرة غير حكومية. في أغلب الأحيان، إنها آلة
بيروقراطية ضخمة ذات كفاءات معدومة".
تقيم
"الحكومة المؤقتة السورية"، حسب التسمية الرسمية لها، في مبنى
أبيض اللون يتألف من ثلاثة طوابق في إحدى الأحياء السكنية في غازي عنتاب. يرفرف
العلم التركي وليس العلم السوري على مدخل هذا المبنى، وهو أمر ذو دلالة، وذلك
نظراً لأن هذه الحكومة في المنفى لا تحظ بأي اعتراف رسمي. بعد عبور الباب
الإلكتروني، يشبه هذا المبنى من الداخل أية إدارة عربية تقليدية، وتنتشر فيه رائحة
الدهان الحديث العهد، بالإضافة إلى الأثاث الجديد. هناك الكثير من الأعلام بألوان
الثورة في المكاتب، وبعض شاشات البلاسما، وخرائط كبيرة تحت الزجاج، ولكن هناك
القليل من الملفات وأجهزة الكمبيوتر. قلل أحد الدبلوماسيين الأجانب من أهمية ذلك
بقوله: "إنه أمر تقليدي في الدول التي تخرج من سنوات الدكتاتورية".
وعد
العرابون الغربيون والعرب للمعارضة بتقديم ملياري دولار استجابة لطلب أصدقاء
سورية، ولكن الحكومة لم تتلق إلا خمسة وستون مليون دولار، ومن مصدر واحد هو قطر.
يأبى الكثيرون عن تمويلها خوفاً من أن تشكل عقبة إضافية أمام تشكيل حكومة وحدة
وطنية تضم المعارضين وبعض شخصيات النظام، وهذا ما طالب به المجتمع الدولي للخروج
من الأزمة ضمن فرضية ـ غير محتملة إطلاقاً ـ يرضى فيها بشار الأسد بالرحيل.
في
الطابق الثاني، قام وزير الاتصالات والنقل ياسين نجار بتعداد نجاحات عمله: إصلاح
حوالي خمسين مركز هاتفي في أنحاء سورية، وبناء جسر عائم في محافظة حماة، وحفر
الطرق في منطقة حلب... إن العامل الرئيسي لفخره هو إعادة تشغيل شبكة الأنترنت في
أحياء هذه المدينة التي تقع تحت سيطرة
الثوار. قال ياسين نجار: "لدي مئة وخمسين موظفاً تحت أمرتي، منهم 80 %
يعيشون داخل سورية. كان أغلبهم موظفين سابقين في الدولة، وتم فصلهم بسبب معارضتهم
لنظام الأسد. إنهم يخاطرون كثيراً من أجل العمل ميدانياً".
وقع
إهمال مأساوي أضرّ بمصداقية الحكومة. مات أربعة وثلاثون طفلاً مسمومين في منطقة
إدلب خلال إحدى الحملات لمعالجة مرض الحصبة في منتصف شهر أيلول. لقد خلط الفريق
الطبي اللقاحات مع أحد المخدرات المصنوعة من مادة الكورار Curare،
وهو خليط قاتل بالنسبة للأطفال صغار السن. تبادلت الحكومة والائتلاف الوطني السوري
تحميل مسؤولية هذا الخطأ، إنه أحد نقاط الخلاف الكثيرة بين هاتين الجهتين. قال أحد
المستشارين العاملين في غازي عنتاب: "انتهزت الدولة الإسلامية هذه الفرصة
فوراً بحس سياسي مخيف، وتجول ناشطوها مع مكبرات الصوت في المناطق الواقعة تحت
سيطرتهم مؤكدين أن اللقاحات في مناطقهم آمنة".
أدركت الحكومة ضرورة تحسين صورتها، وفرضت على
نفسها سياسة تقشفية. لقد تم تخفيض الرواتب. كانت الحكومة سخية حتى ذلك الوقت، وذلك
كردة فعل على الرواتب المنخفضة التي يعطيها نظام الأسد بشكل يشجع على الفساد. أصبح
الوزراء يتقاضون 3300 دولار شهرياً بدلاً من 5000 دولار. يخلو مكتب رئيس المكتب
العسكري أحمد البري من أية وثيقة، ولم يُخف عجزه قائلاً: "ليست لدي أية
وسيلة لإعطاء الأوامر، وليس لدي المال لتوزيعه. إن الأطراف المانحة ترسل أموالها
مباشرة إلى المجموعات المسلحة بدون استشارتنا". كان أحمد البري ضابطاً
سابقاً في الجيش النظامي. تراجع مجال العمل الميداني لـ "الحكومة"
بشكل متزايد بعد التقدم الأخير في منطقة إدلب الذي حققته جبهة النصرة ـ الجناح
السوري لتنظيم القاعدة. إذا كان الوزراء في الخارج قد وافقوا بشكل غير مباشر على
القصف الأمريكي ضد هؤلاء الراديكاليين، فإنهم يأسفون لعدم تعرض القوات المؤيدة
للأسد للقصف. قال أحمد البري متأسفاً: "يُنظر إلينا أكثر فأكثر كعملاء
للخارج".
ـ يدعو محمد سرميني إلى تقديم دعم مالي متزايد
في ظل عدم وجود دعم عسكري، وأكد قائلاً: "لو كانت الحكومة المؤقتة تملك
الوسائل لمساعدة السكان، فإن المعارضة المعتدلة ستتمتع بالشعبية سريعاً".
الدول الغربية مترددة، وتعلمت الحذر بسبب الوضع المتقلب. في بداية عام 2014، قامت
الحكومة المتمردة بتمويل إعادة تشغيل الشبكة الهاتفية في مدينة البوكمال، ولكن
المدينة سقطت بأيدي مقاتلي الدولة الإسلامية بعد عدة أشهر من تشغيلها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق