صحيفة اللوموند 7 تشرين الثاني 2014 بقلم مراسلها الخاص في
الريحانية (تركيا) بنجامان بارت Benjamin Barthe
كان زعيم جبهة ثوار سورية جمال معروف مُعتبراً
في بداية العام كالحصان الأبيض الجديد للتمرد السوري، فقد استطاع هو ورجاله خلال
شهر كانون الثاني إبعاد جهاديي الدولة الإسلامية خارج محافظة إدلب. كان جمال معروف
يحصل على أسلحته من الولايات المتحدة والسعودية، وكان يجسد الأمل بعودة القوة
للمتمردين المعتدلين، وكان من المفترض أن تكون قواته من بين المستفيدين من الخطة
التي أعلنها باراك أوباما حول تدريب آلاف المتمردين السوريين في إطار مكافحة
الدولة الإسلامية. ستتم إعادة النظر بهذا المشروع، لأن جبهة ثوار سورية انهارت في
نهاية الأسبوع الماضي أمام الضربات العنيفة من جبهة النصرة المعروفة بدورها الأساسي
في القتال ضد النظام وحلفائه ولاسيما حزب الله الشيعي اللبناني. لقد استولى الجناح
السوري لتنظيم القاعدة على أغلب قواعد جبهة ثوار سورية في جبل الزاوية بجنوب إدلب،
وسيطر على مركز قيادة جمال معروف المحفور تحت الأرض في قرية دير سنبل لمقاومة قصف
الطائرات السورية. أشارت شبكة شام للإعلام أن جمال معروف لجأ إلى تركيا كما هو
الحال بالنسبة لعدد كبير من مقاتليه، ولكن بعض مقاتليه اختاروا العمل تحت إمرة
جبهة النصرة.
ترمز
هذه الهزيمة إلى تصدع التمرد في شمال سورية تحت تأثير الهجمات من قبل الجهاديين
والجيش النظامي الذي يتقدم في حلب. قال أحد مقاتلي جبهة ثوار سورية خلال إقامته في
مدينة الريحانية على الحدود السورية: "تريد جبهة النصرة إنشاء إمارتها،
وتريد الاستيلاء على أرض كما تفعل الدولة الإسلامية". كان جمال معروف
عاملاً في مجال البناء، وكان من أوائل الذين حملوا السلاح في محافظة إدلب على رأس
كتيبة ثوار سورية التي تأسست في شهر كانون الأول 2011، وساهم في طرد القوات
الحكومية من هذه المنطقة. لم يكن جمال معروف سلفياً ولا من الإخوان المسلمين على
الرغم من سلوكه المحافظ والمتشدد في الأرياف السورية، وذلك بعكس الكثير من زملائه
في التمرد. بهتت هالته كمقاتل شيئاً فشيئاً بسبب بعض الاتهامات بالفساد وبأنه
اختلس الأموال التي كان يرسلها الممولون السعوديون. أطلق عليه منافسوه اسم جمال
مخلوف في إشارة إلى رامي مخلوف ابن خالة بشار الأسد.
وقعت
الاشتباكات الأولى مع جبهة النصرة في بداية عام 2014 بعد فترة قصيرة من تأسيس جبهة
ثوار سورية التي تضم خليطاً من حوالي خمس عشرة كتيبة. كانت المجموعتان تتنافسان
للسيطرة على تهريب النفط إلى تركيا. عندما ظهر في بداية الصيف أن جبهة ثوار سورية
هي إحدى الأطراف التي حصلت على الصواريخ المضادة للدبابات التي أرسلتها الولايات
المتحدة إلى المتمردين، اكتسبت المنافسة طابعاً إيديولوجياً. بدأ الجهاديون ينظرون
إلى تدريب جمال معروف باعتباره نواة "الصحوة" على شاكلة الميليشيات السنية التي قامت الولايات
المتحدة بتعبئتها في العراق من أجل إلحاق الهزيمة بتنظيم القاعدة. ازدادت خشية الجهاديين
من تعرضهم لهجوم المتمردين في شهر أيلول، وذلك عندما بدأ الطيران الأمريكي الحرب
ضد الدولة الإسلامية، وقصف أحد مواقعهم. قال أحد الدبلوماسيين الأوروبيين: "بدأت
الولايات المتحدة الحرب بالمقلوب. أدى القصف الأمريكي إلى زيادة حظوة جبهة النصرة
في المناطق المحررة. استفادت هذه الحركة أيضاً من انخراطها ضد حزب الله، وذلك في
سياق تفاقم مشاعر الحقد ضد الشيعة. إن جبهة النصرة أكثر انسجاماً مع الشارع
بالمقارنة مع جمال معروف الذي زالت مصداقيته بسبب تجاوزاته".
استخدمت جبهة النصرة هذه الشعبية من أجل الحصول
على معقل جديد. كانت جبهة النصرة بحاجة إلى تثبيت أقدامها على الأرض بعد أن طردتها
الدولة الإسلامية من محافظة دير الزور في بداية الصيف. يدل على ذلك أن هجومها في
جبل الزاوية لم يقتصر على تصفية حساباتها مع جبهة ثوار سورية، بل سيطر أيضاً على
مركز قيادة حركة حزم، وهي مجموعة مسلحة أخرى تدعمها واشنطن. أصبح الجناح السوري
لتنظيم القاعدة متواجداً على مسافة عدة كيلومترات من مركز باب الهوى الحدودي الذي
يمثل ممراً هاماً للمعارضة بالقرب من الريحانية. قال أحد قادة الجيش السوري الحر
محمد عبود مُحذراً: "تتصرف جبهة النصرة أكثر فأكثر مثل الدولة الإسلامية.
إن رجالها سيسحقوننا واحداً تلو الآخر إذا لم نتحرك. ليس لدينا خيار، يجب الانتقال
إلى الهجوم".
لا
تحظ هذه المسألة بالإجماع بين المتمردين. تراهن أغلب المجموعات المسلحة في شمال
سورية على ورقة الحيادية: إما لأنها تخشى من جبهة النصرة، أو لأنها تأبى مساعدة
جمال معروف، أو لأنها تعطي الأولوية إلى حلب التي أصبح الجيش النظامي لبشار الأسد
على وشك محاصرتها. قال القائد العسكري للفوج الخامس، وهي مجموعة جديدة تحظى بدعم
الولايات المتحدة، فارس بيوش Farès Bayoush: "ليس
لدينا أي تعاطف مع تنظيم القاعدة، بل ونعتقد أننا على قائمته السوداء. ولكننا
نعتقد أنه ليس من الحكمة فتح جبهة ثالثة بعد الجبهة ضد النظام والجبهة ضد
داعش". في أحد مقاهي الريحانية، أقسم أبو علي، أحد جنود جبهة ثوار سورية،
متبجحاً أنه سيعود للقتال من أجل استعادة جبل الزاوية، ولكن قسمه يبدو زائفاً. لقد
كان جالساً هو ورفاقه يشاهدون أحد برامج الألعاب التلفزيونية، ويبدو أن الحرب قد
انتهت، وبالهزيمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق