صحيفة الفيغارو 24 تشرين
الثاني 2014 بقلم الباحث الاقتصادي نيكولا بافريز Nicolas Baverez
إن
انخفاض سعر النفط بنسبة 32 % خلال الأشهر الخمس الماضية يشكل اضطراباً اقتصادياً
وإستراتيجياً. لم يكن أحد يتوقع انخفاض سعر برميل النفط برنت إلى أدنى من ثمانين
دولاراً للبرميل الواحد، وذلك بعد أن كان يتأرجح بين 100 و120 دولار منذ عام 2010.
يمكن تفسير هذا الانخفاض أولاً عبر صدمة العرض المترافقة مع الثورة التكنولوجية
والجغراسياسية.
سيطرت النظريات المالتوسية المتعلقة بارتفاع
الطلب على أسواق الطاقة لفترة طويلة بسبب تزايد عدد السكان. ولكن الابتكارات
المتعلقة بالهيدروكربونات غير التقليدية أظهرت خطأ هذه النظريات، الأمر الذي سيسمح
للولايات المتحدة بأن تصبح مرة أخرى الدولة الأولى المنتجة لها في العالم مع نهاية
هذا العقد وإعادة توطين الصناعات فيها. أصبحت الولايات المتحدة تُنتج تسعة ملايين
برميل نفط يومياً بشكل يغطي 60 % من احتياجاتها الحالية (16 مليون برميل يومياً)
بعد أن كانت تُغطي 40 % من احتياجاتها عام 2010. ستصبح الولايات المتحدة دولة
مصدرة للنفط قبل عام 2020.
في
الوقت الحالي، هيمنت زيادة الانتاج الأمريكي من النفط على بقية الاعتبارات الأخرى
المتعلقة بعوامل المخاطرة المتعلقة بارتفاع درجة حرارة المناخ وتحديد سقف ارتفاع
درجات الحرارة بدرجتين مئويتين بحلول عام 2100، وبكارثة فوكوشيما التي تسببت
بارتفاع كبير في سعر الغاز في آسيا، وبالتوترات الاستراتيجية الناجمة عن تفكك
الدول في الشرق الأوسط والحرب الباردة الثانية التي بدأتها روسيا.
ما زال
انتاج النفط في العراق وليبيا ديناميكياً على الرغم من الفوضى، كما أن العقوبات
الدولية لم تؤثر على الاستثمارات النفطية الروسية (عشرة ملايين نفط يومياً). اتسعت
صدمة العرض النفطي بسبب تباطؤ النمو العالمي الذي يهدد بالاتساع من الاستثمار إلى
الاستهلاك. تراجع النمو في الدول الصاعدة بسبب إعادة توجيه النموذج الصيني نحو
الاستهلاك الداخلي بدلاً من النموذج القائم على الصادرات، وهذا هو السبب الذي
يُفسر إلى حد كبير تراجع التجارة العالمية التي انخفض معدل نموها السنوي من 6 %
بين عامي 1990 و2008 إلى 2.2 % حالياً.
يترافق انخفاض سعر النفط أيضاً مع بعض العوامل
الجغراسياسية الحاسمة. أدى انخفاض سعر النفط إلى إضعاف عدد من الدول المتمردة على
المجتمع الدولي مثل روسيا وإيران وفنزويلا. من جهة أخرى، يحقق هذا الانخفاض
المصالح السعودية في إطار الشكل الجديد وغير المسبوق للشرق الأوسط الذي يشهد تشكيل
محور بين المملكة الوهابية ومصر وإسرائيل في مواجهة المحور الشيعي المكون من إيران
والعراق وسورية وحماس وحزب الله. هذا هو السبب الكامن وراء القرار السعودي بعدم
تخفيض إنتاجها النفطي والحفاظ على مستوى انتاج الدول المصدرة للنفط البالغ ثلاثين
مليون برميل يومياً.
من المفترض أن تساهم جميع الأسباب المذكورة
أعلاه في بقاء سعر النفط حول ثمانين دولاراً للبرميل الواحد لفترة طويلة، إلا إذا
تدهور الوضع الدولي. تمثل الصدمة النفطية المعاكسة أمراً إيجابياً بالنسبة
للاقتصاد العالمي، وسيزداد إجمالي الناتج المحلي PIB
العالمي 0.2 % مع الإبقاء على معدل منخفض للتضخم. تمثل هذه الصدمة النفطية
المعاكسة أيضاً تحويلاً للثروة بمقدار ثلاثة مليارات دولار يومياً من الدول
المنتجة للنفط إلى الدول المستهلكة له.
ساهمت هذه الصدمة النفطية المعاكسة في تعزيز
الانتعاش الاقتصادي الأمريكي، ووصل معدل النمو السنوي في الولايات المتحدة حالياً
إلى أكثر من 3 % على الرغم من استقرار الاستثمار والعمالة في قطاعات
الهيدروكربونات غير التقليدية. من الممكن أن تستفيد أوروبا أيضاً بمعدل 0.2 % في
النشاطات الاقتصادية. سيكون تأثير هذه الصدمة النفطية المعاكسة حياديا على اليابان
بسبب انخفاض سعر عملتها بنسبة 25 %. بالمقابل، ستتعرض الدول الكبرى المصدرة للنفط
لخسائر كبيرة في مواردها المالية، ولاسيما روسيا ـ التي يتسارع تدهور سعر عملتها
وهروب رؤوس الأموال منها ـ وإيران والعراق
والبرازيل وفنزويلا ونيجيريا وأنغولا والجزائر.
تبرز
ثلاثة دروس من هذه المعطيات النفطية الجديدة. أولاً، إن تزايد الصدمات والمفاجآت
الاستراتيجية أصبح العلامة المميزة للقرن الواحد والعشرين الذي يُجبر الأفراد
والشركات والدول على التأقلم بشكل دائم. ثانياً، إن إفلاس التنبؤات المالتوسية لا
يعني التشكيك بضرورة أن يكون هناك إدارة اقتصادية للطاقة والمواد الأولية، وإعطاء
الأولوية للابتكارات التكنولوجية بدلاً من إدارة النقص في الموارد عبر الضرائب.
ثالثاً، إن انهيار سعر النفط، مثل انهيار سعر اليورو، يُشكل بالوناً من الأوكسجين
بالنسبة لفرنسا وأوروبا، ولكن لا يجب استخدامه كوسيلة للحفاظ على الوضع القائم بل
كوسيلة لتسريع الإصلاحات الأساسية القادرة لوحدها على توليد النمو والعمالة بشكل
دائم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق