الصفحات

الاثنين، ٢٨ أيلول ٢٠١٥

(كيف ستكون دولة إسرائيل بعد عشرين عاماً؟)

صحيفة الفيغارو 14 أيلول مقالاً 2015 بقلم مراسلها في إسرائيل سيريل لوي Cyrille Louis

     يمثل العامل السكاني في إسرائيل موضوعاً متفجراً أكثر من أي بلد آخر. يتطرق البعض إلى هذا الموضوع لكي يتنبأ بإقامة حكم ديني يُسيطر عليه اليهود المتطرفون. يستخدم البعض الآخر هذا الموضوع لإدانة النفوذ المتزايد لـ "الطابور الخامس" العربي. ينظر الجميع إلى هذا الموضوع بالشكل الذي يلائمه لكي يؤكد قراءته للنزاع مع الفلسطينيين. قال الأستاذ في الجامعة العبرية في إسرائيل سيرجيو ديلابيرغولا Sergio DellaPergola متأسفاً: "تنظر أغلبية الطبقة السياسية إلى أعمالنا من زاوية إيديولوجية بحتة"، ودعا إلى دراسة موضوعية حول تأثير التقلبات التي حصلت خلال العقود الأخيرة على تركيبة المجتمع الإسرائيلي. كما قال رئيس الدولة الإسرائيلية روفين ريفلين Reuven Rivlin: "نحن نتحدث عن تحولات ستُعيد هيكلة هويتنا نفسها"، ودعا مواطنيه إلى "مواجهة ما يجب تسميته بنظام إسرائيلي جديد".
     ماذا بقي من الصهيونية العلمانية التي دافع دافيد بن غوريون عنها؟ إن المشروع الأصلي لمؤسس إسرائيل كان إقامة دولة عصرية واشتراكية وبعيدة عن الطابع الديني، ولكنه سيجد اليوم صعوبة في التعرف على الدولة التي  أسسها. شهد هذا البلد الصغير تقلبات هائلة خلال سبعين عاماً، وتأثر بموجات الهجرة المتتابعة القادمة من شمال أفريقيا في الخمسينيات، ثم من الاتحاد السوفييتي خلال التسعينيات، كما تأثر بالتزايد الكبير للسكان العرب الذين بقوا في منازلهم بعد حرب عام 1948. لقد تغير وجه المجتمع الإسرائيلي. تتصف النخبة الأشكنازية بالعلمانية، وجسدت في الماضي "الأرستقراطية" الصهيونية، ويجب عليها التعامل اليوم مع بقية المجموعات الاجتماعية التي وسعت نفوذها تدريجياً حتى أصبحت تهدد هيمنة النخبة الأشكنازية. إن الأقلية اليهودية المتطرفة Haredi التي تنبأ بن غوريون بحتمية انصهارها في الوطن القومي، ستُشكل أكثر من ربع الشعب الإسرائيلي في منتصف القرن الواحد والعشرين. إن حجم الأقلية العربية التي لا تعترف بإسرائيل كدولة يهودية، أقل بقليل من الأقلية اليهودية المتطرفة. لن تصل نسبة أنصار الدولة العلمانية والليبرالية إلى أكثر من ثلث السكان، ويمارس بعضهم طقوس الديانة اليهودية بشكل شخصي، لكنهم يرغبون بفرض القيود عليها في الأماكن العامة. إن الصهاينة المتدينين مقتنعون بأن إقامة الوطن القومي لليهود على أرض إسرائيل القديمة هو تعبير عن إرادة إلهية، و وتتجاوز نسبتهم الـ 15 % من السكان.
     تتعايش هذه "القبائل" الأربعة، كما أسماها الرئيس الإسرائيلي روفين ريفلين مؤخراً، ولكنها لا تتفاعل مع بعضها البعض. بنت كل قبيلة مدارسها، وأسست وسائل إعلامها ومدنها ومشاريعها السياسية. قال رئيس الدولة: "لنأخذ طفلاً من بيت إل Beit El (مستوطنة صهيونية متدينة في الضفة الغربية) ومن مدينة رهط (مدينة عربية في صحراء النقب)، ومن هرتزليا (مدينة غنية في شمال تل أبيب)، ومن بيتار إيليت Beitar Illit (مستوطنة لليهود المتطرفين)، ليس فقط إنهم لا يعيشوا إلى جانب بعضهم البعض، بل تعلموا أيضاً قيماً ومفاهيم مختلفة جذرياً عن دولة إسرائيل".
    هل سيتمكن الاقتصاد الإسرائيلي من التغلب على مثل هذه "الثورة"السكانية؟ يتنبأ أغلب المحللين أن هذه التحولات ستؤثر في النهاية بشكل ملموس على النمو الاقتصادي (أكثر من 3 % حالياً) وعلى موازنة دولة إسرائيل. إن الجزئين اللذين يتزايد عددهما بشكل أسرع داخل المجتمع (أي الأقلية اليهودية المتطرفة والعرب) هم الاقل اندماجاً في سوق العمل. قال المدير العام السابق لوزارة الاقتصاد أفي بن باساط Avi Ben Bassat: "إن المشكلة أكثر حدة لدى الرجال المتدينين المتطرفين (يعمل 46 % منهم فقط) الذين تُملي عليهم قناعاتهم الدينية تفضيل دراسة التوراة، وذلك الأمر بالنسبة للنساء العربيات (58 %) اللواتي يشجعهن العرف الاجتماعي على البقاء في المنزل". إن النتيجة الطبيعية المتوقعة لهذا الوضع هي ارتفاع نسبة الفقر كثيراً لدى الأقلية اليهودية المتطرفة (52 %) ولدى العرب (53 %) بالمقارنة مع بقية السكان (17 %). بالإضافة إلى ذلك، يؤكد الكثيرون أن درجة الاعتماد على المساعدات الاجتماعية المخصصة للعائلات الكبيرة الحجم لدى المتطرفين اليهود تؤثر تلقائياً على الإنفاق العام.
     لكن التوافق يتفتت عندما يتعلق الأمر بتحديد العلاج لهذه المشاكل. قال آفي بن باساط: "يجب حث هؤلاء السكان بشكل فعلي على الانخراط في سوق العمل"، ونصح بـ "تعليق المساعدات المقدمة إلى أولئك الذين يرفضون العمل عن قناعة، وإيقاف تمويل المدارس التلمودية عندما ترفض تعليم المواد العامة". ينصح البعض الآخر بالتركيز على مكافحة التمييز في دخول سوق العمل، ويحذرون من مقاربة مفرطة في القسوة بشكل يهدد بإثارة غضب المعنيين. اعتبر سيرجيو ديلابيرغولا أنه "يجب التصرف بهدوء وحذر لمواكبة عملية الاندماج التي بدأتها هذه المجموعات بنفسها"، ودعا إلى عدم التركيز على النقاط السوداء مؤكداً أنه "يمكن تبني فرضية أن هذا التوجه نحو سوق العمل سيترافق في النهاية مع انخفاض نسبة الولادة".
     هل يمكن أن تكون "إسرائيل الكبرى" يهودية وديموقراطية في آن معاً؟ إن العامل السكاني سيُجبر المسؤولين الإسرائيليين عاجلاً أم آجلاً على التعبير عن موقفهم تجاه ملايين الفلسطينيين الخاضعين لسيطرتهم، إلا إذا أدت المفاوضات غير المتوقعة إلى إقامة دولة دائمة وذات سيادة في الضفة الغربية بشكل سريع. إن الحكم الذاتي النسبي الذي يتمتع به الفلسطينيون منذ اتفاقيات أوسلو عام 1993 لا يمكن تمديده إلى الأبد في ظل غياب الأفق السياسي. إذاً، يجب على الدولة العبرية أن تقول فيما إذا كانت ستمنحهم المواطنة الكاملة مع خطر تحولهم إلى الأغلبية في إسرائيل. يتمتع السكان العرب في أراضي فلسطين التاريخية (أي في إسرائيل وقطاع غزة والضفة الغربية) بديناميكية كبيرة على الصعيد السكاني، ويعادل عددهم حالياً عدد السكان اليهود (أي 6.3 مليون نسمة لكل منهما). يرفض أغلب الإسرائيليين هذه الأرقام، ويؤكدون أن سكان قطاع غزة (1.8 مليون نسمة) لا يعيشوا رسمياً تحت الاحتلال الإسرائيلي منذ انسحاب الجيش الإسرائيلي الذي قرره أرييل شارون عام 2005. لكنهم ينسون بسرعة أن سكان قطاع غزة ما زالوا خاضعين لحصار صارم، ولم يتخلوا إطلاقاً عن المشاركة في دولة واحدة مع فلسطينيي الضفة الغربية والقدس الشرقية. على المدى الطويل الأجل، من غير المستبعد أن يصبح عدد السكان الفلسطينيين الذين يعيشون في الأراضي المحتلة من قبل إسرائيل معادلاً لعدد السكان اليهود.
     على الرغم من هذا الأفق، ما زال قادة اليمين الإسرائيلي القومي المتطرف يدعون إلى ضم الفلسطينيين ودمجهم داخل "إسرائيل الكبرى". ينصح البعض منهم بأن يستفيد العرب المقيمين فيها من المساواة في الحقوق، ولكن دون أن يتمكنوا من التصويت في الانتخابات الوطنية. يراهن البعض الآخر على معدل الولادة الذي ينخفض حالياً من أجل الحفاظ على الهيمنة السكانية اليهودية.
     ما هو العقد الاجتماعي من أجل إسرائيل في القرن الواحد والعشرين؟ إذا تحققت التوقعات السكانية، فإن الصهيونية ستصبح أقلية إيديولوجية خلال عشرين عاماً. وافق أغلب اليهود المتطرفين والعرب على وجود الدولة العبرية، لكن الصلة التي تربط بينهما داخل هذه الدولة ما زالت غير موجودة. قال الباحث في مركز مجموعة الأزمات الدولية أوفر زالزبيرغ Ofer Zalzberg: "إنهم لا يؤدوا الخدمة العسكرية، ولا يرددوا النشيد الوطني، ولا يحيوا العلم"، واعتبر أن هذه المعطيات الجديدة ستفرض نفسها عاجلاً أم آجلاً على المجتمع الإسرائيلي لكي يفكر بـ "بعض التغييرات الجذرية" إذا لم يكن يريد انفجار هذا المجتمع. أضاف أوفر زالزبيرغ قائلاً: "إن جزء كبيراً من السكان، ولاسيما اليسار الصهيوني والعلماني، يفضلون غض النظر بدلاً من الاعتراف بأن العقد الاجتماعي في طور التقادم". حاول الرئيس الإسرائيلي روفين ريفلين في كلمته أمام مؤتمر هرتزليا الخامس عشر في بداية شهر حزيران إثارة الوعي، وتساءل قائلاً: "هل هناك قاسم مشترك في القيم بشكل يسمح بصهر هذه "القبائل" المختلفة حول دولة يهودية وديموقراطية في آن واحد؟" مدركاً أن الجواب ليس بهذه السهولة.
     هناك الكثير من خطوط الانقسام داخل المجتمع الإسرائيلي: العرب ضد اليهود، العلمانيون ضد المتدينون، أنصار "إسرائيل الكبرى" ضد أنصار الحل القائم على أساس دولتين. يتنبأ بعض المراقبين المتشائمين بأن هذه الانتقسامات ستتعمق حكماً. يعتبر أوفر زالزبيرغ أن "المعطيات السكانية الجديدة ستُجبر هذه "القبائل" على تصور تحالفات جديدة من أجل التفكير بشكل جماعي بهوية مشتركة".


الجمعة، ١٨ أيلول ٢٠١٥

(الرياض تهدم "اليمن السعيد")

صحيفة الليبراسيون 11 أيلول 2015 بقلم جان بيير بيران Jean-Pierre Perrin

     لا شك أن المتمردين الحوثيين هم مجانين هائجين ومتعصبين، ولا شك أن حلفائهم في رجال الحرس الجمهوري للرئيس المخلوع علي عبد الله صالح ليسوا أفضل منهم. إن ذلك ليس سبباً يسمح للسعودية وشركائها العرب بتجويع السكان في المناطق المتمردة عبر حجز السفن التي تحمل المؤن (يستورد اليمن 90 % من غذائه)، ولا بقصف هذا البلد البائس دون تمييز بين المدنيين والمتمردين. إن التحالف العربي لا يغتال فقط حاضر ومستقبل هذا البلد، بل يغتال ماضيه أيضاً. الدليل على ذلك هو أن الطائرات السعودية F16 استهدفت أيضاً المواقع الأثرية بشكل واسع. تعرض واحد وثلاثون موقعاً أثرياً للقصف خلال شهر حزيران، بالإضافة إلى المواقع الموجودة في منطقتي صعدة وحجة اللتين لا يُعرف عنهما شيئاً، وربما دمرتهما القنابل بشكل كامل.
     إن التدمير الأكثر فداحة هو تدمير متحف الذمار الذي يضم قطع أثرية يعود تاريخها إلى ثلاثة آلاف وخمسمائة عام قبل الميلاد. قالت عالمة الآثار الأمريكية ـ اللبنانية لمياء الخالدي التي تعمل في المركز الوطني الفرنسي للأبحاث العلمية: "تم تدمير هذا المتحف بشكل كامل عبر القصف الجوي. تم تدمير كل شيء خلال عدة دقائق، ولاسيما العمل الذي لا يُعوّض للحرفيين القدامى والكتبة الناسخين بالإضافة إلى جهود الباحثين الأجانب الذين أمضوا عدة سنوات من حياتهم في دراسة هذا الإرث والحفاظ عليه. حوّلت الطائرات السعودية هذا المتحف والقطع الأثرية التي يحويها (12500 قطعة أثرية) إلى أنقاض". أشار مدير المنظمة اليمنية للآثار والمتاحف مهند السياني إلى أن خمسة وعشرين موقعاً وصرحاً أثرياً تهدم أو تضرر منذ بداية النزاع في شهر آذار 2015.
     تتمثل الكارثة الأخرى في تدمير سد مأرب المشهور في المدينة الأسطورية للملكة سبأ، هذا السد الذي بُني في الألف الأولى قبل الميلاد، وبقي يعمل حتى القرن السادس. قالت لمياء الخالدي: "تعرّض السد للقصف بتاريخ 31 أيار، وتضرر بشكل خطير. لم يكن هناك أي سبب لقصف هذا الصرح التاريخي. إنه ليس هدفاً عسكرياً، ويقع في منطقة صحراوية على ضفة صحراء رملة السبعتين، ولا يتمتع بأية أهمية استراتيجية... إن تدنيس هذه المواقع والصروح الأثرية، وتدمير البنى التحتية للمدن الأثرية اليمنية، يُعبّر عن الإرادة الممنهجة والمقصودة بتدمير الإرث اليمني العالمي".
     إن ما يجري مع المواقع الأثرية اليمنية يشبه ما تقوم به الدولة الإسلامية في المواقع الأثرية بتدمر ونينوى. تحاول السعودية ببساطة إزالة الماضي الشهير لليمن السعيد قديماً. كما لو كانت إهانة أن يكون مهد الإنسانية على حدودها، كما لو كانت عقدة دونية ثقافية بالنسبة لبلد الوحي القرآني، هذا البلد الذي أزال أنقاضه التاريخية ومعابده وكنائسه والكنائس اليهودية لعصور ما قبل الإسلام.
     بالتأكيد، إن الولايات المتحدة هي الوحيدة القادرة على كبح مثل هذه الكارثة الثقافية. لكن يجب أيضاً على فرنسا، الصديقة الكبيرة للقادة السعوديين, أن تهتم بهذا الموضوع، وتحثهم على الاعتدال. للأسف، إن قادتنا مهتمون ببيع طائرات الرافال، وتوقفوا عن القراءة. لو قرأوا، كانوا سيتذكرون أن جزءاً من خيالنا الأدبي موجود في اليمن. كتب الكثير من الأدباء الفرنسيين صفحات رائعة عن هذا البلد، مثل: رامبو وجوزيف كيسيل وأندريه مالرو ورومان غاري وميشيل ديون وبول نيزان وهنري دونفريد.


الجمعة، ١١ أيلول ٢٠١٥

(إسرائيل تتزود بالنفط من أكراد العراق)

صحيفة اللوموند 29 آب 2015 بقلم لوي أمبير Louis Imbert

     تشتري إسرائيل كميات كبيرة من النفط من إقليم كردستان العراقي منذ عدة أشهر، وذلك عبر بعض الشركات التجارية الدولية وبدون موافقة السلطات في بغداد. إن هذه المبيعات التي ربما حصلت بأسعار مخفضة تهدد بإفساد العلاقات بين المنطقة الكردية والحكومة المركزية، نظراً لأن الشركة الحكومية SOMO هي الوحيدة المخولة ببيع النفط العراقي. حصلت هذه المبيعات في الوقت الذي يغرق فيه إقليم كردستان العراقي في أزمة سياسية ومالية خطيرة، كما تواجه بغداد صعوبات كبيرة في مكافحة منظمة الدولة الإسلامية.
     أشارت الفايننشال تايمز نقلاً عن مصادر مجهولة داخل الشركات التجارية وشركات النقل إلى أن هذه المبيعات بلغت حوالي تسعة عشرة  مليون برميل نفط بين بداية شهر أيار و11 آب. تبلغ قيمة هذه المبيعات حوالي تسعمائة مليون يورو بأسعار السوق خلال الفترة المذكورة، أي ما يعادل 77 % من متوسط الطلب الإسرائيلي. تبقى هذه الأرقام موضع شك، ولكن هذه النزعة مؤكدة. بدأت عمليات التسليم في بداية العام بعد فترة قصيرة من التوقيع على اتفاق النفط والموازنة بين بغداد وأربيل التي تمثل مقر حكومة إقليم كردستان، ولكن الطرفين سرعان ما جمدا هذا الاتفاق. تسارع تصدير النفط الكردي ـ العراقي خلال الأشهر الأخيرة.
     يمر هذا النفط عبر خط الأنابيب الذي يصل حتى ميناء سيحان التركي على البحر المتوسط. تقوم تركيا بتسهيل عمل هذا الخط منذ فترة طويلة، وفتحت حساباً مصرفياً لأربيل في المصرف الحكومي التركي HALK، وتقوم بتخزين النفط الكردي بانتظار المشترين. تشير المعلومات إلى أن بعض الشركات التجارية المسجلة في سويسرا  مثل شركتي Vitol وTrafigura تقوم بدور الوسيط، وهي تُعتبر من الشركات القليلة القادرة لوحدها على توفير الخدمات اللوجستية الضرورية لمثل هذه المبيعات السرية.
     حاولت أربيل القيام بمثل هذه المبيعات عام 2014، ولكنها تعرقلت بسبب الدعاوى القضائية التي رفعتها بغداد داخل ولاية تكساس الأمريكية وفي العديد من الدول الأوروبية. قال مدير شركة الاستشارات النفطية بيتروستراتيجي Pétrostratégie بيير تيرزيان Pierre Terzian: "يسعى الأكراد إلى تجنب الملاحقات القضائية التي تمثل مشكلة تطرح نفسها على أغلب المشترين. إن البلد الوحيد القادر على تجنب الملاحقات القضائية هو إسرائيل. من الصعب رؤية أن يقوم العراق بملاحقة المشترين قضائياً داخل إسرائيل". تقوم إسرائيل بمساعدة حليف إقليمي، وتؤمن لنفسها مصدراً ثميناً للنفط. قال الباحث في المركز الوطني الفرنسي للأبحاث العلمية CNRS هوشام داود Hosham Dawod: "لا تخف إسرائيل أهدافها الساعية إلى تشجيع استقلال كردستان، إنه استثمار سياسي مباشر".
     أشارت الفايننشال تايمز إلى أن العديد من  الشركات الأوروبية تشتري النفط الخام الكردي ـ العراقي: في إيطاليا واليونان وقبرص وبدرجة أقل في فرنسا. لم ترد وزارة الخارجية الفرنسية على سؤال لتأكيد هذه المعلومات. اعتبر مدير مجلة  النفط والغاز العربي Pétrole et Gaz arabes فرانسيس بيران Francis Perrin أنه إذا تأكدت صحة هذه المعلومات "فإن فرنسا تعرف بالتأكيد من أي يأتي هذا النفط. ولكن يمكنها القول أن ذلك ليس مشكلتها نظراً لأن النفط يمر عبر شركة سمسرة وسيطة".
     استدانت أربيل الكثير من الأموال من الشركات النفطية الأجنبية التي استثمرت في البنى التحتية داخل المنطقة الكردية. يسعى مسعود بارزاني حالياً إلى أن يفرض تمديد ولايته الرئاسية التي حصل عليها عام 2013 لمدة عامين تحت ذريعة أنه لا يمكن تنظيم الانتخابات في الوقت الحالي. قال الباحث هوشام داود: "هناك أزمة حادة حول الرئاسة وصلاحياتها التي تعتبرها الأحزاب الأخرى بأنه مُفرطة جداً. تتمثل إحدى هذه الصلاحيات بتحديد السياسة النفطية بدون مشاورات داخلية، الأمر الذي تسبب بخلق أزمات متكررة مع بغداد وبقية دول المنطقة". ربما تتفاقم هذه التوترات، وتتحول إلى مواجهات مسلحة بين الأحزاب الكردية على الرغم من قرب التهديد الجهادي.




الثلاثاء، ١ أيلول ٢٠١٥

(الصين: طريق الحرير الجديد)

صحيفة اللوموند 16 ـ 17 آب 2015 بقلم مراسلها الخاص في كازاخستان بينوا فيتكين Benoït Vitkine

     تريد الصين توسيع نفوذها في كازاخستان وبقية دول آسيا الوسطى عبر الاستثمارات الضخمة في مشاريع البنية التحتية التي ستسمح لها بالتحكم في صادراتها إلى أوروبا بشكل أفضل. إنه رهان جيوسياسي أساسي بالنسبة لبكين.
     ستصبح كازاخستان مركزاً حيوياً هاماً للعولمة خلال السنوات القادمة، وذلك بعد أن كانت خلال سنوات عديدة مكاناً تتواجه فيه امبراطوريتان هما: الاتحاد السوفييتي وجمهورية الصين الشعبية. بدأ بناء المستودعات في منطقة قورغاس Khorgos الواقعة على الحدود بين الصين وكازاخستان. توجد ستة مسارات للسكك الحديدية: ثلاثة مسارات حسب المعايير الصينية، لكي تستخدمها القطارات القادمة من شمال ـ غرب الصين حتى مدينة قورغاس؛ ثم تقوم بإفراغ حمولتها في القطارات الأخرى الواقفة على المسارات الثلاثة الأخرى للسكك الحديدية المبنية حسب المعايير السوفييتية القديمة، لكي تتابع طريقها باتجاه أوروبا. من المفترض أن يبدأ تشغيل السكك الحديدية الأولى خلال هذا العام عبر روسيا أولاً، ثم عبر محاور أخرى لاحقاً هي: المحور الغربي باتجاه بحر قزوين، والمحور الجنوبي باتجاه تركمانستان وإيران وتركيا.
     في الوقت الحالي، يوجد خط حديدي واحد يربط الصين بأوروبا، وهو يمر على بعد عدة كيلومترات شمال قورغاس قبل أن يغير اتجاهه نحو روسيا، لكي يصل في النهاية إلى مدينة دويسبورغ Duisbourg الألمانية. تستغرق رحلة هذا الخط الحديدي أربعة عشرة يوماً، مقابل حوالي الشهرين بالنسبة للطريق البحري. ما زالت كلفة الشحن بالقطارات أكبر بضعفين، ولكن سرعة التسليم أصبحت معياراً هاماً بالنسبة لبعض البضائع ولاسيما الالكترونية منها. ستصبح السكك الحديدية مربحة عندما يبدأ الأوروبيون باستخدام القطارات العائدة لإرسال بضائعهم إلى المستهلكين الصينيين. بدأ أيضاً تعبيد الطرقات في كل مكان على امتداد آلاف الكيلومترات، وتعمل الجرافات الصينية حالياً في الطريق المؤدي إلى عاصمة كازاخستان الاقتصادية ألماتي Almaty. إنها بداية الطريق السريع البري المستقبلي بين غرب الصين وأوروبا الغربية.
     يُطلق على جميع هذه المشاريع اسم "طريق الحرير الجديد"، وهو تعبير قامت الصين بتحديثه في إشارة إلى شبكة الطرق البرية التجارية التي كانت تربط الصين بالشرق الأوسط وأوروبا خلال قرون عديدة. كانت منطقة قورغاس تمثل مرحلة هامة منذ وقت طويل، وستصبح قريباً مركزاً أساسياً في التجارة العالمية. يذهب المشروع الصيني إلى ما هو أبعد من كازاخستان، قال الدبلوماسي الصيني  Wu Jianmin أحد المسؤولين عن تشجيع الطموحات الصينية: "العالم بحاجة إلى النمو في آسيا. توجد ثلاثة مراكز عالمية يجب ربطها مع بعضها البعض هي: أوروبا التي تمثل بؤرة الأزمة المالية والمستهلك الأكبر للانتاج الصيني، والشرق الأوسط وشمال أفريقيا باعتبارهما بؤرة النزاعات وانتاج الطاقة، وآسيا الشرقية التي تمثل بؤرة النمو العالمي". يهدف هذا المشروع أيضاً إلى نشر الاستقرار لدى الدول المجاورة للصين.
     يشمل "طريق الحرير الجديد" مساراً بحرياً وآخر برياً. بدأت الصين بتوسيع شبكتها باتجاه المحيط الهادي ومنغوليا وجنوب آسيا... أعلن الرئيس الصيني شي جينغ بينغ في منتصف شهر نيسان عن خطة استثمارية في الباكستان قدرها 46 مليار دولار من أجل المساهمة في تطوير البلد وضمان طريق آمن باتجاه مرفأ غوادر Gwadar الذي يمثل المدخل الصيني في المحيط الهندي. من المفترض أن يكون المصرف الآسيوي للاستثمار في البنى التحتية أحد المساهمين الأساسيين في هذا المشروع. تم تدشين هذا المصرف في شهر تشرين الأول 2014، وتبلغ موازنته مئة مليار دولار. قال الباحث والدبلوماسي الفرنسي ميشيل فوشيه Michel Foucher الذي كان من أوائل الذين درسوا المشاريع الصينية بخصوص البنى التحتية: "ينظر الصينيون بشكل شمولي كما هو الحال بالنسبة للولايات المتحدة، ولكنهم ينظرون إلى السنوات الخمسين القادمة. لم ينته الاعداد لمفهوم (طريق الحرير) بشكل كامل، ولكنه يتجاوز مسألة النقل، وينوي إقامة ممر استثماري يبدأ من الصين لكي يسمح لها بدخول الدول المعنية".
     تحتل كازاخستان المكانة الأولى في هذا المشروع الصيني نظراً لموقعها الجغرافي أولاً، والثروات الطبيعية الهائلة التي تملكها مثل النفط والغاز واليورانيوم وبعض المعادن الأخرى ثانياً. يساهم هذا المشروع أيضاً في تطوير واستقرار منطقة Xinjiang الصينية التي تسكنها أقلية الويغور التركية المسلمة، هذه الأقلية المتذمرة التي تثير قلق بكين. قال ميشيل فوشيه: "ما دامت المسألة الأفغانية لم تجد حلاً، فإن كازاخستان هو البلد الوحيد الذي تعتمد عليه الصين في المنطقة. إن بقية دول آسيا الوسطى في طريق مسدود". تمثل كازاخستان أيضاً مثالاً "للرهان الإقليمي الأكبر". إذا كان المشروع الصيني مبني على بعض التقلبات الجيواستراتيجية الغامضة، ولاسيما فيما يتعلق بإيران أو بصراع النفوذ الحالي مع الولايات المتحدة في المحيط الهادي، فإن كازاخستان أصبحت من الآن فصاعداً ساحة للمواجهة مع روسيا باعتبارها القوة الإقليمية العظمى الأخرى.
     على الرغم من التقارب الأخير بين روسيا والصين، لا تنظر موسكو بعين الرضى إلى المشاريع الصينية في البنى التحتية التي تتجنب أراضيها وربما تؤدي إلى تهميشها. كما لا تشعر موسكو بالارتياح لفكرة ترسيخ الوجود الصيني في منطقة تعتبرها تابعة لمنطقة النفوذ الروسي. نظم المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية في شهر كانون الأول 2014 مؤتمر World Policy Conference في سيؤول، وجرى فيه حوار بين المندوبين الصيني والروسي يكشف عن طبيعة الرهانات المستقبلية: عندما تحدث المندوب الصيني عن "طريق الحرير الجديد"، رد المندوب الروسي قائلاً: "ليست لدينا إلا فكرة غامضة جداً حول الدور الذي يفترض أن تلعبه روسيا في هذا المشروع. هل سنبقى على جانب الطريق، وننظر إلى القطارات المارة؟ نحن بإمكاننا أن نكون أحد الراكبين في القطار، وربما سائق هذا القطار...". تبدو هذه الفرضية طموحة. بالتأكيد، تتمتع موسكو بالعديد من الميزات في المنطقة مثل استخدام اللغة الروسية. إن العلاقات قديمة، وتكرست مرة أخرى عبر دخول الاتحاد الاقتصادي الأوراسي حيز التنفيذ في الأول من شهر كانون الثاني. لكن هذه المنظمة ما زالت قوقعة فارغة، والتواجد الروسي يتآكل يوماً بعد يوم بسبب التوسع الصيني.
     تمثل الطاقة إحدى المجالات الرئيسية لهذه المنافسة الروسية ـ الصينية. قال رئيس أهم المصارف الاستثمارية الكازاخستانية Visor Capital عيدان كاريبزهانوف Aïdan Karibzhanov: "انتصر الصينيون في مجال النفط، وما زال الروس يسيطرون على الغاز". لكن الصين على وشك تدارك تأخرها في مجال الغاز مع افتتاح خط أنابيب الغاز بين تركمانستان وكازاخستان والصين عام 2009، وهناك خط أنابيب ينقل النفط بين كازاخستان والصين، بالإضافة إلى مشروع بناء خط أنابيب لنقل النفط لكي يمر في منطقة قورغاس. تميل المنافسة بين روسيا والصين إلى مصلحة الصين بشكل واضح، قال الخبير الكازاخستاني قسطنطين سيروجكين Kostantin Syroïejkine الذي يقدم استشاراته إلى الصين وكازاخستان: "لا يملك الروس الوسائل لمنافسة الصينيين، ولكن ذلك يبعث على المزيد من القلق. كيف ستكون ردة  فعل الروس؟". يخشى القادة الكازاخستانيين من نظرة موسكو لما تعتبره منطقة نفوذها، نظراً للاعتداء الروسي على أوكرانيا.
     بدأ الوجود الصيني يثير المخاوف في دول المنطقة ولاسيما في كازاخستان، وهناك خوف قديم في هذا البلد من الصين. قال قسطنطين سيروجكين: "يدعي الصينيون أنهم اهتمامهم ينحصر في المجال الاقتصادي فقط، ولكن الأمر عندما يتعلق بمشاريع البنى التحتية لوسائل النقل، فإنه يتعلق أيضاً بالناحية الجيوسياسية. يبعث ذلك على خوف بعض السكان وجزء من النخبة الكازاخستانية التي تخشى فقدان السيادة". لهذا السبب، بدأت الصين بتطوير استراتيجية للنفوذ ولـ "القوة الناعمة"، وافتتحت أربعة مراكز كونفوشوسية في كازاخستان، ومنحت أكثر من عشرة آلاف منحة دراسية إلى الشباب الكازاخستانيين من أجل الدراسة في الجامعات الصينية. كما تأسس حولي عشرين معهداً في الصين للدراسات المتخصصة بآسيا الوسطى.
     تعلمت كازاخستان منذ وقت طويل كيفية البحث عن دعم خارجي آخر للتخلص من فكي الكماشة الروسية ـ الصينية. ما زال الاتحاد الأوروبي الشريك التجاري الأول لكازاخستان التي ما زالت تحافظ على علاقات جيدة مع أوروبا والولايات المتحدة. كما تريد كازاخستان أن تفرض رهانها الخاص داخل المشاريع الصينية، وألا تكون مجرد بلد ترانزيت. تستثمر كازاخستان أموالها من أجل الحصول على الحد الأقصى من العوائد المالية الناجمة عن الترانزيت، وتحاول الاندماج داخل الطرق التجارية المستقبلية، وذلك بعكس قيزغيزيستان التي بدأت فيها مشاريع بناء البنى التحتية ولكن برؤوس أموال وعمال صينيين.